قد يبدو لدى الكثيرين أن الوضع مختلف، ولكن هذه حقيقة: لا يوجد في إسرائيل في السنوات الأخيرة بطالة. نعم، فالاقتصاد يشهد حالة تشغيل كاملة، في قطاع التقنية العالية، وأيضا في قطاعات العمل غير الأكاديمية، ويتحدثون عن استقدام عمال لقطاع البناء. كما أن مهندسين وتقنيين من الخارج باتوا يعملون هنا في البلاد، ولن يكون بعيدا ذلك اليوم الذي سيتم فيه استقدام أطباء من الخارج، ليعملوا في المستشفيات، في وسط البلاد، وفي الأماكن النائية، فقد تم حتى الآن استقدام ممرضات.
المعطيات التي ينشرها مكتب الاحصاء المركزي قاطعة: نسبة البطالة، في كل فترة زمنية: سنوات، فصول، وأشهر، منخفضة جدا، بمقارنة تاريخية، وأيضا بمقارنة دولية، وهي تستمر في الانخفاض بشكل دائم. ولكن ماذا عن واجهة البطالة، والمشاركة في سوق العمل؟، أيضا في هذا المجال فإن المعطيات تدل بشكل قاطع على أنها في ذروة غير مسبوقة، فنسبة المشاركة في العمل بلغت 1ر64% من الشريحة العمرية 15 إلى 64 عاما، وهذا ما كان في العامين الماضيين، وهو مستمر، وما كنا في الماضي نحلم بنسبة كهذه.
نعم، وضع الاقتصاد جيد، وسيكون من يقولون إنه جيد جدا. فاقتصاد إسرائيل توسع ونما في السنوات الأخيرة بنسب جيدة، ففي العام 2016، سجل النمو نسبة 4%، وهو ما أدى إلى رفع معدل الناتج للفرد إلى 35 ألف دولار. وبموجب صندوق النقد الدولي، فإن إسرائيل تحتل المرتبة 34 من بين دول العالم، في ما يتعلق بحجم معدل الناتج للفرد، وهي مرتبة محترمة جدا.
على رأس لائحة صندوق النقد، نجد قطر، التي فيها المعدل للفرد 127 ألف دولار، تليها لوكسمبورغ- 104 آلاف دولار، ثم سنغافورة- 87 ألف دولار، فيما تحل الولايات المتحدة الأميركية في المرتبة 11، إذ بلغ المعدل فيها 57 ألف دولار. وتحتل المانيا المرتبة 18 عالميا، إذ بلغ المعدل فيها 48 ألف دولار.
وحينما تكون البطالة منخفضة، ونسبة المشاركة في العمل في ارتفاع مستمر، فلا عجب من أن مداخيل الدولة من الضرائب ارتفعت، في كل واحدة من السنوات الأربع الماضية، بمعدل 6% سنويا، وهي نسبة محترمة جدا. وسبب هذا، أن أناسا أكثر فأكثر منخرطون في العمل، ولذا فإنهم يدفعون ضريبة دخل أكثر، وأيضا يدفعون ضريبة المشتريات، بقدر أكبر كدليل على ارتفاع القوة الشرائية.
وإليكم بعض الأرقام: في العام 1999 كان 3ر11% من الشريحة العمرية من 15 عاما وحتى 64 عاما، عاطلون عن العمل، بمعنى واحد من كل تسعة بالغين. وفي العام 2003، كان الوضع أسوأ بكثير، إذ ارتفعت النسبة إلى 4ر13%. وفي العام 2007 هبطت النسبة إلى 2ر9%، وفي العام 2012 إلى 9ر6%، وفي العام 2013 إلى 2ر6%، وفي العام 2014 إلى 9ر5%، وفي العام 2015 هبطت النسبة إلى 3ر5%، وفي العام الماضي 2016، بلغت النسبة 8ر4%.
وبحسب تقديرات لمحافظة بنك إسرائيل المركزي كارنيت فلوغ، عرضتها في اجتماع للجنة المالية البرلمانية في نهاية العام الماضي، فإن نسبة البطالة في العام الجاري 2017 ستكون أقل من 6ر4%، إلا أنه في الربع الأول من العام الجاري بلغت البطالة 2ر4%. وبسبب غياب البطالة، فقد ارتفع في العام الماضي عدد ساعات العمل الاضافية بنسبة 4ر1%، بالمعدل للأجير. في حين أن اصحاب عمل لا يجدون عمالا متفرغين، ولهذا يطلبون من العاملين لديهم العمل ساعات اضافية. وبين العرب، فإن البطالة ما تزال عالية، وبلغت في العام الماضي 2ر5%، وبين النساء العربيات 2ر9% (هناك حقائق تنقض هذه المعطيات بشأن العرب، إذ أن البطالة الفعلية بين العرب تقفز عن 14%، تشمل الرجال والنساء- المحرّر).
والبطالة دون 5% تعد عمليا بطالة تنقلات، بمعنى أنها بطالة عمال ينتقلون من مكان عمل إلى آخر، أو أنهم طلاب جامعات أنهوا تعليمهم، أو جنود مسرحون بعد انهاء الخدمة الالزامية، وبالإمكان القول بشكل استثنائي، إن من يرغب بالعمل سيجد مكانا.
قبل 10 سنوات، تذمر قادة الاقتصاد من نسبة منخفضة للمشاركة في سوق العمل الإسرائيلية، الأمر الذي سيضع صعوبات أمام التنافسية مع أسواق عالمية متطورة، فقد اشارت المعطيات في حينه إلى أن نسبة عالية من الجمهور لا يعمل، ويعتاش على المخصصات الاجتماعية. وقد طرأ التغيير في أعقاب جهد وطني متشعب، تضمن تخفيض والغاء مخصصات اجتماعية، ورفع الحد الأدنى من الأجر، واتباع نهج ما يسمى "الضريبة السلبية"، بمعنى دفع مخصصات مالية في الراتب من سلطة الضريبة، لذوي الرواتب المنخفضة، وأيضا زيادة الدورات المهنية، ورفع جيل التقاعد للرجال إلى 67 عاما.
وعلى الرغم من ذلك، علينا أن نذكر أن جمهورين كبيرين ما زالت مشاركتهما في سوق العمل منخفضة: الرجال اليهود المتدينون المتزمتون (الحريديم) ونسبة انخراطهم 50%، والنساء العربيات اللاتي نسبة انخراطهن بلغت 35%. ودمج هذين الجمهورين في سوق العمل من شأنه أن يُحدث ارتفاعا كبيرا في الناتج العام، شرط أن يحظى الجمهوران بتأهيل مهني يحسن مؤهلات العاملين.
وهناك أيضا استثناءات، منهم أولئك اليائسون، ففي العام 2016 تم تسجيل 23500 شخص كمن يئسوا من امكانية البحث عن عمل. وفي العام 2015، كان عددهم أكبر وبلغ 27900 شخص، 6ر53% من بينهم يهود. والسبب الأساس عدم ايجاد عمل ملائم لمهنتهم. ومن الأسباب الأخرى كان العمر، والراتب المنخفض وعدد ساعات العمل، وعدم اهتمام بالعمل، وعدم ايجاد عمل ملائم في منطقة السكن.
والبطالة ليست متساوية بنسبها بين مناطق البلاد المختلفة. فنسبة البطالة منخفضة جدا في منطقة المركز، وترتفع كلما كانت المنطقة ابعد عن مركز البلاد، وهي عالية جدا في بلدات البدو، والعرب في بلدات التطوير (بلدات الفقر- التحرير). ففي الربع الأول من العام الجاري، تم تسجيل بطالة بنسبة 4ر5% في منطقة القدس، مقابل 8ر4% في منطقتي حيفا والجنوب، بينما البطالة في منطقة المركز بلغت 5ر3%، وفي مدينة تل أبيب 2ر3%. في حين أن البطالة في مدينة راهط (كبرى المدن العربية في منطقة الجنوب) بلغت 4ر14%، وفي مدينتي سخنين وأم الفحم (شمالا) 7ر14%. وبلغت نسبة البطالة في شمال صحراء النقب 5ر9% (وهي منطقة تضم بلدات عربية ويهودية، وما يرفع النسبة هم العرب- المحرر).
حينما تكون البطالة في الحضيض، فإن الراتب يرتفع، إنها مسألة عرض وطلب. ولكن الارتفاع في الراتب في إسرائيل يبقى أقل، مقارنة بالدول التي فيها نسبة تشغيل كاملة. ففي العام 2016، ارتفع معدل الرواتب بنسبة 3%. كذلك فإن الفجوات في معدلات الرواتب هي من الأعلى في العالم المتطور.