المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
الحصار الإسرائيلي للبنان: أداة مرتبطة بتطورات الحرب. (إ.ب.أ)
  • تقارير، وثائق، تغطيات خاصة
  • 700
  • ياسر مناع

في 28 أيلول 2024، فرضت إسرائيل حصارًا عسكريًا على لبنان، شمل البر والجو والبحر، وذلك عقب اغتيال الأمين العام لحزب الله، حسن نصرالله، في خطوة تصعيدية جديدة ضمن سياق المواجهة المتزايدة بين الطرفين.

 الحصار العسكري الذي تفرضه إسرائيل يحمل أبعادًا استراتيجية وأمنية تهدف إلى الضغط على حزب الله وإضعاف قدراته العسكرية، إلا أن تداعياته تتجاوز الحسابات العسكرية لتشمل الأوضاع الإنسانية والاقتصادية في لبنان، فضلًا عن الآثار السياسية على مستوى الداخل اللبناني وعلى المستوى الإقليمي. في هذا المقال، نستعرض معنى الحصار العسكري وطبيعته، إضافة إلى أدواته العسكرية والسياسية، وكيف يمكن أن يؤثر على معادلة المواجهة في لبنان.

مفهوم الحصار العسكري

يطلق مصطلح "الحصار العسكري" في مفهومه الواسع على عملية من عمليات الحرب، تهدف إلى تطويق منطقة أو مدينة أو ميناء تابعة للعدو أو خاضعة لاحتلاله، بغية قطع كافة الاتصالات والإمدادات بينها وبين الخارج. يستخدم هذا التكتيك بشكل أساس لعزل الهدف وإضعافه تدريجيًا، سواء عبر منع وصول المواد الغذائية والوقود أو تعطيل قدراته الدفاعية.[1]

وفي سياق الحرب البحرية، يشير الحصار إلى عملية تقوم بها القوات البحرية لدولة ما، أحيانًا بالتعاون مع قواتها الجوية، لمنع السفن من الوصول إلى موانئ العدو أو مناطق الشواطئ المحتلة، مما يعيق حركة التجارة والاتصالات البحرية، ويضعف الاقتصاد والقدرة العسكرية للخصم.[2]

لا يحتوي القانون الدولي الإنساني على قواعد واضحة تمنع استخدام الحصار العسكري، الذي يعتبر جزءًا أساسيًا من العمليات العدائية. يتمثل الهدف من الحصار في السيطرة على منطقة معينة لإجبارها على الاستسلام، لكنه يعتبر أسلوبًا قاسيًا لأنه ينطوي على عزل كامل للمنطقة المحاصرة. ويثير استخدام الحصار العسكري تعارضًا مع مبادئ القانون الدولي الإنساني، خاصة عندما يوجد مدنيون في المنطقة المتأثرة.[3]

حصار غزة (منذ 2007 – حتى اليوم)

منذ العام 2007، فرضت إسرائيل حصارًا بريًا وبحريًا وجويًا على قطاع غزة بعد سيطرة حركة حماس على القطاع. وأدى هذا الحصار إلى شلل في الاقتصاد المحلي وإلى نقص حاد في المواد الأساسية مثل الغذاء والأدوية والوقود. ويعتبر الحصار حالة مستمرة من العقاب الجماعي للفلسطينيين، مما تسبب في أزمات إنسانية كبيرة داخل القطاع، إلى جانب تدمير البنية التحتية جراء العمليات العسكرية المتكررة.

الحصار على لبنان: تاريخ متكرر

تعد قضية الحصار العسكري غير جديدة على لبنان، فقد قامت إسرائيل بتطبيق حصار مماثل خلال حرب لبنان الثانية في العام 2006، والذي يُعتبر حتى الآن من أشد الحصارات التي تعرض لها لبنان؛ إذ فُرض حصار بحري وجوي شامل، استهدف فيه الجيش الإسرائيلي مجموعة من المواقع الاستراتيجية.

 في 13 تموز 2006، قامت الطائرات الإسرائيلية بقصف محطة كهرباء "الجيّة" وهاجمت مطار بيروت، بالإضافة إلى تدمير جسور ومسارات حيوية وأهداف عسكرية تابعة لحزب الله.[4]

كما نفذت القوات البحرية الإسرائيلية عمليات قصف ضد أهداف عدة من البحر، مما أدى إلى فرض حصار فعّال على السواحل اللبنانية، الواقعة على بعد 30 كيلومترًا جنوبي بيروت، استمر حتى مطلع شهر أيلول من العام نفسه، وفي هذا السياق، تسرب نحو 110 آلاف برميل من الوقود إلى البحر الأبيض المتوسط، مما ساهم في تفاقم الأضرار البيئية والاقتصادية التي لحقت بلبنان آنذاك.

حصار جديد وجهود للحدّ من التسلح

في 28 أيلول 2024، أعلن الجيش الإسرائيلي فرض حصار عسكري على لبنان، بهدف منع تسليح حزب الله من سورية وإيران. وجاء هذا الإعلان في أعقاب اغتيال حسن نصر الله في ضاحية بيروت الجنوبية، حيث نفذت الطائرات الإسرائيلية هجمات جوية على جرافات لبنانية كانت تعمل على إعادة تأهيل المعابر الحدودية الستة بين لبنان وسورية، والتي تعرضت للقصف من قبل القوات الجوية الإسرائيلية في وقت سابق.[5]

علاوة على ذلك، أبلغ الجيش الإسرائيلي لبنان رسميًا بعدم السماح بهبوط أي طائرات قادمة من سورية أو إيران في مطار بيروت. ورغم أن الحركة المدنية سُتسمح في إطار الحصار، فإن السفن القادمة من إيران قد تُمنع من الاقتراب من السواحل اللبنانية.

على سبيل المثال، في 28 أيلول 2024، تلقت طائرة إيرانية كانت في طريقها من العراق إلى لبنان تحذيرًا من الجيش الإسرائيلي، مما أجبرها على العودة. وأوضح الجيش الإسرائيلي أنه في حال وصول أي سفن إيرانية إلى المنطقة، فإنها ستتلقى التحذيرات نفسها، مما يعكس الجهود الإسرائيلية المستمرة لمنع أي شحنات عسكرية أو دعم لوجستي لحزب الله.[6]

يمثل هذا الحصار جزءًا من استراتيجية أوسع تهدف إلى تقويض قدرات حزب الله العسكرية واللوجستية، مما يعكس قلق إسرائيل من تعزيز قوة الحزب ونفوذه في المنطقة. ومن خلال فرض قيود صارمة على الإمدادات العسكرية، تأمل إسرائيل في تقليل قدرة حزب الله والحدّ منها، لا سيما بعد عمليات تفجير البيجر وعمليات الاغتيال التي طالت المستوى القيادي الأعلى في الحزب. كما أن هذا يأتي ضمن محاولة إعادة تشكيل منطقة الشرق الأوسط وفق الرؤية الإسرائيلية والأميركية، وفي إطار جهود إعادة الأمن إلى الحدود الشمالية لإسرائيل بشكل مؤقت.

مقارنة بين الحصارين

يتبين أن الحصار العسكري الإسرائيلي المفروض على لبنان في العام 2024 يختلف عن ذلك الذي تم تطبيقه في العام 2006 في جوانب رئيسة عدة.

خلال حرب لبنان الثانية في العام 2006، كان الحصار شاملًا ومتعدد الأبعاد، حيث استهدفت إسرائيل بنية لبنان التحتية بشكل مباشر، بما في ذلك تنفيذ عمليات قصف مكثف على مطار بيروت. كما شهدت تلك الفترة مواجهة عسكرية في البحر، حيث قامت القوات البحرية الإسرائيلية باستهداف السفن اللبنانية. كان ذلك الحصار جزءًا من حرب واسعة النطاق، حيث تميزت العمليات العسكرية بالتصعيد الجوي والبري ضد مناطق عديدة في لبنان.

أما في العام 2024، فقد تمحور الحصار حول منع تسليح حزب الله من سورية وإيران، مع التركيز على استهداف بعض المواقع الحدودية الجنوبية. حتى اللحظة، تقتصر المواجهة على هجمات صاروخية متفرقة، مما يعكس عدم تصعيد العمليات العسكرية بالنمط نفسه الذي شهدته في العام 2006.

بالإضافة إلى ذلك، سمحت إسرائيل في العام 2024 بهبوط وإقلاع الطائرات من مطار بيروت، باستثناء بعض الطائرات القادمة من سورية وإيران. وهذا قد يشير إلى اختلاف في استراتيجية الحصار وطرائق تنفيذه. كما يتضح أن الحصار الحالي يتمتع بخصائص استهدافية وأقل شمولية مقارنةً بحصار العام 2006، مما يترك آثارًا مختلفة على الوضع الإنساني والسياسي في لبنان والمنطقة.

ختامًا، في ظل الحصار العسكري الإسرائيلي الحالي على لبنان، يبقى من الصعب التنبؤ بالخطوات الإسرائيلية المقبلة، خاصة في حالة تصاعد التوترات أو نشوب مواجهة أوسع نطاقًا. وهذا الحصار يعكس جزءًا من استراتيجية قد تتغير بناءً على المعطيات الميدانية أو التطورات الإقليمية، خصوصًا إذا ما تدخلت أطراف إقليمية أخرى أو توسع النزاع ليشمل مناطق أكثر. وإذا ما تحولت المواجهة إلى حرب إقليمية شاملة، فإن سياسات الحصار الحالية قد تتصاعد بشكل غير متوقع.

 

[1] معجم قبس الحاسوبي، جامعة بيرزيت، للمزيد أنظر/ي https://sina.birzeit.edu/qabas/lemma/202002450

[2] المصدر السابق.

[3] جلوريا جاجيولي. "هل يحظر القانون الدولي الإنساني المعاصر استخدام أسلوب الحصار العسكري؟" مجلة الإنسانية، اللجنة الدولية للصليب الأحمر، 2019. للمزيد أنظر/ي https://blogs.icrc.org/alinsani/2019/02/19/2651/

[4] يزخور، وزارة الجيش الإسرائيلي. "حرب لبنان الثانية"، للمزيد أنظر/ي الرابط https://www.izkor.gov.il/61b4ba0f793bfcbbbbb04efbfe03d907

[5] يوآف زيتون، الحصار العسكري على لبنان، يديعوت أحرونوت، 28.09.2024، للمزيد أنظر/ي https://www.ynet.co.il/news/article/syswujrra

[6] ليلاخ شوفال، الجيش الإسرائيلي يفرض حصاراً على لبنان، يسرائيل هيوم، 28.09.2024، للمزيد أنظر/ي https://www.israelhayom.co.il/news/defense/article/16525259

المصطلحات المستخدمة:

يديعوت أحرونوت, يسرائيل هيوم

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات