المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • تقارير، وثائق، تغطيات خاصة
  • 958
  • برهوم جرايسي

عرضت وزارة المالية الإسرائيلية، في نهاية الأسبوع الماضي، مسودّة اقتراح لتعديل ميزانية العام الجاري 2024، التي كان الكنيست قد أقرها في شهر أيار الماضي، وهي تحتاج لتعديل واسع، نظرا لكلفة الحرب على قطاع غزة، التي بات يتفق الجميع على أنها قد تتجاوز 240 مليار شيكل. ومن المفترض أن تقر الحكومة هذا الاقتراح تمهيدا لعرضه على الكنيست. وفي حين أن الحكومة اتفقت على تقليص بنسبة 5% من ميزانية الصرف الجاري، في جميع الوزارات، فإنها تتفق على زيادة أساسية في ميزانية الجيش، عدا كلفة العدوان. وفي ظل هذا، يدور جدل حول الصرف على حقائب وزارية تُعد "هامشية لا حاجة لها"، إلا أن غالبيتها في واقع الحال أقيمت لغرض الصرف على الاستيطان والجمهور الاستيطاني، والتيار الديني الصهيوني، وتعميق الفكر اليميني الاستيطاني، تحت تسمية "تعميق الهوية اليهودية" وغيرها.

وبدأت تقديرات كلفة الحرب في الأسابيع الأولى للعدوان على قطاع غزة تتحدث عما بين 80 إلى 120 مليار شيكل (سعر صرف الدولار الرسمي، حتى يوم نشر هذا المقال، 3.72 شيكل للدولار، وهو يتأرجح في الأيام الأخيرة في الاتجاهين، بوتيرة سريعة). ولاحقا بدأت الحسابات تتقلب إلى الأعلى، وتشمل كافة جوانب الصرف العسكري، بما فيه الصرف على جيش الاحتياط، وأيضا الصرف "المدني"، مثل تمويل نقل السكان من محيط قطاع غزة، ومن المنطقة المحاذية للشريط الحدودي مع لبنان، ودفع رواتب للمتعطلين عن العمل وغيرها، وأيضا التعويضات عن الخسائر الاقتصادية، لقطاعات اقتصادية معينة.

وبات شبه اتفاق على أن إجمالي الصرف على العدوان وتوابعه، ستصل إلى 240 مليار شيكل، مع نهاية العام الجاري 2024، لكن هذا قد يرتفع إذا امتدت الحرب إلى فترة أطول، مثلا حتى نهاية العام الجاري.

و240 مليار شيكل تعني 12% من حجم الناتج العام الإسرائيلي، وهذا يعادل حوالى 47% من حجم الميزانية العامة للعام الجاري 2024، رغم أن الصرف بدأ في الربع الأخير من العام الماضي. لكن إذا أخذنا بالاعتبار أن 32% من الميزانية العامة تصرف على تسديد القروض والفوائد، فإن 240 مليار شيكل تعادل 68% من حجم ميزانية الصرف الجاري السنوية. والدعم الأميركي الموعود بقيمة 53 مليار شيكل (14.3 مليار دولار)، قد يقلص العبء المالي، لكن لن يحل مشكلته كليا.

وأعلنت وزارة المالية الإسرائيلية، في نهاية الأسبوع الماضي، أن العجز في الموازنة العامة، مع نهاية العام الماضي 2023، بلغ ما يلامس 78 مليار شيكل، وهو ما يعادل 4.2% من حجم الناتج العام، وهذا أعلى من التوقعات التي تلت شن الحرب وتعمقت لاحقا، إذ كانت التقديرات أن يبلغ العجز نسبة 3.5% من حجم الناتج العام، وهذه النسبة تضع علامة سؤال حول واقعية تقديرات الحكومة بأن يصل العجز الى نسبة 6% مع نهاية العام الجديد 2024.

وبحسب تقديرات خبراء اقتصاد ومحللين، فإن العجز سيكون أكبر من تقديرات الحكومة، إذا ما قررت الأخيرة عدم زيادة العبء المالي على الجمهور، كي لا تدفع ثمنا سياسيا في أي انتخابات برلمانية مقبلة؛ فمثلا، وحسب ما قالته صحيفة "ذي ماركر" الاقتصادية، فإن رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو يرفض رفع ضريبة الشراء (ضريبة القيمة المضافة) على الجمهور في العام المقبل 2025، من 17% اليوم، إلى 18%، إذ بحسب التقديرات، فإن كل 1% ضريبة قيمة مضافة يعادل 8 مليارات شيكل، بغالبيتها الساحقة ستكون من جيوب المواطنين.

في الحكومة، وخاصة رئيسها بنيامين نتنياهو، يدّعون أن لا ضرر من زيادة العجز في الموازنة العامة، ما يعني زيادة المديونية، لأن إسرائيل دخلت الحرب وهي بمعطيات اقتصادية "جيدة"، حسب وصفه، إذ إن حجم الدين العام كان يعادل 60% من حجم الناتج العام، وهي نسبة الحد الأقصى المقبولة في المؤسسات المالية الدولية، وجهات تقييمات اقتصاد الدول. وبحسب نتنياهو فإن القفز إلى نسبة 65% أو 66% من حجم الناتج العام، يُبقي الاقتصاد الإسرائيلي في إطار "المعقول"، لكن خبراء ومحللين لا يستبعدون أن يقفز حجم الدين العام إلى ما بين 73% وحتى 80% إذا طالت الحرب، وطالت تبعاتها المالية لأكثر من عامين، لكنها تبقى تقديرات ليست رسمية، ولا حتى صادرة عن بنك إسرائيل المركزي.

وتعرض الحكومة تقليصات عديدة في بنود صرف الميزانية، مع تركيز خاص على تأجيل تنفيذ مشاريع بنى تحتية عديدة في جميع مناطق البلاد، وأيضا تم ذكر تقليص ميزانيات للمجتمع العربي، أصلا لم تدخل إلى حيز التنفيذ بشكل فعلي، منذ أن أقرتها الحكومة السابقة، وليس واضحا ما هو مصير مخطط الحكومة بكامله، إذ أن الكنيست سيفاوض بشأن هذه التقليصات، وبشكل خاص من كتل الائتلاف التي ستهتم بأن لا تتأثر أحزابها سياسيا أمام الجمهور، جراء هذه التقليصات والضربات الاقتصادية.

مستوى غير مسبوق لميزانية الجيش

كما ذكر، هناك اتفاق شامل في الحكومة، وبالتأكيد المعارضة الصهيونية، على زيادة ميزانية الجيش في اتجاهين: أولا، رفع الميزانية الأساس، وتكون زيادة دائمة؛ وثانيا، تمويل خسائر الجيش، لتحديث آلياته المتضررة، وإعادة ملء مخازن الذخيرة، وفي هذا دور كبير جدا للولايات المتحدة الأميركية، التي أدفقت كميات ضخمة من الأسلحة والذخيرة مع بدء العدوان، حسب تقارير إسرائيلية سابقة.

وبلغت ميزانية الجيش الأساسية في العام الماضي 2023 حوالى 76 مليار شيكل، من بينها أكثر من 13 مليار شيكل هي الدعم العسكري الأميركي السنوي، الذي يعادل 3.8 مليار دولار، ومن المفروض أن تكون ميزانية الجيش الأساسية في العام الجاري، بحسب ما أقرت في شهر أيار الماضي، ما يقارب 80 مليار شيكل، ما يعني إذا أقرت الزيادة الأساسية المقترحة فإن الميزانية الأساسية للجيش ستقفز إلى 100 مليار وحتى 110 مليارات شيكل (ما بين 27 مليار إلى 29.5 مليار دولار)، وهذا مستوى غير مسبوق لميزانية الجيش المباشرة، وستصرف الزيادة على إعادة التأهيل، ورفع مستويات الجاهزية، وزيادة المخزون الثابت للجيش، من الأسلحة والذخيرة، وهذا كله عدا الصرف على العدوان على قطاع غزة.

ويقول المحلل الاقتصادي شلومو تايتلبويم، في مقال له في صحيفة "كالكاليست" الاقتصادية، إنه "سيتعين على الجيش أن يزيد ميزانيته في السنوات المقبلة إلى حد عشرات المليارات من الشواكل"، وهنا الحديث عن زيادة في أساس الميزانية، وليس ميزانية إضافية ليست ثابتة. وتابع: "من الواضح للجميع تقريباً في هذه المرحلة، أن هذه الزيادة لا يمكن تمويلها إلا من خلال زيادة الديون، والاعتماد على زيادة العجز فقط".

بسبب الزيادة الحادة في نفقات الجيش، يقول الاقتصاديون في وزارة المالية وبنك إسرائيل إنه يجب تخفيض النفقات المدنية الأخرى، وفي المقابل يجب زيادة الإيرادات.

وبحسب الصحافة الاقتصادية، فإن قيادة الجيش، وفي ضوء الوضع الناشئ، لن تقبل بتطبيق ما طلب منها سابقا، مثل تخفيض حجم الرواتب التقاعدية، وامتيازات للجنود، كما لن تقبل دفع محفزات مالية للجنود ليغادروا صفوف الجيش، وتقليص حجم الجيش الدائم، وبضمن هذا رفض تقليص عدد أيام خدمة الاحتياط السنوية الإلزامية، وتخفيض الحد الأقصى لعمر جندي الاحتياط الملزم بالخدمة.

ويقول تايتلبويم: "في اليوم التالي للحرب، ستضاف تكاليف كبيرة: على مستوى الأفراد العسكريين والتسلح. فالزيادة في القوة البشرية ستتم على جميع المستويات في الجيش، سواء في ما يتعلق بتمديد خدمة المجندين، إذ توجد الآن معضلة كبيرة في مسألة المجندين، وفي كل ما يتعلق بزيادة عدد الموظفين الدائمين (بين 5 آلاف و8 آلاف شخص)، وفي ما يتعلق بعدد أيام الاحتياط التي ستزداد بشكل كبير".

وحسب الكاتب ذاته، فإن "النقاش الأكثر أهمية هو حول التسلح. إذ أدت الحرب إلى قيام الجيش بإعادة تقييم مستوى مخزون الذخيرة الذي يحتاج إليه من جديد في جميع القطاعات. ومن وجهة نظر الجيش، من الضروري الدخول في فترة أربع أو خمس سنوات من التخزين المكثف".

ليست وزارات هامشية

يتعاظم الجدل في الأوساط السياسية، وبشكل خاص في الأوساط الاقتصادية، حول وزارات أقامتها الحكومة الإسرائيلية الحالية، بعضها يحمل أسماء متشابهة، قيل منذ بدايات الحكومة إنها من أجل إسناد وزارات لأعضاء كنيست لم ينالوا من "الكعكة الحكومية" ما يرضيهم، لكن في تدقيق بأسماء هذه الوزارات، ولاحقا ما أشيع عن مهماتها ومشاريعها، يتأكد أنها ليست مجرد حقائب "ترضية"، بل لها مهمات عينية، لخدمة جمهور المصوتين الذي أوصل هذه الحكومة للقيادة، مع تركيز خاص على المستوطنات والمستوطنين، والعصب السياسي الأقوى بينه، جمهور التيار الديني الصهيوني إلى جانب دفق ميزانيات إضافية ضخمة، على جمهور المتدينين المتزمتين، الحريديم، ومؤسساتهم الدينية والتعليمية، فهذا الجمهور الذي بات قاعدة جماهيرية متينة لليمين الاستيطاني، هو الأشد إخلاصا لحكومات بنيامين نتنياهو والليكود.

وهذه هي الوزارات، وأسماؤها تقول الكثير:

"وزارة الاستيطان والمهمات القومية"، ومن بين ما كلفت به الوزيرة أوريت ستروك، من كتلة الصهيونية الدينية، تشجيع مبادرات استيطان جديدة، والمبادرة لمشاريع بنيوية في الضفة الغربية المحتلة، لخدمة المستوطنات.

"وزارة النقب والجليل والمناعة القومية"، وهي وزارة تعود لحركة "قوة يهودية"، بزعامة إيتمار بن غفير، وأقام وزارة النقب والجليل شمعون بيريس في العام 2001، بهدف تهويد هاتين المنطقتين، بمعنى السعي لنقل أعداد أكثر من اليهود لمواجهة نسبة العرب العالية، لكن هذه الحكومة أضافت لها عبارة "المناعة القومية"، وتحت غطاء هذه التسمية، تندرج مشاريع تخص اليهود بشكل خاص في المدن الفلسطينية الساحلية التاريخية، من عكا شمالا وحتى الرملة في مركز البلاد.

ثم هناك: وزارة التراث، وزارة القدس والتقاليد، وزارة يهود الشتات ومكافحة اللاسامية، وزارة المخابرات (منقطعة تماما عن أجهزة المخابرات- مجرد تسمية)، وزارة الشؤون الاستراتيجية، وزارة التعاون الإقليمي، وزارة المساواة الاجتماعية، وزارة رفع مكانة المرأة.

قسم من هذه الوزارات هو في الأصل أقسام عمل في وزارات قائمة أصلا، مثل المساواة الاجتماعية ورفع مكانة المرأة، كانت تقليديا في وزارة الرفاه الاجتماعي، ووزارتا الشؤون الاستراتيجية والمخابرات هما قسما عمل في وزارة الدفاع، ووزارة الخارجية، وديوان رئيس الحكومة.

وفي قراءة للتقارير الاقتصادية، فإن هذه الوزارات ليست فقط لترضية أعضاء كنيست، وحينما ننظر إلى أن عدد العاملين في هذه الوزارات، 463 موظفا، نعرف أن غالبيتهم الساحقة، إذا ليس كلهم، هم ناشطون حزبيون، لكل واحد من الوزراء، فأصلا يجيز القانون للوزير تعيين من يسمون "موظفي ثقة"، وعددهم محدود، وعملهم مرتبط بفترة عمل الوزير شخصيا. وفي وزارات حديثة كهذه، فإن الجانب المهني هامشي، ولذا من السهل تفصيل وظائف بحسب مواصفات الناشطين المقصود تشغيلهم.

مجموع الصرف المخصص لهذه الوزارات، مع كلفة تشغيلها، بلغ في العام الماضي أكثر من 2.2 مليار شيكل، ومخصص لها في العام الجاري ما يقارب 1.9 مليار شيكل، وبطبيعة الحال فإن الميزانية الأخيرة، سيكون لها مثيل وأكثر في كل واحد من العامين المقبلين، في حال استمرت الحكومة الحالية حتى نهاية ولايتها القانونية، في خريف العام 2026. ما يعني إجمالي صرف قد يصل إلى 9 مليارات شيكل خلال أربع سنوات.

ليس واضحا مصير كل هذه الوزارات، مع تزايد الدعوات إلى إغلاقها من منطلقات التوفير، وهناك شك كبير في أن تتم هذه الخطوة، نظرا للأسماء التي تقود هذه الوزارات، وأيضا المهمات المنوطة ببعضها. وعلى هذا الأساس، فإنه إذا ما وصلت الضربات الاقتصادية إلى جيوب الجمهور الإسرائيلي العريض، وكانت ملموسة، فإن الانتقادات للحكومة ستتزايد، ما سيدفعها اضطرارا إلى تقليص ميزانية هذه الوزارات أو إلى إغلاق بعضها.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات