تحت عنوان "لا تقولوا إننا لم نقل: هكذا بالإمكان سرقة الانتخابات في إسرائيل"، نشر ملحق صحيفة "كالكاليست" التابعة لصحيفة "يديعوت أحرونوت" (يوم 14 شباط الجاري) تقريراً موسعاً عن أخطار القرصنة السيبرانية التي يمكن أن تتعرض لها الانتخابات البرلمانية القريبة في إسرائيل، للكنيست الـ 21، والتي من المقرر أن تجري في التاسع من نيسان القادم، وذلك في أعقاب التصريح المثير والاستثنائي وغير المسبوق الذي أطلقه رئيس جهاز الأمن العام الإسرائيلي ("الشاباك")، نداف أرجمان، قبل نحو شهر، وحذر فيه من أن "دولة أجنبية تنوي التدخل في الانتخابات، وسوف تتدخل"! وأضاف أرجمان، في تصريحه ذاك: "لا أعرف لصالح أي طرف، أو ضد أي طرف، سيكون هذا التدخل، كما لا أستطيع في هذه المرحلة تحديد المصلحة السياسية التي سيتم هذا التدخل من أجلها، لكنه سيتم"!
واستفتت الصحيفة، ضمن تقريرها هذا، الذي أشارت فيه إلى أن "التأثير على الانتخابات في إسرائيل بواسطة القرصنة السيبرانية، أو تنفيذ هجوم على حواسيب لجنة الانتخابات المركزية للكنيست الـ 21، هو أكثر من مجرد احتمال معقول"، آراء عدد من المختصين في مجال "الحرب السيبرانية"، إضافة إلى رأي قاضي المحكمة العليا الإسرائيلية المتقاعد سليم جبران (بصفته رئيس لجنة الانتخابات المركزية لانتخابات الكنيست الـ 20، التي جرت في آذار 2015)، والذين أجمعوا على أن هذا الخطر (خطر التدخل في الانتخابات والتأثير عليها) قائم فعلاً، بل هو "خطر ملموس قد يلحق أضراراً جدية بالجهاز الانتخابي"، بالرغم من حقيقة كون دولة إسرائيل "قوة عظمى في مجال السيبرانية"!
"بالتنسيق مع جهة محلية"!
يرى عضو الكنيست السابق مئير مرغليت (من تحالف "المعسكر الصهيوني") وهو أحد المستثمرين البارزين في مجال التكنولوجيا عموما، وفي عدد من شركات "السايبر" خصوصاً، أن "ثمة خطرا ملموساً وحقيقيا لتعرض الجهاز الانتخابي إلى ضرر جسيم ولحصول تدخل خارجي في الانتخابات، بالتنسيق مع جهة داخلية، بغية حرف نتائج الانتخابات... وهو ما ينبغي أن يثير قلقا جديا لدى أي مواطن هنا، سواء كان من أوساط اليمين أو أوساط اليسار، على مصير العملية الديمقراطية في إسرائيل".
وأشارت الصحيفة إلى أن الأقوال التي أدلى بها مرغليت في هذا التقرير "بصورة علنية للمرة الأولى"، كان قد قالها "في جلسات سرية مغلقة" على مدى أكثر من عامين، خلال إشغاله عضوية "اللجنة الفرعية لشؤون السايبر" التابعة للجنة الشؤون الأمنية والخارجية التابعة للكنيست، من 2015 حتى 2017، وهي "فترة حاسمة في كل ما يتصل بالاستعداد لإمكانية تعرض الانتخابات في إسرائيل لهجمات سيبرانية. ويؤكد مرغليت أنه "إذا لم تستفق جميع الأحزاب السياسية ولم تطالب بنقل مهام وصلاحيات الرقابة على "المنظومة السيبرانية" الإسرائيلية إلى جهة أخرى، غير تلك الخاضعة لديوان رئيس الحكومة بصورة مباشرة حالياً، فثمة خطر واضح وفوري لحصول تدخل سيبراني في الانتخابات القريبة".
نوعان من التدخل السيبراني
في الحديث عن التدخل السيبراني وحماية المعلومات، ثمة نوعان أساسيان من التهديدات: الأول ـ الهجوم السيبراني الرامي إلى تشويش العملية الانتخابية ذاتها أو تزوير نتائجها؛ والثاني ـ استخدام الأحابيل والأخبار الكاذبة والملفقة بغية خلق "وعي زائف" يؤثر على الرأي العام وعلى سلوك الناخبين.
يشرح مرغليت فيشير بداية إلى أنه جرى الكشف في إسرائيل، قبل ثلاثة أشهر، عن قراصنة فعالين أنشأوا شبكة واسعة من حسابات التويتر المزورة قامت بنشر مواد مختلفة دعماً لرئيس الحكومة الحالي، بنيامين نتنياهو. وكانت التقديرات أن "جهة أجنبية" هي التي أنشأت هذه الشبكة وفعّلتها وأنه خلال الأشهر الستة التي سبقت الكشف عنها "نشرت آلاف التغريدات التي استهدفت التأثير على الحوار الجاري على شبكة التويتر، بما في ذلك من خلال نشر معلومات متناقضة، منها ما هو مؤيد لرئيس الحكومة، ومنها ما هو ضد زوجته وضد اليهود بشكل عام". ثم يضيف: النوع الأول من التخريب السيبراني يشمل "اختلاق ونشر معلومات ملفقة... فخلال الانتخابات الأخيرة للرئاسة الأميركية، مثلا، جرى فتح نحو 450 حساباً (صفحة) مزورا على موقع فيسبوك جرت إدارتها من الولايات المتحدة ومن خارجها نشرت عبرها معلومات مذهلة في اللحظات الحاسمة من المعركة الانتخابية. وقد حصل الأمر ذاته خلال عملية التصويت على "البريكزيت" في بريطانيا (خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي) وخلال الانتخابات الرئاسية الأخيرة في فرنسا. "أسلوب العمل هذا يخلق وعياً مزيفاً، بواسطة الأخبار الكاذبة الملفقة أو بواسطة التلاعب بالمعلومات الحقيقة، مما يخلق واقعاً بديلاً". أما النوع الثاني فيتمثل، أساساً، في سرقة المعلومات من الطرف المنافس ونشرها، وسط تدخل طرف خارجي. ويوضح مرغليت: "لقد رأينا هذا في الحالة الأميركية، حيث قامت وحدة روسية بالتعاون مع جهة أميركية داخلية، من الجناح الجمهوري، باقتحام مكاتب الحزب الديمقراطي وسرقة عشرات آلاف الرسائل من حسابات البريد الإلكتروني في مقر قيادة حملة هيلاري كلينتون، ثم نشرها من خلال موقع ويكيليكس، وهو ما سبب ضررا هائلا جدا في اللحظات الحاسمة". ويؤكد: "ما جرى في الانتخابات الأخيرة في كل من الولايات المتحدة، ألمانيا، فرنسا وبريطانيا، سيحدث في الانتخابات القريبة في إسرائيل"!
التهديدات الداخلية هي الأساس
يشدد دافيد سيمانطوف، الباحث في مجال الاستخبارات السيبرانية في "معهد دراسات الأمن القومي"، على أن القضية المركزية هي "تلويث الحوار السياسي" وأن "التقسيم إلى تهديدات داخلية مقابل تهديدات خارجية هو أمر إشكاليّ جدا"، إذ "ليس من المريح لنا أن نفهم أن النظر ينبغي أن يتركز على التهديدات الداخلية، أساساً، وليس فقط على التهديدات الخارجية، إذ ثمة هنا ديمقراطية ينبغي حمايتها والمحافظة عليها"! ويوضح سيمانطوف، الذي خدم في مناصب استخباراتية مختلفة في الجيش وشعبة الاستخبارات التابعة له ("أمان")، أن "هدف الهجمات السيبرانية في كثير من الحالات ليس تغيير أنماط تصويت الناخبين، وإنما تغيير الوعي... مثلاً، من خلال اقتحام حاسوب تابع لمستشار حملة انتخابية معينة وتسريب مضمون هذه الحملة ومركّباتها، تغييرها أو التلاعب بها".
أما دورون أوفك، الخبير في السيبرانية وتأمين المعلومات، من "جامعة بن غوريون" في النقب والمستشار لدى الجيش الإسرائيلي وغيره من الأجهزة الأمنية، كما لشركات اقتصادية مختلفة، فيرى أن "ثمة سبباً وجيها للقلق والتخوف، لأن من يرغب في تلويث العملية الديمقراطية (الانتخابية) في إسرائيل يمتلك الأدوات اللازمة للقيام بذلك، نظراً لأن الجاهزية الإسرائيلية لمواجهة هذه الأخطار والتهديدات هي غير كافية، بأٌقل تقدير". ويوضح أوفك إنه "بينما يعرف القطاع الأمني جيداً حماية منظوماته من الهجمات السيبرانية، نجد أن القطاع الحكومي يعيش في هذا المجال حالة من الفوضى العارمة وليس ثمة وعي كاف لهذا الأمر". أما عن كل ما يتعلق بالانتخابات البرلمانية القريبة في إسرائيل، فيرى أوفك أن "الوقت أصبح متأخرا جدا، لأن حماية منظومات الحوسبة الانتخابية تستلزم عملية من التخطيط والبناء، تستغرق وقتا طويلا. وعلى أية حال، ثمة إلى جانب النظام الانتخابي المركزي أنظمة فرعية كثيرة غير محمية بما فيه الكفاية أو مُختَرَقة تماما، تتيح مجالا هائلاً من العمل ضدها".
كل شيء مُختَرَق ـ خطر حقيقي على الديمقراطية
يؤكد رئيس لجنة الانتخابات المركزية للكنيست الـ 20 (2015)، قاضي المحكمة العليا المتقاعد سليم جبران، أنه "لا يشعر بالارتياح ولا بالاطمئنان"، لأن ثمة "أشخاصاً كثيرين وهيئات عديدة وأحزاباً يمكنها تغذية الشبكة العنكبوتية بمعلومات مختلفة، دون القدرة على كشف هويتها وعلى الحد من تأثيرها... كل الأحزاب لديها اليوم خبراء في مجال السيبرانية والمعلومات وهنالك العديد من الطرق المتاحة للتأثير على الرأي العام من دون أية رقابة... كل شيء مُختَرَق، مما يشكل خطرا جسيما على الديمقراطية".
بصفته رئيسا للجنة الانتخابات المركزية في 2015، أوصى جبران أمام الكنيست ورئيس الدولة بإجراء سلسلة من التعديلات القانونية بغية ملاءمة "قانون الدعاية الانتخابية" للواقع المستجد، علما بأن هذا القانون من سنة 1959 "وهو قانون تقادم عليه الزمن، على ضوء التطورات الهائلة التي حصلت في مجال ووسائل الدعاية الانتخابية، بحيث لم يعد ثمة مبرر لوجود هذا القانون بصيغته الحالية، غير أن الكنيست ـ على ما يبدو ـ لا يمتلك الوقت الكافي للانشغال بهذا الموضوع"، كما يقول جبران. ويضيف: "كان ينبغي عليهم التفكير في هذا قبل الانتخابات السابقة، بل قبل التي سبقتها أيضا، لكن أحدا لم يحرك ساكنا".
ويذكّر جبران بأن "لجنة شعبية للنظر في قانون الدعاية الانتخابية قد تشكلت فعلا في حزيران 2015، برئاسة رئيسة المحكمة العليا السابقة دوريت بينيش، وبعد أقل من ثلاث سنوات قدمت توصياتها التي شملت، من بين أشياء أخرى، فرض الرقابة على الدعاية الانتخابية المنشورة على الشبكة العنكبوتية. وقد تمت ترجمة تلك التوصيات إلى نص قانوني لتعديل القانون القائم، حظي بتأييد واسع. لكن اقتراح القانون الجديد "علق" في لجنة الدستور البرلمانية، التي جرى تحويله إليها في تموز 2018، وذلك بناء على رغبة رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، الذي طلب سحب اقتراح القانون وعدم النظر به قبل الانتخابات (التي جرت في آذار 2015) "لأنه يريد دراسته أولاً"، وهذا ما حصل فعلاً.... وفي نهاية المطاف، لم يجر تطبيق توصيات لجنة بينيش".
وردا على سؤال، قال جبران "نعم، لقد تعمد رئيس الحكومة المماطلة وربح الوقت... لكن، ما العمل؟ هذا حقه. إنها الديمقراطية"!
من المسؤول؟... نتنياهو يتحكّم!
في العام 2016 بدأت تعمل في إسرائيل "سلطة السايبر القومية"، وهي هيئة حكومية ـ مدنية مهمتها حماية وتأمين المعلومات في المجال المدني: الحماية من هجمات سيبرانية على مرافق اقتصادية مدنية مختلفة وعلى بنى تحتية حيوية في قطاعات اقتصادية مركزية. لكن رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو بادر، في نهاية العام 2017، إلى دمج "سلطة السايبر القومية" هذه مع "طاقم السايبر القومي"، الذي كان حتى ذلك الحين وحدة تابعة لديوان رئيس الحكومة.
لكن سعي نتنياهو إلى إقامة "منظومة السايبر القومية"، بدمج الهيئتين المذكورتين وتوحيدهما في هيئة واحدة تحت مسؤوليته المباشرة، دفع رؤساء الأجهزة الأمنية إلى التحرك بصورة غير مسبوقة وتوجيه الدعوة لنتنياهو وللمجلس الوزاري المصغر إلى "تغيير نص اقتراح القانون"، وذلك في رسالة وجهها إليه ووقع عليها كل من رئيس "الشاباك" نداف أرجمان، رئيس "الموساد" يوسي كوهن، نائب رئيس أركان الجيش الجنرال يائير غولان، ومدير عام وزارة الدفاع أودي آدم.
إلا أن معارضة هؤلاء لم تثن رئيس الحكومة عن مسعاه، فصادقت الحكومة على توحيد الهيئتين السابقتين في واحدة جديدة ـ "منظومة السايبر القومية" ـ تخضع لمكتب رئيس الحكومة، مباشرة وحصرياً.
"المشكلة ليست في المنظومة بحد ذاتها، وإنما في الشخص الذي يتحكم بها ـ نتنياهو"، يقول مرغليت، ويوضح: "كعضو في اللجنة السرية للشؤون السيبرانية، رأيت كيف يحارب رجال نتنياهو أية محاولة تشريعية لتنظيم موضوع الحماية السيبرانية، فقط من أجل تمكينه من السيطرة المباشرة والحصرية على هذا المجال. ليس من المنطقي ولا من المعقول أن يكون شخص يتنافس على رئاسة الحكومة ـ حتى وإن لم يكن مشتبهاً به بارتكاب مخالفات جنائية ـ مسؤولا عن منظومة السايبر، يديرها ويدير مسألة تأمين طهارة الانتخابات في إسرائيل"!
المصطلحات المستخدمة:
الموساد, يديعوت أحرونوت, الكنيست, رئيس الحكومة, بنيامين نتنياهو