ما تزال نسبة البطالة المنخفضة في إسرائيل تثير تساؤلات كثيرة لدى المختصين، وخبراء الاقتصاد، وأيضا لدى المؤسسات الرسمية، إذ أن نسبة البطالة في شهر أيار الماضي بلغت 9ر3%، وهي تعني عدم وجود بطالة فعليا، إلا أن هذا استنتاج يشكك فيه خبراء كثيرون.
وقد أظهر بحث جديد لسلطة التشغيل، نشرت معطياته قبل أيام، أن البطالة ارتفعت بالذات بين ذوي الشهادات العليا والتحصيل الجامعي.
من ناحية أخرى، أظهر تقرير جديد لمركز الأبحاث "أدفا" استمرار الفجوات في معدلات الرواتب، وكان أصحاب الرواتب الأعلى من الأشكناز، بينما الأدنى من العرب، ويليهم الأثيوبيون.
وكانت آخر معطيات للبطالة قد تحدثت عن نسبة 9ر3% في شهر أيار الماضي، بعد أن كانت في نهاية العام 2017، بنسبة 4%. وهذا التراجع المستمر في نسب البطالة، ووصولها إلى واحد من أدنى المستويات العالمية، بات يثير الانتقادات أكثر في الصحافة الاقتصادية، كون هذه النسبة المعلنة تعني أنه لا توجد بطالة في إسرائيل، بينما واقع الحال مختلف، كما يؤكده الخبراء من جديد، خاصة وان نسبة الانخراط في العمل من بين الجمهور تعد من الأدنى بين الدول المتطورة.
ونسب البطالة هذه، التي تعلنها المؤسسات الإسرائيلية، تأخذ بعين الاعتبار من عملوا ذات مرّة، وفقدوا مكان عملهم، أو أنهم توقفوا عن العمل لسبب ما. لكنها لا تحتسب من هم لا ينخرطون إطلاقا في سوق العمل إراديا، خاصة في جمهور الحريديم، الذين ينخرط 51% من رجالهم في سوق العمل، مقابل نسبة 82% بين الرجال اليهود، أو قسريا، كما هي الحال لدى غالبية جمهور النساء العربيات، اللاتي نسبة انخراطهن في سوق العمل قرابة 35%، مقابل أكثر من 72% في جيل العمل لدى النساء اليهوديات.
وحسب تقرير قبل سنوات في بنك إسرائيل المركزي، فإن سوق العمل الإسرائيلية ستكون في حالة نقص كبير في أماكن العمل، في ما لو ارتفعت نسبة انخراط النساء العربيات ورجال الحريديم فيها.
وبموجب تقرير جديد لسلطة التشغيل، أعده الخبير الاقتصادي الرئيسي في السلطة، حجاي ليفين، فإن أساس الهبوط في نسبة البطالة في السنوات الأربع الأخيرة كان بين الأجيال الشابة، وغالبيتهم من ذوي التحصيل العلمي الضعيف، في حين أن الأكاديميين المتقدمين في العمر كانت نسبة البطالة بينهم أعلى، واستمرت في الارتفاع، برغم تراجع نسب البطالة.
وارتكز ليفين، في تحليله لمعطيات البطالة، على طلبات الحصول على مخصصات البطالة، التي تم تقديمها لسلطة التشغيل من العام 2013 إلى العام 2017، وهذه سنوات ضمن أعوام رئاسة بنيامين نتنياهو للحكومة. وقد هبطت البطالة من 2ر6% في العام 2013، إلى 2ر4% بالمعدل في العام 2017، الذي بلغت نسبة البطالة في شهره الأخير 4%. وفي هذه الفترة تراجع عدد العاطلين عن العمل بنحو 62 ألف شخص، وهذا يعد أحد الإنجازات لرئيس الحكومة وللوزراء في حكوماته الثلاث.
وقد وجد ليفين في بحثه أن 25% من تراجع نسبة البطالة نابع من الارتفاع الإجمالي لعدد المنخرطين في سوق العمل في إسرائيل، بينما 70% من هبوط النسبة نابع من تراجع أعداد العاطلين عن العمل. إلا أنه في هذا يبرز تفاوت في شرائح الجيل والتحصيل العلمي.
فعلى صعيد الجيل، قسم الباحث العاطلين عن العمل إلى مجموعتين، حتى عمر 44 عاما، وفوق هذا العمر. وفي حين أن عدد العاطلين عن العمل بين الأجيال الشابة حتى عمر 44 عاما، تراجع بنحو 51600 شخص، فإن عدد العاطلين عن العمل بين شريحة المتقدمين بالسن، تراجع بما يلامس 10 آلاف شخص. ما يعني أن 84% من هبوط البطالة كان بين الأجيال الشابة. كما وجد البحث أنه حتى بعد الأخذ بالحسبان أن عدد العاملين ما دون سن 44 عاما هو أكثر من الشريحة العمرية الأكبر، تبقى البطالة بين الأجيال الشابة أقل.
كما يتضح من المعطيات أنه خلافا للتوقعات هناك علاقة عكسية بين ارتفاع التحصيل العلمي وانخفاض البطالة. وقد تبين أنه كلما ارتفع التحصيل العلمي، فإن احتمال ايجاد مكان عمل في السنوات الأربع الماضية كان أقل. وعمليا فإن أشخاصا من دون شهادة انهاء التعليم الثانوي، وجدوا أماكن عمل، ساهموا بـ 57% في نسبة خفض البطالة. بينما الأشخاص الذين بحوزتهم شهادة انهاء تعليم مدرسي، ساهموا بـ 25% في خفض نسبة البطالة، أما الذين بحوزتهم شهادة تأهيل مهني أو جامعي، فقد ساهموا بنسبة 15% في خفض نسبة البطالة. وهذا في حين أن البطالة بين أصحاب الشهادات الجامعية، من عمر 44 عاما وما فوق، ارتفعت خلال السنوات الأربع الماضية بنسبة 3%.
ويقول بحث سلطة التشغيل إن هذا الواقع ساهم في تغيير الانطباع حول المجموعات السكانية في جيل العمل، التي لها احتمال في إيجاد مكان عمل، وأولئك العاطلين عن العمل. فنسبة الأشخاص من دون تحصيل علمي، من اجمالي العاطلين عن العمل، انخفضت من 25% في العام 2013، إلى نسبة 20% في العام الماضي 2017، في حين أن نسبة الأشخاص من ذوي شهادات التحصيل العلمي، من اجمالي العاطلين عن العمل، ارتفعت من 21% في العام 2013، إلى نسبة 23% في العام الماضي 2017. وتستفحل النسب لدى ذوي أصحاب الشهادات العليا من المتقدمين بالعمر، ففي حين كانت نسبتهم 10% من اجمالي العاطلين عن العمل في العام 2013، فقد ارتفعت إلى نسبة 14% في العام 2017. ونسبة الشبان من عمر 15 عاما وحتى عمر 44 عاما، من اجمالي العاطلين عن العمل، انخفضت من 75% في العام 2013 إلى 70% في العام 2017.
كما أظهر البحث أنه في العام 2013 كانت نسبة ذوي الشهادات الجامعية من اجمالي العاطلين عن العمل 31%، وارتفعت النسبة إلى 37% في العام الماضي 2017. يشار هنا، في سياق متصل، إلى أن استطلاعا، نشرت معطياته في الأسبوع الماضي، عن أوضاع الأكاديميين العرب، من الحاصلين على شهادات جامعية في الألقاب الثلاثة، أظهر أن نسبة البطالة بينهم تتراوح ما بين 40% إلى 44%. وقد بادر للاستطلاع صندوق "إدموند دي روتشيلد"، بالتعاون مع جمعية "كاف مشفيه" الإسرائيلية، وشمل الاستطلاع ألف جامعي عربي. واتضح من المعطيات أن 40% من الحاصلين على ألقاب من الجامعات عاطلون عن العمل، وترتفع النسبة إلى 52% لدى الحاصلين على الشهادات والألقاب من كليات أكاديمية.
ويقول المحلل الاقتصادي أدريان فايلوت، في مقال له في صحيفة "كالكاليست"، إن الجانب الإيجابي في بحث سلطة التشغيل هو أن نقل الشرائح الفقيرة، من مجموعات تتلقى مخصصات اجتماعية، إلى سوق العمل قد نجح، فقد سعت سلطة التشغيل إلى تخفيض نسبة وأعداد الحاصلين على مخصصات ضمان الدخل (مخصصات أدنى من مخصصات البطالة)، وهذا تحقق، إذ انخفض عدد الحاصلين على ضمان الدخل من 114 ألفا في العام 2013 إلى 70 ألفا في العام الماضي 2017، بمعنى انخفاض بنسبة 40%.
ويتابع فايلوت أن المعطيات الأخرى مثيرة للقلق، إذ أن الوظائف الوسطية، بمعنى ما بين تلك التي لا تحتاج إلى أي تحصيل علمي، وبين التي تحتاج إلى شهادات جامعية، قد اختفت، وهذه ظاهرة تنتشر أيضا في الدول المتطورة، ولكنها تبرز أكثر في إسرائيل.
الفجوات في الرواتب
من ناحية أخرى، دلّ تقرير جديد لمركز أدفا للأبحاث الاجتماعية، على استمرار الفجوات في الرواتب. وقد تعامل التقرير مع معدلات الرواتب الفعلية، وليست الرسمية، التي كانت في العام الماضي.
وكالعادة، فإن اليهود الأشكناز هم أصحاب الرواتب الأعلى في البلاد، وبلغ معدل الرواتب بين أبناء الجيل الثاني من الأشكناز 10400 شيكل، وهذا أعلى بمعدل 300 شيكل عن معدل رواتب الأشكناز أبناء الجيل الأول.
وحل في المرتبة الثالثة أبناء الجيل الثاني من اليهود الشرقيين، الذين بلغ معدل رواتبهم 9231 شيكلا. وحل في المرتبة الرابعة، الجيل الثالث من الذي ولدوا في إسرائيل، وكان معدل الرواتب بينهم 8929 شيكلا. ومعدل رواتب المهاجرين من دول الاتحاد السوفييتي السابق في العقود الثلاثة الأخيرة، كان 8232 شيكلا.
وبلغ معدل رواتب العرب وفق تقرير أدفا 6700 شيكل، يليهم المهاجرون من أثيوبيا في العقود الثلاثة الأخيرة، إذ بلغ معدل الرواتب لديهم 5185 شيكلا.
وقال تقرير لمكتب الإحصاء المركزي، صدر في الأيام الأولى من شهر تموز الجاري، إن المعدل الرسمي للرواتب بلغ في شهر نيسان الماضي 10401 شيكل (2888 دولارا) بعد أن كان في مطلع العام 10208 شواكل وما يعادل 2835 دولارا. إلا أن في طيات هذا المعدل فجوات كبيرة، إذ أنه فقط ثلث العاملين يتقاضون رواتب اعلى من المعدل العام، في حين أن الثلثين يتقاضون أقل منه. كما أن 32% من الأجيرين يتقاضون رواتب الحد الأدنى وما دون.
ويتبين من تقرير سابق لبنك إسرائيل أن معدل الرواتب يسجل ارتفاعات دائمة في السنوات الأخيرة، بموازاة ارتفاع أعداد العاملين سنويا. وحسب ما ورد، فإنه منذ العام 2012 وحتى نهاية العام 2017 ارتفع معدل الرواتب العام بنسبة 14%، في حين أن اجمالي التضخم المالي في ذات الفترة ارتفع بنسبة 4ر2%. كما يشير التقرير إلى أن عدد العاملين في السنوات الماضية ارتفع بـ 600 ألف عامل.
وكان أعلى مستويات الرواتب في قطاع العلوم والإعلام والتقنيات العالية، وبلغ أكثر من ضعفي المعدل العام. أما في قطاع الاستثمارات والخدمات المالية، فقد سجلت الرواتب أعلى نسبة ارتفاع- 5ر7%- وبلغ المعدل 19013 شيكلا.
أما في قطاع التربية والتعليم، فقد بلغ معدل الرواتب 7903 شواكل، بمعنى 77% من معدل الرواتب العام. وفي قطاع التمريض البيتي والرفاه الاجتماعي، بلغ معدل الرواتب 8918 شيكلا. ومعدل الرواتب الأدنى هو في قطاع المطاعم والضيافة، إذ بلغ 4878 شيكلا، وهذا أقل من الحد الأدنى من الرواتب، الذي بلغ في الشهر الأخير من العام الماضي 5300 شيكل، وهو ما يعادل حاليا 1514 دولارا.
يذكر أن معدل الرواتب العام لا يعكس معدل الرواتب الفعلي في سوق العمل الإسرائيلية، إذ أن معدل الرواتب العام يجمع كل الرواتب المسجلة ويقسمها بين العاملين، بينما معدل الرواتب الفعلي يتعامل مع مستويات الرواتب بحسب أعداد العمال، التي تتقاضى كل واحد من مستويات الرواتب، ولذا نرى أن معدل الرواتب الفعلي هو في حدود 67% من معدل الرواتب العام، أو في حدود 70% منه كحدّ أقصى.