المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • المشهد الاقتصادي
  • 2500

من لا يزال يعيش في وهم أن الصادرات هي مقدمة قطار الاقتصاد الإسرائيلي، ليس من المجدي له أن يسترق النظر إلى المعطيات الواردة من هذه المقالة. فالحكومة تستطيع اتهام الجميع: التجارة العالمية، الاحتكارات الكبرى، تعزيز قيمة الشيكل، وحتى المقاطعة الهادئة للبضائع الإسرائيلية، ولكن يوجد أمر واحد، لا يمكنها الاستمرار بفعله: أن ترسل المصدّرين ليحاربوا وحدهم في جميع أرجاء المعمورة، وأن تختبئ هي من وراء بنك إسرائيل المركزي.

ثمة أمر ليس جيدا كليا يمر على الصادرات الإسرائيلية. فهذا القطاع الذي من شأنه أن يكون القاطرة الأولى في الاقتصاد، والذي يُدخل عشرات مليارات الدولارات سنويا، ويضمن تشغيل مئات آلاف العاملين، برواتب عالية، انهار في العام 2015 بنسبة لا تقل عن 7%، ليرسو عند 2ر92 مليار دولار. وعمليا فإن قيمة صادرات البضائع من إسرائيل بالدولار، هبطت في العام الماضي إلى المستوى الذي كانت عليه في العام 2010، وكأنه لم يحدث شيء هنا منذ الأزمة الاقتصادية التي اندلعت في العام 2008، وتسببت بتأرجح الأسواق العالمية.

كما أن العام الحالي لم يبدأ جيدا. فبحسب معطيات مكتب الإحصاء المركزي لشهر نيسان، فإن حجم صادرات البضائع الإسرائيلية، في ذلك الشهر، كان الأقل منذ العام 2009، وبلغ 6ر13 مليار شيكل (6ر3 مليار دولار). وباحتساب سنوي يجري الحديث عن انخفاض بنسبة 21% في الأشهر الثلاثة من شباط إلى نيسان مقارنة مع الفترة الممتدة من تشرين الثاني وحتى كانون الثاني الماضيين. وإذا ما فحصنا هذه المعطيات المتشعبة، فإن الصورة ستكون مذهلة أكثر. فالانخفاض في المركبّات الإلكترونية بلغ نسبة 68%، والانخفاض في صادرات الأدوية 41%، وإذا ما نظرنا إلى معطيات الربع الأول من العام الجاري فإننا سنرى المزيد من أسباب القلق.

ففي الربع الأول بلغ انخفاض البضائع نسبة 14% مقارنة مع الربع الأول من العام الماضي، ويجري الحديث عن نهج آخذ بالاشتداد منذ نصف سنة. منذ تشرين الثاني وحتى آذار الماضي، انخفضت صادرات التقنيات العالية بنسبة 7%، وفي الفترة ذاتها بدأ انخفاض في مبيعات الشركات ذات الشهرة بالتقنيات العالية.

والهبوط الحاد في الصادرات الإسرائيلية مقلق بشكل خاص، لأنه يأتي بعد خمس سنوات من ارتفاع متواصل للصادرات، وتعرض "كلكاليست" هنا أربع مشاكل هي الأكثر صعوبة للصادرات الإسرائيلية، وبعض الحلول التي تعرضها وزارة الاقتصاد، ووزيرها بنيامين نتنياهو.

تباطؤ في التجارة العالمية

السبب الأول الفوري لتراجع الصادرات هو التباطؤ في الاقتصاد العالمي.

ونرى أن صندوق النقد الدولي يُخفّض تقديراته للنمو الاقتصادي العالمي، وبحسب تلك التقديرات فإن النمو العالمي سيكون في العام الماضي 2015 قد ارتفع بنسبة 2ر3%، بينما التقديرات للعام الجار، أن النمو سيرتفع بنسبة 1ر3%. وبناء على هذا، فإن الحكومات لا تسارع في صرف أموالها، وتفضّل الحفاظ عليها في البنوك لترى ما سيجري. وفي وضعية كهذه من الصعب جدا بيع بضائع جديدة لدول العالم.

إلا أن هذا التباطؤ الاقتصادي بعيد عن أن يكون قادرا على تفسير ما جرى للصادرات الإسرائيلية، لأنه على الرغم من التباطؤ فإن التجارة العالمية سجلت ارتفاعا بنسبة 2%، بينما الصادرات الإسرائيلية انخفضت بنسبة 7% من حيث القيمة الدولارية، وهذه المرّة الأولى منذ العام 2002 التي ترتفع فيها التجارة العالمية بينما الصادرات الإسرائيلية تتراجع.

الاحتكارات الكبرى

في العام الماضي 2015 سيطرت عشر شركات فقط على 51% من الصادرات الإسرائيلية، وهذا حطّم الذروة السابقة التي تسجلت في العام 2007. ففي ذلك العام سيطرت الشركات الكبرى على 36% فقط من اجمالي الصادرات. ويجري الحديث عن شركات مثل: إنتل، طيفع، كيل، مختاشيم أغان، يشكار، إلبيت، بازان، باز، والصناعات الجوية. وعدا هذا، فإنه في حين ارتفعت صادرات هذه الشركات منذ العام 2008، بنسبة 35%، فإن باقي الشركات سجلت تراجعات بمعدل 7%. وأحيانا فإن الاحتكارات الكبرى هذه تسجل معطيات مستحيلة، فعلى سبيل المثال، إن نصف الصادرات الإسرائيلية إلى الصين تسيطر عليها شركة "إنتل" (للتقنيات العليا).

إن المشكلة كامنة في حقيقة أن كل الصادرات معلقة بعدد قليل من الشركات، ما يعني أن أي تغيير لدى أي واحدة من الشركات، من شأنه أن يثير هزّة عنيفة في قطاع الصادرات كله. ومن الممكن أن نخمّن فقط ما سيجري لكل الاقتصاد، إذا ما واجهت شركة "طيفع" للأدوية تغيرا سلبيا في تعامل مديرية الأدوية الأميركية معها، ما سيخلق صعوبات أمام تسويق أدويتها في الولايات المتحدة الأميركية. أو إذا ما قررت شركة إنتل أن تبيع للصين وفيتنام وماليزيا منتوجات من مصانعها في إيرلندا بدلا من مصنعها في إسرائيل. فالصادرات للدول الثلاث تلك هبطت بنسبة 75%، إلى مستوى 5ر1 مليار دولار في السنة الماضية.

وحسب فحص اجراه معهد الصادرات الإسرائيلي، لا توجد دولة غربية مشابهة لإسرائيل في وضعية تضخم الاحتكارات. وأقرب الدول للحالة الإسرائيلية هي أوزبكستان وروسيا البيضاء وألبانيا.

سعر صرف العملات

وهناك سبب آخر لانهيار الصادرات يقلق المصدّرين بشكل خاص، هو ارتفاع سعر صرف الشيكل أمام الدولار واليورو والجنيه الاسترليني وباقي عملات العالم. فالمصدّرون يدفعون بالشيكل على الإنتاج، ويبيعون منتجاتهم بالدولار وباقي العملات الأجنبية. وحينما ترتفع قيمة الشيكل أمام الدولار، مثلا، فهذا يعني ارتفاع كلفة الانتاج، مقارنة مع حجم المداخيل. وإذا ما بادروا لرفع سعر منتجهم، فإن هذا يخلق صعوبات في المنافسة في الأسواق العالمية.

ومنذ مطلع العام 2015، وحتى هذه الأيام، ارتفعت قيمة الشيكل أمام الدولار بأكثر من 3%، وأمام اليورو بحوالي 5ر8%، وأمام الجنيه الإسترليني بنسبة 10%. وقد اتخذ بنك إسرائيل سلسلة من الاجراءات الحادة، مثل شراء 6 مليارات دولار في الآونة الأخيرة، إلا أن هذا لم يساعد، لأن تراجع قيمة الدولار نابعة أيضا من الحرب الحادة الدائرة بين بنوك مركزية في العالم، بينما بنك إسرائيل المركزي يراقبها عن بُعد.

وخلافا لقضايا أخرى تشوش على قطاع الصادرات الإسرائيلي، فإنه في هذا الجانب لا يمكن فعل شيء سوى دعم الخطوات التي يتخذها بنك إسرائيل. وليس واضحا كم من الوقت يستطيع بنك إسرائيل الاستمرار بشراء العملات الأجنبية، كي يساعد المصدّرين. وليس واضحا أيضا إذا ما ستعرف الصناعات الإسرائيلية التعامل لأمد طويل مع شيكل بسعر صرف عال، لأن هذا سيخلق لها مصاعب في منافسة بضائع الدول الأخرى.

المقاطعة الصامتة قد تكلف إسرائيل مليارات

منذ أشهر طويلة تحاول حركة المقاطعة العالمية "بي دي إس"، المناصرة للفلسطينيين، فرض مقاطعة أكاديمية عالمية على إسرائيل، اضافة إلى اقناع مستثمرين وشركات بسحب استثماراتهم من إسرائيل، وفرض عقوبات دولية على الاقتصاد الإسرائيلي. وحسب شعور المصدّرين الإسرائيليين، فإن هذه الدعوات لم تأت بثمار لأصحابها. وعلى الرغم من هذا، فلا يمكن معرفة ما إذا ستنجح هذه الحركة في توسيع رقعة تأثيرها.

ويقول رئيس معهد الصادرات الإسرائيلي رمزي غباي إن المشكلة الحقيقية نجدها في المقاطعة الهادئة، فهذا النمط من المقاطعة يؤثر على طلب المنتجات الإسرائيلية، وأنا لست قلقا من حركة "بي دي إس" حاليا، بل أنا قلق أكثر من مجالس إدارات الشركات الأجنبية في العالم، التي تقرر بشكل غير معلن عدم شراء البضائع الإسرائيلية، ليس لكونها تؤمن بالمقاطعة، بل لأنها لا تريد وجع الرأس. فمن أجل ماذا هذا الوجع، إذا كان بمقدورها شراء بضائع شبيهة، وبأسعار شبيهة من دول أخرى؟.

يضاف إلى هذا قرار الاتحاد الأوروبي في السنة الماضية، بوضع إشارة على المنتجات الإسرائيلية (للمستوطنات) في الضفة ومرتفعات الجولان. وحسب تقديرات وزارة المالية، فإنه هذا القرار لن يكون له تأثير جوهري على الصادرات الإسرائيلية، ولكن التخوف من أن يكون القرار اشارة بداية. وحسب تقرير وزارة المالية، فإنه في حال فرض الاتحاد الأوروبي مقاطعة على كافة بضائع مستوطنات الضفة والجولان، فإن حجم الضرر للاقتصاد الإسرائيلي سيبلغ 300 مليون دولار سنويا، وفي حال اتخذ الاتحاد الأوروبي "موقفا متطرفا"، بإلغاء اتفاقية التجارة مع إسرائيل، فإن الضرر سيصل سنويا إلى 2ر1 مليار دولار.

من الأمور التي يحتاجها قطاع الصادرات الإسرائيلي لتغيير الوضع القائم، توسيع الصادرات إلى الشرق الأقصى، وفتح المنافسة وكسر الاحتكارات الكبرى.

(عن صحيفة "كلكاليست"- "يديعوت
أحرونوت"، ترجمة بتصرف)

المصطلحات المستخدمة:

الشيكل, بنيامين نتنياهو

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات