المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • تقارير، وثائق، تغطيات خاصة
  • 1126
  • هشام نفاع

لا شك في أن نتيجة الانتخابات التي حققتها القائمة المشتركة، بوصفها الممثل السياسي الوحدوي للمواطنين الفلسطينيين العرب في دولة إسرائيل، ومعهم عدد متزايد بشكل ملحوظ من المصوتين اليهود، فرضت نفسها في الجدل والسجال الإعلامي، وبدا أنه مثلما لا يمكن لمركبات الخارطة الحزبية الإسرائيلية تجاهل قوة وحضور العرب، كذلك لا يمكن هذا في صفحات الرأي والتحليل والتعليق، التي يُستعرض قسم منها هنا. وبالطبع، تفاوتت التقييمات، لكن يُستشف أن الكثير من الأقلام المحافظة أو المنابر التي لا تشتهر بنظرتها الإيجابية لتنظّم العرب السياسي فيما هم يؤكدون هويتهم القومية والمدنية معا، باتت ترضخ أكثر للواقع!

وكتب الصحافي ميرون ربابورت في موقع "سيحا ميكوميت" أن نتائج الانتخابات تظهر أنه حتى في الليكود يدركون أنه "يستحيل بدون العرب". ويقول إنه على الرغم من تصريح نتنياهو بعدم احتساب أصوات العرب، فإن مبعوثه ميكي زوهر يسعى كي يساعده العرب في شق طريق اليمين إلى الحكومة. ويتساءل الصحافي: هل يتحول المواطنون العرب أخيرا إلى جزء من الشعب في إسرائيل؟

زوهر هذا، النائب عن الليكود المقرّب جدا من نتنياهو، قال فور ظهور نتائج الانتخابات التي لم تحقق أغلبية لليمين بزعامة نتنياهو أنه على الليكود التوجّه للعرب، لأن هذا ما سينقذه من خسارة الحكم. يقول ربابورت إن هذه الازدواجية ما بين نزع الشرعية عن المواطنين العرب وما بين السعي لكسب تأييد في صفوفهم، تميّز أيضا المبادرة لسن قانون يمنع نتنياهو المتهم بقضايا فساد من تشكيل حكومة، وهي مبادرة تجمع نوابا من "كحول لفان" وكذلك "المشتركة"، وفقا لمصادر صحافية. ويخلص الصحافي إلى أن الحاصل الآن ليس مسائل حسابية في التمثيل البرلماني بل ان المجتمع الإسرائيلي يمثل أمام سؤال عميق وحتى في دولة إسرائيل بمجرد وجودها: هل المواطنون العرب هم جزء من المجتمع السياسي الإسرائيلي – جزء من الشعب بالمفهوم السياسي الكلاسيكي للديمقراطية: حكم الشعب؟

الديمقراطية الإسرائيلية تتراجع بسبب التوجه التمييزي نحو المواطنين العرب

أما الوزير السابق يوسي بيلين فرأى في مقال نشرته "يسرائيل هيوم" أنه "بالنسبة لنجاح القائمة المشتركة: تصويت العرب مواطني إسرائيل كان - ضمن أمور أخرى - تعبيرا عن اعترافهم بنجاعة الديمقراطية الإسرائيلية، بأنه يوجد لتصويتهم معنى، وبأنه مع كل غضبهم على المؤسسة الرسمية وعلى التمييز، وعلى التاريخ المؤلم، فليس الجميع هم متشابهون. يوجد فرق بين اليمين المحافظ، الذي يتباهى بالتشريع التمييزي، وبين المعسكر الليبرالي، بمختلف ألوانه، البعيد عن أن يكون كامل الأوصاف، وعلى الرغم من ذلك يرى فيهم من هم جديرون بحقوق متساوية".

ويستدرك في تتمة مقاله: "لا يمكن أن نتوقع من العرب الذين عاشوا هم وآباؤهم وآباء آبائهم في هذه البلاد، ورأوا بوصول آبائنا إلى هنا غزوا وتضييقا عليهم، أن يستقبلوا بالترحاب الفكرة الصهيونية. يوجد بيننا، عربا ويهودا، حوار متواصل في مسألة من "الأكثر ضحوية"، ومعقول الافتراض ألا نتمكن من الاتفاق على ذلك، ويحتمل ألا يكون هذا هاما جدا. ولكننا نجحنا في أن نثبت لأنفسنا بان الحياة في جيرة قريبة، ممكنة".

الصحافي حيمي شاليف رأى في "هآرتس" أن التوجه للمواطنين العرب يرتبط بما ورد في التقرير السنوي لمنظمة "فريدم هاوس" عن أن الديمقراطية في إسرائيل توجد في حالة تراجع متواصلة. في السنوات الثلاث الأخيرة إسرائيل هبطت من المكان 45 في التصنيف العالمي إلى المكان 76، قريبا بصورة مقلقة من الدول التي تعتبر "حرة جزئيا". وفي كتلة الدول الديمقراطية الغربية، إسرائيل موجودة في المكان الأخير.

ويقول: "إن تدهور إسرائيل في التصنيف العالمي لـ "فريدم هاوس" في السنوات الأخيرة ينبع بالأساس من نزع الشرعية المتسارع عن الأقلية العربية ومن التحريض المتزايد ضدها برعاية رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو بشكل خاص، واليمين بشكل عام خلال حملاتهما الانتخابية. من حسن حظ إسرائيل أن التقرير تم الانتهاء منه قبل العرض العنصري الرهيب لنتنياهو في يوم الأربعاء الماضي، الذي بالتأكيد سيقلل علاماتها في السنة القادمة. فنتنياهو اعتبر ممثلي القائمة المشتركة الذين حصلوا على ثقة كاسحة من الجمهور العربي في الانتخابات الأخيرة منبوذين بسبب الاشمئزاز. العرب، قرر نتنياهو، ليسوا شركاء كاملين في الديمقراطية في إسرائيل. فهم يصوتون بالأساس لصالح أنفسهم.. يكفي تخيل مؤتمر صحافي لزعيم أوروبي، يقوم فيه برسم علاقات القوة السياسية في دولته، لكن بدون اليهود. فهؤلاء غير مخلصين لدولتهم، بل لشعبهم ودينهم، سيقول، لذلك لا يتم أخذهم في الحسبان".

ويخلص إلى أنه: "في دولة سليمة، كما كانت إسرائيل ذات يوم، فان رئيس الحكومة الذي يقوم بإقصاء جمهور كامل على أساس عرقي وديني، ويعطي بذلك هدية لأعداء بلادنا، كان سيتم منعه نهائيا من مواصلة القيام بوظيفته. في إسرائيل 2020 التي يحكم فيها رئيس حكومة يقوم بالتقسيم والتحريض وتشجيع رئيس أميركي فظ وعنصري أكثر منه، فإن تصريح نتنياهو يستقبل باحتجاجات ضعيفة، ولكن بالأساس بلامبالاة".

ما زال للمصوتين العرب ما يطمحون إليه

الصحافي شمعون شيفر كتب في "يديعوت أحرونوت": "بعد النتائج النهائية لن ينجح نتنياهو في تشكيل حكومة برئاسته. فهو عالق مع 58 مقعدا من الكتلة التي سارت معه في الحملتين الانتخابيتين السابقين في نيسان وفي أيلول، ودون قدرة حقيقية على تفتيت قوائم كحول لفان، العمل – غيشر – ميرتس أو حتى إسرائيل بيتنا. عندما نضيف إلى هذا القائمة المشتركة، نحصل على الفور على سور منيع من كتلة لا لبيبي غير قابل للاقتحام".

ويتابع بعد تحليل صورة المشهد الحزبي قائلا: "المقاعد الـ 15 لعرب إسرائيل يجب أن تحسب ابتداء من اليوم كعنصر شرعي في تشكيل الائتلاف، وجديرة بقدر لا يقل عن مقاعد كل حزب تنافس للكنيست. حان الوقت للتوقف عن الخوف من شتائم الناطقين بلسان اليمين، ودعوة الـ 15 نائبا من القائمة المشتركة لأن يتولوا مناصب في حكومة برئاسة بيني غانتس".

أما ميراف أرلوزوروف فرأت في "هآرتس": "النتيجة هي إنجاز غير مسبوق للقائمة المشتركة التي نجحت في الحصول على 15 مقعدا، أكثر بمقعدين من الانتخابات السابقة. مع ذلك، يجب التحفظ من هذا الإنجاز: العرب يشكلون 16 في المئة من أصحاب حق الاقتراع في إسرائيل. لذلك، فإن نصيبهم في كعكة المقاعد في الكنيست كان يجب أن يصل إلى 19 مقعدا. 15 مقعدا تشكل إنجازا مدهشا بكل المقاييس. وهم ما زالوا يشكلون تمثيلا ناقصا مقارنة مع نسبتهم في السكان. نسبة التصويت العامة في مجمل السكان وصلت في هذه المرة إلى 71 في المئة. وهكذا ما زال يوجد للمصوتين العرب ما يطمحون إليه".

وهي تقدّر أنه "يوجد لنتنياهو دور مهم في استيقاظ العرب. وما بدأ بـ "تدفق العرب إلى صناديق الاقتراع" في 2015 استمر مع قانون القومية وقانون الكاميرات ووصل إلى الذروة عند اعلان صفقة القرن لترامب وفكرة تنفيذ الترانسفير لسكان قرى المثلث. الأمر لم يكن بحاجة إلى الكثير من اجل تحذير العرب بأن مواطنتهم في خطر، وأنه اذا لم يستيقظوا ويستخدموا قوتهم من أجل الدفاع عن انفسهم، يمكن أن يجدوا أنفسهم يفقدون الجنسية".

أرلوزوروف تقول إن نتيجة الانتخابات تنبع من أن "العرب فهموا للمرة الأولى قوتهم السياسية وضرورة استخدامها. حملة "لا توجد لغانتس حكومة إلا مع الطيبي" بثت للمواطنين العرب القوة – أنهم يخافون منهم، أي أن لهم قدرة على التأثير. ايضا النقاش الذي لا ينتهي بأن غانتس سيشكل حكومة أقلية بدعم عربي من الخارج، عزز لديهم الشعور بهذا التأثير. العرب بدأوا يشعرون بأن لهم تأثير وفاعلية في الكنيست. قرار الحكومة تحويل 10 مليارات شيكل من اجل جسر الفجوات في الوسط العربي، الذي اتخذ في 2015، كان نتيجة بارزة لتشكيل القائمة المشتركة، وزيادة قوة العرب في الكنيست. ومنذ ذلك الحين القائمة المشتركة زادت قوتها ونشاطاتها في مجال الاقتصاد والمجتمع، مثل المعركة من أجل إلغاء قانون كمينيتس (تنظيم البناء غير المرخص في القرى العربية). أيضا بدون الجلوس في الحكومة أو في الائتلاف فإن قوة العرب المتزايدة في الكنيست بدأت تؤتي ثمارها".

تسفي برئيل حلّل في "هآرتس" الهزيمة الكبرى لما يسمى "يسار صهيوني"، وكتب فيما كتب ضمن توصياته أو نصائحه لهذا الجسم السياسي الذي يقترب من الاختفاء بأنه "لا يجب على اليسار أن يخاف مما سيقولونه عنه إذا ارتبط بالعرب. لأن كل ما كان يمكن أن يقال، قيل. وبفضل نتنياهو ومساعديه تقترب الشرعية الجماهيرية لليسار من شرعية العرب. إذا كان يجب على إسرائيل الذهاب إلى حملة انتخابية رابعة فيمكن لليسار أن يجد نفسه معزولا ومنبوذا مثل المصاب بفيروس الكورونا، حتى على أيدي أزرق أبيض الذي يعمل بالتأكيد على أن يتحول من حزب وسط إلى حزب يمين "عقلاني"، إلى نوع من الليكود. وهو يمكنه الانسحاب من السعي نحو الإجماع والعودة إلى أن يكون طليعيا، أن يعود إلى نفسه".

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات