أسفرت الانتخابات البرلمانية التي جرت في إسرائيل يوم 9 نيسان الجاري، لانتخاب الكنيست الـ 21 منذ تأسيس إسرائيل، عن تحقيق اليمين الإسرائيلي، بقيادة حزب الليكود برئاسة بنيامين نتنياهو، نصراً واضحاً يؤهله لتشكيل الحكومة الإسرائيلية القادمة، التي ستكون الخامسة التي يرأسها، ابتداء من العام 1996، والرابعة على التوالي منذ العام 2009.
في أعقاب ظهور نتائج الانتخابات الأخيرة وعشية إقامة الحكومة الإسرائيلية الجديدة، التي سيشكلها نتنياهو "من ممثلي الأحزاب اليمينية"، كما تعهد، أصدر معهد "ميتافيم" (مسارات)، "المعهد الإسرائيلي للسياسات الخارجية الإقليمية"، "تقدير موقف" بعنوان "نتائج الانتخابات للكنيست الـ 21 والسياسات الخارجية الإسرائيلية" ضمّنه "تعقيبات أولية لخبراء المعهد" حول نتائج الانتخابات وانعكاساتها المحتملة على جملة من القضايا المركزية في مجال السياسة الإسرائيلية الخارجية في مقدمتها: فرص السلام الإسرائيلي ـ الفلسطيني؛ العلاقات المتبادلة مع دول الشرق الأوسط ومع دول الاتحاد الأوروبي؛ مكانة وأهمية المكوّن الديمقراطي في منظومة العلاقات الإسرائيلية الخارجية؛ مكانة السلك الدبلوماسي الإسرائيلي؛ دور المواطنين العرب في إسرائيل في القضايا الخارجية؛ العلاقات الإسرائيلية ـ الأميركية.
"حكومة اليمين ستكون أكثر حرية في أدائها السياسي"
تحت العنوان أعلاه يرى د. نمرود غورن، رئيس معهد "ميتافيم" والأستاذ في الجامعة العبرية في القدس، أن الانتخابات الأخيرة قد مهدت الطريق أمام نتنياهو لإقامة حكومة يمينية أخرى، ذات أغلبية أكثر استقرارا وبمشاركة أوساط يمينية متطرفة سيتم إسناد مناصب مركزية لها. ويتوقع لمثل هذه الحكومة أن تواصل اعتماد السياسات الخارجية ذاتها التي سارت عليها سابقتها. نتنياهو، الذي دفع في العام 2009 "ضريبة كلامية" عن فكرة حل الدولتين، يجاهر الآن بالحديث عن نيته ضم المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية إلى السيادة الإسرائيلية. ومن المتوقع أن تعمق حكومته القادمة السيطرة الإسرائيلية على المناطق الفلسطينية وأن تعمل بصورة حثيثة لإجهاض أي احتمال مستقبلي لإقامة دولة فلسطينية.
وفي ضوء تجربة السنتين الأخيرتين، يستطيع نتنياهو التعويل على كل ما يلزم من الدعم والتأييد من جانب الإدارة الأميركية برئاسة ترامب لأية خطوات سياسية تختار الحكومة الإسرائيلية اتخاذها مستقبلاً. وليس من المتوقع أن تصطدم حكومة نتنياهو المقبلة بأية قيود جدية من جانب الاتحاد الأوروبي، لا سيما في ضوء الانقسام الداخلي بين دول الاتحاد، مما يجعل من الصعب عليها التوافق على قرارات هامة في الشأن الإسرائيلي ـ الفلسطيني. ويبدو أن فوز الحزب الديمقراطي في انتخابات الرئاسة الأمريكية في العام 2020 هو الوحيد الذي يمكن أن يؤدي إلى وضع بعض الخطوط الحمراء أمام الحكومة الإسرائيلية، من قبل طرف دولي مركزي.
تتأكد صحة هذا التقييم وأهميته بالنظر إلى حقيقة أنه لن تكون ثمة معارضة جدية وقوية محلية لنتنياهو في القضايا الخارجية والأمنية بوجه خاص، ذلك أن الحزبين الرئيسيين اللذين يؤيدان الحل السلمي، أي العمل وميرتس، يمتلكان الآن قوة برلمانية متواضعة جدا لا تزيد عن عشرة أعضاء كنيست، بينما حزب المعارضة المركزي والأكبر ("أزرق أبيض") تجنب الإشارة في برنامجه الانتخابي إلى تأييده حل الدولتين وهو يضم بين أعضائه في الكنيست ممثلين عن اليمين الصقري في كل ما يتعلق بالقضية الفلسطينية.
قبيل الانتخابات الأخيرة، حرص نتنياهو على تصوير نفسه كأنه سياسي دولي من الدرجة الأولى. وقام قادة شعبويون وغير ليبراليين بزيارات حجيج إليه، الأمر الذي شكل دوساً فظا للمركّب الديمقراطي في علاقات إسرائيل الخارجية. ومن المتوقع أن يستمر هذا المنحى ويتكرس خلال الدورة الحكومية الجديدة. ويبقى الأمل الوحيد أن يضع وزير الخارجية الجديد تشخيصا صحيحا للوضع الناشئ والأضرار التي حصلت حتى الآن ثم أن يقود حملة تصحيح وتغيير اتجاه.
أما المعارضة البرلمانية، وعلى الرغم من ضعفها، فعليها مسؤولية توضيح الحقيقة أمام الجمهور الإسرائيلي وأمام أصدقاء إسرائيل في العالم ـ أن سياسة نتنياهو ليست الخيار الوحيد المتاح، بل ثمة طريق آخر وأن إسرائيل قادرة (وملزمة) على التقدم نحو السلام مع الفلسطينيين، على إبداء الانفتاح اللازم حيال المجتمع الدولي وعلى تثبيت مكانتها كدولة ديمقراطية ليبرالية.
خطر الاشتعال في عدة بؤر على الجبهة الإسرائيلية ـ الفلسطينية
وتشير د. ليئورا لهرس، مديرة برنامج دفع السلام الإسرائيلي ـ الفلسطيني في "معهد ميتافيم"، إلى حقيقة أن تحليل نتائج الانتخابات الأخيرة يبين أن قوة الأحزاب المؤيدة صراحة وبوضوح لحل سلمي إسرائيلي ـ فلسطيني يقوم على "حل الدولتين" قد تراجعت وضعفت بصورة حادة، إذ تراجع حزبا العمل وميرتس من 29 مقعدا في انتخابات 2015 إلى 10 مقاعد فقط في هذه الانتخابات، كما تراجعت الأحزاب العربية من 13 مقعدا في انتخابات 2015 إلى 10 مقاعد فقط في هذه الانتخابات.
في المقابل، أسفرت نتائج الانتخابات عن فوز أحزاب اليمين المتماهية مع المشروع الاستيطاني ومع الدعوات إلى ضم المناطق الفلسطينية والمؤيدة لتغيير الوضع القائم في "جبل الهيكل" (الحرم القدسي الشريف) بقوة سياسية كبيرة تؤهلها للعب دور سياسي مؤثر في حكومة نتنياهو القادمة، وذلك بالرغم من أن قوتها الإجمالية الحقيقية هي أقل مما توقعت لها استطلاعات الرأي التي جرت عشية الانتخابات.
تنبغي الإشارة إلى أن عددا من بؤر التوتر القابلة للانفجار والاشتعال على الجبهة الإسرائيلية ـ الفلسطينية قد شهدت تصعيدا ملحوظا قبيل الانتخابات، في مقدمتها وأبرزها بالطبع التوتر المتواصل عند الحدود مع قطاع غزة، مسألة "باب الرحمة" في الحرم القدسي الشريف، نضال الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية ومسألة تقليص أموال الضرائب المستحقة للسلطة الفلسطينية.
ورغم أن محاولات غير قليلة قد جرت لحل بعض المشكلات المتعلقة بهذه البؤر قبل الانتخابات، إلا أن أيا منها لم يبلغ حلا نهائيا ودائما. وعلى هذا، فستواجه الحكومة القادمة خطر الاشتعال والتصعيد المجددين في هذه البؤر، أو في بعضها على الأقل.
ما من شك في أن انتصار نتنياهو في الانتخابات الأخيرة يمنحه قوة هائلة، تشمل أيضا تخويلا جماهيريا بالدفع نحو سيرورات تسوية مع حركة "حماس" في قطاع غزة وربما أيضا تقديم بعض التنازلات، التصريحية أو الرمزية، بشأن خطة السلام المستقبلية التي سيطرحها الرئيس الأميركي ترامب (ويمكن لنتنياهو، بالطبع، أن يحصل لها على دعم الأغلبية من أعضاء الكنيست، بمن في ذلك أعضاء حزب "أزرق أبيض"). لكن، من المحتمل أن يحاول نتنياهو، في المقابل، دفع وتسريع إجراءات الضم ـ التي كان تجنبها في السابق ـ في إطار مقايضة مع أحزاب اليمين لضمان دعمها تشريعات تخص حصانته القانونية.