بتاريخ 12 كانون الأول الحالي أقيمت المسابقة النهائية لملكة جمال الكون (لتمييزها عن ملكة جمال العالم) في مدينة إيلات في جنوب إسرائيل. وهذه هي المرة الأولى التي تستضيف فيها إسرائيل مسابقة ملكة جمال الكون. وستعتبر المسابقة تسويقا لإسرائيل، وإحدى أهم حملات "العلاقات العامة" لتحسين صورتها والتي من شأنها الترويح لإسرائيل (وخصوصا لمدينة إيلات) باعتبارها واجهة للسياحة في الوقت الذي تشهد فيه السياحة الإسرائيلية تراجعا ملموسا بسبب انتشار فيروس كورونا من جهة، ولأسباب سياسية تتعلق بصورة إسرائيل كدولة أبارتهايد من جهة أخرى.
هذه المرة، وخلال إعلان رئيس الحكومة الإسرائيلية نفتالي بينيت عن إغلاق المطار في وجه السياح الأجانب وصلت إلى إيلات 81 ملكة جمال ونحو 1200 شخص كطواقم مرافقة لهن. بالإضافة إلى ذلك، هبط في مطار إيلات مئات الصحافيين من أهم وكالات الأنباء العالمية وآلاف الزوار المهتمين بهذا المهرجان العالمي الكبير. كما وصل إلى المدينة نحو 100 شخصية هامة (VIP) جاؤوا تحديدا من الولايات المتحدة وضموا فنانين من الصف الأول.ref}https://www.israelhayom.co.il/culture/tv/article/3504600
في المسابقة، شاركت ملكات جمال الإمارات والبحرين والمغرب، بينما ملكة جمال جنوب أفريقيا لم تقاطع المسابقة حتى بعد أن صرح المؤتمر القومي الأفريقي، وهو الحزب الحاكم في جنوب أفريقيا، بأنه لا بد "من مقاطعة مسابقة ملكة جمال الكون في إسرائيل حيث يسود هناك نظام الأبارتهايد"، في المقابل كانت ملكة جمال اليونان هي الوحيدة التي قاطعت المسابقة بشكل نهائي. https://www.maariv.co.il/news/israel/Article-878905
في هذه المقالة نتوقف عند بعض حيثيات المسابقة ونركز على الطريقة التي اتبعتها وزارة السياحة الإسرائيلية بالإضافة إلى بلدية إيلات لتسويق دولة إسرائيل باعتبارها واجهة للسياحة من خلال استغلال حدث عالمي يعتبر جاذباً للعديد من وكالات الإعلام الغربية والذي تم بثه مباشرة على قناة فوكس وحضره ما يقارب 600 مليون مشاهد بشكل مباشر.
تعتبر استضافة مدينة إيلات الإسرائيلية لمسابقة ملكة جمال الكون أمراً غريباً بأعين العديد من المراقبين. فعلى العكس من مسابقة ملكة جمال العالم والتي تعتمد معايير جمال الجسد بالإضافة إلى معايير تتعلق بالشخصية والدور المجتمعي والنشاط الثقافي، فإن ملكة جمال الكون تركز أكثر على المظهر الخارجي للمرأة. وتتعرض المسابقة إلى العديد من الانتقادات من قبل جمعيات نسوية لما تحمله من رسائل لتسليع المرأة وتحديد معايير جمال بعيدة عن واقع النساء منذ قبل نحو 20 عاما، وارتبط اسم المسابقة- "ملكة جمال الكون"- مع اسم دونالد ترامب الذي كان في حينها ما يزال رجل أعمال أرعن. https://www.theguardian.com/us-news/2016/oct/12/donald-trump-miss-usa-dressing-room-2001-rehearsal وفي العقد الأخير، أقيمت مسابقات ملكة جمال الكون في مدن عالمية توصف بأنها واجهة للقمار والدعارة مثل لاس فيغاس، ومنتجعات قمار في فلوريدا وأتلانتا بالإضافة إلى بانكوك. كل هذه المدن التي استضافت مسابقة ملكة جمال الكون في العقد الأخير لا تحتوي على مشاهد طبيعة خلابة، وإنما تعتمد على السياحة الجنسية والقمار. https://www.haaretz.co.il/gallery/opinion/.premium-1.10019671 وإن اختيار مدينة إيلات هذه المرة أثار العديد من التساؤلات على اعتبار أن هذه المدينة الإسرائيلية الصغيرة ليست لديها أي مقومات ليتم إدراجها جنبا إلى جنب مع هذه الوجهات السياحية العالمية التي تجذب نوعاً معيناً من السياح. ومع ذلك، فإن منظمي الاحتفال الإسرائيليين، وعلى رأسهم وزارة السياحة الإسرائيلية، بلدية إيلات، واتحاد فنادق إيلات والجنوب، استطاعوا استضافة هذه المسابقة واعتبروها فرصة لا تعوض للتسويق للسياحة العالمية في مدينة تعتبر "مشروعا سياحيا فاشلا" بالنسبة للسياحة العالمية.
وتعكس استضافة إيلات للمسابقة قدرة إسرائيل على الترويج لنفسها في المحافل الدولية على الرغم من عدم استيفاء إسرائيل لشروط استقبال المسابقة. مثلا، في صيف 2021 عندما تم الاتفاق نهائيا على إجراء المسابقة في مدينة إيلات، انطلق صاروخ من قطاع غزة صوب المدينة خلال الحرب الأخيرة. في تلك الفترة كانت ملكة جمال إسرائيل، تهيلا ليفي، متوجهة إلى ميامي للمشاركة في المسابقة الأولية التي ستفرز المرشحات النهائيات لمسابقة ملكة جمال الكون التي أقيمت حاليا في إيلات. ولقد كانت ليفي في موقع لا يحسد عليه، واضطرت إلى تفسير كل موضوع الحرب وتصوير إسرائيل على أنها بلد تتعرض "للإرهاب"!https://www.ynet.co.il/laisha/article/S1i4mRGKu لكن أحد شروط استضافة ملكة جمال الكون هو أن تتمتع البلاد المستضيفة بالأمن والاستقرار، ويكون لديها اقتصاد قوي، وقدرة عالية على إدارة وإخراج الفعاليات العالمية، بالإضافة إلى معايير صحية تتعلق بالكورونا. وعلى الرغم من أن مدينة إيلات كانت قد تعرضت للمرة الأولى في حياتها إلى إطلاق صواريخ من قطاع غزة قبل نحو 7 شهور، إلا أنها اليوم تستضيف المسابقة.
لكن هذه المرة، فان وزارة السياحة الإسرائيلية بالإضافة إلى وزارة المالية الإسرائيلية تقومان سوية بجهود كبيرة لتحويل إسرائيل إلى واجهة للسياحة بكل ثمن، خصوصا في الوقت الذي تشهد فيه السياحة الدولية انحسارا ملموسا بسبب تفشي الجائحة. في العام 2018 استضافت إسرائيل سباق جيرو دي إيتاليا، وهو سباق دراجات عالمي. في العام 2019، استضافت إسرائيل مسابقة اليوروفيجن العالمية المشهورة. وهذا يدل على نمط جديد من خلاله تسعى إسرائيل إلى عرض نفسها كدولة قادرة على استضافة مهرجانات عالمية والتي عادة ما تعتبر أحداثاً جاذبة للسياحة وأحد أهم مشاريع التسويق للدول المستضيفة. هذا التغيير في سياسة وزارتي السياحة والمالية يعتبر جديداً. مثلا، في العام 1998، كانت إسرائيل مرشحة لاستضافة مسابقة ملكة جمال الكون نفسها. وكانت الميزانية المخصصة لذلك نحو 10 ملايين شيكل. ورفضت وزارة المالية في حينه أن تمنح وزارة السياحة (التي كان يترأسها موشيه قصاب في ذلك الوقت) مبلغا صغيرا قد يصل إلى نحو 2 مليون شيكل للمساهمة في تنظيم المسابقة وعليه تم تحويل المسابقة إلى مدينة هاواي وسط خيبة أمل إسرائيلية.https://www.globes.co.il/news/article.aspx?did=97560 أما اليوم، فإن وزارتي السياحة والمالية تعملان وفق منطق مختلف. هذه المرة، تم استثمار نحو 30 مليون شيكل لإجراء المسابقة في إيلات، من ضمنها 7 ملايين شكيل مقدمة من بلدية إيلات، و6.5 مليون شيكل مقدمة من وزارة السياحة والتي تواجه أزمة كبيرة مع منع قدوم السياح في إسرائيل لمنع انتشار فيروس كورونا. ومن المتوقع أن تؤدي هذه الاستثمارات على المدى المتوسط (وليس القريب المباشر) إلى ارتفاع في السياحة العالمية القادمة إلى إسرائيل وتحديدا إلى مدينة إيلات. ويقدر منظمو المسابقة بأن القيمة الربحية لظهور إسرائيل في شبكات التواصل الاجتماعي قد يصل إلى 90 مليون دولار.
بحسب تالي أشكولي، وهي تعتبر المشرف الرئيس على تنظيم المسابقة في إسرائيل، فإن حدثا كهذا، والذي استمر على مدى أسبوعين وتكلل بالمسابقة النهائية في تاريخ 12 كانون الأول، من شأنه أن يشكل رافعة حقيقية للسياحة إذ إنه يُقدم إسرائيل بصورة مختلفة للعالم. فعلى مدى أسبوعين تجولت المشاركات في المسابقة، بصحبة مئات العدسات الصحافية وشخصيات معروفة في جبال النقب، وسهول الغور وعلى ضفاف البحر الميت. وتم التقاط العديد من الصور والبوسترات والفيديوهات الترويجية التي تجمع ما بين جسد المرأة والمشاهد الطبيعية الخلابة لجنوب فلسطين، لتقدم إسرائيل إلى العالم على أنها واحة للحضارة في منطقة الشرق الأوسط. ومن غير الممكن تجاهل الاهتمام الكبير الذي حظيت به ملكات جمال البحرين والإمارات والمغرب خاصة بعد اتفاق التطبيع المبرم بين هذه الدول وإسرائيل. فقد لاقت ملكة جمال المغرب كوثر بن حليمة اهتماماً غير مسبوق ربطه البعض باتفاق التطبيع بين إسرائيل والمغرب، وتمت استضافة بن حليمة بعدة برامج تلفزيونية منها "برنامج أوفيرا وبركو" الذي يبث على القناة 12 الإسرائيلية للحديث حول العلاقة الثقافية بين إسرائيل والمغرب وخاصة اليهود المغاربة وكأن إسرائيل لم تسحق هذه الثقافة منذ إقامتها. ولتزيين هذه العلاقة التطبيعية قام مصمم الأزياء الإسرائيلي المشهور أفيعاد أريك بتصميم فستانها، وهو الذي صمم "فستان القدس" للوزير السابقة عن حزب الليكود، ميري ريغف، في حفل الأوسكار قبل سنوات، وكانت عليه صورة القدس.
وهكذا لا يمكن فصل الجمال عن السياسة. فقد كانت هذه المسابقة محاولة أخرى لإسرائيل لتجميل احتلالها ولإخفاء نظام الفصل العنصري الذي تفرضه على الفلسطينيين. في المقابل، كانت مسابقة ملكة جمال الكون مناسبة أخرى لرؤية كيفية التفاعلات العالمية مع مسألة المقاطعة، فحتى لو لم تتم الاستجابة لمطالب المقاطعة بشكل كاف، إلا أن تصريح ملكة جمال الكون السابقة من أصول مكسيكية التي قالت إنه "يجب فصل السياسة عن مسابقات الجمال" كرد على الحملات والأصوات التي دعت إلى مقاطعة الحقل، هو بحدّ ذاته ردّ سياسي بامتياز.