المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
الاقتصاد الإسرائيلي يعود إلى مسار النمو بعد انتكاسات كورونا. (صورة تعبيرية عن موقع "كلكاليست")
الاقتصاد الإسرائيلي يعود إلى مسار النمو بعد انتكاسات كورونا. (صورة تعبيرية عن موقع "كلكاليست")
  • تقارير، وثائق، تغطيات خاصة
  • 1075
  • برهوم جرايسي

 تشير التقارير المالية الإسرائيلية الصادرة في الأيام الأخيرة إلى أن الاقتصاد الإسرائيلي سيتجاوز هذا العام خسائر العام الماضي والذي طغت عليه قيود جائحة كورونا، إذ من المتوقع أن يسجل نموا بنسبة تتجاوز 7%، في مقابل انكماش بنسبة 2.2% في العام الماضي، في حين أن جباية الضرائب فاقت معدل العام 2019، ما من شأنه أن يقلّص العجز المالي الكبير في الموازنة العامة. في المقابل، فإن إسرائيل تبحث حاليا في كيفية تجاوز الاتفاق الدولي الذي ينص على فرض حد أدنى من الضريبة على كبرى الشركات العالمية، رغم توقيعها على الاتفاق، لكونها معنية في كسب المنافسة على بقاء هذه الشركات في اقتصادها وجلب المزيد.

وترى إسرائيل أن اقتصادها، وللمرة الثانية خلال 13 عاما، منذ الأزمة الاقتصادية العالمية التي عصفت بالعالم ابتداء من العامين 2007 و2008، قادر على التعافي أسرع من باقي الدول المتطورة، ففي الأسبوع قبل الماضي، رفع بنك إسرائيل المركزي تقديرات النمو للعام الجاري إلى 7%، وفي العام المقبل 2022 إلى 5.5%، ما يعني أن إجمالي النمو في العامين الجاري والمقبل من شأنه أن يعوض عن انكماش النمو في العام الماضي 2020 بنسبة 2.2%، وكانت نسبة الانكماش أقل من المتوقع.

واستنادا إلى أن نسبة التكاثر السكاني في إسرائيل في حدود 2%، فإن نسبة نمو في العام الجاري بنسبة 7%، على الأقل، ستقلص العجز الحاصل في العام الجاري، وتعيد الاقتصاد الإسرائيلي إلى مسار النمو، وهو ما سيتعزز في العام المقبل، إذا لم تحدث مفاجآت جديدة.
وانضم إلى بنك إسرائيل المركزي صندوق النقد الدولي، الذي رفع هو أيضا تقديرات النمو في إسرائيل في العام الجاري إلى 7.1%، وخفض النمو المتوقع في العام المقبل بنسبة طفيفة لتكون 4.1%، وفق تقديرات النمو.

وهذه التقديرات تأتي عكس التقديرات في أكبر الدول المتطورة، التي عدّل صندوق النقد الدولي تقديراته بشأنها إلى ما هو أقل من التقديرات السابقة، وهذا يشمل الولايات المتحدة والدول الكبرى في القارة الأوروبية وغيرها.

وكما يبدو فإن تقديرات صندوق النقد الدولي ترتكز على تقديرات بنك إسرائيل المركزي وتقارير مالية جديدة، ظهرت في الآونة الأخيرة، عززتها تقارير الأيام الأخيرة، إذ قالت السلطات المالية الإسرائيلية إن جباية الضرائب في الأشهر التسعة الأولى من العام الجاري، أعلى بنسبة 20% من جباية الضرائب في ذات الفترة من العام 2020.
والعام الماضي كان بمعظمه خاضعا لقيود اقتصادية مشددة بفعل جائحة كورونا، ولذا فهو ليس مقياسا، إلا أن سلطة الضرائب قالت في تقريرها إن حجم الضرائب منذ مطلع العام الجاري فاق أيضا الجباية التي كانت في ذات الفترة من العام قبل الماضي 2019.

وحسب التقديرات، فإن جباية الضرائب هذه من شأنها أن تقلص نسبة العجز في ميزانية العام الجاري، التي كان متوقعاً أن تصل إلى 6.7%، وعلى أساس هذه النسبة تم إعداد مشروع ميزانية العام الجاري. وفي حال استمرت وتيرة جباية الضرائب حتى نهاية العام، فمن المتوقع أن تهبط نسبة العجز بشكل حاد، وتكون أقل من 5%، ما يمهد لعودة العجز في العام التالي إلى نسبة أقل.

في المقابل، يرى خبراء الاقتصاد أن ارتفاع وتيرة التضخم إلى ما كانت عليه قبل العام 2014، هو إشارة إلى تزايد حركة السوق، على الرغم من أن التضخم في غالبيته حاصل بسبب ارتفاع أسعار المواد الاستهلاكية الأساسية والبضائع الحياتية. فقد سجل التضخم المالي في شهر أيلول الماضي ارتفاعا بنسبة 0.2%، بحسب التقرير الشهري لمكتب الإحصاء المركزي، الصادر في نهاية الأسبوع الماضي، وبذلك يكون التضخم قد سجل ارتفاعا في الأشهر التسعة الأولى من العام الجاري بنسبة 2.5%، وهي نسبة غير مسبوقة منذ العام 2013.

ومن أبرز الأسعار التي سجلت ارتفاعا حادا في أيلول، أسعار الفواكه الطازجة بنسبة 9.5%.

ومن المتوقع أن يتم لجم التضخم في الأشهر الثلاثة الأخيرة، بما في ذلك الشهر الجاري، ما يعني أن التضخم الإجمالي قد يكون في نهاية العام الجاري دون نسبة 2%، إذا لم تحدث مفاجآت اقتصادية.

وعلى ضوء تقديرات النمو من جهة، ووتيرة التضخم المالي التي لم تعرفها إسرائيل منذ العام 2014 وحتى العام الماضي، وبشكل خاص بسبب ارتفاع أسعار البضائع الاستهلاكية الأساسية من غذائية وحياتية، فإن التجربة علمت أن نسب النمو الاقتصادي العالية تبقى ثمارها الأساسية في جيوب حيتان المال وكبرى البنوك والشركات، في حين أن الجمهور سيواصل مواجهة ارتفاع كلفة المعيشة، التي تنعكس بارتفاع مستمر لأسعار المواد والسلع الأساسية الغذائية.

ويقول المحلل الاقتصاد أدريان فيلوت، في مقال له في صحيفة "كالكاليست" الاقتصادية التابعة لصحيفة "يديعوت أحرونوت"، إن خبراء الاقتصاد في صندوق النقد الدولي متفائلون بشأن إسرائيل، خاصة هذا العام. ولقد رفعوا بشكل حاد توقعات النمو للعام الحالي من مستوى 5% (نيسان 2021) إلى حوالي 7.1% في العام الجاري 2021. هذه قفزة حادة بأكثر من نقطتين مئويتين. وبالأرقام المطلقة، هذه فجوة تزيد عن 28 مليار شيكل (8.66 مليار دولار).

من ناحية أخرى، حسب فيلوت، فإن الصندوق الدولي خفض بشكل طفيف (0.2 نقطة مئوية) توقعات النمو للعام المقبل من 4.3% إلى 4.1%، مما يعني أن الصندوق يعتقد أن بعض النمو المتوقع للعام 2022 سيحدث في وقت لاحق من هذا العام. ومع ذلك، يجب أن يتم إجراء التعديل الحاد بضمان محدود. كما أقدم بنك إسرائيل على خطوة مماثلة قبل أسبوعين وقام بتعديل حاد لتوقعات النمو في إسرائيل للعام الجاري.

ويقول فيلوت إن القفزة في التوقعات تتطلب فحص ما إذا كان التعديل ناتجا عن تفاؤل بشأن الاقتصاد الإسرائيلي أم أنه ناتج عن التغيير المنهجي الذي أجراه مكتب الإحصاء المركزي مؤخرا في قياس الناتج المحلي الإجمالي، والذي تسبب في زيادة مفاجئة.

وأوضح بنك إسرائيل أن التعديل إلى الأعلى للبنك يرجع إلى حد كبير إلى التعديل الإيجابي للنشاط الاقتصادي في الفصول الثلاثة الأولى من العام الجاري، بفضل تعديل متوسط معدل نمو المكتب المركزي للإحصاء. وبالتالي، فمن المحتمل جدا أن تتأثر توقعات الصندوق أيضا بالتعديل المنهجي للمكتب المركزي للإحصاء.

اتفاق عالمي وإسرائيل تبحث عن مهرب!

أعلنت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD)، في الأيام الماضية، أنه تم التوصل إلى اتفاق بشأن تحديد حد أدنى لمعدل الضريبة العالمي على الشركات بنسبة 15%. ووقعت على الاتفاقية 136 دولة تمثل أكثر من 90% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، بما في ذلك إسرائيل ودول معروفة بأنها ملاذات ضريبية مثل إيرلندا والمجر وأستونيا وسنغافورة. ورغم ذلك فإن مصادر في وزارة المالية قالت للصحافة الاقتصادية إن الوزارة تبحث في كيفية عدم خسارة المنافسة على جذب الشركات الكبرى، بتجاوز شروط الاتفاق الدولي المذكور. وبحسب الاتفاق سيتم تطبيق الضريبة فقط على الشركات التي تربح أكثر من 750 مليون يورو سنويا. ومن المقرر أن يبدأ الإصلاح الضريبي في أوائل العام 2023.

ويتكون الإصلاح الضريبي العالمي من جزأين.

ويتناول الجزء الأول "التوزيع العادل" للضريبة التي تدفعها الشركات الدولية. فالشركات التي يبلغ حجم مبيعاتها العالمية أكثر من 20 مليار يورو، وهامش ربح يزيد عن 10%، سيُطلب منها دفع ضرائب في المناطق التي تُدار فيها أعمالها، وليس فقط في بلدانها الأصلية. والضريبة التي سيتم "إعادة توزيعها" ستكون 25% من الأرباح أعلى من عتبة الـ 10% الأولى. وبحسب OECD فإن هذه الخطوة تعني إعادة توزيع نحو 125 مليار دولار سنويا بين دول العالم، مع توقع أن تستفيد الدول النامية من هذه الخطوة، أكثر من الدول المتقدمة حيث تذهب معظم الأرباح الآن.

الجزء الثاني من الإصلاح الضريبي العالمي هو وضع حد أدنى لمعدل ضريبة الشركات العالمية بنسبة 15%. وستُطلب من الشركات التي تربح أكثر من 750 مليون يورو سنويا. وستؤدي هذه الخطوة إلى تحصيل ضرائب إضافية بنحو 150 مليار يورو سنويا. وتدعي OECD أن هذه الخطوة ستؤدي إلى مزيد من المساهمة الاقتصادية بسبب خلق الوضوح والاستقرار في النظام الضريبي العالمي.

وتقدم إسرائيل امتيازات ضريبية سخية للشركات متعددة الجنسيات، التي تسعى إلى تطوير الأعمال التجارية لديها. والمثال الأبرز هو شركة إنتل للتقنيات العالية، وهي أحد المستفيدين الرئيسيين من قانون تشجيع الاستثمار الرأسمالي، والذي بموجبه تتمتع شركات التصدير الموجودة في إسرائيل بضريبة شركات تبلغ 16% فقط، و7.5% فقط في المصانع القائمة في المناطق البعيدة عن مركز البلاد. كما تم تحديد معدل ضريبة الشركات بنسبة 6% لشركات الهايتك التي تسجل الملكية الفكرية في المناطق البعيدة عن مركز البلاد، و12% في مركز البلاد.

ومن المتوقع أن يؤدي الإصلاح الضريبي الجديد إلى القضاء على معدل الضريبة المنخفض لشركة إنتل، ولكن لن تتمكن الدول الأخرى من تقديم امتيازات مماثلة الآن. ولن تتأثر الغالبية العظمى من شركات التكنولوجيا والشركات الناشئة بالإصلاح الضريبي لأنها لا تصل إلى حجم الشركات متعددة الجنسيات التي سيتم فرض الضريبة عليها.

وقالت صحيفة "كالكاليست" إن وزارة المالية الإسرائيلية وسلطة الضرائب تدرسان خيارات مختلفة لتقديم حوافز للشركات الأجنبية التي تستثمر في إسرائيل، وتنفذ أنشطة تشمل تعيين موظفين أو نقل الملكية الفكرية إلى إسرائيل. وقد تكثفت المناقشات حول هذه القضية في الأشهر الأخيرة قبل الموافقة على سياسة الضرائب العالمية الجديدة لمنظمة OECD، على افتراض أنه حتى بعد الموافقة على السياسة الجديدة، ستكون الحوافز مطلوبة لجذب الاستثمار.

وبحسب الصحيفة، فإن وزارة المالية وجدت صعوبة في تقديم بيانات مجمعة بشأن النطاق الإجمالي للمزايا الضريبية في إسرائيل. ووفقاً لبيانات عام 2014، يبلغ إجمالي حجمها حوالي 8 مليارات شيكل سنويا (ما يعادل 2.47 مليار دولار).

ويقول المحلل الاقتصادي ناتي توكر إن السياسة الضريبية الجديدة قد تضرّ بقدرة إسرائيل على جذب الشركات والاستثمارات الأجنبية. ولكنها لن تمنع إسرائيل من الاستمرار في تقديم إعفاءات ضريبية للشركات الأجنبية العاملة في إسرائيل، غير أن هذه الإعفاءات قد تكون غير ذات صلة، لأن الدولة التي تعمل فيها الشركة الأم ستكون قادرة على تغطية الفجوة حتى لا تكون الفائدة كبيرة. وحسب التقديرات، فإن وزارة المالية قد تلتف على الاتفاق الضريبي الدولي، من خلال تقديم امتيازات مالية للشركات العاملة في إسرائيل، من بينها المساهمة في دفع رواتب العاملين، وتخفيضات ضريبية ليس على المداخيل وانما على ضرائب أخرى، مثل ضريبة المسقفات، وغيرها من الحوافز المالية.

18 مليار دولار استثمارات أجنبية في الهايتك

في ذات السياق، قال تقرير مشترك لشركتي أبحاث اقتصادية إسرائيليتين إنه في الأشهر التسعة الأولى من العام الجاري، لامس حجم الاستثمارات الأجنبية في قطاع التقنيات العالية (الهايتك) الإسرائيلي 18 مليار دولار، بينما بلغ حجم صفقات بيع شركات ناشئة في ذات القطاع، في الفترة ذاتها، 19 مليار دولار، في 180 صفقة، ومعدل الصفقة الواحدة فاق 100 مليون دولار.

وحسب التقرير، فإن قسما كبيرا من المستثمرين الأجانب هم من الأميركان، الذين فضلوا الاستثمار في بورصة شركات الهايتك الإسرائيلية، في أعقاب تراجع البورصات الأميركية وخاصة ناسداك، وأيضا مستفيدون من نسب الفائدة البنكية المنخفضة في البنوك الإسرائيلية. ولذا فإن خبراء اقتصاد يعتقدون أن الفائدة المنخفضة من شأنها أن تضخّم قيمة الشركات الإسرائيلية التي يتم تداول أسهمها في البورصات.

ويشير التقرير إلى أن الاستثمارات لم تقتصر على الشركات الكبيرة في قطاع الهايتك، بل أيضا في شركات طور الإنشاء، أو في شركات ما تزال حديثة العهد. وتبين أن الشركات حديثة العهد نجحت في تجنيد استثمارات بما يقارب 2.5 مليار دولار، في الأشهر التسعة الأولى من هذا العام، من أصل 18 مليار دولار استثمارات جديدة.

 

المصطلحات المستخدمة:

يديعوت أحرونوت

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات