الجهاز الصحي في دولة إسرائيل مركزاني بشكل فريد. وزارة الصحة تعرف، عندما تريد ذلك، كيفية تشغيل الجهاز بأكمله. تصدر الإرشادات الخاصة بهذا الشأن أو ذاك، فتحصل على الحد الأقصى من التعاون. عند الحاجة، على سبيل المثال في حالة الطوارئ، تتلقى وزارة الصحة تقارير كاملة عما تحتاجه من المستشفيات والعيادات. وعليه، تبلّغ العيادات بما يجب فعله، وتقول للمستشفيات ما يجب القيام به، ويستجيب لها الجميع. لم يكن كل هذا ممكناً لو لم يكن الجهاز الصحي الإسرائيلي عاماً بل مخصخصاً كما يرغب عدد من الأشخاص والجهات هنا. لكن لولا هذا لما استطاعت وزارة الصحة السيطرة على الجهاز، ولما كانت الهيئات المختلفة تلتزم بنفس القدر.
صحيح أنه في الأيام الاعتيادية لا نشعر بذلك. يبدو كل شيء تعمّه الفوضى والخلل الوظيفي، لدرجة أنك تشعر بالحاجة إلى تأمين صحي خاص. يعود السبب لهذا، من بين أمور أخرى، إلى أن مسؤولي الجهاز أنفسهم (الأطباء، والعيادات) لديهم مصلحة اقتصادية في عرض الموقف بهذا الشكل. ولكن في حالات الطوارئ، كما هو الحال الآن مع فيروس الكورونا، يصبح الجهاز الصحي الإسرائيلي آلة تعمل بشكل مُتقن، ويرجع ذلك أساساً إلى كونه شديد المركزانية (وكذلك، للأسف، لكثرة حالات الطوارئ في البلاد). في حالة الطوارئ هذه أفضلية كبيرة جداً. في حالة الطوارئ، لن تقوم بتشغيل تأمينك الخاص، بل ترغب في الذهاب إلى غرفة الطوارئ في المستشفى العام. فالجهاز الخاص لن يعرف كيف يدعمك. بل العام فقط.
إذا كان هناك شيء واحد جيد فعله (الوزير السابق) حاييم رامون في حياته فهو إقرار قانون التأمين الصحي الحكومي العام 1995. حقيقة أن كل إسرائيلي يتمتع بتغطية طبية حكومية، بغض النظر عما إذا كان يعمل أم لا، هي مسألة كالفرق بين الحياة والموت. هذا على العكس تماماً من الولايات المتحدة، حيث لا تشمل التغطية الطبية نسبة كبيرة من السكان. لذلك، في حالة الطوارئ كما هو الأمر الآن، يتردد الأميركيون في الذهاب لمعرفة ما إذا كانوا حاملين للفيروس أم لا. أولا، لأنها مسألة مكلفة. ثانيا، قد يضرب هذا لهم التأمين. ثالثاً، قد يضعهم في عزلة تجعلهم يتغيّبون عن العمل لفترة طويلة، مما قد يغضب رؤساءهم ويؤدي إلى طردهم، ويجعلهم يخسرون التغطية الطبية أيضاً. ليست هذه هي الحال في إسرائيل. فبغض النظر عن حالتك الاجتماعية والاقتصادية، سيتم فحصك إذا لزم الأمر، ومعالجتك أيضاً، وستكون احتمالات شفائك أكبر. بعد عام ونصف العام فقط هنا في الولايات المتحدة، أدركت كم أن الأمر ليس بديهيا.
حتى حقيقة أن الموظفين لديهم العديد من أيام المرضيّة ليست بديهية. موظفو الدولة لديهم 30 يوما وقد تمتد الى 90 وهذا أمر مفرط برأيي. لكن حتى لو وضعت هذا الجنون جانبا، فإن عمال القطاع الخاص لديهم أيضا أيام مرضية كافية. هذه الأيام المرضية تسمح لهم بمعرفة أنهم قد يتعرضوا للمرض والسماء لن تسقط. في حالة الطوارئ الحالية، عندما يحتاج الناس إلى عزل تام، فإنهم يعلمون أن لديهم أيام مرضية. صحيح أن الأيام القليلة الأولى ليست مدفوعة بالكامل ولكن هذا أفضل بألف مرة من أن يكون لديك 7 أيام مرضية فقط في السنة، كما هي الحال في الولايات المتحدة، فتفقد كل راتبك. لأن القانون الفيدرالي لا يشترط على أصحاب العمل إعطاء أيام مرضية لموظفيهم.
هل انحرفت وزارة الصحة الإسرائيلية
نحو الهستيريا في إجراءاتها أم لا؟
إذا قلت الآن - حسناً، لكن حدثا كالكورونا يقع كل 100 عام، وأنت لا تخطط جهازاً صحياً ليكون مركزانيا، فقط من أجل مواجهة حدث هائل يقع كل 100 عام - فأنت على صواب. لكن دعونا نلقي نظرة ثانية على الولايات المتحدة، المكان الذي يوجد فيه أكثر جهاز صحي خاص وأقله حكومية. عن بعد، يبدو لنا الأمر إشكاليا فقط عندما يتعلق بعلاجات خاصة ومعقدة أو عمليات زرع مجنونة، لكن هذا مجرد وهم. عن قرب، الجهاز الصحي الأميركي مهشّم بالكامل. إذا كنت فقيراً في أميركا، وهناك عدد كبير جداً من الأميركيين الفقراء، أو من الطبقة الوسطى المنخفضة، فهذا جهاز صحي عالم ثالثي. هذا هو الجهاز الأقل كفاءة في العالم. إنه أغلى ثمنا، يخدم أقل عدد من الناس (نحو نسبة مئوية واحدة من السكان)، وهذا يتعلق طبعا بالدفع. يدفع الناس هنا مبالغ طائلة، آلاف الدولارات، مقابل أية رعاية طبية، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر.
في حين تحاول دول مثل إسرائيل احتواء الفيروس والحد من انتشاره، خلقت بنية الجهاز في الولايات المتحدة حالة من الفوضى العارمة. لا تصدقوا الأرقام، سوف تتغير قريباً. الأرقام في الولايات المتحدة منحازة بالتأكيد نحو الأسفل. ليس لدى الناس أي حافز للذهاب للفحص، لأن الفحوصات باهظة الثمن و/أو ستؤدي إلى زيادة تأمينهم و/أو أنهم لا يستطيعون تحمل ثمن تغيبهم عن العمل. لذلك قد يكونون مرضى ولا أحد يعرف عن ذلك. معظم المرضى سوف يشفى والبعض الآخر، كثيرون آخرون، سيتم نقلهم في النهاية إلى المستشفى، ليموت بعضهم هناك. في تقديري، لن يستغرق الأمر عدة أسابيع حتى يتبيّن وجود الكثير من المرضى، سيكون هناك عدد غير قليل من القتلى. كم؟ لا أعرف، هذا البلد كبير جداً بحيث يكون كل رقم صغيراً جداً بالنسبة إلى عموم السكان. ومع ذلك، كل شخص ميت هو عالم بأكمله، وسيموت عدد غير قليل من الناس هنا، بسرعة كبيرة.
إذن، هل انحرفت وزارة الصحة الإسرائيلية نحو الهستيريا أم لا؟ الصحافي المتخصص في شؤون الصحة حاييم ريفلين يعتقد ذلك. وقد كتب على تويتر، ما تدعمه مصادر مجهولة في وزارة الصحة، أن الطريقة التي يتبعها مدير عام الوزارة مبالغ فيها. هذه الجهات تقول إنه ليست هناك حاجة لجميع القيود والعزل والمحظورات. وإن الأضرار التي لحقت بالاقتصاد تفوق الأضرار الاقتصادية المحتملة من وضع لا تسري فيه هذه القيود.
هذا يعني أن إلغاء النشاطات، وإلغاء الرحلات الجوية، والعزل الجماعي، وما إلى ذلك، سوف يتسبب بالفعل في أضرار اقتصادية. بعضها سيكون قصير الأجل. بعضها سيكون أطول، لكن ليس بالضرورة طويلاً بشكل هائل.
الخطوط الجوية هي الخط الأول من الضحايا، وصناعة السياحة بأكملها، مثل وكالات السفر وأصحاب الفنادق. أي شخص يقدم خدمات إلى الفنادق أو صناعة السياحة، على سبيل المثال، سيتضرر. ولكن في عيد الفصح (العبري)، ربما سنكون بالفعل بعد ذروة تفشي المرض وسوف يكتسح الإسرائيليون المرافق السياحية بأعداد كبيرة. أما شركات التأمين فسوف تتلقى صفعة مؤلمة.
سيؤدي إلغاء النشاطات الرياضية إلى ضرب القاعات والمطاعم وأولئك الذين يبيعون المعجنات في الخارج. كذلك سيارات الأجرة، وشركات النقل. إن إرسال الناس إلى العزل سيضر بالأعمال والشركات والمصانع. في إيطاليا، المدارس تغلق أبوابها. إذا حدث هذا في إسرائيل، حتى قبل الفصح، فسيعني ذلك أن مئات الآلاف من الأهالي الإسرائيليين لن يكون بإمكانهم الذهاب إلى العمل. هذا هو الضرر الكبير للاقتصاد.
ولكن مع ذلك دعونا نفكر لثانية واحدة حول البديل. البديل هو عدم القيام بكل ذلك. كن أقل حذراً، لا تعزل الكثير من الناس، ولا تفرض الكثير من القيود. الأضرار التي ستلحق بالاقتصاد ستكون أكثر محدودية، ولكن فقط في المدى القصير. ومع ذلك، فإن الاقتصاد يتضرر من حقيقة أن الكورونا مستعرة في العالم. إن إيقاف الإنتاج في الصين يضر بشبكات متاجر الأزياء والمصنّعين الإسرائيليين. لا علاقة لهذا بوزارة الصحة. كذلك الأمر شركات الطيران - لن يأتي السياح من إيطاليا ولا من أي مكان، بغض النظر عما تقوله وزارة الصحة. ولو تنقّل المرضى الذين لا يعرفون أنهم حاملون للفيروس، لا سمح الله، فسوف يتسببون بالعدوى لعشرات أو مئات آلاف الإسرائيليين الآخرين. الضرر الذي يلحق بالاقتصاد سوف يأتي في جميع الأحوال.
إذا كانت الضربة قصيرة ولكن حادة قد تصل إلى ما يفوق قدرة الجهاز الصحي
هناك سبب وجيه يجعل وزارة الصحة ترغب في توخي الحذر، حتى لو كانت في بعض الأحيان تفرط في الحذر (أكثر مما توصي به منظمة الصحة العالمية، على سبيل المثال، التي توصي بعدم إلغاء رحلات الأشخاص وحركة المرور في الوقت الحالي). لقد وجدتُ أفضل وصف لسبب قيام وزارة الصحة بهذا لدى شخص شارك ذلك على تويتر: في الواقع، تحاول وزارة الصحة تخفيف العبء عن الجهاز الصحي. بدلاً من ضربة حادة ولكن قصيرة، من الأفضل لوزارة الصحة أن تجعل الضربة أقل حدة وأطول. خلاف ذلك، إذا كانت الضربة قصيرة ولكن حادة، فقد تصل إلى ما يفوق قدرة الجهاز الصحي. أي أنه لن يكون هناك عدد كافٍ من أسرّة المستشفيات الحكومية في غرف العناية المركزة أو في أقسام الطوارئ، ولن يكون هناك عدد كافٍ من الأطباء والممرضات والموظفين الطبيين الذين لن يستوعبوا الجميع. الضرر في هذه الحالة، حسب تقديرات وزارة الصحة، سيكون أعلى.
وعلى نفس المنوال، أولئك الذين يرغبون في قراءة المزيد حول ما سيأتي في المستقبل القريب، أوصي بشدة بهذا المقال للبروفسور ران بليتزر من صندوق المرضى العام. ربما هذا هو المقال الأكثر وضوحاً والأكثر هدوءاً الذي قرأته باللغة العبرية حول هذا الموضوع. إليكم اقتباس:
"لماذا لا نقبل فكرة: "لندع موجة تفشي المرض تمر وننهي الأمر"؟ السبب هو محدودية الجهاز الصحي، والثمن المترتّب على مثل هذا القرار في حياة البشر. لا يوجد علاج متخصص أو لقاح لهذا المرض، هناك نسبة صغيرة ولكنها مهمة من المرضى (10% وما فوق من الفئة العمرية الأكبر سناً) ستعاني من المرض الشديد، والرد على هذا سيكون العلاج الداعم في وحدات العناية المكثفة والطوارئ. لكن هذه الوحدات لديها قوى عاملة وموارد محدودة.
لذلك، إذا كانت موجة المرض معتدلة وطويلة وتحت السيطرة، فسيكون الجهاز الصحي قادراً على توفير الرعاية المثلى لكل حالة مرض صعبة وإنقاذ العديد من المرضى، كما يفعل كل شتاء. خلاف ذلك، قد تكون الصورة مماثلة لتلك الموجودة في مدينة ووهان الصينية، حيث انهار الجهاز الصحي بسبب موجات المرض الشديدة. ومن الأفضليات الأخرى لإبطاء تفشي المرض إمكانية ظهور بروتوكولات علاجية وأدوية أكثر فعالية، مما يساعد المرضى المصابين بحالات شديدة".
لا أريد أن أكون مكان المدير العام لوزارة الصحة. مثل هذا الحدث يحدث مرة واحدة في القرن. لا أحد يريد أن يحدث ذلك في مناوبته، لكنه سيحدث في مناوبة شخص ما. وطالما استمر في اتخاذ القرارات بطريقة شفافة وواصل تقديمها للجمهور بشكل منتظم وواضح ومسوّغ فهذا أفضل. من الأفضل اتخاذ قرارات محددة بدلاً من عدم اتخاذها على الإطلاق. في عملي الصحافي، أغطي عمل الحكومة منذ أكثر من عقد. لقد رأيت الكثير جدا من الموظفين الذين لا يستطيعون اتخاذ القرارات (ناهيك عن السياسيين). إذا كان عليّ الاختيار بين موظف يتخذ القرارات التي يمكن أن تتسم بالمبالغة، وبين موظف يفشل تماما في اتخاذ قرار، فإنني أفضل الشخص الذي يقرر وأحياناً يخطئ.
والدتي، بالنسبة لي، هي مؤشر جيد على أن العمل يدار بشكل جيد. لقد تحدثت إليها اليوم. هي في السابعة والستين من عمرها، في المجموعة المعرضة للخطر. وعلى الرغم من أن لديها أسبابا مبررة للغوص في القلق، إلا أنها كانت هادئة بشكل لا يصدق. لقد واصلت تكرار حقيقة أن المدير العام لوزارة الصحة كان يظهر على جميع القنوات التلفزيونية ويهدئ الناس. هذا بالنسبة لي هو مؤشر ممتاز.. فقط ليمتنع السياسيون عن التدخل أو تحويل المرض إلى قضية سياسية في محاولة للضغط من أجل إنشاء حكومة وحدة أو ما يعرف الشيطان وحده ما يمكن أن يفعلوه.
غياب حكومة فاعلة وميزانية مقررة يحد بشدّة من قدرة الاستجابة بسرعة وكفاءة
لن يمر المرض على الجميع بنفس الطريقة. الفقراء سوف يعانون أكثر، كما هي الحال دائما. الأشخاص الذين لا يستطيعون تحمل تكاليف التغيب عن العمل لفترة متواصلة من الوقت سوف يتضررون. الذين يعملون في مهن "الياقات الزرقاء" أكثر عرضة لإغلاق مكان عملهم. ليس لدي اقتراحات ذكية أدلي بها، قلبي مع كل من يتضرر. سوف تتضرر بعض مرافق الاقتصاد أيضاً وسيكون بعضها أقل تأثراً. زميل إيطالي يعيش في روما قال: إن الاقتصادات تشبه البشر. بعض الشباب والأصحاء سوف يجتازونها بشكل جيد، والبعض الآخر، مثل إيطاليا، يتعرضون لخطر كبير وسيتلقون الضربة.
لقد نجحت إسرائيل في أزمة عام 2008، جزئياً، لأن نظامها المالي لم يكن متهوراً ولأن العجز الحكومي كان صفراً. لا يزال نظامنا المالي جيداً (على الرغم من أن الديون اليوم على الناس أكبر)، إلا أن عجزنا مرتفع للغاية. أضف إلى ذلك حقيقة أنه ليس لدينا حكومة فاعلة وليست لدينا ميزانية مقرّرة لهذا العام، مما يحد بشدة من قدرة الوزارات الحكومية على الاستجابة بسرعة وكفاءة، وهذه بمثابة وصفة على أنه إذا ما ضربتنا أزمة اقتصادية فستكون أطول مما كانت عليه في عام 2008. لكن في النهاية، سوف تمر. وبعد الأزمة، سوف ينمو الاقتصاد بسرعة. هذا ما حدث في جميع الأزمات السابقة.
سيكون هذا وقتا عصيبا. ليست لدي أية فكرة كم من الوقت سوف تستغرق. أي شخص يخبرك أنه يعرف كيفية تحديد حجم الضرر الذي يلحق بالاقتصاد العالمي يكذب عليك. سيكون الوضع سيئا. الذروة، على ما يبدو، لا تزال أمامنا. سوف يموت عدد من الناس. سوف يفقد كثيرون وظائفهم. ستلحق المعاناة بكثيرين. المرافق الاقتصادية سوف تعاني. سيتم إلغاء النشاطات الكبرى (نأمل ألا يتم إلغاء الألعاب الأولمبية وكأس الأمم الأوروبية). لكنها كلها سوف تمر. على افتراض أن المرض هذا الصيف سوف يهدأ بسبب درجة الحرارة، والافتراض (الذي لا أعرف جيداً ما هو أساسه) أنه بحلول الخريف / الشتاء المقبل سيكون لدينا لقاح / علاج.
أن تكون في العزل، أمر مزعج للغاية. ولكن في العام 2020 من الأسهل أن تكون في عزل أكثر من أي وقت مضى. لديك قنوات مشاهدة أفلام متاحة، يمكنك طلب الطعام من المحلات، ويمكن الوصول إلى جميع الخدمات البنكية والمالية على التطبيق الهاتفي. وفي العديد من المهن، من الممكن العمل عن بعد. وربما قد يغير هذا الوضع بعض قواعد العمل للأفضل.
___________________________________________________
(*) محلّل ومحرر اقتصادي في شركة البث الاسرائيلية العامة "كان". ترجمة خاصة.