سارعت القناة الإخبارية (ريشت بيت) في الإذاعة الإسرائيلية الرسمية، يوم الجمعة الأخير، إلى نشر استطلاع للرأي، حول شكل نتائج الانتخابات البرلمانية، في حال لو جرت اليوم، وخاض فيها "فريق الخائب أملهم" من نتنياهو في قائمة انتخابية واحدة. والنتيجة لم تكن مفاجئة، بأن باتت هذه القائمة الأولى في مواجهة المنافسين. ولكن واقع الحال يقول شيئا آخر، فهذا استطلاع جرى في خضم ضجة استقالة موشيه يعلون، بينما مشهد الانتخابات التي قد تجري بعد عامين أو أكثر، سيكون مختلفا إلى درجة كبيرة، مما يتوقعونه اليوم. ورغم ذلك فإن فريق "خائبي الأمل" و"المهزومين" في الليكود، بات أكبر من ذي قبل، رغم عدم تجانسه.
فاستقالة موشيه يعلون، من وزارة الدفاع ومن الحكومة وعضوية الكنيست، كانت الاحتمال الأكبر، لرد فعله، على قرار بنيامين نتنياهو الاطاحة به، لصالح ضم أفيغدور ليبرمان وكتلته البرلمانية إلى الحكومة. وبالإمكان القول إن هذه النتيجة قد وضعها نتنياهو في حساباته؛ وليس من المستبعد، أن يكون قد سعى لها، من بات يجلس على كرسي رئاسة الوزراء منذ سبع سنوات متواصلة، دون رؤية أي احتمال لاستبداله في مسار سياسي عادي، وانتخابي، بحسب نتائج الاستطلاعات التي تظهر تباعا، في الأشهر الأخيرة.
ولدى الإعلان عن اعتزاله الحياة البرلمانية، أعلن يعلون أنه سينافس "على القيادة"؛ ولكن ليس واضحا ما الذي يقصده بالضبط، هل سينافس على قيادة حزب "الليكود"، أم أنه سيغادره ليخوض المنافسة في مواجهة نتنياهو، من خلال اطار سياسي قائم، أو اطار جديد سيعمل مع آخرين على إقامته، وفي كل واحد من هذين الخيارين، ستكون صعوبة، أشدها في داخل حزب الليكود.
نهج العزل التدريجي
منذ ظهور نتنياهو في واجهة السياسة الإسرائيلية، وبالذات بعد انتخابات 1992، واعتزال رئيس الليكود في حينه إسحاق شمير السياسة، خاض المنافسة على زعامة الليكود بشراسة؛ ونذكر له تلك المنافسة أمام من كان الشخصية الثانية في الحزب دافيد ليفي، واستخدام الكثير من الوسائل والأدوات الفاسدة في الانتخابات على رئاسة الحزب، وهذا قاد إلى دفع ليفي لاحقا إلى خارج صفوف الحزب. وعاد اليه متأخرا بعد سنوات.
لكن نهج نتنياهو اشتد أكثر في سنوات الألفين الأولى، بعد أن اعتزل السياسة في العام 1999، اثر هزيمته في المنافسة على رئاسة الوزراء أمام إيهود باراك؛ إذ قرر العودة إلى الحياة السياسية، بعد فوز أريئيل شارون برئاسة الوزراء في العام 2001، وحاول نتنياهو المنافسة مجددا على رئاسة الليكود في نهايات العام 2002، تمهيدا لانتخابات مطلع العام التالي، ولكنه سرعان ما انسحب من المنافسة بعد أن عرف ضُعف فرصه بالفوز أمام شارون. واختار خوض الانتخابات ضمن قائمة الحزب والفوز لاحقا بحقيبة المالية.
لم يستسلم نتنياهو في أي يوم لحقيقة زعامة شارون للحزب، وبحث عن فرص عديدة للانقضاض على زعامة الحزب، فوجدها في أوج الأزمة التي عصفت بالليكود، إثر قرار شارون اخلاء مستوطنات قطاع غزة في العام 2004. فنتنياهو الذي ابدى تأييدا في البداية، سرعان ما انقلب على هذا الموقف، ليس فقط من دوافع مواقفه اليمينية المتشددة، بل لأنه وجد الاحتمال الكبير في الفوز مجددا برئاسة الحزب. وهذا الاحتمال تم فقط بعد أن انشق شارون عن الحزب، ليشكل حزب "كديما"، فكانت زعامة نتنياهو تحصيل حاصل، ليخوض انتخابات 2006، التي الحقت بالليكود هزيمة نكراء، بهبوطه إلى 12 مقعدا برلمانيا. إلا أن نتنياهو على رأس الليكود، استعاد قسطا كبيرا من قوة الحزب في انتخابات 2009، إذ حصل على 27 مقعدا، ورئاسة الوزراء.
ومن أجل ضمان فوز كهذا، استقدم نتنياهو شخصيات من التيار الايديولوجي التقليدي في حزب "الليكود"، ولنقل تيار حزب "حيروت" التاريخي المؤسس لحزب الليكود، التي تحظى بهيبة واحترام في الشارع، من أمثال بنيامين بيغن، ودان مريدور، اضافة إلى من كانوا موجودين في الكتلة، مثل رؤوفين ريفلين، وميخائيل ايتان، وهذه الشخصيات، رغم أنها ليست قيادية بمستوى أن تكون رأس هرم، إلا أنها بعد أن حققت لنتنياهو ما أراد، بات يرى بها نتنياهو تهديدا لانفراده في زعامة الحزب. فكان الحساب معها في الانتخابات التمهيدية لانتخابات مطلع العام 2013، إذ مدّ نتنياهو يده لتيار المستوطنين الأشد تطرفا، الذي لا يرتاح لهذا التيار الايديولوجي، كونه يطالب بضوابط لسياسة اليمين.
وتمت الإطاحة ببيغن ومريدور وايتان، دفعة واحدة من قائمة الحزب للانتخابات، ونضيف لهم قبل الانتخابات موشيه كحلون، الذي لربما شعر باحتمال ان يكون نتنياهو يهيئ له مكيدة كآخرين من ذلك التيار، فقرر اعتزال الحياة السياسية لفترة. أما ريفلين الذي فلت من تلك المكيدة، فقد تلقى الحساب من نتنياهو بعد الانتخابات، إذ عارض الأخير أن يواصل ريفلين منصبه رئيسا للكنيست. ولكن ريفلين حظي بدعم شخصيات مركزية في الحزب، للمنافسة على رئاسة الدولة، التي حظي بها في صيف العام 2014. وكان هذا بغير رضى نتنياهو، الذي رصد الشخصيات الداعمة لريفلين، وأبرزها في ذلك الحين، الوزير غدعون ساعر، الذي وجد نفسه بعد بضعة أشهر قليلة في حالة حصار نتنياهو له، فقرر هو الآخر الخروج من الحكومة واعتزال الحياة السياسية، أيضا لفترة.
وقد نضيف أسماء أخرى أطاح بها نتنياهو تدريجيا، بعد أن رأى بها تهديدا لتفرُّده بزعامة الحزب. ولكن المسار الأبرز الذي اتبعه نتنياهو أيضا لضرب مكانة شخصيات الحزب، لمنع أحد منها من أن يكتسب مراكز قوة تهدد مكانة نتنياهو، هو تشكيل الحكومات الثلاث الأخيرة، بما فيها الحالية. وإذا عدنا إلى تركيبة كل واحدة من الحكومات الثلاث الأخيرة، لوجدنا أن نتنياهو أبقى لشخصيات الليكود "أشلاء وزارات"، وكل وزارة كبيرة كانت منقوصة، وطالما أن الأمر يتكرر من حكومة إلى أخرى، فإن هذا تحول إلى نهج، ليس نابعا من احتياجات تركيبة الائتلاف الحكومي، بل لنتنياهو أيضا مصلحة في تفتيت مراكز القوة، وعدم منح أي وزير من شخصيات الليكود خاصة، تلك القوة التي قد يستفيد منها في علاقاته بين كوادر الليكود.
وقبل عام من الآن، كان حديثنا عن "خائبي الأمل" في الليكود من تركيبة الحكومة، وكان على اللائحة جميع وزراء الليكود، باستثناء موشيه يعلون، ونخص بالذكر غلعاد إردان، الذي تأخر في دخوله إلى الحكومة أسبوعين إلى ثلاثة، ويسرائيل كاتس وزئيف الكين وياريف ليفين وأوفير أكونيس، عدا الأسماء البارزة التي لم تجد لها مكانا حول طاولة الحكومة، وأبرزها بنيامين بيغن وتساحي هنغبي وآخرون.
وإذا كان يعلون الرابح الأكبر يومها، بكونه حصل على حقيبة وزارية دسمة بمستوى وزارة الدفاع، وهي الوزارة الأكبر لحزب الليكود، بعد رئاسة الوزراء، فإنه يخسرها الآن، لينضم إلى فريق "خائبي الأمل"؛ ما يعني أنه لم يعد بيد شخصيات الليكود أية حقيبة من الحقائب الأكبر، وهي: الدفاع والمالية والخارجية (بيد نتنياهو) والتعليم، البناء والاسكان، وبالإمكان القول أيضا وزارة العدل، لما لها من دور بارز في داخل الحكومة، على صعيد التشريعات والعلاقة مع جهاز القضاء.
اصطفاف خائبي الأمل
والسؤال الذي بات مطروحا الآن، وكما ظهر في استطلاع الرأي الوارد ذكره هنا: هي سيواجه نتنياهو في الانتخابات المقبلة، كل "خائبي الأمل" منه، وخاصة من دفعهم إلى خارج صفوف العمل السياسي بكل مستوياته؟.
والاجابة السريعة على هذا السؤال: إن هذا الاحتمال وارد جدا، ولكن فرص هذا الاصطفاف صعبة للغاية، حتى هذه المرحلة، نظرا لسلسلة عوامل نذكر أهمها هنا.
في استعراض لأسماء كل الشخصيات التي ورد ذكرها هنا، وغيرها قد تظهر لاحقا، نجد أنه لا تجانس وثيقا في اتجاهات النهج السياسي، حتى لو أنها كلها، وربما باستثناء دان مريدور، هي في صلب اليمين المتشدد. فعلى سبيل المثال، حين قرر غدعون ساعر العودة إلى الحلبة السياسية عبر "الشبابيك الإعلامية"، قبل عام من الآن، اختار أن يقارع نتنياهو من الزاوية الأكثر تشددا في اليمين، فقد هاجمه بزعم أنه لا يصادق على مشاريع استيطانية جديدة في القدس الشرقية والضفة المحتلتين. وهذا أمر لا يتلاءم مع خطاب عدد من الشخصيات التي أطاح بها نتنياهو، رغم يمينيتها.
الأمر الآخر، أنه لا يوجد من بين كل هذه الشخصيات شخصية شعبية جارفة، أي بمستوى "نجم سياسي" قادر على إحداث جرف في الشارع، ولذا فإنه في حال تحالفها في ما بينها، ستكون أمام سؤال صعب: من سيقود؟. ويعلون الذي يسطع اسمه الآن، كونه "الخائب الطازج"، إن صح التعبير، هو أيضا ليس من هذه الشخصيات القوية في الشارع.
والأمر الأساس الذي يجب أن لا يغيب عن بالنا، هو أن نتنياهو نجح في خطوتين اتخذهما في آن واحد: الاستمرار في اقرار الموازنة المزدوجة للعامين المقبلين، بحيث أنه يبعد عن نفسه الضغوط الائتلافية والبرلمانية، وثانيا توسيع ائتلافه. وبذا نجح في أن يبعد الانتخابات لأكثر من عامين منذ الآن. وهذا يعني أن هذه "الفورة" التي نشهدها اليوم، والصخب الاعلامي من حولها، سيهدأ غبارها حتى الانتخابات المقبلة، ليظهر حجمها على حقيقته.
وما من شك في أن نتنياهو يعي هذه الحقائق، ولكنه في ذات الوقت لا يستطيع أن يكون مطمئنا لما سيكون في الانتخابات المقبلة، لأن الخيار الذي طرحه استطلاع الرأي، بمعنى خلق تحالف واسع من هذه الشخصيات، ومعها حزب "كولانو" بزعامة "الخائب" موشيه كحلون، هو أمر وارد، ومنطقي للغاية، شرط أن تقبل كل هذه الشخصيات مسبقا، باستمرار زعامة كحلون، رغم استطلاعات الرأي التي تتنبأ بتراجع لقوة كحلون وحزبه في الانتخابات المقبلة، وأن يهبط من 10 مقاعد اليوم إلى 6 مقاعد، في ما لو جرت الانتخابات في هذه الأيام.
وهذا التحالف المفترض قد تزيد احتمالاته في ما لو تحقق ما دعت له رئيسة حزب "الحركة" تسيبي ليفني، رغم صعوبة هذا الخيار، إذ دعت ليفني، شريكة حزب "العمل" في كتلة "المعسكر الصهيوني"، إلى اقامة تكتل برلماني يجمع الكتل والأحزاب مما يسمى "اليسار الصهيوني" و"الوسط"، لتكون كتلة موحدة لمواجهة تحالف نتنياهو وحزبه مع أحزاب المستوطنين وسائر اليمين الأكثر تطرفا، والذين وصفتهم بأنهم "خطر على الديمقراطية".
وقالت ليفني في تصريحات اعلامية بعد الإعلان عن ضم ليبرمان وحزبه إلى الحكومة، إن إسرائيل تمر اليوم بأزمة قيمية، وعلى كل من يؤمن بالديمقراطية الإسرائيلية أن ينضم للتحالف لتغيير حكومة اليمين. وقالت إنها عرضت الفكرة على رئيس حزب "العمل" إسحاق هيرتسوغ، شريكها في قيادة "المعسكر الصهيوني"، وأكدت أن الأخير أعرب عن موافقته على الفكرة.
ويمكن القول إن عودة التحالف بين نتنياهو وليبرمان ستغير المشهد الانتخابي الذي كان متوقعا للانتخابات المقبلة، وحتى ذلك الحين قد نشهد الكثير من تقلب المعادلات السياسية القائمة اليوم.
المصطلحات المستخدمة:
باراك, الكتلة, كديما, الليكود, الكنيست, بنيامين نتنياهو, موشيه يعلون, أفيغدور ليبرمان