المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
سرقة البيوت في الشيخ جراح.. بلا أقنعة.
سرقة البيوت في الشيخ جراح.. بلا أقنعة.
  • تقارير، وثائق، تغطيات خاصة
  • 1417
  • عبد القادر بدوي

لم تُعِد قضية تهجير العائلات الفلسطينية من منازلها في حيّ الشيخ جرّاح ومآلاتها مشهد الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي إلى سياقه الطبيعي فحسب؛ بل فتحت النقاش المتردّد، وألقت الضوء على العديد من المنظّمات والجمعيات الاستيطانية اليهودية التي برز دورها الكبير- على المستوى الإعلامي والبحثي بالحدّ الأدنى- في صياغة أجندة الحكومة الإسرائيلية الحالية، والتي أصبح وصف "حكومة المستوطنين" أكثر تعبير يليقُ بها ويصفُ بدقّة، سياساتها؛ قراراتها ومخطّطاتها، وكذلك مُمارساتها بحقّ الشعب الأصلاني، الفلسطينيين، في القدس المحتلة، كما في باقي أرجاء فلسطين.

وإلى جانب ذلك، تُبرز هذه القضية الدور الكبير الذي لعبته، ولم تزَل، الشركات والجمعيات الاستيطانية اليهودية، التي تعمل وكأنها "مؤسسات سيادية"، قادرة على تمرير مخطّطاتها وسياساتها، وفرض أجنداتها على الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة منذ الإعلان عن إقامة دولة إسرائيل على أنقاض الحقل الفلسطيني الذي لحق به الخراب والتدمير بفعل المجازر وعمليات التطهير العرقي المرتكبة بحقّ الفلسطينيين، الشعب الأصلاني، والأرض الفلسطينية خلال العام 1948 وما بعده؛ إذ تُشكّل كل عملية طرد وتهجير استمراراً لعمليات التطهير هذه؛ مكملةً لها، وغير منفصلة عنها، من ناحية الهدف، والوسائل المتبّعة في سبيله. وقد نشطت هذه الجمعيات بشكلٍ واضح في مناطق الضفة الغربية بعد الاحتلال الإسرائيلي لها العام 1967، وخصوصاً في مدينة القدس التي تشهد منذ احتلالها هجمة استيطانية تهويدية مُكثّفة؛ إذ برز الدور الكبير الذي تلعبه هذه الجمعيات من خلال نشاطاتها الاستيطانية التوسّعية بعد الاحتلال، وهو النشاط الذي لم ينفصل يوماً عن النشاط، الداعم والمُساند، للحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، وللجهاز القضائي الإسرائيلي أيضاً، كأداة من أدوات المنظومة الاستعمارية الإسرائيلية للسيطرة والمصادرة والتهجير والطرد؛ أي كأداة فاعلة لوضع منطق "الإبادة" موضع التنفيذ، بهدف "إحلال" المستوطنين محلّ الشعب الفلسطيني الأصلاني، وهو المنطق الناظم لعمل دول الاستعمار الاستيطاني، على المستويين، النظري والعملي.

وكان من بين هذه الجمعيات والمنظّمات الاستيطانية، جمعية "نحالات شمعون"، وتعني بالعربية "أملاك شمعون"، وهو الاسم الذي أُطلق على حيّ تواجد اليهود فيه، بشكل غير قانوني، في المنطقة الواقعة ما بين حيّ الشيخ جرّاح ومستوطنة "بيت إسرائيل" الحالية في الجزء الشرقي من مدينة القدس حتى حرب العام 1948. علماً أن التسمية مستوحاة من "مغارة شمعون الصالح"- منطقة يهودية في الخطاب التوراتي الديني- تقع على نفس الطريق من ناحية الشرق.

لم تُخبرنا المصادر التي تمّت مراجعتها، عن العام الذي تأسّست فيه هذه الجمعية بالتحديد، لكن من الواضح أنها قد نشطت كثيراً في سرقة الأرض الفلسطينية ومحاولات السيطرة عليها، بشتّى الطرق، خلال السنوات الماضية، ولا سيّما منذ مطلع الألفية الثالثة؛ إذ حصلت الجمعية، من خلال عملية شراء غير قانونية، على تفويض "لاستعادة" الأراضي في منطقة كرم الجاعوني في حيّ الشيخ جرّاح في مطلع الألفية الثالثة، من المستوطنين؛ أي أن عملية الشراء والبيع قد تمّت بين جمعيات "الوقف اليهودي" التي حصلت عليها من لجنتي "السفارديم" و"الكنيست الإسرائيلي" وبين هذه الجمعية فقط، بعد أن حاولت بيعها لجمعية استيطانية أخرى، وهي شركة "حموت شليم" الاستيطانية في العام 2001، في محاولة من المستوطنين للتهرّب من المساءلة القانونية حول حقيقة مُلكيتهم للأرض، أو حقيقة المالك الأصلي، وأيضاً للتحايل والالتفاف على المحاولات الفلسطينية المستمرّة لإلغاء الاعتراف بتسجيل الأرض لصالح جمعيات "الوقف اليهودي" الذي تمّ بطريقة غير قانونية (عملية سرقة واضحة) في العام 1972، دون أدنى اعتبار للطرف المالك لهذه الأرض والسكان الفلسطينيين المتواجدين فيها منذ العام 1956، أي خلال الحكم الأردني لشرق القدس- بموجب اتفاقية عقدتها الحكومة الأردنية مع وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) تضمن توطين 28 عائلة فلسطينية في هذه المنطقة مقابل تنازلها عن بطاقات اللاجئين الخاصة بها والتي تمنحها الأونروا للاجئين الفلسطينيين- حيث جرت العادة في الأجهزة القضائية الإسرائيلية بأن يتم القبول برواية اليهود، والمستوطنين، خاصّة في مسائل الأرض والملكية دون الالتفات لطبيعة المسوّغات القانونية، أو أهليتها، كون هذه الأجهزة قد وُجِدت فعلياً لتكون، من ضمن أهداف ومساعٍ أخرى، أداةً من أدوات المنظومة الاستعمارية الاستيطانية للسيطرة على الأرض، وتذليل كافة العقبات القانونية أمام هذه الهدف.

تُصنّف جمعية "نحالات شمعون ليميتيد"، كما هو موجود لدى مسجّل الشركات الإسرائيلية، كشركة خاصة تعمل في الجانب القانوني، وهو ما يمنحها حريّة العمل والحركة في المحاكم الإسرائيلية والأجهزة القضائية المختلفة. وقد برز اسمها كممثّل للمستوطنين، من خلال الدعاوى القانونية التي قدّمتها للمحاكم الإسرائيلية والتي طلبت فيها إخلاء حيّ الشيخ جرّاح من سكّانه الفلسطينيين، للسماح للمستوطنين بإقامة مستوطنة كبيرة في المنطقة (تُقدّر بعشرات الوحدات الاستيطانية الجديدة) إلى جانب بيوت الفلسطينيين الموجودة بالفعل، وهو الأمر الذي سيؤدّي إلى طرد وتهجير 500 فلسطيني مقدسي يقطنون في 28 منزلاً بالحيّ، على الرغم من كونهم المالكين القانونيين والفعليين للأرض، بعد أن نشرت وزارة الخارجية الأردنية مؤخراً وثائق تُثبت ملكية الفلسطينيين للأرض قبل الاحتلال الإسرائيلي لها إبان احتلال العام 1967، وذلك في سياق تدعيم موقف العائلات المقدسية المهدّدة بالطرد والتهجير، والموقف الفلسطيني بشكلٍ عام في هذه القضية.

إجمالاً، إن عمل جمعية "نحالات شمعون" ليس منفصلاً عن السياق الذي تعمل فيه الشركات والجمعيات الاستيطانية في القدس، وفي سائر أنحاء فلسطين، ولا عن الأهداف والمساعي نفسها؛ إذ تعمل هذه الجمعيات، المدعومة من الحكومة الإسرائيلية، وبشكلٍ موازٍ لعمل ومخطّطات الأخيرة، لتهويد القدس، والقضاء على الوجود الفلسطيني فيها بكل تجلّياته ومظاهره، وهي آلية سيطرة وتهويد نشأت واستمرّت منذ احتلال القدس الشرقية في العام 1967، ولم تكُن لتستمرّ لولا الدعم الحكومي المقدّم لها على مختلف الصعد، سياسياً، مالياً، وقضائياً، والذي يسير في نفس الاتجاه، وإن تجلّى ذلك في مظاهر ووسائل مختلفة، في ظل غياب أي رادع دولي يُعاقب، أو يردع إسرائيل، ويدفعها لوقف جرائمها التي ترتكبها بشكل يومي بحقّ الأرض الفلسطينية وأصحابها.

 

المصطلحات المستخدمة:

الكنيست

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات