المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • تقارير، وثائق، تغطيات خاصة
  • 1252

رُبع الوظائف المركزية في قطاع التكنولوجيا المتقدمة (الهاي تك) في إسرائيل، فقط، تشغلها نساء، وذلك نظرا لتفضيلهن، بوجه عام، دراسة المواضيع العلمية والتكنولوجية الأقل أهمية وضرورة وطلباً في هذا القطاع ـ هذا هو أحد أبرز المعطيات التي تضمنها التقرير المسحيّ الأسبوعي

الذي أصدرته وزارة المالية الإسرائيلية، الأحد، عشية "يوم المرأة العالمي"، الذي يصادف اليوم (الثامن من آذار)، وبالتزامن معه.

وهذه هي المرة الثانية خلال الشهر الأخير التي تخصص فيها وزارة المالية تقريرها المسحي الأسبوعي لصناعات الـ"هاي تك"، لكنها تتركز هذه المرة في حقيقة أن هذا الوضع ـ بما يخص نسبة النساء العاملات في هذا القطاع ومستوى الوظائف التي تشغلها فيه ـ يزيد من تعميق الفجوات، العميقة أصلا، وزيادة الفوارق، الكبيرة أصلا، بين أجور النساء وأجور الرجال في هذا القطاع بوجه خاص، كما في سواه من القطاعات الصناعية والتجارية الأخرى، مما يشكل مؤشرا على ان هذا الوضع يمس بمستوى التجديد والإبداع في هذا القطاع.

ويؤكد تقرير وزارة المالية الجديد، بكلمات صريحة: "ثمة لقلة عدد النساء في صناعات الهاي تك تأثيرات وانعكاسات غير ضئيلة، إطلاقا، على حالة اللامساواة في الأجور بين النساء والرجال، ثم على مستوى إنتاجية العمل ووتائر النمو الاقتصادي عامة، مما يعود بالضرر على الاقتصاد الإسرائيلي بوجه عام إذ يحدّ من قدرته على تحقيق طاقة النمو الكامنة لديه".

ويضيف أنه "إلى جانب التأثير على فوارق الأجور بين النساء والرجال، يترتب على قلة عدد النساء في هذا القطاع، أيضا، ضياع وخسارة مساهمات تجديدية وإبداعية في القطاع كان يمكن للنساء المؤهلات والقادرات تقديمها. ويزداد وزن هذه الخسارة وأهميتها حيال محدودية العرض في القوى البشرية ذات المؤهلات والمهارات اللازمة والحيوية لقطاع الهاي تك الإسرائيلي، وهي محدودية كانت أشارت إليها وحذرت منها اللجنة الوزارية الخاصة لهذا الأمر. وعلى هذا، يصبح إشراك النساء في هذه الصناعات أمرا حيويا وخطوة مطلوبة، عاجلا"!
ولتحقيق هذا الهدف، المتمثل في زيادة وتوسيع إشراك النساء في الصناعات التكنولوجية المتقدمة، يوصي تقرير وزارة المالية بالبحث عن "أدوات سياسية ناجعة من أجل تقليص مستويات التفضيل والتمييز في اختيار مواضيع الدراسة في جهاز التعليم الرسمي، الابتدائي والثانوي، ثم في التعليم العالي". ولا يسمي تقرير الوزارة أيا من هذه الأدوات والوسائل التي يوصي باعتمادها، باستثناء "وسائل لتشجيع تسجيل النساء وانضمامهن إلى مجالات الدراسة ذات العلاقة والأهمية"!

ويفيد تقرير وزارة المالية، الخاص بمناسبة يوم المرأة العالمي، الثامن من آذار، بأن 100 ألف امرأة إسرائيلية كانت تعمل في قطاع الهاي تك في العام 2014، أي ما يعادل نحو 35% من العاملين الأجيرين في هذا القطاع في العام نفسه، وذلك استنادا إلى معطيات مكتب الإحصاء المركزي الإسرائيلي، مع التأكيد على أن هذه النسبة "لم تتغير خلال السنوات الأخيرة"!

ومن بين مجموع النساء العاملات في قطاع "الهاي تك" الإسرائيلي بشكل عام، تعمل الأغلبية منهن (64%) في وظائف غير تكنولوجية (وظائف إدارية، سكرتاريا وقوى بشرية) وليس في الوظائف المركزية (تطوير العتاد والبرمجيات الحاسوبية) التي يحظى أصحابها بمرتبات مرتفعة، أو مرتفعة جدا، إذ لا تتعدى نسبة النساء في هذه الوظائف والمناصب الـ 26% (الرُبع) فقط.

الفجوات تبدأ في المدارس الثانوية ثم تتعمق في الجامعات

يعزو تقرير وزارة المالية تدني عدد النساء العاملات في قطاع الهاي تك الإسرائيلي إلى سبب مركزي هو العدد المتدني من النساء اللاتي يخترن دراسة المواضيع العلمية ذات العلاقة والأهمية الضرورية للانخراط في الصناعات المتقدمة عامة، و"الهاي تك" خاصة، وفي مقدمتها بالطبع: علوم الحاسوب، الرياضيات، الهندسة والفيزياء.

ويؤكد التقرير أن الفجوات، بين الرجال والنساء، تبدأ بالتكون في مرحلة الدراسة الثانوية، لكنها تتعمق وتتفاقم حدتها في أطر التعليم العالي المختلفة، من جامعات ومعاهد عليا وكليات أكاديمية.

ففي مرحلة الدراسة الثانوية، توازي نسبة الطالبات الإناث اللاتي يدرسن موضوع الرياضيات بمستوى 5 وحدات تعليمية (أي، بالمستوى الأعلى) نسبة الطلاب الذكور في المجال ذاته ـ 47%. لكن الطالبات أكثر ميلاً لاختيار ودراسة مستويات أدنى من الطلاب في المواضيع العلمية الأخرى المتصلة بصناعات الهاي تك والضرورية للانخراط فيها: فالطالبات يشكلن 37% من مجموع الطلاب (ذكورا وإناثا) الذين يدرسون موضوع الفيزياء بمستوى 5 وحدات تعليمية و31% فقط من مجموع الطلاب (ذكورا وإناثا) الذين يدرسون موضوع الحاسوب وعلومه بمستوى 5 وحدات تعليمية.

وفي المقابل، تشكل الطالبات الأغلبية الساحقة من مجمل الطلاب (الذكور والإناث) الذين يدرسون موضوعي الكيمياء والأحياء (البيولوجيا) بمستوى 5 وحدات تعليمية في المرحلة الثانوية.

ويشير التقرير إلى أنه "ليس ثمة فارق جدي في عدد الطالبات اللاتي يدرسن موضوع الرياضيات وموضوعا علميا إضافيا آخر بمستوى 5 وحدات، بل إن الفارق الجوهري والأساس هو في اختيار المواضيع ـ البيولوجيا والكيمياء مقابل الفيزياء والحاسوب".

ويحرص تقرير وزارة المالية على أن يلفت هنا إلى ظاهرة مثيرة تتمثل في أن الطالبات العربيات في مرحلة الدراسة الثانوية يخترن، بوجه عام، دراسة موضوع الرياضيات ومواضيع علمية أخرى بمستويات عالية (5 وحدات تعليمية)، أكثر من الطالبات اليهوديات ومن الطلاب العرب، على حد سواء!
وتتعمق هذه الفجوة الجندرية وتتفاقم في مرحلة الدراسة العليا، بما يحمل تأثيرا مباشرا على فرص الانخراط في سوق العمل. فالنساء يمثلن 56% من مجموع الطلاب (الذكور والإناث) الذين يدرسون للقب الجامعي الأول في مختلف الكليات والمواضيع، بينما لا تزيد نسبتهن في كليات الهندسة عن 25% فقط من مجموع الطلاب في هذه الكليات.

وفي المقابل، تشكل الطالبات نحو 80% من الطلاب (الذكور والإناث) الذين يدرسون للقب الأول في مواضيع التربية والمهن الطبية المساعدة. ومعنى هذا، بكلمات أوضح، أن الطالبات يخترن دراسة مواضيع ومهن تتميز، منذ البداية، بالرواتب المتدنية نسبياً، مقارنة بالرواتب التي كان بإمكانهن الحصول عليها في قطاع الهاي تك، حيث متوسط الأجور في هذا القطاع يعادل ضعفي متوسط الأجور في الاقتصاد الإسرائيلي بشكل عام.

ويشير تقرير وزارة المالية، أيضا، إلى ظاهرة أخرى في هذا السياق تتمثل في أن نساء كثيرات ممن يتمتعن بقدرات وطاقات للانخراط في قطاع الهاي تك، بعد أن أنهين دراسة موضوع الرياضيات بمستوى 5 وحدات تعليمية ومواضيع علمية أخرى، يمِلن في نهاية المطاف إلى اختيار اتجاهات ومواضيع دراسية أخرى، تختلف كليا عن الطريق الدراسي الذي سلكنه من قبل. ويعني هذا، أن الفجوة المعنية ليست نتاج نقص، تدني أو غياب القدرات العلمية (الرياضية وسواها) الرفيعة لدى النساء: فمن بين الطلاب الجامعيين (الذكور) الذين بدأوا دراستهم الجامعية في العام الدراسي 2012- 2013 وهم يحملون علامة رياضيات بمستوى 5 وحدات تعليمية، انخرط ثلثان (67%) في دراسة مواضيع الفيزياء، الهندسة، الرياضيات وعلوم الحاسوب، مقابل الثلث فقط (36%) من بين الطالبات (الإناث) ذوات التحصيل العلمي المماثل في الثانوية.

ويلفت تقرير وزارة المالية إلى أن "القطبية الجندرية في اختيار المواضيع والمهن الدراسية في مستوى اللقب الجامعي الأول ليست ظاهرة حصرية مميزة لدولة إسرائيل. فإن نسبة النساء اللاتي يدرسن المجالات ذات العلاقة والأهمية في مستوى اللقب الأول في إسرائيل تعادل نسبتهن المتوسطة في دول منظمة التنمية والتعاون الاقتصادي (OECD)". ومع ذلك، تعتبر وزارة المالية أن هذه النسبة المتدنية من النساء الإسرائيليات في هذه المواضيع والمجالات "ليست ضربة من السماء ولا قدرا محتوما"، وذلك بالبناء على تجربة السنوات والعقود الماضية التي تفيد بأن "الذكور كانوا يشكلون، في الماضي، الأغلبية الساحقة من بين مجموع الطلاب (الذكور والإناث) الذين يدرسون في الجامعات" بينما شهد هذا الوضع انقلابا حادا خلال العقود الأخيرة "وأصبحت الإناث يشكلن اليوم أغلبية الطلاب الجامعيين في جميع المستويات". وفي السياق نفسه، طال الانقلاب المذكور أيضا مواضيع كانت تعتبر في الماضي "رجالية" تماما، مثل الطب والمحاماة، حيث أصبحت النساء يشكلن نصف عدد الطلاب الذين يدرسون هذين الموضوعين في الجامعات اليوم.

وتنهي وزارة المالية تقريرها بالتشديد على أنه بالرغم من الزيادة الواضحة والكبيرة، نسبيا، التي حصلت في نسب مشاركة النساء في قوة العمل وسوق العمل خلال العقود الثلاثة الأخيرة بشكل خاص، إلا أنه لا تزال ثمة فجوات عميقة وفوارق كبيرة في الأجور ما بين النساء والرجال، في مختلف القطاعات والفروع الاقتصادية في إسرائيل. وقد بلغ متوسط الفرق بين أجور الرجال وأجور النساء في العام 2104 نحو 3650 شيكلا (بالمعدل!).

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات