سبق للعديد من المُساهمات السابقة في مُلحق "المشهد الإسرائيلي" أن تناولت تقارير إسرائيلية سلّطت الضوء على موضوعة أنظمة المراقبة التي طوّرتها وراكمتها السلطات الإسرائيلية المُختلفة على مدار السنوات الماضية والإشكاليات المُحيطة باستخدامها في "الفضاء العام الإسرائيلي"، من ناحية انتهاكها للخصوصية والمسّ بالحريات المدنية.أنظر/ي مثلاً: هشام نفّاع، "بحث جديد: خروقات لأنظمة المراقبة بالكاميرات تُهدّد الحق في الخصوصية وحريات مدنية أخرى في إسرائيل!"، المشهد الإسرائيلي، 22.12.2020، https://bit.ly/3DQ0lwn.
في هذا السياق، يأتي التقرير الصادر في المحلق الاقتصادي لصحيفة "يديعوت أحرونوت"، "كلكاليست"، بعنوان "عينُنا عليك: نحن نرى كلّ شيء" بتاريخ 14.10.2021، ليُسلّط الضوء على أنظمة المُراقبة الإسرائيلية الصارمة المُستخدمة في "الفضاء العام"، والتي حوّلت الأخير إلى ما يُشبه برنامج "الأخ الأكبر" الإسرائيلي التلفزيوني الذي يمكن رؤية وسماع المشاركين فيه في كل مكانٍ في المنزل المُقيمين فيه، من خلال وسائل المراقبة والتسجيل والتصوير المُنتشرة في كافة أرجائه.
ينطلق التقرير من افتراض مفاده أن إسرائيل أصبحت دولة مراقبة بامتياز؛ نتيجة عددٍ لا يُحصى من الكاميرات ومنصّات التجسّس والرقابة التي توثّق تقريباً كل خطوة من خطوات مواطنيها وسُكّانها، بالإضافة إلى كل حركة على الإنترنت وكل معاملة مالية، حيث يتم تخزين هذه المعلومات في قواعد بيانات ضخمة معظمها غير خاضع للإشراف - وقد تم بالفعل إساءة استخدام بعضها. وقد اشتدّت هذه العملية في العامين الماضيين؛ إذ غرقت الدولة ومؤسساتها المُختلفة في جنون المراقبة، وخاصّة خلال أزمة تفشّي جائحة كورونا، وقد سعت السلطات المُختلفة، سلطة بعد سلطة، أو طالبت، بتوسيع قدرتها على، وصلاحياتها في، تتبُّع السكّان. بدأ ذلك في توظيف جهاز الأمن العام- الشاباك- لمراقبة مرضى كورونا، وتحديد المواقع، وتصوير المعزولين في المستشفيات، وطلبت الحكومة من جهتها أن يتم نقل جميع هذه البيانات إلى الشرطة، التي تم كشف بعض مساعيها لمراقبة نشاط المُتصفحين على الشبكة. ثم أبلغت وزارة الاتصالات الجمهور بأنها تعتزم طلب المعلومات الشخصية لأي مُشترك يحصل على الإنترنت من خلال الكوابل أو الشبكة الخليوية. ثم اتضحت مساعي بنك إسرائيل في الحصول على جميع المعلومات المالية الخاصة بالجمهور التي تحتفظ بها شركات الائتمان والبنوك، وبين هذا وذاك، تم تمرير القانون الذي سيعمل على "تقييد الأبرياء بقيود إلكترونية".
يقدّم التقرير مُلخّصاً للوضع الحالي في إسرائيل فيقول: "لا توجد طريقة للتعبير عن الوضع الحالي أكثر من القول بأن إسرائيل تحوّلت إلى دولة مراقبة شاملة، حيث يتم تصوير وتسجيل كل شيء وتوثيقه، من ثم فهرسته ومُعالجته في قاعدة بيانات ضخمة، من قِبل الجهات المُختصّة في السلطات المحلية والحكومية المتنوعة، دون معرفة الهدف من ذلك، أو بالحدّ الأدنى كيف يتم استخدام هذه البيانات وفيما يتم توظيفها؟ وما الغرض من استخدامها؟ والأهم من ذلك؛ من يُمكنه الوصول إليها وما هي المُحدّدات والشروط - إن وجِدت؟ وهو الأمر الذي تزداد أهميته بعد أن ثبتَ، وفي حالات عديدة خلال السنوات الماضية، استخدام هذه البيانات بشكلٍ ’غير قانوني’ من بعض أفراد المؤسسة الشُرطية وأجهزة المُخابرات لأهداف شخصية".
يُشير التقرير إلى منظومة "عين الصقر" الرقابية "التي لم يتم تشريعها في القانون"؛ ويرى بأنها تُمثّل أحد أذرع منظومة الرقابة الإسرائيلية وليست كلّها، حيث تتجلّى هذه المنظومة في صورتها المُعلنة والواضحة في الكاميرات الذكية وأجهزة المراقبة المُختلفة المُنتشرة، بشكلٍ كبير جداً، في الفضاء العام الإسرائيلي (الشوارع والطرقات والمؤسسات المختلفة... إلخ)، يعمل بعضها في خدمة السلطات المحلية أو السلطات الرسمية في الدولة أو في خدمة التعاون القائم بين القطاعين الخاص والعام (الحكومي). وقد أصدرت هيئة حماية الخصوصية في وزارة العدل بياناً ورد فيه أن إجراءات الرقابة المذكورة تحمل سلطة تأديبية وعقابية تؤثّر بشكلٍ كبير على سلوك المواطنين الخاضعين للرقابة، وهو الأمر الذي يمسّ، بشكلٍ جوهري، قوانين الحريات العامة والخاصّة في إسرائيل.
يقول التقرير إنه وعلى الرغم من استجابة الجهات ذات الصلة لطلب "هيئة حرية المعلومات" المقدّم للحصول على تفاصيل حول الكاميرات الموجودة في الفضاء العام، إلّا أنها رفضت تحديد عدد الكاميرات الموجودة، ومكان تواجدها، ومتى تم تثبيتها وكيف، أو حتى عدد المرات التي تم فيها استخدامها، وأين يتم تخزين هذه البيانات ومدّة تخزينها وغيرها من التفاصيل ذات الصلة، وقد تم تبرير هذا الرفض الشامل بمبرّرات أمنية، حيث دأبت السلطات على استخدام المبرّر ذاته في مثل هذه الطلبات.
"قواعد بيانات الشرطة: التحقّق من مكان تواجدك حتى لو لم تفعل شيئاً"!
يُشير التقرير إلى أن الشرطة الإسرائيلية مُرتبطة بالعديد من منظمات الرقابة الإسرائيلية، سواءً تلك التي تم تشريعها في القانون أو التي لم يتم تشريعها كمنظومتي "عين الصقر" المُشار إليها أعلاه، و"مدينة بلا عنف"، بالإضافة إلى أنظمة الكاميرات في الفضاء العام التي تستطيع الوصول إليها بسهولة. ويُشير المُحامي أفنير فينتشوك، رئيس قسم الحق في الخصوصية في جمعية حقوق الفرد الإسرائيلية، أن هذا يُضيف لقواعد بيانات الشرطة بيانات ضخمة من صور فوتوغرافية وغيرها، إلى جانب امتلاكها القدرة على الوصول إلى قاعدة البيانات "البيومترية الوطنية" في إسرائيل، على خلاف ما هو معمول به في الأماكن الأخرى، حيث يحقّ للشرطة الوصول إلى قاعدة البيانات البيومترية الشرطية فقط والتي تتضمّن المُشتبه بهم والمتهمين وأصحاب السوابق... إلخ.
ويُشير فينتشوك، الذي سبق أن تقدّم في التماس للمحكمة ضدّ منظومة "عين الصقر" الرقابية، وطالب فيه بالكشف عمّا تتضمّنه المنظومة وقدراتها، إلى أن الأخيرة هي مشروع شُرطي يتضمّن نظاماً ضخماً من الكاميرات المُنتشرة، بدأ بالعمل منذ العام 2015، ويعمل على مُتابعة ومُلاحقة السائقين على الطُرقات من خلال لوحات السيارات، وإن ما يجعلها مُختلفة عن كاميرات السير "المُشرّعة في القانون" والتي تُخزّن فقط المركبات التي ترتكب مُخالفات السير؛ تُسجّل كاميرات منظومة "عين الصقر" كل حركة السير على الطريق وتحتفظ بها في "قوائم سوداء"، على سبيل المثال؛ المركبات المسروقة، المركبات المُنتهية صلاحيتها، أو حتى أصحاب المركبات الذين انتهت صلاحية رُخصة سياقتهم، أو الأشخاص الذين تحتاجهم الشرطة للتحقيق في أي تفاصيل سواءً كانت صغيرة أم كبيرة. ويبرز الانتهاك الواضح هنا، من خلال قدرة الشرطة على الاحتفاظ بهذه البيانات لمدّة غير مُحدّدة، بالإضافة إلى قدرتها على استخدامها والرجوع إليها دون أي إذن قضائي (من المحكمة)، ما يجعل قاعدة البيانات هذه مُعفاة من تطبيق "قانون حرية المعلومات" الذي يستثني في البند رقم (14) فيه قائمة طويلة من أجهزة الأمن وإنفاذ القانون من التقيّد به.
يُشير التقرير إلى العديد من البرامج/ المشاريع الرقابية الأخرى، مثلاً مشروع "نظرة 2000" الذي تم تفعيله في القدس في العام 2017. يتضمّن المشروع 540 كاميرا مُنتشرة في كافة أنحاء المدينة، ويحتوي بعضاً منها على تقنية تسجيل خاصّة لأصوات مُحدّدة (كالانفجارات، إطلاق النار، الصراخ... إلخ) وتقوم بتوجيه الكاميرات نحوها، ويقتبس عن أحد كبار ضُبّاط الشرطة قوله: "سيعمل هذا النظام كما في الأفلام؛ لن يكون هناك أي مواطن في المدينة خارج نظام التصوير/المراقبة". وقد تم الكشف لاحقاً (في تشرين الثاني 2020) عن أن هذه بعض كاميرات هذه المنظومة تم توجيهها لمُراقبة خيمة الاحتجاج المُقامة أمام منزل رئيس الحكومة في الاحتجاجات الأخيرة ضد بنيامين نتنياهو. (في استطلاع أجرته الشرطة في العام 2018؛ اعترف حوالي 80% من ضُبّاط الشرطة الذين شملهم الاستطلاع، بأنهم استخدموا قواعد بيانات الشرطة لخدمة أغراضهم الشخصية، وأن حوالي 6.3% من إدانات الشرطة بارتكاب جرائم تأديبية كانت بسبب إساءة استخدام قواعد البيانات هذه).
ويذكر التقرير أن "جمعية حقوق الفرد" وجمعية "خصوصية إسرائيل" قدّمتا في أيار الماضي التماساً للمحكمة العليا طالبتا فيه بتنظيم عمل كاميرات الشرطة، وهو الأمر الذي قوبل بعد فترة قصيرة بقيام وزارة الأمن الداخلي بالإعلان عن مشروع قانون، عُرف لاحقاً بـ "قانون الكاميرات" والذي تُمنح الشرطة بموجبه الحق المُطلق في وضع الكاميرات في كل أرجاء الفضاء العام؛ سواءً الذكية- المحمولة والثابتة، والكاميرات العلنية والسرّية، على أن يُمنح ضابط الشرطة الحقّ في التصرّف في استخدامها بحسب "ما يراه مُناسباً"، ليس كذلك فحسب، بل أيضاً يكون من حقّ الشرطة استدماج تقنيات رقابة ومُلاحقة إضافية دون تنظيم ذلك قانونياً أو إعلام الجمهور. خلاصة القول؛ إن مشروع القانون هذا (الذي أُغلق في آب عن الجمهور) يمنح الشرطة سلطة مُطلقة لإجراء عمليات مراقبة جماعية مستمرّة، دون أي مراقبة قضائية أو برلمانية.
"برعاية القانون: مدينة بلا عنف، مدينة بلا خصوصية!"
يُشير التقرير إلى مشروع "مدينة بلا عُنف" الذي أطلقته وزارة "التمكين والنهوض بالمجتمع"، والذي يتضمّن نشر وتثبيت مئات الكاميرات، بالإضافة إلى تفعيل تقنيات تكنولوجية أخرى تعمل على مدار اليوم (24 ساعة) بلا توقّف، لتحديد العنف في الأماكن العامة ومُلاحقته بالتعاون مع الشرطة في أكثر من 150 بلدة ومدينة، وتوسّع لاحقاً ليشمل المدارس ومناطق الترفيه والسياحة. حيث أن هذا المشروع، بحسب ما ورد في التقرير، "تم تنفيذه بدون تنظيم قانوني سليم وبدون إطار تنظيمي يعالج قضية الخصوصية"، وهذا بالاستناد إلى ما ورد في تقرير صادر عن "مركز المعلومات والأبحاث التابع للكنيست". كما أن جزءاً كبيراً من هذا المشروع الرقابي مُرتبط بمشروع "عين الصقر" الذي أطلقته الشرطة، والذي تم التطرّق إليه أعلاه. ويرى التقرير أن هذا المشروع فتح من شهية السلطات المحلية المختلفة و"الهيئة الوطنية لأمن المجتمع" للتوسّع في نشر وسائل الرقابة والملاحقة تحت مُسوّغات "مراقبة العنف".
"في جيبك ومحفظتك: كم ربحت وماذا اشتريت؟"
يُشير التقرير إلى أن الرقابة لا تتوقف على الشوارع والطرقات والفضاء العام، بل أيضاً تنسحب على السلوك المالي الخاص لكل مواطن إسرائيلي، حيث تم الكشف في آب الماضي عن قرار اتخذه بنك إسرائيل بموجبه سيتم بناء قاعدة بيانات مالية لجميع سكّان إسرائيل، وقد جاء ذلك في خطاب موجّه إلى البنوك وشركات الائتمان، أوعز فيه بنك إسرائيل إليهم بتقديم معلومات شاملة عن عملائهم على مدى السنوات السبع الماضية بحلول كانون الأول 2021، بما يشمل أيضاً نفقات بطاقات الائتمان واستخدام الشيكات والسحب النقدي وغيرها من المسائل المالية.
الرقابة على الهواتف والإنترنت
يقول التقرير إن الحكومة الإسرائيلية وافقت في العام 2007 على مجموعة من الإجراءات التي تمنح الشرطة وأجهزة أُخرى من أجهزة إنفاذ القانون القدرة على الحصول على بيانات شركات الاتصالات، وقد تم دمج ذلك في قانون "بيانات الاتصالات"، سواءً بموافقة قضائية مُسبقة أو بدونها، على الرغم من الاعتراض الذي أبدته الشركات بحجّة أن ذلك يجعل الوصول إلى البيانات سهلا للغاية وينتهك خصوصية الأفراد، إلّا أن المحكمة العليا الإسرائيلية التي طُلب منها النظر في هذا الاعتراض في العام 2012، أكدت أن القانون مُؤهل على الرغم من اعترافها بأنه ينتهك الخصوصية.
يُشير التقرير إلى أن هناك مُغالاة في استخدام هذا القانون بشكل مُتصاعد منذ ذلك الحين، تصل في بعض الأحيان إلى إساءة استخدامه، ففي العام 2020 مثلاً، قدّمت الشرطة 40677 طلباً للحصول على بيانات اتصالات، بزيادة قدرها 64% عن العام 2016، وقد تمّت الموافقة على جميع الطلبات من قبل قاضٍ، علماً أن الطلبات العاجلة المُقدّمة بدون أمر من الشرطة كانت 40% من هذه الطلبات (16644 طلباً)، كما أن 35% من هذه الطلبات كانت لمُتابعة تتراوح ما بين شهر وثلاثة أشهر، وقد ارتفعت طلبات المتابعة لمدّة عام فأكثر بنسبة 140%، وأصبحت في الوقت نفسه ذرائع الطلبات باهتة؛ عدم الامتثال للتعليمات؛ الإهانة الدينية؛ الإزعاج العام؛ السرعة الزائدة؛ وعدم الامتثال لإشارات السير وغيرها، أي أن الشرطة اخترقت معلومات الاتصال الخاصّة بأشخاص لم يُعطوا حقّ المرور للمشاة في الشارع!، كل ذلك بدون أن يتم التصريح بالإجراءات القضائية اللاحقة.
وليس ذلك فحسب، إذ يُؤكّد التقرير أنه تم الكشف في كانون الثاني الماضي عن نية وزارة الاتصالات إنشاء قاعدة بيانات يتم جمعها من مُزودي البيانات- بيانات شهرية، عن عادات استخدام الإنترنت والتلفزيون والهاتف لدى المستخدمين، بما في ذلك سرعة التصفّح وحجم البيانات، والوقت الذي يقضيه المُستهلك في المكالمات الهاتفية أو مشاهدة التلفزيون على سبيل المثال. وكل ذلك في الوقت الذي تراقب الشرطة والأجهزة الأمنية في قسم الإنترنت في وزارة العدل الشبكات على الدوام، حيث اتخذت في السنوات الأخيرة إجراءات احترازية ضد الأشخاص الذين أعربوا عن نيّة التخطيط أو المشاركة في المظاهرات، أو الذين حمّلوا صوراً معينة في ملفاتهم الشخصية الخاصة، ويُشير التقرير إلى أن هذا النوع من المراقبة يُشكّل انتهاكاً صارخاً لحرية التعبير والتظاهر والحقّ في المشاركة السياسية.
"معلومات الجسم: تُعطي الدولة إصبعاً، لكنّها تُريد اليد كاملة"
كما يُشير التقرير إلى أن أجهزة الدولة الشُرطية والأمنية، وعبر تغلغلها في كل المؤسسات والقطاعات، تمكّنت من بناء قاعدة بيانات ضخمة، وذلك من البيانات التي تم جمعها عن غالبية السكّان في إسرائيل من خلال تقنية "البصمة" و"صورة الوجه" المعمول بها في أماكن العمل المختلفة والمطارات والمؤسسات الحكومية وغير الحكومية، بعد أن تم استبدال النظام الورقي فيها لتنظيم عمل الموظّفين والعاملين والمُسافرين... إلخ. ويقول التقرير إن هناك حوالي 5.5 مليون صورة وجه، و3.8 مليون بصمة في قاعدة البيانات البيومترية هذه، الأمر الذي يُحوّل كل شخص في إسرائيل إلى ملف يتضمّن بيانات تعريفية مُفصّلة عنه بما في ذلك التعرّف على الوجه والبصمة، وليس كذلك فحسب، بل إن هناك عملية مُستمرّة منذ العام 2018 لإنشاء قاعدة بيانات وراثية يُطلق عليها "الفُسيفساء" تُجمع من صناديق المرضى لبناء أدوات للتنبّؤ بالأمراض والوقاية منها.
يصف فينتشوك العمل الذي تقوم به أجهزة الدولة المختلفة في هذا المجال بأنه يتم وفقاً لطريقة الجدار والبرج؛ حيث البدء في المشروع ومن ثم فرض الحقائق على الأرض، وهكذا استطاعت معظم السلطات، المحلية والحكومية، المُضي قُدماً بهذه المشاريع ومن ثم العودة لتشريعها بأثر رجعي في بعض الحالات. وهذا ما فعلته وزارة الصحة بالتحديد، حينما سقط مشروع "السجل الطبّي الوطني" من مسار التشريع في الكنيست في العام 2018، حيث لجأت الوزارة إلى بناء هذا السجل بمفردها، وهو الأمر الذي منح اليوم بعض الشركات التجارية الحق في الوصول إلى قواعد البيانات هذه دون وجود أي إجراءات قانونية مُنظّمة.
"الخصوصية ابتُليتْ بالوباء: كورونا فتحت الباب واقتحم الشاباك الداخل"!
يُشير التقرير إلى أن إحدى المُعضلات التي تسبّبت بها جائحة كورونا وواجهتها إسرائيل تمثّلت في الموازنة بين إيواء المرضى لحماية الجمهور، وبين انتهاك خصوصية هؤلاء المرضى، حيث أن الخصوصية في إسرائيل بالتحديد ابتُليت بالوباء، حينما عهدت الحكومة إلى جهاز الأمن العام- الشاباك بالتحقّق من مكان وحركة المُصابين، حيث يُسمح له بمراقبة السكّان، وقد قام الجهاز، ونتيجةً لهذا التوظيف، باستخدام كافة التقنيات الأمنية التي يمتلكها لتعقّب المدنيين في إسرائيل، وأثار ذلك جدلاً واسعاً في الشارع الإسرائيلي، إلى أن خلص تقرير خاص لمُراقب الدولة، نُشر في تشرين الأول الماضي، إلى نتيجة مفادها أن "الشاباك لم يقم بالمهام التي أوكلت إليه"، بعد أن حصل الجهاز على كافة البيانات من وزارة الصحة الإسرائيلية وصناديق المرضى والمختبرات الصحية وغيرها خلال هذه الفترة.
وبحسب التقرير، فإن تمكّن جهاز الشاباك من استخدام تقنية الأساور الإلكترونية لمُراقبة العائدين من السفر في إسرائيل للتأكد من التزامهم بالحجر الصحي جعلها "الديمقراطية الوحيدة في العالم التي فرضت مثل هذه الإجراءات الرقابية الصارمة على مواطنيها"، وذلك بعد أن حصل الشاباك على موافقة حكومية باستخدام هذه التقنية في آذار المُنصرم، إذ كان استخدامها حتى ذلك الوقت مُقتصراً على مُراقبة حركة المُتهمين بارتكاب جرائم جنائية. وجدير بالذكر أنه تم التوقف عن استخدامها في ظل تراجع انتشار المرض خلال الموجة الثالثة. وفي آب، أي بعد الموجة الرابعة، تبنّت الدولة تقنية مراقبة تكنولوجية متطوّرة أخرى تحت مُسمّى "نظام الموافقة المتطوّر"- أو بالعبرية "ههسكيمون همشودراغ"- وهي تقنية تم تطويرها من قِبَل الشرطة بتكلفة نصف مليون شيكل، وبحسبها يتم إرسال رابط إلكتروني إلى المحجورين عبر الهاتف أو عبر البريد الإلكتروني، وبُمجرّد النقر عليه، يتم تحديد موقعهم المُحدّد، وبالتالي التأكّد فيما إذا كانوا فعلاً مُلتزمين بالحجر في المكان الذي أعلنوه مُسبقاً للسلطات المُختصّة.