المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • تقارير، وثائق، تغطيات خاصة
  • 838
  • برهوم جرايسي

مع حل الكنيست الإسرائيلي في نهاية أيار الماضي، كان يبدو أن ثلاثة تحالفات جديدة تضررت من انشقاقاتها في انتخابات نيسان، ستتشكل على عَجَل، كي تخوض انتخابات أيلول وتعوّض الخسائر التي تكبدتها الأحزاب، وأولها حزب العمل المتضرر الأكبر، ثم أحزاب المستوطنين. وأيضا الحال شبيهة بين الأحزاب الفاعلة في أوساط فلسطينيي الداخل، لإعادة تشكيل القائمة المشتركة.

وقد كشفت الخلافات، بالذات بين أحزاب المستوطنين، عن عمق الفجوة القائمة بينها، إذ أن التيار الديني الصهيوني يُبرز أكثر تشدده الديني، ما يقلص مساحة حراكه بين جمهور مصوتي اليمين الاستيطاني. كذلك فإن حزب العمل الذي عاد وانتخب النائب عمير بيرتس رئيسا له لم يتقدم حتى أمس الاثنين أي خطوة جدية نحو إقامة تحالف جديد. ومن بين ما خلط الأوراق إعلان إيهود باراك (77 عاما) عن إقامة حزب جديد لخوض الانتخابات.

وحتى الأمس، كان ما يزال السؤال الأكبر بشأن القائمة المشتركة، ما إذا ستخوض الانتخابات بمركباتها الأربعة، التي شكلت المشتركة في العام 2015، أم أنها ستكون قائمة جزئية؟. وكل هذه القضايا ستحسم في محاور التحالفات الثلاثة حتى اليوم الأول من الشهر المقبل، آب، موعد تقديم قوائم المرشحين للجنة الانتخابات المركزية

خلافات أحزاب المستوطنين

كان الاعتقاد السائد أن أحزاب المستوطنين التي خاضت الانتخابات بقائمتين، في أعقاب حل تحالف "البيت اليهودي" بعد حلّ الكنيست والتوجه الى انتخابات نيسان، ستجتمع من جديد ضمن تحالف انتخابي، ولكن لم تمر سوى أيام حتى اتضحت صعوبة تحالف قائمة "اليمين الجديد" برئاسة الوزيرين السابقين نفتالي بينيت وأييليت شاكيد، التي لم تعبر نسبة الحسم بفارق طفيف جدا، مع قائمة "اتحاد أحزاب اليمين" التي فازت بخمسة مقاعد.

ولكن لاحقا، دبت الخلافات أيضاً داخل تحالف "اتحاد أحزاب اليمين"، الذي تشكل في الانتخابات السابقة، بضغط من بنيامين نتنياهو، إذ خرجت من التحالف حركة "عوتسما يهوديت"، المنبثقة عن حركة "كاخ" الإرهابية المحظورة صوريا في إسرائيل. وتطالب هذه الحركة بتوزيع مماثل لما حصل عليه الحزبان الآخران في القائمة. وكان التحالف يضم حزب "البيت اليهودي" (المفدال سابقاً) بزعامة الحاخام العسكري رافي بيرتس، وحزب "هئيحود هليئومي" بزعامة المستوطن العنصري المنفلت بتسلئيل سموتريتش، وحركة "عوتسما يهوديت". ومن أجل أن يقام هذا التحالف الذي أراده نتنياهو، خوفا من حرق عشرات آلاف أصوات المستوطنين، أدرج نتنياهو في المقعد 27 في قائمة الليكود النائب إيلي بن دهان، من كان نائب وزير الدفاع، وهو من حزب "هئيحود هليئومي"، الذي أقام حزبا صوريا من أجل تنظيم العلاقة المالية مع الليكود.

وقد حصل هذا التحالف على قرابة 160 ألف صوت، محققا 5 مقاعد، ويضاف لها مقعد بن دهان. وكانت هذه القائمة تتأرجح في استطلاعات الرأي حول نسبة الحسم، إلا أن ما فاجأ نتنياهو هو سقوط القائمة التي كانت تبدو أقوى في الاستطلاعات، "اليمين الجديد" السابق ذكرها، بعد أن حصلت على 138600 صوت، مبتعدة بنحو 1400 صوت عما تطلبته نسبة الحسم في تلك الانتخابات.

وكان مندوب "عوتسما يهوديت" العنصري ميخائيل بن آري قد حلّ خامسا في قائمة "اتحاد أحزاب اليمين"، بينما حل زعيم الحركة العنصري إيتمار بن غفير في المقعد الثامن، إلا أن المحكمة العليا شطبت ترشيح بن آري، بسبب مواقفه العنصرية الدموية الشرسة. وبهذا لم تتمثل "عوتسما يهوديت" في الكنيست. ويطالب بن غفير الآن بأن تحصل حركته على المقعدين الثالث والسادس، زاعما أن حركته جلبت 70 ألف صوت للتحالف، وهو ما نفاه الحزبان الآخران، وقالا في الأسبوع الماضي إنه في "بحث عميق" تبين أن "عوتسما يهوديت" حققت 20 ألف صوت فقط.

وتهدد "عوتسما يهوديت" بخوض الانتخابات بقائمة مستقلة، في حين وقّع "البيت اليهودي" و"هئيحود هليئومي" على اتفاق لاستمرار التحالف. وأعلنا أنهما سيواصلان المفاوضات مع "عوتسما يهوديت" وأيضا مع قائمة "اليمين الجديد" لإقامة تحالف أوسع.

في المقابل فإن قائمة "اليمين الجديد" ما تزال تخوض نقاشا داخليا حول من يرأس القائمة، إذ تطالب أييليت شاكيد بأن تحل محل نفتالي بينيت في رئاسة القائمة، إلا أن الأخير لم يصرّح بموقفه بعد.

وكان حاخامون متشددون من التيار الديني الصهيوني، التيار الطاغي على أجواء المستوطنين في الضفة، قد أصدروا قبل أسبوعين ورقة موقف لأحزاب المستوطنين، يعبّرون فيها عن رفضهم بأن تكون شاكيد رئيسة لقائمة "أتحاد أحزاب اليمين" الاستيطانية، التي هي عمليا قائمة التيار الديني الصهيوني.

وقد كشف موقع "واللا" الاخباري عن رسالة وقع عليها عدد كبير من حاخامي التيار الديني الصهيوني، من بينهم حاخام مدينة صفد المتطرف شموئيل إلياهو، وحاخام المعهد الديني المتطرف "عطيرت كوهنيم" شلومو أفنير، وغيرهما. وقالوا في رسالتهم إن "هذه ليست قضية شخصية، بل قضية ذات قيمة عامة تتمثل في وضع قضية يهودية دولة إسرائيل، باعتبارها القضية المركزية للحزب الديني الوطني". ووفقا لهم "تحتوي تركيبة القائمة على بيان يعبّر عن أولوياتنا، وهذا البيان له آثار بعيدة المدى بالنسبة لنا كشعب عام وللرسالة التعليمية التي ننقلها إلى أطفالنا". ويؤكد الحاخامون على أنه "بدون استبعاد أي مرشح آخر، نرى أهمية كبيرة في توصيف شخصية تحمل علم التوراة".

وشاكيد هي علمانية، ولكنها دخلت الى الكنيست من خلال قائمة "البيت اليهودي" التي يطغى عليها التيار الديني الصهيوني، والذي يزداد تشدده الديني. وموقف الحاخامين يدعم موقف رئيس القائمة الرابي رافي بيرتس، الذي يصر على أن يكون رئيس القائمة من التيار الديني.

وكما يبدو من تقارير صحافية، فإن قادة المستوطنين، وبالذات من الحاخامين ذوي التأثير، يضغطون لإقامة التحالف الواسع، ولكن ستكون عقبتان في تحالف كهذه، الأولى انضمام "عوتسما يهوديت"، الأمر الذي يتحفظ منه بشدة نفتالي بينيت، وأيضا شريكته شاكيد. والعقبة الثانية، أن بينيت وشاكيد يراهنان على الجمهور العلماني في اليمين الاستيطاني المتشدد، وسيكون من الصعب استقطابه لقائمة يطغى عليها التيار الديني الصهيوني المتشدد. فمنذ حل الكنيست في نهاية أيار، تكاثرت التصريحات الدينية المتشددة من هذا التيار، وبالذات ممن بات وزيرا للمواصلات بتسلئيل سموتريتش، رئيس "هئيحود هليئومي"، والراب رافي بيرتس، رئيس حزب "البيت اليهودي" ومن بات وزيرا للتعليم، الذي هاجم في نهاية الأسبوع الماضي جمهور مثليي الجنس، ودعا لعلاجهم بالتربية الدينية، في حين أن سموتريتش كان قد أعلن الشهر الماضي أنه يتوق لجعل إسرائيل تسير وفق الشريعة اليهودية، "كما كان في أيام الملكين داود وسليمان".

تحالف العمل وباراك

يكثف رئيس حزب العمل القديم الجديد، عمير بيرتس، الذي انتخب من جديد رئيسا للحزب بعد استقالة آفي غباي، تحركه في محاولة لتشكيل تحالف جديد في مركزه حزب العمل، ومعه حزب "إسرائيل ديمقراطية" الذي شكله حديثا رئيس الحكومة الأسبق إيهود باراك، وحزب ميرتس الذي انتخب هو أيضا رئيسا جديدا له، النائب الأسبق نيتسان هوروفيتس، الذي أطاح برئيسة الحزب حديثة العهد تمار زاندبرغ.

كما يسعى بيرتس الى تشجيع الوزيرة السابق تسيبي ليفني، رئيسة حزب "الحركة"، للعودة الى الكنيست، بعد أن انسحبت من انتخابات نيسان السابقة. كما ذكر بيرتس أنه سيدعو النائبة السابقة أورلي ليفي، التي خاضت انتخابات نيسان على رأس قائمة "جيشر"، وحققت قرابة 6ر1% من الأصوات (70 ألف صوت).

وقد أجرى بيرتس سلسلة من اللقاءات مع كل الأطراف الوارد ذكرها، إلا أنه لم يرشح أي شيء عن هذه اللقاءات، التي من المفترض أنها تتواصل من وراء الكواليس.

والمحور الأكثر تعقيدا أمام حزب العمل سيكون التحالف مع إيهود باراك وحزبه، الذي فاجأ بأن أعلن في الأسبوع الماضي أنه مستعد لأن يكون الثاني في قائمة تحالفية مع حزب العمل، وهو ما يعتبر كسر حاجز نحو إقامة تحالف بين حزبه الجديد "إسرائيل ديمقراطية"، وحزب العمل، إلا أن باراك يطالب كما يبدو بأن تكون المقاعد مناصفة بين الحزبين، قبل الأخذ بعين الاعتبار احتمال انضمام تسيبي ليفني وغيرها إلى تحالف كهذا.

ويُعد تصريح باراك خطوة للوراء، خاصة وأنه أبرز نفسه كمن بقدرته تحقيق قوة برلمانية كبيرة، رغم أن أول استطلاع جرى بعد إعلان حزبه منحه 6 مقاعد وهذا عدد قليل، لأنه حسب التجربة من شأن هذه القوة أن تتراجع في ما لو قرر باراك خوض الانتخابات بقائمة مستقلة. والحلقة المجهولة في هذا الحراك، حتى الآن، هو مدى قبول باراك التحالف مع ميرتس، كما أن هذا السؤال مطروح بشكل عكسي.

إلا أن ميرتس بعد انتخاب رئيسه الجديد هوروفيتس، لم يعلن بشكل واضح إذا ما كانت قبلته هي التحالف مع حزب العمل، ما يعني أنه أعاد فرضية خوض الانتخابات بقائمة مستقلة، خاصة وأن الحزب انتخب القائمة من جديد، وباتت في تركيبتها الخماسية أقوى أمام جمهورها، بحيث تم استبعاد من حل في المكان الخامس علي صلالحة، وهو مرب متقاعد من قرية بيت جن. وحلت في المكان الثاني بعد رئيس الحزب رئيسة الحزب الخاسرة زاندبرغ، يليها النائبان إيلان غيلئون وعيساوي فريج من مدينة كفر قاسم. وحلّ في المكان الخامس الوجه الأكثر "يسارية" في الحزب موسي راز، الذي خسر مقعده في انتخابات نيسان. وحلت في المقعد السادس النائبة ميخال روزين. وكان ميرتس قد حقق في انتخابات نيسان 4 مقاعد، بعيدا عن الأصوات التي تطلبتها نسبة الحسم بنحو 15 ألف صوت، ما يعني أنه سيكون في دائرة الخطر في حال خاض الانتخابات بقائمة مستقلة، وكانت نسبة التصويت فيها أعلى من انتخابات نيسان.

التعقيدات في القائمة المشتركة

حتى ظهر يوم أمس الاثنين، كانت التعقيدات ما تزال كبيرة، لضمان إعادة تشكيل القائمة المشتركة، لتضم المركّبات الأربعة التي كانت في العام 2015، وهي: الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة، والحركة الإسلامية- الجنوبية (القائمة العربية الموحدة)، والتجمع الوطني الديمقراطي، والحركة العربية للتغيير. وقد اتفقت الأطراف الأربعة على تكليف لجنة وفاق عملت على تشكيل القائمة في 2015.

وكانت اللجنة قد أصدرت قرارها بشأن تركيبة القائمة في نهاية حزيران، مستندة بشكل كبير على نتائج انتخابات نيسان، إلا أن التجمع الوطني والعربية للتغيير رفضتا المقترح، الذي قبلت به الإسلامية والجبهة الديمقراطية.

وما تزال الاتصالات جارية، في محاولة لجسر الهوة، قبل موعد تقديم القوائم في مطلع الشهر المقبل.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات