بتاريخ 15 أيار من العام الحالي، وفي ذكرى النكبة، قام مئات الطلاب الفلسطينيين في جامعة تل أبيب بتنظيم وقفة داخل حرم الجامعة ورفعوا العلم الفلسطيني في مشهد أثار سخط الشرطة الإسرائيلية والطلاب الإسرائيليين اليمينيين. وبتاريخ 23 أيار، قام طلاب فلسطينيون من جامعة بن غوريون في بئر السبع بتنظيم مظاهرة أخرى ورفعوا الأعلام الفلسطينية، الأمر الذي تسبب في ردود فعل وتراشق اتهامات بين رئاسة الجامعة من جهة، وأطراف أخرى من خارج الجامعة. فقد تقدم رئيس بلدية بئر السبع برسالة شديدة اللهجة بحق رئيس جامعة بن غوريون، الذي رد بأنه يدعم "التعدد الفكري"، ولا يمانع في التعبير عن الرأي بطريقة سلمية حضارية. أما الطلاب العرب، وعلى الرغم من وضوح رسالتهم السياسية في ذكرى النكبة، فإنهم أوضحوا بأن من يتبنى حل الدولتين لا يجب أن يمنع العلم الفلسطيني من الرفرفة. هذان
الحدثان يستدعيان الالتفات إلى الحراك السياسي الفلسطيني الذي يقوده طلاب وطالبات فلسطينيون في الجامعات الإسرائيلية، والذي أخذ يتطور بشكل ملموس في الأعوام الأخيرة. وهذه المقالة تلتفت إلى الحراكات، والأطر السياسية- الثقافية، والنشاطات الوطنية التي يقوم بها الطلاب الفلسطينيون في الجامعات الإسرائيلية مؤخراً.
واقع الطلاب الفلسطينيين في الجامعات الإسرائيلية
ظل تمثيل الطلاب العرب في الجامعات الإسرائيلية متدنيا جدا في العقود الأولى بعد النكبة، وانعدمت أي أطر تمثيلية للفلسطينيين داخل الطاقم الأكاديمي والإداري في الجامعات. وما تزال إسرائيل ترفض إقامة أي جامعة عربية داخل إسرائيل منذ نشأتها عام 1948 وحتى اليوم، على ما يبدو لأسباب عدة منها: أولا، خوفا من أن تتحول الجامعة العربية إلى رافعة للهوية الوطنية الفلسطينية التي تحاول إسرائيل طمسها واستبدالها بمفهوم "الأقلية العربية في إسرائيل"؛ وثانيا، لأن تجارب العالم أثبتت أن جامعة ناطقة بلسان "الأقلية" من شأنها أن ترفع نسبة المتعلمين والمثقفين داخل هذه "الأقلية" وتدفع إلى تقليل الفجوات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية بين الأغلبية والأقلية، وهذا قد يتنافى مع استراتيجية إسرائيل تجاه السكان الفلسطينيين داخلها.علي نواهد، تمثيل المواطنين العرب في مؤسسات التعليم العالي (تل أبيب: سيكوي- الجمعية لدعم المساواة المدنية، 2013). أنظر/ي الرابط التالي: https://www.sikkuy-aufoq.org.il/wp-content/uploads/2013/10/nohad_ali_hebrew1.pdf
حتى سنوات التسعينيات، كانت نسبة الطلاب الفلسطينيين في الجامعات الإسرائيلية متدنية جدا، وبدأ يزداد عددهم فقط عندما راحت إسرائيل تطور من نظام التعليم العالي، وتشيد جامعات وكليات جديدة، وتدمج بداخلها سكان الأحياء المهمشة والأطراف المهملة، بمن في ذلك الفلسطينيون. في بداية العام الدراسي السابق 2021/2021، بلغ مجموع عدد الطلاب المنتظمين في الدراسات العليا (بكالوريوس، ماجستير ودكتوراه) نحو 335.7 ألف طالب وطالبة ويشكل الطلاب العرب بينهم نسبة آخذة بالازدياد بشكل منتظم. مثلا، خلال العقد الأخير، ارتفع عدد الطلاب الفلسطينيين المنتظمين في دراسة البكالوريوس من 11% إلى نحو 19.3%، أما طلاب الماجستير الفلسطينيين فارتفع خلال المدة نفسها من 6.7% إلى نحو 16%، أما طلاب الدكتوراه فارتفع عددهم من 4% إلى نحو 8%.نظر/ي تقرير جهاز الإحصاء المركزي الإسرائيلي على الرابط التالي: https://bit.ly/38Omemd هذا يعني أن نسبة الطلاب الفلسطينيين تضاعفت خلال عشر سنوات، وبات الطلاب الفلسطينيون يشكلون جماعة لا يمكن الاستهانة بحجمها.
بيد أن الطلاب الفلسطينيين في الجامعات الإسرائيلية يواجهون سياسة مزدوجة من قبل المؤسسة الأكاديمية الرسمية: من جهة، ثمة ميل واضح لدى المؤسسة الأكاديمية في إسرائيل لدمج الطلاب الفلسطينيين داخلها بشكل متزايد. ويمكن تفسير هذا الميل باهتمام إسرائيل بمكانتها العالمية كدولة "ديمقراطية" (وليست دولة أبارتهايد) وتقليل الفجوات الاجتماعية والاقتصادية بين الفلسطينيين واليهود. مثلا، منظمة دول التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) أشارت في العام 2010 إلى الإهمال الممنهج بحق التعليم العربي في إسرائيل حيث أن الصرف العام على التعليم العربي في إسرائيل يصل إلى ثلث الصرف الممنوح للطلاب اليهود، الأمر الذي يستدعي الاهتمام أكثر بالطلاب العرب، ودمجهم في الجامعات الإسرائيلية.OECD, Israel: A Divided Society (Paris: OECD, 2010). see: https://www.oecd.org/els/44394444.pdf. لكن من جهة أخرى، فإن المؤسسة الأكاديمية الإسرائيلية لا تقوم بدمج الطلاب الفلسطينيين على قدم وساق مع الطلاب الإسرائيليين وإنما تحاول أن تقمع هويتهم الوطنية، أو مشاعرهم القومية. فالمعضلة التي تواجهها إسرائيل جراء دمج الفلسطينيين في الجامعات الإسرائيلية تكمن في أن حضور الطالب في حرم الجامعة وانخراطه في العملية التعليمية والثقافية ستكون له آثار متناقضة: من جهة، قد يساهم في تقليل الفجوات الاجتماعية والاقتصادية بين "الأغلبية" اليهودية و"الأقلية" الفلسطينية، لكنه من جهة أخرى، قد يساهم في تعزيز الوعي القومي لدى الفلسطينيين من خلال انخراطهم في حراكات طلابية لا يمكن طمسها في بيئة تعليمية تفرز مثل هذه الإطارات بشكل طبيعي.
في العام 2009، نشر المركز القانوني لحقوق الأقلية العربية في إسرائيل (عدالة) تقريراً حول العنف الممنهج الذي تتقاسمه الأجهزة الأمنية الإسرائيلية والمؤسسة الأكاديمية بحق الطلاب الفلسطينيين في أكثر من جامعة إسرائيلية لردع أي إمكانية لتحول الطلاب الفلسطينيين إلى كتلة قومية ذات صوت مرتفع داحل حرم الجامعة.عبير بكر، الاحتجاج المحظور (حيفا: عدالة، 2009). أنظر/ي الرابط التالي: https://bit.ly/3NDcvxN ففي بعض الحالات، تقوم الجامعة بحظر نشاطات فلسطينية قومية، وفي حالات ثانية تقوم بمنع مظاهرات أو مسيرات أو احتجاجات تتعلق بأمور سياسية يعتبرها الطالب الفلسطيني أساسية بالنسبة له، مثل العدوان على قطاع غزة 2008/2009، احتجاجات الطلاب العرب ضد مخطط برافر 2013، أو حملات التحريض التي يقوم بها طلاب إسرائيليون أو مؤسسات إسرائيلية مثل NGO monitor بحق طلاب فلسطينيين. تم قمع بعض هذه الحراكات باستخدام العنف المؤسساتي (الشرطة، شركات حراسة) أو العنف المجتمعي (من قبل الطلاب الإسرائيليين أنفسهم). معتصم زيدان، قمع المؤسسات الأكاديمية الإسرائيلية للطلاب الفلسطينيين خلال هبة القدس، مسارات، 2021. أنظر/ي الرابط التالي: https://bit.ly/3lPYb94
الحراكات والأطر الطلابية الفلسطينية في الجامعات الإسرائيلية
مع ذلك، فإن الطلاب الفلسطينيين في الجامعات الإسرائيلية ينتظمون في أطر طلابية ذات برامج ثقافية واجتماعية لكنها أيضا تنطوي على أبعاد قومية عربية مناهضة لعنصرية الدولة. وأهم هذه الحراكات والتي كانت نشطة في الآونة الأخيرة هي: "التجمع الطلابي" وهو الذراع الطلابي لحزب التجمع الوطني الديمقراطي الذي ينشط في معظم الجامعات الإسرائيلية. وفي جامعة تل أبيب، يطلق التجمع الطلابي على نفسه اسم "جفرا- التجمع الطلابي في الشيخ مونس"، وقد تعرض بعض ممثليه للاعتقال في إثر التظاهرة التي رفعت أعلام فلسطين في ذكرى النكبة. ومن بين الأهداف التي يسعى إطار "جفرا" إلى تحقيقها "تكثيف وتنويع النشاطات الثقافية والاجتماعية والفنية للطلبة العرب داخل الجامعة مع الحرص على أصالة وتنمية الهوية القومية العربية، الانتماء الوطني الفلسطيني، والفكر الديمقراطي"، بالإضافة إلى المطالبة والعمل على "إقامة جامعة عربية كمعلم قومي وثقافي وحضاري".راجع/ي صفحة "جفرا" على الفيسبوك على الرابط التالي: https://www.facebook.com/JaffraSM/
ويمكن القول إن كل حزب سياسي في إسرائيل لديه إطار طلابي يمثله في الجامعات الإسرائيلية. بعض هذه الأطر ناشط بشكل ملحوظ، وبعضها الآخر مترهل وغير نشط بتاتا.
مثلا، الإطار الطلابي للحزب الشيوعي الإسرائيلي يطلق على نفسه اسم "الجبهة الطلابية"، إنما لا يمكن ملاحظة نشاطه بشكل واضح في معظم الجامعات الإسرائيلية. ولكن في جامعة بن غوريون في بئر السبع، تحظى الجبهة الطلابية بحضور واضح، وتنشط داخل حرم الجامعة وخارجه. كما أن هناك أطراً طلابية إسلامية مثل "قبس" في جامعة حيفا بالإضافة إلى "رؤيا" في جامعة تل أبيب.
وعلى ما يبدو، فإن الأطر الطلابية التابعة للأحزاب السياسية الفلسطينية في إسرائيل تحولت، من وجهة نظر بعض الطلاب، إلى أطر قديمة لا تفي بحاجة الطلاب الأكاديمية والثقافية ولا حتى السياسية. ولهذا أسباب كثيرة قد لا يكون هنا مجال التبحر بها، لكن ما يهم هو بداية ظهور حراكات طلابية غير حزبية، تعرف نفسها بأنها مستقلة، وتقوم بنشاطات متنوعة لاحتضان الطلبة الفلسطينية على أسس هوياتية واضحة.
في الجامعة العبرية في القدس، مثلا، تأسس في العام 2016 حراك طلابي باسم "سير وصيرورة"، والذي يعرف نفسه بأنه إطار عربي فلسطيني فوق حزبي وفوق طائفي وفوق مناطقي. ويأتي اسم "سير" تعبيرا عن الرغبة في السير في مسارات معرفية جديدة لإعادة مفهمة القضايا التاريخية والاجتماعية والسياسية التي ما تزال تشغل بال الفلسطيني في إسرائيل، والتي قد تؤول إلى "صيرورات" أو قفزات جديدة في حياته، على "أمل إيقاع أثر إيجابي إلى الطلبة في ما يخص مجتمعهم الفلسطيني وقضيتهم الفلسطينية العادلة". راجع/ي صفحة "سير وصيرورة" على الفيسبوك على الرابط التالي: https://www.facebook.com/sayrwsayrora/ أما في جامعة تل أبيب، فقد برز مؤخرا "منتدى إدوارد سعيد"، وهو منتدى للعلوم الاجتماعية والإنسانية والفنون للطلاب العرب داخل الجامعة، ويسعى إلى خلق "رؤيا بديلة للرؤيا الإسرائيلية الاستشراقية التي تسيطر على دراسة العلوم الاجتماعية في إسرائيل".راجع/ي صفحة "المنتدى" على الفيسبوك على الرابط التالي: https://www.facebook.com/muntada.es/ كما أن هناك منتدى "صدى" وهو مساحة خلقها الطلاب في كلية بتسلئيل للفنون والتصميم في القدس للتعبير عن هويتهم العربية المستقلة.
مهما يكن من أمر، فإن واقع الطلاب الفلسطينيين في الجامعات الإسرائيلية يحتاج إلى اهتمام بحثي أوسع للوقوف على واقعهم الاجتماعي، السياسي، الأكاديمي والثقافي من جهة، ومن جهة أخرى لمعرفة المساحات التي يقوم الطلاب بخلقها للتعبير عن هويتهم الفلسطينية، وهي مساحات تتعرض إلى هجوم وتضييق مستمرين من قبل المؤسسة الإسرائيلية. ومنذ محاولات الفلسطينيين في الداخل إقامة "جامعة الجليل العربية" في العام 1980، وحتى اليوم، يتم منع الفلسطينيين من تشييد صرح أكاديمي يعبر عن هويتهم الثقافية، ولغتهم العربية، واهتماماتهم المهنية بعيدا عن تدخلات المؤسسة الإسرائيلية الحاكمة.للاطلاع على أوراق التحضير لإنشاء الجامعة العربية في الجليل، أنظر/ي المجموعة الأرشيفية لمحمد ميعاري في الأرشيف الاجتماعي الرقمي التابع لمؤسسة الدراسات الفلسطينية على الرابط التالي: https://archive.palestine-studies.org/ar/node/1156 هذا المنع يحوّل الجامعات الإسرائيلية إلى الخيار شبه الوحيد للطلاب الفلسطينيين في الداخل. ومن المعروف أن عدد الطلاب الفلسطينيين من إسرائيل والذين يدرسون في جامعات أردنية أو فلسطينية في الضفة الغربية في تزايد، لكنه ما زال لا يشكل نسبة كبيرة، ولا يعتبر بديلا حقيقيا للأسرة الفلسطينية الفقيرة التي لا تستطيع التكفل بمصاريف التعليم في أماكن بعيدة.