المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

عكس قرار بنك إسرائيل المركزي في الأسبوع الماضي الإبقاء على مستوى الفائدة العالية، نسبياً، وهي بالمجمل 6%، كفائدة أساسية، حتى أوائل تموز المقبل، عمق القلق الإسرائيلي المهني الرسمي، من مستقبل الاقتصاد الإسرائيلي، في ظل أزمة لم تعرفها إسرائيل منذ عقود. فقد ضربت الاقتصاد الإسرائيلي العديد من الأزمات في العقود الأخيرة، إلا أن الأزمة الحالية، التي سببها الأساس الحرب، سترافق إسرائيل لسنوات، حتى تسديد ثمنها الاقتصادي المتفاقم باستمرار، خاصة وأن فترة الحرب التي قاربت 8 أشهر، فاقت هي أيضاً توقعات فترة استمرارها، خاصة التوقعات التي كانت في أساس التقديرات الاقتصادية، فالغلاء يتفاقم أكثر، والعجز في الموازنة العامة يقفز بعيداً عن كافة التقديرات السابقة، إن كانت رسمية أو خاصة، وفي ظل كل هذا تطل البنوك الإسرائيلية الكبرى، معلنة تسجيل ذروة جديدة، وغير مسبوقة، في حجم أرباحها في الربع الأول من العام الجاري.

فقد غرق الاقتصاد الإسرائيلي في عدد من الأزمات الاقتصادية الكبيرة، خاصة في العقدين الأخيرين، مثل تلك التي كانت في مطلع سنوات الألفين، وخلّفتها الانتفاضة الثانية، لكن سرعان ما خرج منها الاقتصاد، ثم جاءت أزمة العامين 2009- 2010، متأثرة من الأزمة الاقتصادية العالمية، وهنا أيضاً كان الاقتصاد الإسرائيلي من بين الدول القليلة التي كان خروجها من الأزمة سريعاً. وكذا الأزمة الاقتصادية التي خلفها وباء الكورونا، قبل أربع وثلاث سنوات، وهي أيضا كانت قصيرة، وتم تجاوز آثارها سريعاً نسبياً.

أما الأزمة الحالية، النابعة أساساً من كلفة الحرب، في الجانبين العسكري والمدني، وما يرافقها من انعكاسات إقليمية، أبرزها إغلاق المدخل الجنوبي للبحر الأحمر في وجه السفن المحملة ببضائع لإسرائيل، أو منها، والمقاطعة الاقتصادية التركية، وغيرها، سترافق الاقتصاد الإسرائيلي سنوات عديدة، إذ أن فاتورة الحرب في ارتفاع مستمر، بدأت في بداية الحرب تتحدث عن 80 إلى 120 مليار شيكل، وحالياً فإن التقدير الأخير بنحو 240 مليار شيكل لم يعد واقعياً، وهذا سينعكس أولا على الموازنة العامة، التي رفعت ميزانية الجيش وكل ما يتعلق بـ "الأمن"، بأكثر من 80% لأربع سنوات، وكما يبدو هذا ليس نهائياً، إلى جانب الكلفة المدنية، مثل تعويض من تم اخلاؤهم من بيوتهم في الجنوب والشمال، ودفع تعويضات لعائلات القتلى، وتعويضات للمصابين، عسكريين ومدنيين، وإلى جانب كل هذا، خسائر الاقتصاد الإسرائيلي بسبب الحرب، مثل شبه توقف السياحة الداخلة.

الفائدة البنكية ومسببات عدم رفعها

وكان بنك إسرائيل المركزي قد أعلن، في الأسبوع الماضي، إبقاء الفائدة البنكية عند مستواها، 4.5%، يضاف لها فائدة أساسية 1.5%، بمعنى 6%، وستبقى هذه الحال إلى حين الإعلان التالي عن مستوى الفائدة، يوم 8 تموز المقبل، والاحتمال ضعيف جدا بخفض الفائدة أيضا في ذلك التاريخ.

والدافع الأول لإبقاء الفائدة عند مستواها كان ارتفاع معدل التضخم المالي، بقصد استمرار واستفحال موجة الغلاء، وكلفة المعيشة، إذ أن التضخم في الأشهر الأربعة الأولى من العام الجاري، سجل ارتفاعا بنسبة 1.8%، وحسب التقديرات، فإن التضخم سيتجاوز نسبة 3% بعد إعلان تضخم شهري أيار المنصرم، وحزيران الجاري، في حين أن التقديرات كانت تتحدث عن نسبة تضخم إجمالية في العام الجاري، دون نسبة 3%، وهي النسبة الأعلى التي تحددها سياسة بنك إسرائيل للتضخم السنوي.

ويقول المحلل الاقتصادي أدريان بايلوت، في مقال له في صحيفة "كالكاليست" الاقتصادية، التابعة لصحيفة "يديعوت أحرونوت"، إنه ليس فقط القرار الأخير قضى بعدم خفض الفائدة، بل من غير المتوقع تخفيضها خلال العام الجاري كله.

ويشار هنا إلى أن تقديرات بنك إسرائيل في نهاية العام الماضي 2023، كانت أن الفائدة ستنخفض بأربع مرات، من أصل 8 مرات سنوياً، يعلن فيها البنك عن مستوى الفائدة البنكية، وكان البنك قد خفض الفائدة بنسبة 0.25% في اليوم الأول من العام الجاري.

وعدّد بايلوت أسباب عدم خفض الفائدة، وأولها عودة التضخم المالي إلى مسار الارتفاع، وبالذات في فروع الاستهلاك والخدمات الأساسية. وقال: "المشكلة الأخرى هي أن هذا ليس تضخماً مستورداً: فخلافاً لما رأيناه خلال العامين 2022 و2023، فإن التضخم في معظم الدول الغربية يتجه نحو الاعتدال، وبالتأكيد لا يرتفع. وبهذا فإن التضخم في الاقتصاد الإسرائيلي لا يأتي من الخارج، لذلك من المهم أن نفهم من أين يأتي".

وتابع بايلوت: "وفقا لخبراء اقتصاد حللوا البيانات، فإن نحو 0.5% من التضخم يأتي من إجراءات الحكومة؛ أي زيادة الضرائب، وزيادة أسعار الماء والكهرباء والوقود. تُضاف لها زيادة في معدل ضريبة الأملاك، الأكبر منذ 17 عاماً، والتي تقودها حكومة نتنياهو- سموتريتش، وستؤدي إلى تفاقم الوضع. وهذه عوامل كبيرة لتوليد التضخم، إذ أن القفزة في الضرائب العقارية والمياه والكهرباء، سوف تدخل حتما في السعر النهائي، الذي يدفعه المستهلك في مقابل كل ما يشتريه تقريباً".

ويرى بايلوت أنه يجب عدم الاستهانة بارتفاع أسعار تذاكر الطيران، بسبب زيادة الطلب، وقلة العرض، بسبب إلغاء شركات طيران عديدة رحلاتها إلى إسرائيل ومنها. وكتب أن "العزلة الدولية التي تعيشها إسرائيل الآن، قد تبقي شركات الطيران بعيدة، وبالتالي تقلل من المعروض من الرحلات الجوية وبالتالي ترفع الأسعار أكثر. لذلك، على الرغم من أن أسعار رحلات الطيران عادة ما تعتبر مولدات تضخم مؤقتة أو موسمية، إلا أن الأمر قد يكون مختلفاً هذه المرة".

وتابع أن هناك سبباً آخر لارتفاع التضخم، "هو تقاعس الحكومة عن معالجة قضية كلفة المعيشة برمتها. لقد تخلت الحكومة وقادتها عن هذا الملف تماماً. ولهذا لا يستطيع بنك إسرائيل أن يفعل الكثير حيال ذلك لأنه لا يملك سوى أداة واحدة، وهي الأكثر قسوة: سعر الفائدة. إنه فأس يقطع بشكل عشوائي ويضرب بشكل رئيس الطبقات الأضعف (الأغنياء يعرفون أيضاً كيف يستفيدون منها، على سبيل المثال من خلال شراء الأوراق المالية المرتبطة بالمؤشر). والغرض من رفع سعر الفائدة واحد وواضح: قمع الطلب (بما في ذلك الاستهلاك) بوحشية، وذلك من خلال التأثير بشكل مباشر على القوة الشرائية للمستهلك".

استفحال العجز واحتمال الانكماش الفعلي

بموازاة موجة الغلاء، وعبء الفائدة البنكية على الجمهور، يواجه الاقتصاد الإسرائيلي أزمتين عميقتين: الأولى استفحال العجز في الموازنة العامة، الذي بلغ في نهاية شهر نيسان نسبة 7% من حجم الناتج العام، بمعنى 140 مليار شيكل، وهذا يعادل حوالي 38 مليار دولار، وحسب التقديرات، التي سنعرفها أكثر خلال الأيام القليلة المقبلة، فإن العجز حتى نهاية أيار المنصرم، من المتوقع أن يقفز إلى نسبة أعلى مما كانت عليه في الشهر الذي سبق.

واقتبست الصحافة الاقتصادية الإسرائيلية تصريحاً لمن تم وصفه بأنه "مسؤول كبير في وزارة المالية" قال فيه إن العجز في الميزانية العامة قد ينتهي هذا العام بما بين 8% إلى 9%، علما أن ميزانية العام الجاري، وبعد تعديلها، قائمة على أساس عجز بنسبة 6.6%. وهذا التصريح قد يكون الواقع، إذا لم يكن أكثر، إذ لا تلوح في الأفق أي مؤشرات للجم العجز، أمام زيادة النفقات على الحرب ومخلفاتها، وتراجع مداخيل الضريبة.

الجانب الثاني، هو اجماع كافة التقديرات الاقتصادية، من مؤسسات عالمية، وأيضاً مؤسسات وشركات مالية إسرائيلية، على أن النمو الاقتصادي الإسرائيلي في العام الجاري، يتراوح ما بين الانكماش الضمني، وحتى الانكماش الفعلي. فنسبة النمو الاقتصادي في أي بلد في العالم، تقارن بنسبة التكاثر الطبيعي في الدولة، وفي إسرائيل هي 2% سنوياً، ولربما أقل بنسبة طفيفة منها، ولهذا فإن كل نسبة نمو فوق صفر بالمئة، وأقل من نسبة التكاثر تعد انكماشاً ضمنياً.

وقالت شركة التقديرات الاقتصادية العالمية، ذات الأهمية الخاصة، ستاندرد آند بورز، في تقرير أخير لها، إن الاقتصاد الإسرائيلي سينمو هذا العام بنسبة نصف بالمئة (0.5%)، ويقول المحلل بايلوت، السابق ذكره، إن ستاندرد آند بورز، طرحت هذا التقدير قبل 6 أشهر، ولاقت استخفافاً إسرائيلياً رسمياً.

أما الآن، فإن مؤسسات مالية إسرائيلية تتوقع ما هو أسوأ، فالبنك الإسرائيلي الأكبر "هبوعليم" (العمال)، يتوقع انكماشاً اقتصادياً فعلياً، بنسبة 1%، في حين أن تقديرات البنك الإسرائيلي الثاني من حيث الحجم، ليئومي، يتوقع ارتفاع النمو بنسبة 1.5%، وهو انكماش ضمني، إلا أن هذا البنك لفت إلى أن التوجهات اللاحقة هي نحو ما هو أقل.

أرباح خيالية للبنوك الكبرى

أمام كل هذا الواقع الاقتصادي على المستويين الحكومة والشعبي، فإن الواقع لدى كبرى الشركات والمؤسسات الاقتصادية مختلف بـ 180 درجة، وأولها البنوك الإسرائيلية، التي توحي تقاريرها المالية عن الربع الأول من العام الجاري 2024 (أول 3 أشهر) بأن هذا العام سيسجل لها ذروة جديدة وكبيرة في الأرباح الصافية، بعد أن سجلت البنوك الخمسة الكبرى أرباحاً صافية إجمالية، حوالي 7.7 مليار شيكل، وعلى هذا الأساس المعدل السنوي للأرباح، إذا لم تحدث مفاجأة اقتصادية، سيفوق 30 مليار شيكل (8.1 مليار دولار)، للبنوك الخمسة الكبرى معاً، مقابل 25.6 في العام الماضي 2023، وأكثر من 23 ملياراً في العام 2022، و18.3 مليار شيكل في العام 2021.

وقد أعلن بنك "ليئومي"، في الأسبوع الماضي، أنه سجل في الربع الأول من العام الجاري، أرباحاً صافية، فاقت 2.8 مليار شيكل، في حين أعلن أكبر البنوك، "هبوعليم"، أن أرباحه الصافية في ذات الفترة بلغت 1.93 مليار شيكل، ثم بنك "مزراحي طفاحوت" 1.3 مليار شيكل، وبنك "ديسكونت" 1.05 مليار شيكل. وأعلن بنك "هبينليئومي" عن أرباح صافية في ذات الفترة بقيمة 569 مليون شيكل.

ويعود مصدر الأرباح الفاحشة في العامين الأخيرين، إلى رفع الفائدة البنكية، بقرار من بنك إسرائيل، بدعوى مكافحة الغلاء، بتقليص كمية الأموال التي في جيوب الناس؛ إلا أن هذه الأموال تصب في جيوب أصحاب البنوك، الذين يدفعون ضرائب بنسبة ضئيلة نسبياً. وقد عارضت البنوك مشروع قانون قدمه أعضاء كنيست يفرض ضرائب عالية على الأرباح من الفوائد، ولاقت البنوك دعماً لموقفها من وزارة المالية الإسرائيلية، وكذلك من بنك إسرائيل المركزي. وتم الاتفاق على أن تدفع البنوك للحكومة لمرة واحدة فقط، ما مجموعه 2.5 مليار شيكل وليس كضريبة.

المصطلحات المستخدمة:

يديعوت أحرونوت

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات