المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • تقارير، وثائق، تغطيات خاصة
  • 1309

أكدت جهات اقتصادية وحكومية إسرائيلية، في الأيام الأخيرة، قلقها من الإجراءات الاقتصادية التي يتخذها الرئيس الأميركي دونالد ترامب، في وجه التبادل التجاري مع العالم، لا سيما فرض جمارك على الاستيراد، وخاصة مع الصين، لكن أيضا مع دول الاتحاد الأوروبي. وأشارت تقارير متطابقة إلى أن رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو لم ينجح حتى الآن في طلبه استثناء إسرائيل من هذه الإجراءات. في المقابل، فإن مكتب رئيس الحكومة شرع بأبحاث لإقامة جهاز رقابة على الاستثمارات الأجنبية في إسرائيل، وسط تأكيد جهات على أن المستهدف الأساس من وراء هذا الإجراء هو الاستثمارات الصينية المتزايدة في الاقتصاد الإسرائيلي.

فقد كشفت القناة العاشرة للتلفزيون الإسرائيلي وصحيفة "ذي ماركر" الاقتصاديّة عن أن مكتب رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو أقام جهازا لفحص الاستثمارات الأجنبية في الاقتصاد الإسرائيلي لغرض مراقبتها، وكان واضحا أن المستهدف بالذات هو الاستثمارات الصينية الآخذة بالتوسع في الاقتصاد الإسرائيلي. وبحسب القناة العاشرة، فإن هذه الأبحاث لفتت انتباه مستثمرين إسرائيليين يشجعون مستثمرين صينيين على الاستثمار في الاقتصاد الإسرائيلي.

وتسعى إسرائيل، في السنوات الأخيرة، إلى تطوير العلاقات الاقتصادية مع الصين، وبالذات تسعى إلى تقليص الفجوة في الميزان التجاري، القائمة لصالح الصين. وفي العام الماضي، تم التوقيع على اتفاقية التجارة الحرّة بين الجانبين، على وقع تقارير تؤكد أن التبادل التجاري بينهما في ازدياد مستمر. لكن ما هو بارز في السنوات القليلة الأخيرة، هو تزايد استثمارات الصينيين في الاقتصاد الإسرائيلي، ولربما أن العنوان الأبرز لهذه الاستثمارات كان شراء شركة صينية لشركة "تنوفا" للألبان، التي اعتبرت ذات يوم أضخم شركة اقتصادية للحركة الصهيونية، منذ ما قبل النكبة. غير أنه في العامين الأخيرين يبرز أيضاً اهتمام الصينيين بصناديق التقاعد الإسرائيلية.

وقالت صحيفة "ذي ماركر" إن السبب الأول لهذا البحث الإسرائيلي الرسمي هو اتساع استثمارات صناديق وشركات صينية في أنحاء واسعة في العالم. وثانيا، أنه إذا ما فرضت إسرائيل جهاز رقابة على الاستثمارات الصينية، فإنها لن تكون الأولى، وإنما تتبع بهذا الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا. وتضيف الصحيفة أن إقامة جهاز رقابة كهذا، سيكون بمثابة تحول جذري في سياسة نتنياهو، الذي زار الصين عدة مرات خلال ولايات حكومته الثلاث، بما فيها الأخيرة، وظهر متحمسا لتطوير العلاقات الاقتصادية بين الجانبين. وعند زيارة نتنياهو الأخيرة إلى الصين، قبل عام، قال إن التوقيع على اتفاقية التجارة الحرّة مع الصين من شأنه أن يساهم في النمو الاقتصادي، وبحسب قوله فإن في تلك الاتفاقيات احتمالات كبيرة لزيادة الصادرات الإسرائيلية إلى الصين.

ونقلت "ذي ماركر" عن جهات اقتصادية إسرائيلية فاعلة مع الصين تقديراتها بأن القرار الإسرائيلي هو نتاج تأثير سياسة الإدارة الأميركية على سياسات رئيس الحكومة نتنياهو. وقالت الصحيفة إنه خلال جلسة لجنة الخارجية والأمن في الكنيست، التي اطلعت على البحث الجاري في مكتب رئيس الحكومة، استعرض رئيس مجلس الاقتصاد الوطني، البروفسور آفي سمحون، التطورات الجارية في محور العلاقات التجارية والاقتصادية بين الجانبين الأميركي والصيني، بدون إبداء موقف مما يجري. وحسب الصحيفة، فإن هذا الحذر يعود إلى تنامي العلاقات الاقتصادية مع الصين، وخاصة زيادة الصادرات.

وبحسب تقارير العام 2017، فإن صادرات البضائع الإسرائيلية وحدها إلى الولايات المتحدة بلغت 1ر11 مليار دولار (لا تشمل صادرات الخدمات بحجم أكثر بقليل)، في حين أن حجم صادرات البضائع إلى الصين، ومن دون صادرات خدمات، بلغ قرابة 2ر3 مليار دولار. وبلغ حجم استيراد البضائع من الولايات المتحدة في العام الماضي، قرابة 72ر2 مليار دولار، بينما استيراد البضائع من الصين بلغ 47ر6 مليار دولار.

وتقول "ذي ماركر" إنه حتى ولو كان جهاز الرقابة على الاستثمارات الأجنبية في إسرائيل عاما لكل الدول، فمن الصعب غض الطرف عن حقيقة أن المستهدف الأساس من وراء هذا الإجراء هو الاستثمارات الصينية.

تطوير دائم للعلاقات الإسرائيلية- الصينية

يتراوح التبادل التجاري بين الصين وإسرائيل ما بين 10 مليارات إلى 11 مليار دولار، ويميل الميزان لصالح الصين، وتتراوح النسب المتقلبة بين 77% استيراد من الصين، في مقابل 23% صادرات إليها.

وقالت تقارير أولية إن الثلث الأول من العام الجاري، 2018، شهد مضاعفة لحجم الصادرات الإسرائيلية إلى الصين. وبحسب تلك التقارير، فإن حجم التبادل التجاري هذا مرشح للارتفاع أكثر في السنوات المقبلة، مع دخول اتفاقية التجارة الحرّة مع الصين إلى حيز التنفيذ بشكل كامل في بحر العام الجاري.
ويستدل من المعطيات أن الحصة الأكبر في الصادرات إلى الصين هي من القطاع التكنولوجي، إن كان على مستوى المركبّات الدقيقة، أو على مستوى المعدات. وتحل في المرتبة الثانية المواد الكيميائية على مختلف أنواعها. وقال تقرير أخير إن إسرائيل تطمح أيضاً في تعميق صادراتها الطبية إلى الصين.

ويقولون في وزارة الخارجية الإسرائيلية إن العلاقات مع الصين تتطور في كافة الاتجاهات، السياسية والاقتصادية والثقافية والسياحية. وفي السنوات الأخيرة تم فتح عدد من القنصليات والممثليات الإسرائيلية في الصين، إلى جانب السفارة في بكين، والقنصلية المركزية في شنغهاي. وبموازاة ذلك تزايد عدد الموظفين الدبلوماسيين الإسرائيليين في الصين، في حين قالت تقارير إسرائيلية إن العديد من الشركات الإسرائيلية فتحت لها ممثليات وفروعا في الصين، لغرض تسهيل العلاقات الاقتصادية.

إلا أن الممارسة الصينية على الأرض تشير إلى غير ما توحيه الجهات الإسرائيلية على الصعيد السياسي. ففي العام الماضي أقرت الحكومة الإسرائيلية لهذا العام استقدام 20 ألف عامل من الصين، ليعملوا في قطاع البناء، الذي يعاني من قلة العاملين. وبحسب ما نشر، فإن إسرائيل تعهدت للحكومة الصينية بعدم تشغيل العمال في مستوطنات المناطق الفلسطينية والسورية المحتلة منذ العام 1967. لكن في شهر حزيران الماضي، أوضحت الصين موقفها أكثر بمنع عمالها من العمل في القدس المحتلة، على وجه الخصوص. وهذا الموقف الصيني ساهم في عدم تطبيق قرار الحكومة الإسرائيلية، إذ أنه لم تتم عملية استقدام العمال الصينيين، وفي المقابل فإن وزارة البناء والإسكان تعتزم، بناء على طلب اتحاد مقاولي البناء، تمديد تصاريح عمل 3200 عامل صيني، من الذين يعملون في إسرائيل منذ حوالي 10 سنوات، باعتبار أنهم مهنيون، لكن في ذات الوقت فإن قرار حظر العمل في القدس المحتلة لا يسري عليهم.

وفي السنوات الأخير تبرز الاستثمارات الصينية في الاقتصاد الإسرائيلي على مستويات عدة، منها شركات إنتاج، ولكن أيضا هناك استثمارات صينية في صناديق تقاعد إسرائيلية. غير أن التركيز هو على قطاع التقنيات العالية، بادعاء أن هذا القطاع ليس متطورا في الصين بالمستوى القائم في إسرائيل، ولذا فإن مستثمرين صينيين معنيون بالشراكة ما بين اقتصادهم والتقنيات الإسرائيلية.

والقضية الأضخم من ناحية إسرائيل كانت في العام 2014، حينما اشترى مستثمرون صينيون شركة الألبان والأجبان الإسرائيلية الأضخم "تنوفا"، التي كانت ذات يوم معلما من معالم اقتصاد الحركة الصهيونية في فلسطين، كشركة تعاونية بين المستعمرات الزراعية في ذلك الحين، وبعد العام 1948 تحولت إلى شركة شبه احتكارية لهذا القطاع الأساسي، حتى بدأت تظهر شركات صغيرة نسبيا تنافسها. وقال تقرير في الشهر الماضي إن احتكار "تنوفا" هبط لأول مرّة منذ 70 عاما عن نسبة 50%، وبات 49%، بعد أن كانت الشركة تسيطر على 90% من السوق حتى قبل ثلاثة عقود. وهذا أحدث ضجة كبرى في إسرائيل، وكانت نابعة من أنه لأول مرّة تباع السيطرة كليا لشركة أجنبية، إذ سبقت الشركة الصينية في شراء "تنوفا" شركة هولندية، إلا أن هذه الأخيرة كان فيها شريك إسرائيلي.

ويضاف إلى هذا أن إسرائيل تتنبه إلى حقيقة ارتفاع السياحة من الصين، وقد بلغ عدد السياح من الصين في العام الماضي (2017) 105 آلاف سائح، بزيادة 15% عن العام الذي سبق.

وبحسب التوقعات فإن أعداد السياح ستسجل هذا العام ارتفاعا بنسبة أكبر.

 

 

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات