ضمن الأفكار الرائجة في عدد من دول العالم لجمع السلاح عموماً، المرخص منه وغير المرخّص من قبل السلطات، هناك خطط للقيام بذلك مقابل تلقي مُعيدي الأسلحة مردودا ماليا وإعفاء من العقوبة لمن كان سلاحهم غير قانوني. وقد درس معهد الأبحاث التابع للكنيست هذه المسألة وأصدر مؤخراً تقريرا لخص فيه عددا من التجارب مقارناً إياها مع المعمول به والممكن عمله بهذا الصدد في إسرائيل. ويتوصل في النهاية إلى استنتاج ينطوي على مفارقة واضحة، وبصيغة رسمية.
لقد سبق الكشف عن مبادرة جهاز الشرطة الإسرائيلي لجمع أسلحة غير مرخصة من المواطنين، وذلك مقابل العفو عن المخالفين وإعفائهم من الإجراء القانوني وما يترتب عليه من عقوبات. وقد أثبتت الأرقام ان المشروع لاقى فشلا ذريعاً، إذ لم يسفر سوى عن إعادة عدد ضئيل من السلاح. يومها أعلنت وزارة الأمن الداخلي عن "حملة شرطية لجمع الأسلحة غير المرخصة.. والذين يسلمون السلاح لا يقدمون للمحكمة". وجاء في نص نُشر بالعربية: "لن تتخذ إجراءات جنائية ضد الذين يرجعون الأسلحة التي بحوزتهم، وسيحظون بحصانة تحول دون مقاضاتهم. وسيتم نشر الحملة في وسائل الإعلام وباللغة العربية في عشرات البلدات. وقد تم اختيار السلطات المحلية العربية بمصادقة شرطة إسرائيل. تهدف الحملة إلى زيادة مكافحة ظاهرة السلاح غير المرخص في المجتمع العربي".
بحسب الحملة "يمكن إرجاع الأسلحة بدون الكشف عن هوية أصحابها، ولن تتخذ إجراءات قانونية ضدهم، ويمنح المواطنون الذين يرجعون الأسلحة حصانة ضد تقديم لائحة اتهام ضدهم بامتلاك أسلحة نارية". استمرت الحملة نحو أسبوع لا غير. وقد اعترفت كل من الشرطة ووزارة الأمن الداخلي بأن الحملة لم تسفر سوى عن تسليم عدد ضئيل جداً من قطع السلاح. إذ وصل عددها إلى 14 قطعة سلاح فقط. وهي تشكل حوالي الصفر قياساً بالتقديرات عن الكمية الضخمة من السلاح غير المرخص المتفشي في المجتمع العربي. وهذه معطيات أكدتها تقارير رسمية بينها تقرير لمراقب الدولة ومعطيات قدمتها وزارة الأمن الداخلي أمام هيئات ولجان برلمانية ورسمية أخرى.
الهدف تقليص الظواهر السلبية المرتبطة باستخدام الأسلحة
وتقول الدراسة التي ألّفها معهد الأبحاث التابع للكنيست إن طريقة الحثّ على إعادة السلاح مقابل اغراء مالي، تأتي ضمن الجهود والسياسات الهادفة إلى تقليص الظواهر السلبية المرتبطة باستخدام الأسلحة، مثل حالات الانتحار، حوادث الرصاص والأفعال الجنائية. وتعرض تجارب عدد من الدول، منوّهة إلى أنه يجري فيها استخدام أساليب وسياسات إضافية لمكافحة انتشار السلاح. كذلك تميّز الدراسة ما بين جمع "أسلحة قانونية" والتي يحاجج كثيرون أنه يجب تقليصها هي أيضاً، وبين جمع الأسلحة "غير القانونية"، مفسّرة انها الأسلحة "التي تم شراؤها دون ترخيص، أو المسروقة، أو المهرَّبة أو المرتجلة المصنوعة يدوياً". علماً بأن هذه الدول جميعا، بما فيها إسرائيل، لديها كامل الصلاحية المنصوص عليها في القانون لفرض البنود التي تحظر حيازة سلاح بشكل غير قانوني، تقول الدراسة. حيث يجب على الشرطة لهذا الغرض العثور على الأسلحة غير القانونية، القبض عليها والقيام بإجراء جنائي لكل ملف تحقيق على حدة.
تلاحظ الدراسة أن هناك دولا تضع في مركز توجهها، ليس القبض على حاملي السلاح غير المرخص وإدانتهم، بل تقليص عدد الأسلحة التي بأيدي الجمهور. وهنا يتم التعهد لكل من يسلّم سلاحه بدفعة مالية، وفي حال سلّم سلاحاً غير قانوني يحظى أيضاً بحصانة من الإدانة الجنائية وذلك لفترة زمنية محددة. وقد استخدم عدد من الدول هذه الخطط في حالتين أساسيتين:
الأولى، حين يتم الإعلان عن أنواع من السلاح على أن حيازتها لم تعد قانونية، بعد أن كانت كذلك في الماضي. وهنا يُنظر إلى الدفعة المالية المقدمة لمن يسلم سلاحه على انها "تعويض" على تحوّل السلاح الذي كان صاحبه قد اشتراه إلى سلاح غير قانوني. وتم تنفيذ هذا النموذج في أستراليا وبريطانيا والأرجنتين وغيرها. وتلفت الدراسة إلى أن ذلك جاء بعد وقوع أحداث دموية دراماتيكية صادمة وقعت ضحيتها جموع مواطنين، وقد نفذها حاملو سلاح مرخص أو غير مرخص. لهذا لاقت هذه التعديلات دعما شعبيا واسعا.
الحالة الثانية التي استخدمت تلك الدول هذه الخطط، هي التي ارتفع فيها عدد قطع السلاح بأيدي الجمهور إلى مستويات عالية وبات يشكل مصدر تهديد وخطر حقيقيين على الأمن الشخصي للأفراد، بحيث وضعت سلطات هذه الدول في مقدمة الأولويات أمامها، هدف تقليص عدد قطع السلاح بين الناس، حتى بثمن التنازل عن إدانة المخالفين حاملي السلاح غير المرخص. هنا شكلت الدفعة المالية محفزا لحاملي السلاح غير المرخص كي يسلموه للسلطات. وبين الدول التي اعتمدت هذه السياسة البرازيل والأرجنتين.
أستراليا جمعت نحو خُمس السلاح بين المواطنين
في العام 1996 في أعقاب اعتداء دموي جماعي قررت السلطات الأسترالية اعتماد سياسة موحدة بشأن حيازة السلاح. تم منع حيازة عدد من أنواع الأسلحة وتعديلات على الأنظمة المعمول بها بشأن تخزين السلاح في بيت حامله والتمرينات على استعماله بشكل آمن. وتفيد المعطيات بأنه تم في هذه الخطة جمع 640 ألف قطعة سلاح كانت قانونية في السابق وتم إخراجها خارج القانون في التشريعات الجديدة. كذلك تم جمع 60 ألف قطعة سلاح غير قانونية. هنا لم تدفع الدولة مقابل الأسلحة غير القانونية لكنها أعطت أصحاب تلك الأسلحة حصانة من الإدانة. وقدرت السلطات أنه تم جمع نحو خُمس السلاح المنتشر بين المواطنين بهذه العملية. ودلت أبحاث لاحقة على أنه حدث تراجع في الأفعال الجنائية وفي حالات الانتحار بالسلاح.
أما في بريطانيا فتوجد أنظمة مشددة على حيازة السلاح، وبالتالي فإن الجرائم المرتبطة باستخدام السلاح قليلة نسبيا. وتعود تلك الأنظمة إلى القرن التاسع عشر وقد تم تعديلها وتجديدها مراراً على مر السنوات، أحيانا على خلفية أحداث دامية جماعية اقتُرفت بسلاح قانوني.
بين التعديلات المشددة الجديدة: يفرض على طالب حيازة السلاح واجب إثبات أنه بحاجة فعلية لحمل السلاح، وليس الاكتفاء بمقولة عمومية حول الدفاع عن النفس. ويتوجب عليه أيضاً إثبات قدرته على تخزين السلاح في مكان آمن. وتم كذلك إدخال معطيات وتفاصيل وتصنيف السجل الجنائي والحالة الصحية والمعاناة من حالات إدمان، في خلفية مقاييس ومعايير منح رخصة السلاح. في العام 1997 في إثر ارتكاب حادث دموي بالرصاص، تم إخراج عدد من أنواع المسدسات خارج القانون البريطاني، وأعلن عن حملة لجمع الأسلحة مقابل مكافأة مالية. في الشهور العشرة الأولى التي طُبقت فيها الخطة، تم تسليم الشرطة 162 ألف قطعة سلاح ونحو 700 طن من الذخيرة.
دولة الأرجنتين طبقت في العامين 2007-2008 خطة قومية تم في إطارها إعادة أسلحة وذخيرة. وقد اشتملت الخطة على تقديم مبلغ مالي لكل من يعيد سلاحا قانونيا أو غير قانوني، مع إعفاء حمَلة السلاح غير القانوني من الإدانة إذا ما أعادوا أسلحتهم في الفترة الزمنية التي تعلنها السلطات للحملة. وهكذا، خلال سنة ونصف السنة تم جمع نحو 100 ألف قطعة سلاح. وهنا تبين لاحقا بواسطة أبحاث مختلفة أن عدد الحوادث المرتبطة بالسلاح قد انخفض وإن لم يؤثر ذلك على حالات الانتحار والإجرام. وجرى تفسير الأمر بأن جهات جنائية كثيرة لم تسلم سلاحها. لقد تبين من الأمثلة المذكورة أن معظم الأسلحة التي أعيدت كانت بأيدي من لم يستعملوها في جميع الأحوال. وأحيانا تمت إعادة أسلحة غير صالحة للاستعمال. وقد أشارت بعض الانتقادات إلى أن هناك جهات جنائية أعادت الأسلحة وحظيت بالحصانة فازداد عدد الجهات الجنائية غير المعتقلة والسجينة.
وزارة الأمن الداخلي الإسرائيلية تصرّفت عكس منطق الحملات!
يقول تقرير معهد أبحاث الكنيست في استنتاج لما يمكن تطبيقه في إسرائيل إنه يجب طرح السؤال أيضا عما إذا كان مثل هذا النهج يلائم الوضع القائم في إسرائيل، ويوفر حلولا للمشاكل القائمة. لكنه يقر أن المشكلة المركزية التي تواجهها إسرائيل هي السلاح غير القانوني الذي من غير الواضح ما إذا كان المردود المادي مقابل إعادته، كفيلا بإقناع المخالفين بتسليمه للسلطات.
ويقول المعهد البرلماني الرسمي إنه من الصعب تقدير عدد قطع السلاح غير القانوني، الجنائي منه والأمني، المنتشرة في إسرائيل. وهو يعود في هذا السياق إلى التذكير بتقرير مراقب الدولة حيث أن أهم ما ورد فيه تناول عدد الأسلحة المتراكمة في المجتمع العربي التي وصلت إلى كمٍّ خطير، وقسم من هذا السلاح مصدره سرقة وسائل قتالية من قواعد الجيش الإسرائيلي، حيث تنتقل الأسلحة المسروقة إلى الجهات الجنائية.
ويختتم المعهد دراسته بلهجة نقدية مبطنة من خلال التأكيد على أن جميع الدول التي طبقت برامج إعادة أسلحة مقابل دفع مردود مادي وإعطاء حصانة من الإدانة الجنائية، قد دمجت ذلك مع تشديد واضح جداً لمقاييس ومعايير منح رخص السلاح، "أما في إسرائيل بالمقابل"، كما يشدد معهد الأبحاث "فإن آخر تحديثات معايير استحقاق تقديم رخصة لحمل السلاح، والتي نشرتها وزارة الأمن الداخلي في آب 2018 قد سهلت بالذات شروط تلقي رخصة حمل سلاح".
إن البلاغ واضح: من غير المعقول الخروج بحملات لحثّ مواطنين على تسليم سلاحهم للشرطة بينما تقوم الوزارة المسؤولة عن الشرطة بتحديد تسهيلات هائلة تجعل حمل السلاح أشبه بحمل مظلّة، صيفاً وشتاءً!
انتشار السلاح وبالتالي انعدام الأمن الشخصي - عنصر مركزي في تراجع جودة الحياة!
نشر مكتب الإحصاء المركزي الإسرائيلي قبل أسبوع ونصف الأسبوع تقريراً عن وضع السكان في إسرائيل وفقا لمقاييس جودة الحياة. وهو يقول إن هذا النشر الذي يستند إلى معطيات مختلفة يأتي استمرارا لقرار حكومة إسرائيل في نيسان 2015، حيث يتم تشخيص حال ما يسمى "المناعة القومية" في مجالات مختلفة، ابتداء من جودة العمل، الأمن الشخصي، الصحة والتعليم، ووصولا إلى البيئة والانخراط المدني وثقافة وقت الفراغ. وارتباطاً بالموضوع قيد البحث، نتوقف هنا عند تلك المعطيات المتعلقة بمجال الأمن الشخصي، وبعض المجالات المتأثرة منه والمؤثّرة عليه.
وفقاً للتقرير، بلغت أضرار مخالفات الممتلكات من المدخولات كما يلي: 1ر6% من البيوت تضررت من اعتداءات ضد دور و9ر3% من اعتداءات ضد سيارات. ويقول التقرير إن البيوت اليهودية تضررت أكثر من البيوت العربية في نوعي المخالفات. كذلك، هناك ارتفاع في نسبة التضرر والإصابة من العنف أو من التهديد باستخدام العنف. بالمقابل، هناك انخفاض في التضرر من جرائم التحرش الجنسي، وانخفاض في وتيرة التضرر من السلوكيات العنيفة في الشوارع. وتشير المعطيات إلى أرقام واضحة حول تفشي العنف الدموي بين العرب أكثر منه بين اليهود. إذ بلغت حالات القتل عام 2016 بين العرب ما يفوق الحالات المشابهة بين اليهود بـ 7ر5 أضعاف.
بين المعطيات الأخرى: في العام 2017 تضرر وأصيب 7ر3% من المواطنين/ات أبناء 20 عاما فما فوق من مخالفات عنف ناجمة عن القوة الجسدية أو من التهديد باستخدام العنف. وفي العام 2017 أشار 14% من أبناء 20 عاماً فما فوق إلى أنهم لا يشعرون بالأمان خلال السير وحيدين في ساعات الظلام في منطقة سكناهم (ليس في مناطق بعيدة أو غريبة عنهم)، وهي نسبة أعلى من المعدل القائم في الدول المشاركة في الإحصاء الاجتماعي الأوروبي، الذي اعتمد التقرير مقاييسه لحساب جودة الحياة، إذ تبلغ النسبة 10%.
جرائم القتل بين العرب أكثر بـ6 مرات تقريبا منها لدى اليهود
لقد كانت نسبة حالات القتل بين المواطنين العرب على امتداد السنوات أعلى بشكل ملحوظ مقارنة بالواقع لدى المواطنين اليهود. وكما سبقت الإشارة، كانت هذه الجرائم بين العرب أكثر بـ6 مرات تقريبا منها لدى اليهود. هذا الجو وهذه الممارسات العنيفة تؤثر في عدة مستويات ومجالات، في العام 2017. وثيقة المعطيات تشتمل على مقاييس تربطها علاقة بتلك النسب المتعلقة بالعنف، والمخالفات والجرائم، منها الفقر والبطالة والشعور العام بالاكتفاء.
فمثلا فيما يخص نسبة التشغيل، يلاحظ أنها لدى اليهود أعلى بشكل جدي منها لدى العرب، وذلك بواقع 1ر65% لصالح اليهود مقابل 4ر43% بين العرب. فالفجوة في التشغيل بين اليهود والعرب تتزايد بشكل مضطرد على امتداد السنين وارتفعت من 4ر17% العام 2002 إلى 7ر18% العام 2011 ومنذ العام 2012 زادت عن 22%. كذلك فإن نسبة التشغيل بين النساء العربيات ظلت منخفضة بشكل استثنائي مقارنة بالنساء اليهوديات بواقع 4ر26% مقابل 2ر63% بين العربيات واليهوديات بالتلاؤم.
في الصورة العامة كما ورد في تقرير مكتب الاحصاء المركزي، يتضح أن نسبة الشعور بالرضى والاكتفاء في الحياة هي أعلى لدى اليهود وتبلغ 91% مقابل 75% لدى العرب. ويرتبط ذلك فيما يخص النجاح في التعاطي مع المشاكل ومواجهتها حيث أجاب 71% من اليهود أنهم ينجحون في مواجهة مشاكلهم، مقابل 56% فقط من العرب أفادوا بذلك. معطى آخر على صلة بدرجة الشعور العام بالطمأنينة، هو مدى الثقة بالآخر حيث أفاد اليهود أنهم يثقون بالآخر بنسبة أكبر بثلاث مرات من العرب: 47% مقابل 15% بالتلاؤم، وهو كما يبدو مرتبط بمدى الشعور العام بالأمان وما يهدده من عنف وسلاح.
عبوات ناسفة وقنابل يدوية وأسلحة فتاكة أُخرى. فماذا تفعل السلطات؟
لم تبذل الحكومة الحالية ما يكفي بالمرة من جهد ووقت واهتمام (وسياسات) لرفع مستوى جودة الحياة من باب رفع مستوى الأمن الشخصي. بل كما بيّن تقرير معهد أبحاث الكنيست، فإن السياسة ذهبت بالمقلوب، إذ وسعت إمكانيات حيازة السلاح. ويصح إيراد ما قاله المسؤول المُباشر عن الشرطة وزير الأمن الداخلي، غلعاد إردان (موقع "المصدر") إن "90% من السلاح غير المُرخص في شمال البلاد، المنطقة التي فيها عدد كبير من البلدات العربية، مصدره من الجيش الإسرائيلي". واعترف بأن الظاهرة التي يبيع فيها الجنود الأسلحة لجهات عربية ومن ثم يُبلّغون عن ضياعها تنتشر وتتسع. ولا يقتصر الأمر على بيع البنادق فحسب وإنما على عبوات ناسفة، وقنابل يدوية وأسلحة فتاكة أُخرى أيضاً.
السؤال: ماذا تفعل السلطات؟ لقد تكررت الإجابة، ليس على لسان المواطنين العرب فقط، بل على صفحات تقارير رسمية: السلطات لا تفعل الكثير.
"إنّ الأمن الشخصيّ للإنسان هو حاجة أساسيّة ووجوديّة، ويؤثّر المسّ به في جودة حياته مباشرة.. تشير المعطيات حول الجرائم الخطيرة في المجتمع العربيّ وحوادث العنف، بما في ذلك مخالفات الأسلحة وإطلاق النار، إلى أنّ الجرائم الخطيرة قد ازدادت على مرّ السنوات"، هذا ما جاء في تقرير غير مسبوق لمراقب الدولة الإسرائيلية.
وأكد: "لا تتناسب هذه المعطيات بالنسبة إلى المجتمع العربيّ مع معطيات ارتكاب الجرائم على المستوى القُطريّ من حيث حجمها وخطورتها. تُلحق الجرائم الخطيرة في أوساط السكّان في المجتمع العربيّ الضرر الفادح ليس بالضالعين فيها مباشرة فحسب، بل أيضاً بجميع المواطنين العرب في إسرائيل الذين يعانون أيضاً من انعدام الأمن الشخصيّ، إضافة إلى الضرر الكبير الذي يلحق بجودة حياتهم".
التعاون بين الجيش والشرطة للحدّ من توفّر الأسلحة لم يكن كافياً
هناك حاجة إلى النظر في عدّة قضايا رئيسة تتطلّب الفحص واتّخاذ القرار في ما يتعلّق باستعداد الدولة للتعامل مع ظاهرة الجريمة الخطيرة في المجتمع العربيّ، كما قال التقرير، مضيفاً "صحيح أنّه قد اتُّخذت خطوات في هذا المجال، لكن هناك شكوك بشأن قدرة هذه الخطوات على إحداث تغيير واسع وهامّ بالنسبة إلى الجريمة الخطيرة في المجتمع العربيّ، بحجمها وخصائصها الفريدة. تتمتّع مراكز الشرطة عامّة، ومكاتب التحقيقات والشرطة خاصّة، بقدرة محدودة على التعامل مع المهامّ العديدة والمعقّدة المفروضة عليها بسبب طبيعة الجرائم المتعلّقة بالأسلحة وإطلاق النار في هذا المجتمع. هناك حاجة إلى تحسين التعاون بين جميع الأطراف في الشرطة وبين بقيّة قوّات الأمن والشرطة".
إن الفجوة بين عدد حوادث الإجرام التي تنطوي على استخدام الأسلحة وعدد لوائح الاتّهام القليلة المقدّمة إلى المحاكم، تشير إلى فشل الشرطة في وضع قاعدة من الأدلّة، وإلى ضعف في إجراءات التحقيق التي تقوم بها الشرطة وإلى نجاعتها المنخفضة. و"هذا الأمر يستوجب تحليلاً واستخلاص النتائج بهدف فرض القانون بشكل أوسع وأكثر نجاعة"، يوصي التقرير، متابعاً على صعيد آخر حسّاس: "التعاون، في السنوات الأخيرة، بين الجيش الإسرائيليّ والشرطة للحدّ من توفّر الأسلحة في المجتمع العربيّ لم يكن كافياً. إلى جانب ذلك، في المستقبل القريب، سيكون من الضروريّ فحص ما إذا كان النشاط المشترك من قبل الجيش الإسرائيليّ والشرطة من خلال وحدة مشتركة مخصّصة لمكافحة سرقة الأسلحة من قواعد الجيش سيقضي على هذه الظاهرة".
في الخلاصة: "يتطلّب حجم ظاهرة الجريمة الخطيرة في المجتمع العربيّ ومميّزاتها تعزيز النشاط الحكوميّ على المستويات: الاجتماعيّ، الاقتصاديّ، المجتمعيّ- المحلّيّ والتربويّ وعلى مستوى الرفاه أيضاً... يتطلب الحدّ من الجريمة الخطيرة في المجتمع العربيّ خطوات حكوميّة واسعة النطاق وفعّالة. سيكون لعدم اتّخاذ مثل هذه الخطوات تأثير كبير في المجتمع الإسرائيليّ عامّة والمجتمع العربيّ خاصّة"، كما يؤكد مراقب الدولة الإسرائيلية.
هل هناك دولة في العالم ترسل المواطن لمواجهة السلاح والمسلحين؟
وهذا كله طبعاً خلافاً للأسلحة التي يجري تعريفها كأسلحة أمنية. ولقد كتب معلق "هآرتس" العسكري في هذا الصدد "إن الحرب ضدّ الأسلحة النارية في الضفة الغربية أصبحت هدفا عسكريا رئيسيا لإسرائيل في إطار مكافحة الإرهاب". ويقول إن الأذرع الأمنية قد سيطرت على عمليات تم فيها استخدام سلاح أو تصنيعه يدوياً. ويرى أنه "ساهمت عدة أسباب في ذلك النجاح، وعلى رأسها تحسّن المراقبة الإسرائيلية لمواقع التواصل الاجتماعي الفلسطينية بشكل سمح بالاعتقال المسبق لـ ’الذئاب المنفردة’ قبل خروجها لتنفيذ العمليات".
ويتابع المعلق أن الشرطة حذّرت من ظاهرة الأسلحة البدائية المصنّعة في الضفة الغربية والتي تباع للمجرمين في إسرائيل منذ عدة سنوات. لكن بعد أن تزايدت العمليات التي يُستخدم فيها سلاح ناري في الضفة تقرّر تركيز جهود الجيش الإسرائيلي و"الشاباك" ضدّ صناعة السلاح غير القانوني. معنى هذا أن السلطات قادرة حين تريد وحين تُستنفر تحت رايات ما يسمونه "مكافحة الإرهاب". وهنا تسقط تماما المزاعم القائلة إن الشرطة الإسرائيلية تحاول وتبذل جهودها، لكن المجتمع العربي لا يتعاون معها؛ وكأن هناك دولة في العالم ترسل مواطنين فيها لمواجهة السلاح والمسلحين، أي القيام بالواجب المُلقى حصرياً على الدولة الحديثة!