*رئيس النقابة، إيفي نافيه، "الرجل القوي في جهاز القضاء الإسرائيلي"، يضطر إلى تقديم استقالته والقاضية المشتبه بها "تخرج إلى إجازة" * نافيه يواجه لائحة اتهام أخرى ويتهم النائب العام للدولة: "قرر تقديمها ضدي بدوافع شخصية"!*
تواصل الشرطة ("وحدة لاهف 433" ـ الوحدة القطرية لمكافحة الفساد والجريمة المنظمة) تحقيقاتها في ما أطلق عليها اسم "فضيحة التعيينات مقابل الجنس" في الجهاز القضائي في إسرائيل، بكل درجاته ومستوياته، في الوقت الذي تتواصل فيه وتتسع مفاعيل "الهزة الأرضية العنيفة" التي تعرض لها هذا الجهاز، بفعل هذه الفضيحة، التي رجح كثيرون من المطلعين على تفاصيلها، في الأوساط القضائية والإعلامية خصوصا، أنها ستؤدي إلى "عاصفة قوية وارتباك شديد في الجهاز القضائي برمّته، في حال وصولها إلى أروقة المحاكم، إذ لن يرتدع إيفي نافيه (المشتبه به الرئيسي فيها) عن جرّ قضاة سابقين وحاليين كثيرين إلى دوامتها"!
وكانت المحكمة قد أخلت سبيل رئيس نقابة المحامين في إسرائيل، إيفي نافيه، ووضعته رهن الاعتقال المنزلي لمدة ثمانية أيام، بعد اعتقاله والتحقيق معه لساعات طويلة، بشبهات "تلقي الرشى الجنسية وخيانة الأمانة" من خلال استغلال منصبه، كرئيس لنقابة المحامين، للتأثير على عمل وقرارات "لجنة تعيين القضاة" في إسرائيل، من خلال "التحالف الوثيق" بينه وبين رئيسة هذه اللجنة، وزيرة العدل، أييلت شاكيد، ومن خلال التأثير على مندوبيّ "نقابة المحامين" العضوين في اللجنة ذاتها، خلافاً للقانون وللأعراف المعمول بها.
وتدور الشبهات حول تعيين قاضية في إحدى محاكم الصلح في وسط البلاد ومحاولة ترقية قاض من محكمة الصلح إلى المحكمة المركزية، مقابل علاقات جنسية أقامها مع القاضية (قبل تعيينها) في الحالة الأولى، ومع زوجة القاضي (في الحالة الثانية)، والتي هي عضو بارز ومسؤول في مؤسسات نقابة المحامين، إضافة إلى كونها ناشطة في حزب الليكود وكانت تنوي التنافس على مكان ضمن قائمة مرشحي هذا الحزب لانتخابات الكنيست القريبة، التي ستجري في التاسع من نيسان القادم.
وبعد أيام عديدة من حظر نشر أية تفاصيل عن هذه الفضيحة، عادت المحكمة وسمحت بنشر اسم المشتبه به الرئيسي، نافيه، بينما أبقت الحظر على نشر أسماء المتورطين الآخرين، حسب الشبهات، وخاصة القاضية وزوجة القاضي المذكورتين.
وفي أعقاب التحقيقات والنشر، اضطر نافيه إلى تقديم استقالته من منصبه كرئيس لنقابة المحامين، بينما قررت القاضية المشتبه بها "الخروج إلى إجازة" ريثما تنتهي التحقيقات والإجراءات في هذه القضية.
في الأثناء، تحقق الشرطة في شبهات إضافية أخرى مع نافيه، في مركزها أيضاً استغلال منصبه والابتزاز الجنسي في محاولته "تقديم مساعدة" لشابة يهودية أنهت دراسة الحقوق لكنها فشلت في اجتياز امتحان نقابة المحامين (امتحان التأهيل للحصول على رخصة مزاولة مهنة المحاماة). ويستدل مما نُشر عن الإفادة التي قدمتها هذه الشابة في وحدة التحقيق الخاصة أن نافيه وعدها بـ"ضمان نجاحها" في هذا الامتحان، بواسطة تسريب أسئلته إليها قبل موعده، ثم بـضمّها إلى مكتب كبير للمحاماة لاجتياز فترة التدريب العملي (الستاج)، مقابل ممارسة الجنس معها، لكنه لم يفِ بأي شيء مما وعدها به.
هاتف قديم ومراسلات مشبوهة!
هاتف نقال قديم محفوظ في خزنة خاصة في منزل إيفي نافيه القديم، حيث كان يقيم مع زوجته السابقة، هو مصدر المعلومات عن هذه الفضيحة وهو الذي كشف خيوطها. فقد حصلت مراسلة إذاعة الجيش الإسرائيلي ("غالي تساهل") للشؤون الجنائية، هداس شتايف، على هذا الهاتف "من أحد مصادر معلوماتها"، كما نُشر. وحال الحصول عليه، استعانت المراسلة بخبير خاص استطاع فتح الهاتف، فعثرت على المراسلات العديدة التي جرت بين نافيه، من جهة، وبين القاضية وزوجة القاضي المشتبه بهما من جهة أخرى.
وبعد مداولات مطولة في الإذاعة المذكورة، بالتشاور مع "النيابة العسكرية" المسؤولة المباشرة عن هذه الإذاعة، ثم مع النيابة العامة للدولة، تقرر تحويل جميع المراسلات المثيرة للشبهات بارتكاب مخالفات جنائية خطيرة إلى الشرطة للتحقيق فيها.
استنادا إلى تلك الرسائل المتبادلة، شرعت الشرطة في إجراء "تحقيقات سرية" في الموضوع، سرعان ما علمت بها بعض وسائل الإعلام الإسرائيلية، ناهيك عن أوساط واسعة من العاملين والمسؤولين في الجهاز القضائي. وحين توجهت بعض وسائل الإعلام إلى المحكمة بطلب السماح بالنشر عن القضية، قررت المحكمة الاستجابة لطلب رئيس "وحدة لاهف 433" الذي مثل أمام المحكمة شخصيا (وهي خطوة غير مسبوقة) لمنع النشر "نظرا للحساسية الفائقة" لهذه القضية! وأصدرت المحكمة أمراً يحظر نشر أية تفاصيل عن القضية أو عن الأشخاص المتورطين فيها، حسب الشبهات، لكنها عادت وسمحت لاحقا بنشر اسم "المشتبه به المركزي"، رئيس نقابة المحامين إيفي نافيه، فقط.
على هذه الخلفية، تقدم نافيه، وبواسطة محاميه، الأحد الماضي، بشكوى رسمية إلى الشرطة ضد إذاعة الجيش ومراسلتها، هداس شتايف، بدعوى "وضع اليد على هاتفه الشخصي بصورة غير قانونية" وبادعاء أن جميع المعلومات المستقاة من هذا الهاتف "هي أدلة غير قانونية وغير مشروعة"، نظرا لطريقة استخراجها ونظرا لما ينطوي عليه ذلك من مس بخصوصيته.
لائحة اتهام سابقة ودوافع شخصية
يأتي الكشف عن هذه الفضيحة الجديدة، التي لم يسبق لها مثيل في تاريخ الجهاز القضائي الإسرائيلي، بعد أسابيع قليلة من قرار النيابة العامة للدولة تقديم لائحة اتهام ضد إيفي نافيه، على خلفية ضبطه وهو يحاول إدخال صديقة له إلى البلاد، في "مطار بن غوريون الدولي"، من دون خضوعها لإجراءات المراقبة وختم جواز السفر المعمول بها في المطار، وهو ما يشكل مخالفة لقانون الدخول إلى البلاد والخروج منها.
وقد حاول نافيه في البداية إنكار هذه التهمة والتنصل منها، لكن شريط التصوير الذي عرضه أمامه موظفو "مراقبة الحدود" في المطار اضطره إلى الاعتراف، ليس فقط بمحاولة إدخال صديقته بهذه الطريقة، وإنما بنجاحه في إخراجها من البلاد، في المطار نفسه، بالطريقة نفسها.
واعترف نافيه بالمخالفة، لكنه حاول التقليل من أهميتها وخطورتها بادعاء أنه "ارتكب حماقة فقط" وأن ما قام به استهدف التستر على علاقته بالشابة المرافقة له، في محاولة منه لتجنب إعطاء ذريعة لزوجته الحالية التي يخوض معها إجراءات طلاق في المحكمة.
وبرغم اعترافه الصريح بهذه المخالفة الخطيرة، إلا أن نافيه واصل التمتع بتأييد ودعم (وصمت) أوساط قضائية واسعة في إسرائيل، سواء في المحاكم أو في نقابة المحامين أو في وزارة القضاء، وعلى رأسها حليفته وصديقته المقربة، الوزيرة أييلت شاكيد.
لكن النائب العام للدولة، شاي نيتسان، قرر في نهاية المطاف تقديم لائحة اتهام ضد نافيه على خلفية هذه المخالفة، وهو ما اعتبره نافيه "قرارا بدوافع شخصية"، مدعياً بأن نيتسان اتخذ قراره هذا لأنه أيقن أن نافيه (ونقابة المحامين) لا يدعم ترشيحه لمنصب قاض في المحكمة العليا، مما سيحول دون فوزه بهذا المنصب الذي يطمح إلى إشغاله فور إنهائه مهام منصبه الحالي، نائبا عاما للدولة، خلال الأشهر القادمة!
الرجل القوي "يفعل ما يحلو له"!
في إحدى الرسائل التي تبادلها نافيه مع القاضية المشتبه بها، قبل تعيينها في كرسي القضاء، تسأله المرشحة: "هل سمعتَ الأخبار (عن المرشحين لسلك القضاء وفرص فوزهم)"؟ فيجيبها: "أنا الذي أصنع هذه الأخبار"! في إشارة واضحة جدا إلى مدى سلطته وتأثيره.
هذه السلطة، الواسعة والتي تكاد تكون مطلقة وغير مسبوقة في إسرائيل، كانت قد أثارت، خلال السنتين الأخيرتين بشكل خاص، لغطا وهمسا واسعين في الحلبتين القضائية والسياسية في إسرائيل، لكنها لم تثر أية اعتراضات أو معارضة تذكر، كما لم تثر اهتماما حقيقيا لدى وسائل الإعلام الإسرائيلية التي فضلت التزام الصمت غالباً، سوى في حالات نادرة. وإحدى هذه الحالات هو تحقيق تلفزيوني بثته القناة التلفزيونية الثانية في البلاد قبل نحو سنة، ضمن برنامج التحقيقات "عوفداه" (حقيقة) وتطرق إلى تأثير نافيه القوي والواسع جدا على عمل "لجنة تعيين القضاة" وقراراتها، وما يستتبع ذلك من مساع كبيرة يبذلها قضاة ومحامون لعقد صداقات مع نافيه ومحاولات للتقرب منه، سعيا إلى الفوز بتأييده ودعمه لهم في تعيينهم قضاة، أو ترقيتهم، في المحاكم الإسرائيلية. كما نشرت صحيفتا "هآرتس" و"ذي ماركر" بعض التحقيقات الصحافية حول نافيه ونقابة المحامين تحت قيادته.
إلا أن أبرز التحقيقات الصحافية التي نُشرت في إسرائيل عن نافيه وسلطته وعلاقاته وممارساته كانت تلك التي نشرتها الصحافية شارون شفورر في موقع "المكان الأكثر حرارة في جهنم"، والتي قام نافيه ونقابة المحامين على أثر أحدها بتقديم دعوى قذف وتشهير ضد الصحافية والموقع طالبهما، من خلالها، بدفع تعويضات بمبلغ مليون شيكل! ولا تزال هذه الدعوى قيد النظر والمداولات القضائية.