أكدت نتائج استطلاع الرأي الأخير الذي أجراه "المعهد الإسرائيلي للديمقراطية"، ونشرها قبل أيام، استمرار التراجع في نسبة الإسرائيليين الذين يبدون تفاؤلاً تجاه مستقبل الديمقراطية في إسرائيل، مقارنة بالأشهر السابقة، وعلى استمرار التراجع أيضاً في نسبة الإسرائيليين المتفائلين حيال مستقبل الأمن القومي؛ بما يقرّب هذه المعدّلات من مستواها الأكثر انخفاضاً في صيف العام الماضي، 2023. واللافت في نتائج الاستطلاع الأخير أن نسبة المتفائلين في كلا هذين المجالين، مستقبل النظام الديمقراطي ومستقبل الأمن القومي، هي أقل بين المشاركين العرب في الاستطلاع عنها بين المشاركين اليهود (مستقبل النظام الديمقراطي في إسرائيل ـ العرب: 24 بالمائة، اليهود 37 بالمائة؛ مستقبل الأمن القومي ـ العرب: 17 بالمائة، اليهود: 38 بالمائة). وكما بينت نتائج الاستطلاع السابق، في شباط الأخير، كذلك أيضاً أشارت نتائج الاستطلاع في آذار الأخير إلى أن الفجوات بين المشاركين اليهود، وفقاً لتوزيعة المعسكرات السياسية، هي أكبر في موضوع مستقبل النظام الديمقراطي عمّا هي في موضوع مستقبل الأمن القومي: المنتمون إلى "معسكر اليسار والوسط" هم أكثر تفاؤلاً بشأن مستقبل الأمن.
وبينت نتائج "مؤشر الصوت الإسرائيلي" لشهر آذار الأخير أن أغلبية كبيرة من الجمهور الإسرائيلي (62 بالمائة من مجمل المشاركين في الاستطلاع و57,8 بالمائة من المشاركين اليهود) أبدت تشاؤماً بشأن وضع دولة إسرائيل الأمني في المستقبل المنظور، مقابل 34,3 بالمائة فقط من مجمل المشاركين في الاستطلاع (و38 بالمائة من المشاركين اليهود) أبدوا تفاؤلاً. كذلك بالنسبة لوضع النظام الديمقراطي في إسرائيل في المستقبل القريب، أيضاً، عبّرت أغلبية واضحة (60,6 بالمائة) من مجمل المشاركين في الاستطلاع و57,6 بالمائة من المشاركين اليهود عن شعور بالتشاؤم، مقابل 34,7 بالمائة من مجمل المشاركين و36,9 بالمائة فقط من المشاركين اليهود عبروا عن شعور بالتفاؤل.
"مؤشر الصوت الإسرائيلي" هذا هو استطلاع الآراء الشهري الذي يجريه "مركز فيطربي" (في إطار "المعهد الإسرائيلي للديمقراطية") للرأي العام والسياسات في إسرائيل، وذلك ابتداء من نيسان 2019. وقد شمل استطلاع المؤشر للشهر الأخير عينة من المستطلَعين قوامها 755 شخصاً من الذكور والإناث (606 منهم من اليهود و149 من العرب، في سن 18 سنة وما فوق) جرى استطلاع آرائهم في الأيام ما بين 31 آذار الماضي حتى 3 نيسان الجاري. وتناول الاستطلاع الأخير مجموعة من القضايا والأسئلة المتداولة في الإعلام والمطروحة على جدول الأعمال الإسرائيلي، وأبرزها: مدى شعور الإسرائيليين بالأمن، مدى قلقهم على الوضع الأمني المستقبلي، مدى رضاهم عن المستوى الأمني الذي تضمنه لهم الدولة اليوم ومدى قدرة الدولة على ضمان أمن مواطنيها ـ وهي أسئلة مستجدة لم تكن تُطرح بهذه الدرجة من الجدية قبل السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023. وفي موازاة التساؤلات القلقة في المجال الأمني، هنالك التساؤلات القلقة أيضاً في مجال مستقبل النظام الديمقراطي في إسرائيل. وتبدو هذه الأسئلة، في كلا هذين المجالين، مكملة بعضها البعض في الواقع الجديد الذي نشأ بعد 7 تشرين الأول وضمن تأثيراته ونتائجه وما تبعها من تطورات على المستويات كافة، السياسي العام، الدولي والإقليمي، السياسي ـ الحزبي الداخلي، الاقتصادي والاجتماعي وغيرها. كما تطرق الاستطلاع، أيضاً، إلى قدرة المجتمع الإسرائيلي على تحمل أعباء الحرب المستمرة، سواء على قطاع غزة أم على الحدود الشمالية مع حزب الله أم الجبهة الجديدة التي فُتحت في الأيام الأخيرة مقابل إيران ولا تزال إمكانيات تطورها مفتوحة على كل الاحتمالات، وكذلك إلى فرص الحكومة الإسرائيلية في إنهاء دورتها القانونية كاملة وغيرها من القضايا الأخرى التي ترتبط بتلك القضايا وتتفرع عنها.
حالة الحرب المستمرة، أعباؤها وتداعياتها
حيال استمرار حرب الإبادة ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، من جهة، واستمرار المواجهة العسكرية اليومية في الحدود الشمالية مع "حزب الله" (قبل ظهور احتمالات التصعيد العسكري مع إيران، خلال الأيام الأخيرة) سئل المشاركون في الاستطلاع عن "مدى قدرة المجتمع الإسرائيلي على تحمل أعباء القتال المستمر في قطاع غزة وفي الشمال"، فبينت الإجابات أن تقديرات المشاركين اليهود تفوق تقديرات المشاركين العرب بشكل واضح وأن تقديرات اليهود المنتمين إلى "معسكر اليمين" تفوق تقديرات اليهود المنتمين إلى "معسكر الوسط واليسار": النسبة الأعلى من بين مجمل المشاركين في الاستطلاع (34 بالمائة) ومن بين المشاركين اليهود (40 بالمائة) ترى أن المجتمع الإسرائيلي قادر على تحمل حالة الحرب "قدر ما تقتضي الحاجة، حتى تحقيق الأهداف"، بينما لا يرى ذلك سوى 6,7 بالمائة من المشاركين العرب في الاستطلاع.
وبينما يرى 22,6 بالمائة من مجمل المشاركين في الاستطلاع و19,6 بالمائة من المشاركين اليهود و37,3 بالمائة من المشاركين العرب أن قدرة المجتمع الإسرائيلي على التحمل لا تزيد عن "أشهر قليلة" (أي: أقل من ستة أشهر)، يرى 23,4 بالمائة من مجمل المشاركين في الاستطلاع و21,7 بالمائة من المشاركين اليهود و31,8 بالمائة من المشاركين العرب أن قدرة المجتمع الإسرائيلي على التحمل تتراوح "ما بين نصف سنة حتى سنة واحدة". وبينما لا يقول سوى 9,5 بالمائة من مجمل المشاركين في الاستطلاع و9 بالمائة فقط من المشاركين اليهود أن قدرة المجتمع الإسرائيلي على التحمل تزيد عن سنة واحدة، يقول ذلك 11,9 بالمائة من المشاركين العرب.
على خلفية تصعيد عدد من عائلات المخطوفين الإسرائيليين أنشطتهم الاحتجاجية واحتدام النقاش العام في المجتمع الإسرائيلي حول مدى جدية القيادة السياسية في هذه المسألة، سُئل المشاركون في الاستطلاع عمّا إذا كانت هذه القيادة "تبذل قصارى جهودها لتحرير وإعادة المخطوفين الإسرائيليين في قطاع غزة". وفي الإجابة على هذا السؤال، ردّ بالنّفي 47,9 بالمائة من مجمل المشاركين في الاستطلاع و44,2 بالمائة من المشاركين اليهود و66,2 بالمائة من المشاركين العرب، بينما ردّ بالإيجاب 48 بالمائة من مجمل المشاركين في الاستطلاع و51,6 بالمائة من المشاركين اليهود و30.1 بالمائة من المشاركين العرب.
وفي السياق ذاته، سُئل المشاركون عن تقديراتهم بشأن فرص الحكومة الإسرائيلية الحالية في دورتها القانونية كاملة (4 سنوات)، فتبين أن الأغلبية من بين مجمل المشاركين في الاستطلاع (55,8 بالمائة) والأغلبية بين المشاركين اليهود (56,7 بالمائة) والأغلبية بين المشاركين العرب (50,7 بالمائة) ترى أن هذه الفرص ضئيلة أو ضئيلة جداً، مقابل 36,3 بالمائة من مجمل المشاركين و35,9 بالمائة من المشاركين اليهود و37,9 بالمائة من المشاركين العرب ترى أن هذه الفرص كبيرة أو كبيرة جداً.
ومن تحليل الإجابات يتبين أن مصوتي حزب "شاس" الحريدي الشرقي هم أكثر المؤمنين بقدرة هذه الحكومة على استكمال دورتها القانونية كاملة وأن مصوتي حزب ميرتس (غير الممثل في الكنيست الحالي) هم الأقل إيماناً بقدرة الحكومة هذه. كما يتبين أيضاً أن نحو النصف من بين مصوتي حزب الليكود فقط يؤمنون بقدرة هذه الحكومة على إنهاء دورتها القانونية كاملة.
"حماس" في الرأي العام الإسرائيلي
منذ اندلاع حرب الإبادة الإسرائيلية ضد أبناء الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، اتسع وتعزز كثيراً السجال الإسرائيلي بشأن حركة "حماس" وسلطتها في قطاع غزة وتعامل الحكومات الإسرائيلية مع هذه السلطة. وعلى هذه الخلفية، شمل استطلاع "مؤشر الصوت الإسرائيلي" الأخير عدداً من الأسئلة حول هذا الموضوع: سُئل المشاركون في الاستطلاع "هل، بالرغم من ممارساتها، ينبغي الاعتراف بأن حماس تمثل أجزاء واسعة من الشعب الفلسطيني؟". وعلى هذا السؤال جاءت الإجابات على النحو التالي: أغلبية من مجمل المشاركين (50,5 بالمائة) وأغلبية من المشاركين اليهود (51,7 بالمائة) وأغلبية من المشاركين العرب في الاستطلاع (54,9 بالمائة) أجابت بالنفي، مقابل موافقة 46 بالمائة من مجمل المشاركين في الاستطلاع و46 بالمائة من المشاركين اليهود و46,5 بالمائة من المشاركين العرب.
في تحليل هذه الإجابات يمكن القول إن الموافقة على هذا الرأي قد تنبع من أسباب مختلفة، أبرزها اثنان: إما الاعتراف بحركة "حماس" والاستعداد للتحاور معها وإما الاعتقاد بأن مواقف "حماس" وممارساتها تمثل وتعكس مواقف أجزاء واسعة من الفلسطينيين.
وفي سؤال آخر، طُلب من المشاركين في الاستطلاع إبداء رأيهم في الاتهامات الموجهة إلى الحكومات الإسرائيلية بأن "سياساتها وأداءها خلال السنوات الأخيرة تجاه حركة حماس هي التي سهّلت عليها تنفيذ هجوم السابع من تشرين الأول". وجاءت الإجابات على هذا السؤال على النحو التالي: أغلبية ساحقة من بين مجمل المشاركين في الاستطلاع (79,4 بالمائة) ومن بين المشاركين اليهود (74,4 بالمائة) وأغلبية من المشاركين العرب (54,8 بالمائة) رأت أن هذه الاتهامات صحيحة ومحقة تماماً. في المقابل، رأت أقلية ضئيلة من مجمل المشاركين (16,4 بالمائة) ومن المشاركين اليهود (10,9 بالمائة) وكذلك أقلية من المشاركين العرب (33,5 بالمائة) أن هذه الاتهامات غير صحيحة.
وسُئل المشاركون عن رأيهم في القول إن "حماس تمكنت، بهجوم السابع من تشرين الأول، من إعادة القضية الفلسطينية إلى الوعي الدولي بعد سنوات من إقصائها وتهميشها"، فجاءت إجاباتهم على النحو التالي: أغلبية من بين مجمل المشاركين في الاستطلاع (58,2 بالمائة) ومن بين المشاركين اليهود (58,5 بالمائة) ومن بين المشاركين العرب (56,3 بالمائة) أبدت موافقتها على هذا الرأي، بينما عارضه 37,4 بالمائة من مجمل المشاركين و37,8 بالمائة من المشاركين اليهود و35,7 بالمائة من المشاركين العرب في الاستطلاع.