قال بحث أكاديمي إسرائيلي جديد إن جمهورا واسعا، قد يكون الأغلبية، من أتباع التيار الديني الصهيوني لم يعد يجد بيتا سياسيا مناسبا له، إذ إن من يدّعي تمثيل هذا التيار في الكنيست، التحالف الانتخابي السابق "الصهيونية الدينية"، الذي جرف 51% من أصوات هذا الجمهور، حسب البحث، لا يمثل هذا الجمهور، بسبب نهجه الديني المتزمت، وتعامله مع مؤسسات الحكم. كما يضيف البحث أن نسبة التأييد الأكبر في هذا التحالف الانتخابي كانت لحزب "قوة يهودية" بزعامة إيتمار بن غفير، إلا أنه في استطلاعات الأشهر الأخيرة، خسر هذا الحزب نصف شعبيته. وفي سياق متصل يقول بحث آخر، إن 45% من اليهود الإسرائيليين يعرّفون أنفسهم بالمحافظين، لكن غالبيتهم تؤيد التعددية المجتمعية، وترفض قوانين وأنظمة الإكراه الديني.
وبحسب التقديرات، فإن نسبة من هم في تعداد التيار الصهيوني الديني، أو حسب التسمية الرسمية، "التيار الديني القومي"، ما بين 13% إلى 14% من مجمل السكان في إسرائيل من دون القدس المحتلة، وهذا يعني أنهم يشكلون أكثر من 17% من إجمالي اليهود المعترف بيهوديتهم دينيا في إسرائيل. ويشار هنا إلى أن 4% من السكان في إسرائيل يعرّفون أنفسهم يهودا، لكنهم غير معترف بيهوديتهم، لذا فإنه حسب الإحصائيات الرسمية، نسبة اليهود المعترف بيهوديتهم نحو 77% إلى 78% من إجمالي السكان، من دون القدس المحتلة.
وتصل نسبة التكاثر الطبيعي لدى التيار الديني الصهيوني إلى 3.1%، مقارنة بمعدل نسبة تكاثر عامة 2%، وبين المتدينين المتزمتين (الحريديم) ما يقارب 4%، وبين العرب في تراجع مستمر، وهبطت إلى 2.5%، أما لدى جمهور العلمانيين اليهود فإن نسبة التكاثر لا تتعدى 1.5%.
وهذه التقديرات لاقت لها إسنادا، تقريبا، من تقديرات مكتب الإحصاء المركزي الحكومي الإسرائيلي، الذي قال قبل نحو عام إن نسبة جمهور التيار الديني الصهيوني تعادل 12% من إجمالي السكان، لكن هنا يتم احتساب فلسطينيي القدس الشرقية، وهذا مصدر الاختلاف بين النسبتين، كما أنه حسب مكتب الاحصاء، فإن هذا الجمهور شكّل نسبة 10% من بين أصحاب ذوي حق الاقتراع في الانتخابات الأخيرة، بمعنى ما يعادل 12 مقعدا. لكن في تدقيق للبحث الأكاديمي الذي نستعرضه هنا، فإن القوة الانتخابية أكثر بقليل مما يعرضه مكتب الإحصاء.
وقد أعد البحث الدكتور مناحيم لازار، وهو متخصص أيضا بالتيار الديني الصهيوني، ولديه مكتب استطلاعات خاص، وبحثه الجديد يرتكز أيضا على رسالة الدكتوراة التي بدأ بكتابتها في العام 2013 وأنهاها لاحقا.
وحسب هذا البحث، فإنه في الانتخابات الأخيرة، التي جرت في الأول في تشرين الثاني الماضي، 2022، صوّت 51.4% من جمهور المتدينين الصهاينة للقائمة التحالفية "الصهيونية الدينية"، بينما حصل حزب الليكود على نسبة 27.8% من هذا الجمهور، ثم 5.2% لقائمة "البيت اليهودي" (المفدال سابقا) التي لم تعبر نسبة الحسم، ونسبة مماثلة لقائمة شاس للحريديم الشرقيين، وهذه نسبة لافتة. ونسبة 4.1% لقائمة "المعسكر الرسمي"، بينما صوت 2% من هذا الجمهور لقائمة حزب العمل، التي من بين نوابها الأربعة متدين إصلاحي من هذا التيار. وحصلت قوائم يهدوت هتوراة و"يوجد مستقبل" و"إسرائيل بيتنا" على نسبة 1.1% لكل واحدة منها، و1% من هذا الجمهور صوّت لباقي القوائم.
اللافت أيضا في البحث، أن 70% من الذين صوتوا للقائمة التحالفية "الصهيونية الدينية"، كان تأييدهم أصلا لحزب "قوة يهودية" (عوتسما يهوديت) برئاسة إيتمار بن غفير الأشد تطرفا، و29% بسبب وجود حزب "الصهيونية الدينية" برئاسة بتسلئيل سموتريتش. وعلى هذا الأساس كان توزيع المقاعد الـ 14، أقل من 10 مقاعد لحزب بن غفير، و4 مقاعد لسموتريتش، بينما في التوزيعة البرلمانية الفعلية، كانت 7 مقاعد لحزب سموتريتش، و6 مقاعد لبن غفير، ومقعد واحد للحزب الثالث في القائمة: "نوعام".
وتدل هذه التوزيعة على أن التيار الديني الصهيوني انجرف في الانتخابات الأخيرة، وبنسبة عالية، نحو ما يمكن تسميته "التيار الكهاني"، نسبة إلى الفاشي مئير كهانا، مؤسس حركة "كاخ" الإرهابية المحظورة إسرائيلياً، بموجب القانون، وهي محظورة في عدد من دول العالم، ومن بينها الولايات المتحدة، إلا أن الحظر الإسرائيلي هو شكلي، لأن رموز هذه الحركة يشاركون في الانتخابات الإسرائيلية منذ العام 2006.
ورغم هذا، واستنادا إلى أن 51% من أتباع التيار الديني الصهيوني صوتوا للقائمة التي تحمل اسم تيارهم، يقول الباحث إن "من ينظر من الخارج يرى سموتريتش وبن غفير وآفي ماعوز (رئيس "نوعام")، ويعتقدون أن هذه صهيونية دينية وهذا غير صحيح". ويضيف: "القطاع الديني الصهيوني مجموعة اجتماعية ذات خصائص خاصة جدا، ولكن من الصعب جدا تقسيمها. كانت هناك محاولات لتعريف هذه المجموعة على مر السنين، من خلال السلوكيات، أو طرق تعريف الذات الجماعية".
ويقول الباحث إنه في الآونة الأخيرة يظهر من استطلاعات الرأي العام أن بن غفير خسر نصف قوته الانتخابية، التي حققها في خريف 2022، وباتت تتراوح اليوم بين 4 مقاعد إلى 5 مقاعد، مع الإشارة إلى أن 4 مقاعد تعني نسبة الحسم التي تسمح بالتمثيل البرلماني. ويرى الباحث أن خسارة بن غفير أساسا بين جمهور العلمانيين اليمينيين، الذين صوتوا بكثرة للقائمة التحالفية، خاصة وأن بن غفير خاطب في حملته الانتخابية قطاعات من هذا الجمهور العلماني.
ويستدل من حيثيات البحث، الذي استعرضه موقع "واينت" الإخباري، التابع لصحيفة "يديعوت أحرونوت"، أن بن غفير وجّه خطابه التحريضي على العرب إلى قطاعات محددة، مثل اليهود في النقب، حيث تنتشر بلدات النقب العربية. بمعنى أن الباحث يستنتج أن نهج بن غفير على عدة صُعد، بعد الانتخابات وفي ظل الحكومة الحاليّة، خاصة نهجه تجاه مؤسسات الحكم، وتشدده الديني إلى درجة التزمت، أبعد جمهور ناخبين عنه، في استطلاعات الرأي.
واستنتاج الباحث لازار من الممكن أنه صحيح، لأن ما شهدناه في آخر انتخابات برلمانية، كان خيارا انتخابيا جديدا، ومفاجئا بحجمه الضخم نسبيا، لأن بن غفير نفسه قاد قائمة انتخابية منفصلة في الانتخابات للكنيست الـ 22 التي جرت في شهر أيلول 2019، وحصل على أكثر من 83 ألف صوت، وكانت تعادل نحو مقعدين برلمانيين، بينما تمثيل الحد الأدنى هو 4 مقاعد. وفي الانتخابات التالية للكنيست الـ 23، في مطلع آذار العام 2020، حصلت قائمته على أكثر بقليل من 18 ألف صوت، وهذا يعني فقدان 78% من قوته الانتخابية، خلال 6 أشهر.
في انتخابات الكنيست الـ 25 الأخيرة، حصلت القائمة التحالفية التي شارك فيها بن غفير على أكثر من 516 ألف صوت، وحسب رأي البحث فإن نحو 70% من هذه القوة كانت تأييدا لبن غفير، بمعنى 360 ألف صوت، وهذا انقلاب مثير في منهجية التصويت، يكشف عنه الباحث المتخصص.
صدمات انتخابية
ويعتقد الباحث، استنادا إلى استطلاعات أجراها، أن القوة الكبيرة التي حصل عليها تحالف "الصهيونية الدينية" في الانتخابات البرلمانية الأخيرة، تعود في قسم كبير منها إلى سلسلة الضربات الانتخابية التي تلقاها هذا التيار، في الجولات الانتخابية الخمس، التي جرت بين نيسان 2019 وحتى مطلع تشرين الأول 2022.
ففي نيسان 2019، بادر من كان يقود القائمة التحالفية في العامين 2013 و2015، نفتالي بينيت، إلى شق التحالف، لرفضه شراكة إيتمار بن غفير وحزبه. ويومها هبط تمثيل هذا التيار من 12 مقعدا في انتخابات 2013 إلى 8 مقاعد في انتخابات 2015، ثم إلى 5 مقاعد في انتخابات نيسان 2019، بسبب عدم اجتياز قائمة كان يترأسها نفتالي بينيت، وكانت على حافة نسبة الحسم، وبالتالي حرقت تمثيل 4 مقاعد برلمانية.
وأكثر من هذا، حسب الباحث، فإن اليمين الاستيطاني المتشدد، الذي في صلبه التيار الديني الصهيوني، لم ينس انتخابات العام 1992، وهو على اعتقاد راسخ، بأن تفككه في ذلك العام، أدى إلى عودة حزب العمل برئاسة إسحق رابين إلى الحكم. كما رأى أن تفكك الأحزاب الذي سبق انتخابات الكنيست الـ 24، في آذار 2021، أدى إلى تشكيل حكومة برئاسة نفتالي بينيت، وتم فيها استبعاد حزب الليكود عن الحكم، لأول مرّة منذ عودته إلى الحكم في العام 2009.
يضاف إلى هذا أنه في الانتخابات الأخيرة، فإن الجمهور الديني الصهيوني الذي لربما رأى بقائمة "البيت اليهودي" برئاسة أييليت شاكيد، أقرب له فكريا، تخوّف من التصويت لها، لئلا تذهب الأصوات هباء، بعد أن أجمعت كل استطلاعات الرأي العام على عدم اجتيازها نسبة الحسم.
ساهم كل ما ذُكر مجتمعا في التكتل الانتخابي خلف قائمة "الصهيونية الدينية"، كونها الحزب الأكثر التصاقا، برأيهم، باليمين الاستيطاني المتشدد.
فرضية القوة الثالثة في الصهيونية الدينية
كنا نشرنا في "المشهد الإسرائيلي" العدد 583، الصادر يوم 19 حزيران الماضي، 2023، مقالة تحت عنوان: "استفحال التطرف في التيار الصهيوني الديني قد يقود لخلق إطار انتخابي ثالث منافس"، وهي فرضية استندتُ فيها إلى سلسلة عوامل، لكن أبرزها هو تراجع قوة أحزاب التحالف السابق في الانتخابات الأخيرة، "الصهيونية الدينية"، من 14 مقعدا، إلى ما مجموعة ما بين 9 إلى 10 مقاعد، دون أن تعرض هذه الاستطلاعات الكثيرة جدا في الأشهر الأربعة الأخيرة، خيارا آخر، يمثل قطاع التيار الديني الصهيوني، لأنه ببساطة، حتى الآن لم تظهر جهة تعلن نيتها تشكيل إطار جديد، يرتكز على هذا التيار الديني.
جاء في تلك المقالة أنه أمام استفحال التطرف السياسي من جهة، والتطرف الديني من جهة أخرى، والتقدم في خطوط التصادم مع الجمهور العلماني من خلال المحاولات لتشديد قوانين الإكراه الديني، تنشأ حالة تململ في التيار الديني الصهيوني، ما يعزز التقديرات بأن المنافسة داخل التيار الديني الصهيوني في أي انتخابات مقبلة ستكون مختلفة بعض الشيء، فحتى الآن لم تظهر قوّة جديدة على الواجهة، إلا أن حزب المفدال- البيت اليهودي ما زال قائما، رغم ضعفة، والشخصية السياسية الأبرز، حتى الآن، التي أخرجت نفسها من المعترك البرلماني، هي رئيس الحكومة الأسبق نفتالي بينيت، الذي هو في صلب اليمين الاستيطاني، ولا يوجد أي مؤشر لعودته إلى الحلبة السياسية في هذه المرحلة، لهذا فإنه من المرجّح أن يجري البحث عن وجوه جديدة من هذا التيار، في أي انتخابات مقبلة.
"45% من اليهود الإسرائيليين محافظون"
في سياق متصل، صدر في شهر تموز الجاري بحث جديد لـ "معهد سياسات الشعب اليهودي"، وهو تابع للوكالة الصهيونية، يقول إن 45% من اليهود الإسرائيليين يعتبرون أنفسهم محافظين، ويستنتج البحث أنهم القطاع اليهودي الإسرائيلي الأكبر، مبدّدا الانطباع بأن من يعتبرون أنفسهم ليبراليين يشكلون النسبة الأعلى. إلا أن غالبية هذا الجمهور المحافظ لا تضع نفسها في خانة اليمين الإسرائيلي، بل في ما يسمى "الوسط" وفق التعريفات الإسرائيلية.
كذلك وجد البحث أن غالبية الجمهور المحافظ ليبرالية في جوهرها، وتعارض الإكراه من أي نوع وتدعم حرية الدين وحرية مستوى التدين، لكل من العلمانيين والمتدينين.
ووفقا للبحث، فإن 55% من المحافظين يفهمون أن يهودية الدولة تقوم على مكوّن قومي، وأقل من ثلثهم يؤكدون على أن المكوّن هو ديني. كما أن نسبة المحافظين الذين يفسرون يهودية الدولة على أنها تستند إلى عنصر من الديمقراطية والتسامح، مماثلة لنسبة العلمانيين الذين يعتقدون ذلك.
كما يُظهر البحث أن الهوية المحافظة، على الرغم من أنها لا تزال مرتبطة باليهود الشرقيين، فقد عبرت الحواجز الطائفية اليهودية، واليوم هناك المزيد والمزيد من اليهود الأشكناز (الغربيين)، وقدامى المحاربين في الاتحاد السوفياتي السابق، وما إلى ذلك، الذين يعرّفون أنفسهم بأنهم محافظون أيضاً.
المصطلحات المستخدمة:
الصهيونية, انقلاب, بتسلئيل, يديعوت أحرونوت, كاخ, الليكود, الكنيست, رئيس الحكومة, نفتالي بينيت