كثّف الائتلاف الإسرائيلي الحاكم، منذ بدء الدورة الصيفية الحالية للكنيست، التي بدأت في مطلع أيار الماضي، تشريع قوانين التمييز العنصري ضد فلسطينيي الداخل، وتلك التي تخدم الاستيطان وتدعم سياسات الاستبداد ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة، ويرتكز الائتلاف على أغلبية مطلقة، ولكنه في هذه القوانين يلقى دعما من نواب وكتل في المعارضة. وفي المقابل، تتزايد الاتهامات لحكومة بنيامين نتنياهو بأنها تهمل استمرار تدهور الأوضاع الاقتصادية، التي تغوص أكثر في التضخم المالي، مع مؤشرات تراجع النمو وحتى اقترابه لحالة الركود، وبالتالي تراجع مداخيل خزينة الضريبة، ما سيقود إلى تقليص قريب في الموازنة العامة، وأكبر مما كان مخططا.
حتى مطلع الأسبوع الجاري، 11 حزيران، أدرج أعضاء الكنيست على جدول الأعمال حوالي 170 مشروع قانون، من فئة قوانين التمييز العنصري التي تستهدف فلسطينيي الداخل، وقوانين داعمة للاستيطان، وتشديد أنظمة استبداد ضد الفلسطينيين، وتمديد قانون الحرمان من لم شمل العائلات الفلسطينية، التي أحد الوالدين فيها من الضفة الغربية وقطاع غزة، وهو القانون الذي يأخذ طابع "قانون طوارئ"، يتم تمديده سنويا، ويحرم آلاف العائلات الفلسطينية من لم شملها واستقرارها.
ويظهر من خلال مشروع رصد القوانين التمييزية، والداعمة للاحتلال والاستيطان، في المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية، مدار، في رام الله، أن هناك أشبه بسباق بين نواب الائتلاف الحاكم، ونواب المعارضة من الكتل الصهيونية الثلاث، ""المعسكر الرسمي" بقيادة بيني غانتس، و"إسرائيل بيتنا" بزعامة أفيغدور ليبرمان، وأيضا "يوجد مستقبل" بزعامة يائير لبيد.
تزعم أوساط في كتل المعارضة تلك، أن طرح نوابها لمشاريع القوانين هذه، هو من باب "المماحكة لإحراج الائتلاف الحاكم"، لكن هذه المزاعم تتساقط بسهولة، حينما نرى أن نوابا من هذه الكتل يدعمون مشاريع القوانين التي تطرح للتصويت في الهيئة العامة، إما من خلال التصويت دعما لهذه القوانين، أو مغادرة جلسة التصويت على القوانين، وهذا يُعد تأييدا غير مباشر للقوانين. وأكثر من هذا، فإن قسما من هذه القوانين كان طرحها نواب المعارضة في ولايات برلمانية سابقة، وحملوها معهم إلى الولاية البرلمانية الحالية.
بعد نيل الحكومة الثقة من الهيئة العامة للكنيست، في آخر يومين من العام الماضي 2022، بمعنى خلال الأشهر الخمسة الماضية، أقر الكنيست 4 قوانين بشكل نهائي، منها قانون الحرمان من لم الشمل، السابق ذكره، وقانون يعيد الاستيطان إلى شمال الضفة الغربية، وقانون يسحب الجنسية أو الإقامة من أسرى فلسطينيين، والقانون الرابع هو قانون تمييزي وإكراه ديني يضر بالعرب، يمنع ادخال المأكولات المخمّرة، وبضمنها الخبز، إلى المستشفيات في أسبوع الفصح العبري.
كذلك أجاز الكنيست، بطلب من الحكومة، استمرار تشريع قانون كان قد توقف تشريعه في الولاية البرلمانية السابقة، بعد إقراره بالقراءة الأولى، يوسّع نطاق قانون ما يسمى "لجان القبول"، الذي يمنح البلدات اليهودية التي فيها حتى 400 بيت، وتسمى "بلدات جماهيرية"، بإقامة لجان قبول لطالبي السكن الجدد في البلدة، لمعرفة ما إذا العائلة تلائم "الأجواء الثقافية والأيديولوجية" في البلدة. والهدف منه، منع إسكان عرب في بلدات كهذه، تعد بمستوى معيشي عال نسبيا، بعد أن كانت المحكمة العليا قد أجازت قبل سن هذا القانون، لعائلات عربية بالسكن في مثل هذه البلدات. ويطلب تعديل القانون رفع عدد البيوت إلى 700 بيت، لكن الهيئة العامة للكنيست، وبموافقة الحكومة، أقرت، في الأسبوع الماضي، بالقراءة التمهيدية، مشروع قانون مطابق، لكنه يرفع عدد بيوت هذه البلدات إلى ألف بيت، ومن المتوقع أن يتم دمج مشروع القانون هذا في مسار التشريع مع تعديل القانون القائم، ليتم عرضه خلال الأسابيع القليلة المقبلة لإقراره نهائيا في الهيئة العامة للكنيست.
كذلك أقرت الهيئة العامة للكنيست في الأسابيع القليلة الأخيرة، حوالي 7 قوانين بالقراءة التمهيدية، وهي قيد التشريع، منها ما يعمّق التمييز ضد العرب في سوق العمل، وأخرى تقلص حرية التعبير، مثل منع توظيف عرب في سلك التعليم، إذا جاهروا بمواقف سياسية وطنية لهم، وبضمنها تأييد حق المقاومة، بزعم أن هذا تأييد لما تسميه إسرائيل "إرهابا".
كما أعاد الكنيست إدخال مشروع قانون تسهيل أحكام إعدام المقاومين الفلسطينيين الى مسار التشريع، لكنه قانون تعترض عليه الطواقم المهنية في وزارة العدل وجهاز المستشارين القانونيين، وأيضا في أجهزة المخابرات والجيش.
ما بات واضحا في الشهر الأخير، أن وتيرة عرض هذه القوانين على الهيئة العامة للكنيست وادخالها مسار التشريع باتت مكثفة، ولا يمر أسبوع واحد، إلا ويتم عرض قانون أو أكثر للتصويت عليه، ما يوحي بأن الولاية البرلمانية قد تسجل ذروة أشد في مجال هذه التشريعات، بعد أن سجلت الولاية البرلمانية الـ 20، آخر ولاية كاملة (2015- 2019)، ذروة غير مسبوقة في عدد القوانين التي أقرت نهائيا، وكانت 41 قانونا.
تردي الأوضاع الاقتصادية
أقرت الحكومة الإسرائيلية مطلع الأسبوع الجاري، الأحد 11 حزيران 2023، توصية وزارة المالية بشأن تعديل الخطة الاقتصادية، للعامين الجاري والمقبل، التي على أساسها تم إقرار موازنة العامين، وفي صلب القرار، تخفيض توقعات النمو الاقتصادي للعام الجاري من 3% إلى 2.7%، وهي نسبة أقرب لنسبة التكاثر السكاني 2%، ما يعني أن النمو هذا العام سيكون طفيفا. والشق الثاني في القرار، هو خفض تقديرات مداخيل الضرائب في العام الجاري بنحو 6.5 مليار شيكل (1.77 مليار دولار)، و14 مليار شيكل (3.82 مليار دولار) في العام المقبل، على ضوء تراجع النشاط الاقتصادي، ما سينعكس مباشرة على عائدات الضرائب.
وهذا يعني أن الخزينة العامة سينقصها في العامين الجاري والمقبل، ما يقارب 21 مليار شيكل، ما سيتطلب بشكل فوري، بحسب الحكومة، تقليص الموازنة العامة، لمنع زيادة العجز في الميزانية، وهذا يعني خفض الصرف على القضايا الحياتية الاجتماعية، وقد يشمل الأمر تجميد مشاريع بنى تحتية، ما ينعكس سوءا أكثر على الأوضاع الاقتصادية.
وجاء هذا القرار بعد أقل من شهر على التقرير الدوري للخبيرة الاقتصادية الرئيسية في وزارة المالية، شيرا غرينبرغ، التي خفضت تقديرات النمو في إسرائيل إلى 2.7% فقط، بانخفاض 0.3% مقارنة بالتوقعات السابقة، وإلى 3.1% في العام المقبل 2024. بالإضافة إلى ذلك، حذّرت غرينبرغ من أن جباية الضرائب في العام الجاري، 2023، ستكون أقل بمقدار 5.3 مليار شيكل عن التوقعات التي تم إعدادها في كانون الثاني الماضي. كما أن حصيلة الضرائب في العام المقبل، 2024، ستكون أقل بمقدار 11 مليار شيكل، عن التقديرات الأولى، وهذا يعني أنه خلال أقل من عامين، سينقص الخزينة العامة 16 مليار شيكل، ما يعني أنه منذ صدور ذلك التقرير الذي ضجّت به الأوساط الاقتصادية والسياسية، فإن التقديرات زادت سوءا، وهذا عدا الصرف الزائد الذي سيزيد العجز في الموازنة العامة، وهذا التقرير الرسمي الصادر عن مسؤولة كبيرة في وزارة المالية، فنّد مزاعم وزير المالية، بتسلئيل سموتريتش، الذي ادعى قبل صدوره بأيام أن الميزانية العامة تشهد فائضا، وأن جباية الضرائب أكبر من التوقعات.
وفي الأسبوع الماضي، صدر تقرير دوري لمنظمة التعاون والتنمية للدول المتطورة OECD، والذي شمل تراجعا عن تقديرات سابقة لنمو الاقتصاد الإسرائيلي، إذ تتوقع المنظمة أن يكون النمو الاقتصادي في العام الجاري 2.9%، أكثر بقليل من التوقعات الإسرائيلية الرسمية، ولكن في هذا أيضا تراجعت المنظمة عن تقديرات سابقة لها في هذا الشأن. رغم أن OECD رفعت تقديراتها للنمو الاقتصادي العالمي بقليل، في العام الجاري، على ضوء ارتفاع محدود في التجارة العالمية، ولجم الأسعار العالمية.
إلا أن لجم ارتفاع الأسعار عالميا، لم يصل بعد إلى السوق الإسرائيلية التي تواصل الغوص في موجات غلاء تطاول كل بنود سلة المشتريات والخدمات، وكما يبدو فإن التضخم المالي سيفوق هذا العام، التقديرات الإسرائيلية الرسمية، 3.9%، وبنسبة 4.1% بحسب تقديرات OECD، إلا أن المنظمة والمؤسسات الإسرائيلية تتوقع تراجع التضخم في العام المقبل 2024.
في الأيام الأخيرة تكاثرت التقارير الصحافية الاقتصادية، التي تتحدث عن تراجع الأوضاع الاقتصادية، وتشير بوضوح إلى أن الاقتصاد الإسرائيلي بات أقرب لحالة التباطؤ الاقتصادي، الذي قد يكون تمهيدا لحالة جمود، وفي حالة أشد انكماش اقتصادي، رغم أن المحللين يستبعدون مسألة الانكماش في هذه المرحلة. وتقريبا في كل التقارير، يتم ذكر محاولة حكومة بنيامين نتنياهو ضرب ما يسمى "استقلال الجهاز القضائي" كسبب مركزي انعكس سلبا على قطاعات اقتصادية، وبشكل خاص في مجال الاستثمارات الأجنبية، وحتى حسب تقارير فإن بعضا من الاستثمارات المحلية بات يغادر الاقتصاد الإسرائيلي.
وكان تقرير مكتب الإحصاء المركزي الأخير، حول الرُّبع الأول من العام الجاري، قد دلّ على أن النمو الاقتصادي في الأشهر الثلاثة من هذا العام، ارتفع بنسبة 2.5%، وهذه نسبة تقارب الركود. كما أن الاستهلاك الفردي، أحد أهم محركات النمو الاقتصادي، ارتفع بنسبة 1.8% فقط، في ذات الفترة.
لكن ليس هذا وحده، وكما ذكر فإن السوق الإسرائيلية تغوص أكثر في غلاء الأسعار، والارتفاع الحاد في كلفة المعيشة، في حين أن الرواتب ما تزال شبه متجمدة، ويزيد على هذا عبء الفائدة البنكية، التي ارتفعت 10 مرات خلال الأشهر الـ 13 الماضية، كوسيلة يزعم بنك إسرائيل المركزي أنها ستلجم التضخم المالي في الاقتصاد الإسرائيلي، من خلال تقليص كمية النقود في جيوب المواطنين.
إلا أن هذا التقليص، الناجم عن ارتفاع كلفة الفوائد البنكية والقروض الإسكانية، لا يدخل إلى خزينة الضرائب، وإنما يصب في البنوك التجارية، التي سجلت للعام الثاني على التوالي ارتفاعا بنسبة 30% في أرباحها، وتجاوزت أرباح البنوك الخمسة الكبرى في العام الماضي 2022 مبلغ 24 مليار شيكل، مقابل أكثر بقليل من 14 مليار شيكل في أرباح العام 2020، و18.3 مليار شيكل في العام 2021.
وقالت صحيفة "يديعوت أحرونوت" في تقرير لها إن أصحاب المتاجر وشبكات التسوق يتحدثون عن انخفاض ملموس في المبيعات، ومن أصحاب المصالح هؤلاء من باتوا يتحدثون عن تقليص في مصروفاتهم، ما يعني أن هذا سيقود إلى موجات فصل من العمل. وفي حال بدأ قطاع اقتصادي مركزي بحملات فصل من العمل، فإن قطاعات أخرى ستتبعه.
وقال تقرير آخر لصحيفة "ذي ماركر" الاقتصادية إن أحد مؤشرات الاستهلاك موجودة في قطاع المطاعم، إذ أن اتحادهم يتحدث عن تراجع بنسبة 19% في أعداد رواد المطاعم في الأشهر القليلة الأخيرة، ما يعزز الانطباع بأن الجمهور دخل مرحلة قلق اقتصادي من المستقبل، ما يجعله يعيد حسابات الصرف.
وغلاء الأسعار، حسب الصحيفة نفسها، في تقرير آخر، ظهر في ارتفاع بنسبة 10% في الصرف على المواد الغذائية ببطاقات الاعتماد.
ويقول رئيس اتحاد المقاولين، راؤول سروغو، لصحيفة "يديعوت أحرونوت"، إن "التباطؤ الاقتصادي بات ملموسا في كل مكان، فلدينا تراجع بنسبة 40% بوتيرة البدء ببناء البيوت الجديدة، والفائدة البنكية في ارتفاع دائم، وكل واحد يعمل حساباته، إذا ما بقدرته الصمود أمام فائدة عالية كهذه، في القروض الإسكانية".
وقال رئيس اتحاد الغرف التجارية الإسرائيلي، عيزرا عطية، إنه في الأسابيع الأخيرة "طرأ تباطؤ في مداخيل المصالح التجارية، فالمواطنون يشدون الحزام، وهذا ما يلمسه أصحاب المتاجر على نحو كبير".
المصطلحات المستخدمة:
الصهيونية, بتسلئيل, يديعوت أحرونوت, الكنيست, بنيامين نتنياهو, يائير لبيد, أفيغدور ليبرمان