المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
جبل من القمامة قرب تل أبيب.
جبل من القمامة قرب تل أبيب.
  • تقارير، وثائق، تغطيات خاصة
  • 1549
  • هشام نفاع

أظهرت دراسة أعدها مركز الأبحاث والمعلومات في الكنيست الإسرائيلي وعُرضت أمام لجنة الداخلية وحماية البيئة البرلمانية، في أواسط الشهر الماضي، أن الأموال التي تراكمت في "صندوق الحفاظ على النظافة"، التابع لوزارة جودة البيئة، في نهاية العام 2019 قد بلغت 2.75 مليار شيكل. وهو ما وصفته اللجنة البرلمانية بأنه: "أمر غير معقول بقاء أكثر من ملياري شيكل في الصندوق بينما الدولة تعاني من الأوساخ ونحن نغرق في الزبالة".

تمت إقامة هذا الصندوق بموجب قانون النظافة للعام 1984. في البداية، كانت عائداته ناتجة بشكل أساس عن الغرامات والعقوبات وقانون الودائع. اعتباراً من النصف الثاني من العام 2007، تم فرض ضريبة على مكبّات النفايات في جميع أنحاء البلاد، ومنذ ذلك الحين بات دخل الصندوق الرئيس يعود إلى الضريبة المفروضة على مكبات النفايات.

يتضح في الدراسة أن هناك زيادة حادة في إيرادات الصندوق وأنشطته. وتظهر البيانات المالية للصندوق أن مصروفاته أقل بكثير من إيراداته، وأن هناك فائضاً سنوياً جارياً يؤدي إلى زيادة رصيد أموال الصندوق، دون أن يتم استثمارها لتحقيق أهداف إقامة الصندوق نفسه. وبحسب مديريه في السنوات السابقة، فإن معدل استخدام المصروفات السنوية من إجمالي دخل الصندوق منخفض (43.9% في 2018 و37.5% في 2019). الجانب المتعلق بالجمهور ومصلحته العامة في هذه المعطيات مرتبط بعدم قدرة الصندوق على إنفاق ميزانيته لتحقيق أهداف متعلقة بجودة البيئة، وعلى نحو خاص إعادة تدوير النفايات.

بحث: في القرن الماضي تَضَاعَف إنتاج النفايات عشر مرات

كتبت مجلة "نيتشر" العلمية المرموقة في أحد مقالاتها، قبل بضع سنوات: النفايات الصلبة ـ الأشياء التي نسقطها بمزلق القمامة في البنايات، أو تُهمَل بمواقع العمل، أو تُوضَع على الرصيف أسبوعيّاً ـ هي منتَج جانبي مذهل للحضارة. فالشخص الأميركي المتوسط يرمي ما يعادل وزنه من القمامة شهريّاً. وعندما تؤدي إدارة النفايات عملها بصورة جيدة؛ فإن هذا الموضوع لا يشغلنا كثيراً، إذ يكون بعيداً عن أذهاننا، حيث يتم بسرعة في الغالب؛ فلا نلتفت إليه. تُجمَع المواد المهمَلة، وبعضها يعاد تدويره أو يصبح سماداً، ومعظمها يُدفن بالمِكَبّات، أو يُحرَق؛ فيصبح رماداً. لكنّ المشهد العالمي للنفايات يبدو مقلقاً. في القرن الماضي، وبينما ازداد عدد سكان العالم، وأصبحوا أغنى وأكثر ميلاً إلى الحَضَر، تَضَاعَف إنتاج النفايات عشر مرات. وبحلول العام 2025، سوف يتضاعف إنتاج النفايات مرة أخرى. لقد أصبح إنتاج القمامة أسرع من ملوِّثات البيئة الأخرى، بما فيها غازات الاحتباس الحراري، كما تملأ نفايات البلاستيك محيطات وأنهار العالم، مسبِّبَةً فيضانات في مدن العالم النامي. وإدارة النفايات الصلبة تشكِّل واحدةً من أكبر التكاليف بموازنة البلديات.

وأكّدت تحت عنوان "البيئة: يجـب وقْـف نمو معـدَّلات النفايـات في هذا القـرن": تمثِّل دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) مجتمعةً أكبر مولِّد للنفايات، إذ تنتج حوالي 1.75 مليون طن يوميّاً. ويُتوقَّع أن يزيد هذا المعدَّل حتى العام 2050، نظراً إلى نمو سكان الحَضَر، ثم يُتوقَّع أنْ يتراجع ببطء، حين تدفع تطورات علم وتقنية المواد إلى إنتاج منتجات أصغر وأخف وزناً، وأكفأ استخداماً للموارد.

ارتباطاً بهذه النقطة، فوفقاً لبيانات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD)، بلغ إنتاج النفايات البلدية في إسرائيل في العام 2018 نحو 675 كغم للفرد، بزيادة 28.7% عن دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) و36.8% عن الدول الأوروبية الأعضاء في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD). بينما بلغ معدل التخلص من النفايات البلدية في إسرائيل بواسطة دفنها عام 2018 نحو 77.6%. مقارنة بنسبة 39.3% في دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية و28.2% في الدول الأوروبية الأعضاء في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.

تقصير في استغلال دخل "الصندوق" لصالح أهداف حددها القانون

معنى المعطيات الواردة أعلاه هو أن إسرائيل تنتج كميات أكثر من النفايات، تدفن القسم الأكبر منها، وتعيد تدوير قسم قليل منها فقط قياساً بدول أخرى، تشكل مرجعية للمقارنة معها بنظر السلطات الإسرائيلية. ترتبط هذه النقطة بصندوق الحفاظ على النظافة، لأنه تم تحديد الغرض الشامل للصندوق في قانون النظافة كالتالي: "تركيز التدابير المالية للحفاظ على الجودة المناسبة للبيئة، بما في ذلك الحفاظ على النظافة، ومنع إلقاء النفايات ومعالجتها، وإعادة التدوير، والوقاية من المخاطر، ومنع اللافتات غير القانونية والمخالفات بموجب قانون المواد الخطرة، وحماية البيئة وإعادة التأهيل، والحد من مخاطر مادة الإسبست ومكاره الغبار". من هنا، يطرح الفائض المالي المتراكم في الصندوق أسئلة حول تقصير في استغلاله لصالح أهداف ينص عليها القانون في شأن الحفاظ على جودة البيئة.

ميزانية الصندوق هي جزء من ميزانية وزارة حماية البيئة لكنها تدار بشكل منفصل عنها بصيغة اقتصاد مغلق، بحيث يتم تمويل نفقات الصندوق من دخله، وفي نهاية كل عام يتم تحويل الرصيد غير المستخدم إلى العام المقبل. يمتلك الصندوق أربعة حسابات مُدارة بشكل منفصل: حساب ضريبة طمر النفايات (المكبّات) وحساب عام وحساب إيداع وحساب أكياس. من البيانات التي توردها الدراسة يمكن ملاحظة أنه في نهاية العام 2019 كان لدى الصندوق رصيد يبلغ حوالي 2.75 مليار شيكل، ما يقرب 95% منها كان في حساب الضريبة على المكبات.

مطلع تموز 2007، دخل التعديل رقم 9 لقانون النظافة للعام 1984 حيز التنفيذ، والذي يتم بموجبه فرض ضريبة على مكبّات طمر النفايات في جميع أنحاء البلاد، وأن يتم توجيه هذا الدخل إلى حساب ضريبة المكبات في صندوق الحفاظ على النظافة لتحقيق أهدافه. وعدّد منها: إعادة الاستخدام وإعادة التدوير وإنتاج الطاقة، من خلال زيادة تكلفة استخدام المكبات من جهة، واستخدام عائدات الضريبة من قبل الصندوق لتشجيع وتحفيز طرق المعالجة البديلة، وتخصيص الإنفاق على الأموال التي تتم جبايتها من المكبات لأغراض التنمية بشكل أساس.

تم في العام 2018 وضع خطة إستراتيجية لمعالجة النفايات بحلول العام 2030، قدمتها وزارة جودة البيئة وأقرتها الحكومة. أهداف الخطة الوصول إلى النسب التالية من النفايات الناتجة عموماً:

• إعادة التدوير بنسبة 51% واستخراج الطاقة 23% وطمر النفايات 26% (مقارنة بطمر 76% من النفايات في 2018).

• تنجيع سوق النفايات ومعالجة النفايات على المستوى الإقليمي.
• تحسين الخدمة العامة وتقليل التلوث والمخاطر البيئية.
صادقت إدارة صندوق النظافة على إطار موازنة بقيمة 4.14 مليار شيكل من ميزانية الصندوق لتنفيذ الخطة الاستراتيجية

كانت المعطيات في الواقع كالتالي: 2.8 مليار شيكل (67.7%) خُصصت لبناء مرافق ترميم الطاقة، حوالي 400 مليون شيكل (9.7%) لبناء مرافق معالجة إضافية، حوالي 300 مليون شيكل (7.2%) لتعزيز عملية الفرز ونحو 240 مليون شيكل (5.8%) لبناء مرافق إجراء الفرز. تشير الدراسة إلى أن الوزارة تدرس حالياً تغيير الخطة بحيث تزداد حصة الميزانية المخصصة لإعادة تدوير النفايات على حساب استخدامها لإنتاج الطاقة.

مشروع مشترك لهيئات حكومية وأكاديمية ومدنيّة

كتبت وزارة البيئة على موقعها، في مقال يعود إلى العام 2019، أنه بالانتقال إلى الاقتصاد منخفض التلويث والمنافس حتى العام 2050 قامت الوزارة بالمبادرة لمشروع مشترك لعدد من الهيئات الحكومية والعامّة في قطاعات المواصلات والصناعة وتخطيط المراكز السكانية والمناطق المفتوحة. يهدف المشروع إلى تغيير مبادئ تخطيط البنية التحتية وزيادة كفاءة استهلاك الطاقة والموارد الأخرى مع أقل تلويث ممكن للبيئة وتخفيض إنتاج النفايات والمخلفات، من خلال زيادة التنسيق بين المؤسسات الحكومية والقطاع الأكاديمي والقطاع المدني. يشترك في وضع المشروع كل من وزارة البيئة والمعهد الإسرائيلي للديمقراطية ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية ووزارات الطاقة والمواصلات والاقتصاد وإدارة التخطيط القطرية. وتقوم هذه المؤسسات بإقامة الطواقم المهنية لوضع الأهداف والمشروع التطبيقي.

تحت بند "مراحل المشروع" تعترف الوزارة بأن النفايات في إسرائيل تزيد بنسبة 20% عن متوسط النفايات في دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية. نسبة طمر النفايات في إسرائيل هي أعلى نسبة بين هذه الدول وتصل إلى 80% من مجمل النفايات. وأشارت في مضمار الصناعة أيضاً إلى تشجيع الصناعة قليلة الكربون ذات القدرة التنافسية مع الانتقال إلى الاقتصاد الدائري. وتدوير جميع أنواع النفايات والمخلفات مع التخفيض البارز في المواد الخامّ الجديدة.

وأشارت في مكان آخر: تعتمد سياسة علاج النفايات في إسرائيل على مبدأ تخفيض الاستهلاك وفصل النفايات والمخلفات في المصدر من أجل تخفيض كميات النفاية التي لا بدّ من طمرها في نهاية المطاف وذلك من خلال إجراءات العلاج وإعادة التدوير وإعادة الاستعمال.

بالنظر إلى عدم استغلال موارد مالية هائلة، نسبياً، لا حاجة لتخصيصها بل إنها جاهزة بصيغة "فائض" في صندوق المحافظة على النظافة، يظهر بُعد آخر للتقصير والبُعد بمسافة كبيرة ما بين الخطط والأهداف وبين التنفيذ على الأرض.

هدف تقريب الوضع في دولة إسرائيل إلى الدول المتقدمة لم يتحقّق

تترتب على طمر النفايات أثمان بيئية عالية، اعتماداً على نوع النفايات وخاصة في حالات المعالجة غير المنظمة للنفايات. تنجم عدة مكاره عن طمر النفايات، بينها: تلوّث الهواء والروائح المزعجة القوية وتلوّث التربة وتلوّث المياه الجوفية والأمراض. لذلك، تطبق العديد من البلدان المتقدمة سياسات لتقليل كميات ومعدلات مدافن النفايات من خلال تقليل إنتاج النفايات أصلا وإعادة الاستخدام لاستخراج الطاقة وإعادة التدوير.

تستند سياسة تقليل كمية مكبات النفايات في إسرائيل إلى مجموعة متنوعة من القوانين، بما في ذلك قانون الحفاظ على النظافة، وقانون تنظيم التعامل مع العبوات (زجاجات وقوارير وما شابه)، وقانون الحد من استخدام الأكياس البلاستيكية، وقانون الإيداع، وقانون التخلص من الإطارات وإعادة تدويرها، وقانون المعالجة البيئية للمعدات الكهربائية والإلكترونية والبطاريات. الغرض من هذه القوانين هو تقليل طمر النفايات وزيادة معدل التدوير والاستعادة لاستخراج الطاقة منها.

في المحصلة، على الرغم من أن عائدات صندوق الحفاظ على النظافة يفترض أن تكون أداة رئيسة لتنفيذ الأهداف المحددة في قانون النظافة للعام 2007 (تمت الإشارة اليه أعلاه) ولا سيما إنشاء مرافق فرز متقدمة وإيجاد حلول لمعالجة النفايات من أجل تقريب الوضع في دولة إسرائيل إلى الدول المتقدمة – فقد كان التنفيذ مختلفاً. فما زال القسم الأكبر من النفايات يتم التخلص منه بواسطة دفنها في المطامر – 77.6%، بينما النسبة هي 39.3% في دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية و28.2% في الدول الأوروبية الأعضاء في المنظمة.

"الناس يتنفسون البلاستيك المحروق وهذا الأمر يشتدّ خطورة"!

حين بحثت لجنة الداخلية وحماية البيئة نتائج هذه الدراسة، تحدّث إلعاد عميحاي، من إدارة صندوق المحافظة على النظافة، حيث قدّم الادعاءات التالية: "عملية القفز إلى درجة أخرى من المعالجة تتعلق بالتكنولوجيا وتطوير البنى التحتية. الارتفاع الذي نراه مرتبط بالتشريعات التي تلقي بالمسؤولية على المنتجين: قانون الأكياس، قانون الرهنية، قانون الإطارات، قانون النفايات الإلكترونية. لكن كل ذلك يؤدي إلى ارتفاع نسبة عملية التدوير بصورة معتدلة، لأن ازدياد كمية النفايات تؤدي إلى الوصول إلى هذه الإنجازات. عملية القفز في عملية التدوير ستكون فقط مع تطوير البنى التحتية والتعامل مع موضوع التدوير الكامل. قمنا بالتوقيع على التزام ببناء 4 منشآت تصنيف وفرز نفايات متطورة والتي ستسمح بتسريع عمليات التدوير. الخطوة القادمة هي تطوير بنى تحتية لعملية التدوير نفسها. وقد تم تخصيص الأموال لإقامة منشآت لتطوير مصانع التدوير".

أما رئيسة اللجنة، عضو الكنيست ميكي حايموفيتش، فقد تحدّثت في تلخيصها بلهجة توبيخيّة غاضبة: "كمن يقوم بالتجوال في البلاد فإنني أشاهد حجم الكارثة – فوتيرة التنظيف منخفضة ولا يتم الالتزام بالأهداف التي يجب تحقيقها وفقاً للقانون، ولا يتم استغلال الأموال المتبقية (في ميزانية الصندوق)، ولا تقليص عدد الأماكن التي تدفن فيها النفايات. هذا الأمر يجب أن يجعلكم في إدارة الصندوق لا تنامون في الليل، وأن تنهضوا في الصباح مع خطة عمل. أنا أشعر بهيمنة اللامبالاة في الصندوق وهذا يدل على انعدام فهم لما يجب أن تكون عليه الدولة. فالناس يتنفسون البلاستيك المحروق وهذا الأمر يشتدّ خطورة ويزداد. هذه فضيحة بأن هناك هذا الكم الكبير من المال بينما لا يتم استخدامه من خلال خطط استراتيجية. الأمر مهم، ولكن حاليا، ما نتنفسه هو نفايات وروائح كريهة. عليكم التفكير كيف يتم استغلال الأموال في الصندوق من أجل تنظيف دولة إسرائيل".

الباحث في مركز الأبحاث والمعلومات التابع للكنيست، ليران كوسمان، تطرّق إلى أهداف الخطة الاستراتيجية لوزارة البيئة التي حدّدت أهدافاً لتحقيقها بحلول العام 2030 (كما ذُكر أعلاه: لإعادة تدوير 51% من النفايات ودفن 26% منها فقط واستخراج الطاقة من 23% منها). وحين عقبت رئيسة اللجنة على ذلك بالقول: "هذه الأرقام غير محدّثة والأهداف تغيرت بالتأكيد"، ردّ الباحث: "لم ألاحظ وجود أية خطة جديدة منذ ذلك الحين. ما زالت هذه هي الخطة الحالية".

 

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات