من سلسلة "أوراق إسرائيلية" الإلكترونية العدد 73 بعنوان "اليسار الإسرائيلي وعملية السلام: من السلام الآن، إلى السلام لاحقاً، إلى لا سلام أبداً".
يضم هذا العدد ترجمة أنجزها بلال ضاهر لدراسة تحليلية جديدة صدرت مؤخراً عن "مولاد- المركز لتجديد الديمقراطية في إسرائيل"، وحاولت أن تجيب عن سؤال: كيف تنازل اليسار [المقصود: "اليسار الصهيوني"] عن الجدل السياسي - الأمني، ومهّد الطريق أمام صعود الشعبوية في إسرائيل؟ وهي بقلم يونتان ليفي، طالب دكتوراه في مركز الدراسات الأوروبية في كلية لندن للاقتصاد والعلوم السياسية وزميل باحث في "مركز مولاد" و"صندوق بيرل كتسلنسون"، وش. ي. أغمون، طالب دكتوراه في قسم العلوم السياسية والعلاقات الدولية في جامعة أكسفورد وزميل باحث في "مركز مولاد".
وجاء في تقديم الترجمة، الذي كتبه محرّر السلسلة أنطوان شلحت، أن كاتبي الدراسة يعتقدان، في ما يمكن اعتبارها بمثابة أهم خلاصة يتوصلان إليها، أن ثمة آلية أمست ثابتة في الحلبة السياسية الإسرائيلية خلال أعوام العقد الأخير فحواها ما يلي: معسكر اليمين هو من يحدّد تخوم السياسة ومعسكر الوسط - اليسار يسير وراءه. وبرأيهما، لا يوجد سبب وجيه للاعتقاد بأن الاتجاه الحالي سيتغيّر في المستقبل، طالما أنه لا يوجد معسكر سياسي يجرؤ على الوقوف في وجه الانجراف العنصري والقومي، وعلى القول بقامة منتصبة: "حتى هنا"! وهذه الآلية ناجمة في قراءتهما عن تحولين حدثا في المؤسسة السياسية في إسرائيل في الأعوام العشرين الأخيرة. من جهة، تراجُع معسكر الوسط - اليسار عن الجدل السياسي - الأمني وتبني رؤية اليمين ولا سيما حيال ما تسمى بـ"عملية السلام". ومن الجهة الثانية، صعود اليمين الشعبوي النيو ليبرالي الذي يسعى إلى تفكيك المؤسسات الديمقراطية في إسرائيل، ويميّز بين إسرائيليين "حقيقيين" - مؤيدو اليمين وإسرائيليين "غير حقيقيين"- مؤيدو اليسار. ويكمن ادعاؤهما الرئيس في أن نجاح اليمين الشعبوي في إسرائيل مرتبط بشكل وثيق بتخلّي اليسار عن المعركة السياسية - الأمنية.
وفيما يخص "عملية السلام" الإسرائيلية- الفلسطينية يعتقد الكاتبان أنها في ارتباطها بما يسميانه "تحوّلات اليسار" انتقلت بين ثلاثة نماذج سياسية - أمنية. وكل واحد من هذه النماذج يستند إلى تحليلٍ مختلفٍ للوضع في منطقة الشرق الأوسط، ويعتمد على فرضيات أساسية خاصة به إزاء ما يمكن وما لا يمكن عمله في سبيل تغيير واقع الحياة في البلاد. النموذج الأول هو "السلام الآن" وقد وصل إلى ذروته لدى انتخاب إسحاق رابين رئيساً للحكومة الإسرائيلية في العام 1992، وبدأ بالانتهاء لدى اندلاع الانتفاضة الثانية في العام 2000. والنموذج الثاني هو "السلام لاحقاً" وترسّخ إلى حد كبير في العام 2003، عندما أعلن رئيس الحكومة الإسرائيلية السابق، أريئيل شارون، عن خطة الانفصال عن قطاع غزة وبعض أجزاء من الضفة الغربية، وانتهى لدى صعود بنيامين نتنياهو إلى سدّة الحكم، في العام 2009. أمّا النموذج الثالث فهو "لا سلام أبداً" وبدأ في العام 2009، وما زال الإطار الفكري المسيطر في السياسة الإسرائيلية حتى يومنا هذا.
كذلك يوضّح الكاتبان أن هذا الاستسلام من جانب اليسار لم يؤد فقط إلى انهياره انتخابياً، وإنما أعاد رسم حدود السياسة الإسرائيلية؛ وهي الحدود نفسها التي كانت في أساس الفكر اليميني طوال عشرات السنوات وتتألف مما يلي: 1. السلام غير قابل للتحقيق؛ 2. لا يوجد شريك فلسطيني للسلام؛ 3. المستوطنات ضرورية لأمن إسرائيل ومن هنا فإن الاحتلال [في أراضي 1967] ضروري؛ 4. إخلاء المستوطنات غير ممكن من الناحية العملية بسبب تزايد عدد المستوطنين الإسرائيليين في أراضي الضفة الغربية؛ 5. يجب الردّ على العنف بعنفٍ أشدّ منه؛ 6. طريقة العمل الماثلة أمام إسرائيل في المدى البعيد ليست الحل السياسي وإنما "إدارة الصراع".