المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • تقارير، وثائق، تغطيات خاصة
  • 1971

تكررت في السنوات الأخيرة الانتقادات التي يوجهها مسؤولون أمنيون إسرائيليون، بعد خروجهم من الخدمة، إلى المستوى السياسي في كل ما يتعلق بالتعامل مع الفلسطينيين.

وأشار الدبلوماسي الإسرائيلي عيران عتصيون، الذي أشغل في الماضي منصب نائب رئيس مجلس الأمن القومي ورئيس دائرة التخطيط السياسي في وزارة الخارجية، إلى فيلم "حراس العتبة"، الذي ظهر فيه ستة رؤساء سابقين للشاباك، "وتحدثوا عن توترات بالغة بين المستوى السياسي – الإستراتيجي والمستوى التكتيكي. وأتذكر مداولات في الشاباك قال خلالها أحد المشاركين إن ’مشكلتنا هي أننا مشحونون جدا بالتكتيك وفارغون إستراتيجيا’".

وقال عتصيون إن المرة الأخيرة التي جرى فيها تخطيط سياسي – أمني إستراتيجي في إسرائيل كان لدى الإعداد لخطة الانفصال عن قطاع غزة، في العام 2005. فـ"لقد عملنا في مجلس الأمن القومي على هذه العملية منذ أن كانت فكرة خاما. وطلب شارون منا أن نعد خطة للانسحاب من القطاع، تستند إلى الجوانب القانونية والعسكرية والسياسية وغيرها. ونحن كمستوى مهني، قلنا لشارون منذ البداية إن الطريق الصحيحة هي بالتنسيق مع السلطة الفلسطينية وحتى أننا بدأنا بإجراء اتصالات. لكن شارون لم يرغب بذلك، وهذا أمر شرعي".

وأضاف عتصيون أنه "في الماضي اقترحنا بدائل بدت لنا جيدة، لكن عندما أردنا استعراضها أمام المستوى السياسي لم يكن هناك إنصات، لأن المؤسسة كلها متقوقعة في أداء معين ولا يوجد استيعاب أن بمقدور الأدوات السياسية أن تحقق أهدافا إستراتيجية. ومن الناحية النظرية، بإمكان إسرائيل أن تقرر أن غايتها في غزة هي الحفاظ على حكم حماس والتوصل إلى هدنة، بدلا من إمكانيات أخرى مثل احتلال غزة. وهذه فكرة تتردد منذ سنوات لكن لم يتم اختبارها أبدا".

وتابع أنه "صحيح أنه توجد هدنة الآن، لكننا ننجر إليها. وكان بالإمكان تحقيق الهدنة الآن وفي الماضي من دون حروب. ومن أجل أن يحدث هذا يتعين على المستوى السياسي أن ينصت للمستوى المهني. فالإستراتيجية المفضلة لدى المستوى السياسي في الموضوع الفلسطيني هي عدم اتخاذ قرار، وصيانة الوضع القائم، أو كما يسمون ذلك عندنا ’إدارة الصراع’، وعدم الحسم، لا عسكريا ولا سياسيا. ومن أجل منع فشل مستقبلي، فإن المطلوب وضع إستراتيجية إسرائيلية شاملة، ما هو الواقع الذي نرغب به وما هي الأدوات الموجودة بحوزتنا من أجل بلورة هذا الواقع وما هي البدائل الواقعية الماثلة أمامنا. هذا هو ما يسمى البحث الإستراتيجي، لكن المؤسسة الإسرائيلية مبنية بشكل لا تجري فيه مداولات كهذه".

وأشار عتصيون إلى أنه "عندما استعرض رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية، هرتسي هليفي، مؤخرا تقديرات حول دوافع الانتفاضة وعزا بعض أسبابها إلى غياب عملية سياسية، راحوا يوقفونه عن الكلام وقالوا له ’هذا ليس شأنك، لا تلمس هذا (الموضوع)’. هل وضعت وزارة الخارجية ورقة موقف حول المستوطنات، بدائل وحسنات ومساوئ؟ لن تجد أمورا كهذه. صحيح أن هذا أمر سياسي- حزبي - داخلي، لكن توجد له أهمية سياسية".

"تهديدات داخلية أخطر من الخارجية"

وتطرق عتصيون إلى ما يوصف بـ"تفكك وزارة الخارجية"، وأكد أن "هذا لم يبدأ اليوم، فمنذ فترة موشيه شاريت ودافيد بن غوريون كانت وزارة الخارجية ترزح تحت المطرقة السياسية والسندان العسكري. واشتدت هذه الحال في السنوات الأخيرة لأن مطرقة المستوى السياسي أصبح وزنها خمسة أطنان وهو يستخدمها".

وأضاف أن "هذا التوجه قائم في العالم كله ضد وزارات الخارجية. وحتى وزارة الخارجية الأميركية، أقوى وزارة خارجية في العالم، يتم إضعافها على أيدي البنتاغون من جهة والبيت الأبيض من الجهة الأخرى".

وأردف عتصيون أن المؤسسة السياسية "تحاول أن تنسب لحراس العتبة (أي المستوى المهني) دوافع غير موضوعية. فموظفو وزارة الخارجية مشتبهون بأنهم يساريون، وضباط الجيش مشتبهون باستقلالية فكرية، والقضاة مشتبهون بأنهم ليبراليون. وهذا ليس صحيحا تماما، لكن هذه ليست القضية. ثمة أهمية لأن يكون لدى المستوى المهني القوة من أجل قول موقفه. كان الضباط خارج هذه الآلية في الماضي، وفجأة أصبحوا يسكتونهم. وإحدى أكبر المشاكل هي انعدام ثقة المواطنين بالمؤسسة السياسية والأحزاب. فالمواطنون يدركون بالغريزة أن المؤسسة السياسية مهندَسة لمصالح شخصية. ولا يمكن استمرار نظام ديمقراطي لفترة طويلة بوجود مستوى ثقة متدن بهذا الشكل. وبنظري، فإن هذه التهديدات الداخلية أخطر من التهديدات الخارجية، وأصعب شيء هو انعدام ثقة المواطنين بالمؤسسات الديمقراطية".

وخلص عتصيون إلى أن "الأثمان التي ندفعها جميعنا بسبب الأداء الحالي باهظة جدا. في دول أخرى توجد عوامل اعتدال، بينما عندنا يوجد اندفاع سريع وخطير وتشويش للمؤسسة السياسية. ينقصنا التفكير المستقبلي، وليس بمفهوم المستقبلية والخيال العلمي وإنما بمفهوم التخطيط الإستراتيجي طويل الأمد. هذا موجود في دول نريد أن نشبهها. وقد حاولت أن أربط الحكومة بتطورات كهذه، لكن هذا كان مستحيلا".

المصطلحات المستخدمة:

مجلس الأمن القومي

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات