تعالج هذه الورقة نسبة المتدينين اليهود المتزمتين الحريديم، في مستوطنات الضفة الغربية المحتلة، من دون القدس، ارتفعت في غضون 6 سنوات من 33% إلى 40%، مع مؤشرات إلى تزايد مستمر لهذه النسبة. كما أن نسبة تزايد أعداد المستوطنين في الضفة هي ضعفا النسبة العامة، في حين أن التمثيل البرلماني للمستوطنين بات ضعفي وزنهم الانتخابي من بين مجمل من أدلوا بأصواتهم في يوم الانتخابات.
هذه الاستنتاجات ظهرت في بحث أعده لمركز مدار الكاتب برهوم جرايسي، واعتمد فيه على مسح نتائج الانتخابات في جميع مستوطنات الضفة الغربية المحتلة، ومعها مدينة القدس، في الانتخابات الأخيرة التي جرت في شهر آذار 2021. وهذا هو البحث الثاني من نوعه، إذ سبقه بحث مطابق أعده مركز مدار وأصدره في شهر أيلول من العام 2015، وتطرّق إلى جولتي الانتخابات البرلمانية في العامين 2013 و2015.
شملت 121 مستوطنة إضافة إلى القدس ومستوطنة موديعين، بغياب 3 مستوطنات عن البحث الأول الصادر في العام 2015، إذ أن مستوطنتين من الثلاث جرى دمجهما بمستوطنتين أخريين، في حين أن المستوطنة الثالثة، ونظرا لوجود بضع عشرات من أصحاب حق الاقتراع فيها، تحولت كما يظهر لصناديق اقتراع متجولة، أسوة بعدد من البؤر الاستيطانية، التي يصعب حصرها، كونها لا تظهر في سجل لجنة الانتخابات المركزية.
وهدف الورقة الجديد هو فحص التغيرات السياسية والديمغرافية في المستوطنات، بعد مرور ست سنوات على البحث السابق. والعامل الديمغرافي هام في هذا البحث، كونه يرتكز على سجل الناخبين الإسرائيلي الرسمي، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى، الاعتماد على تصنيف سابق للمستوطنات، يميز بين مستوطنات علمانية، وأخرى للتيار الديني الصهيوني، ومستوطنات للمتدينين المتزمتين الحريديم، ومستوطنات مختلطة.
وساعد فحص عدد ذوي حق الاقتراع ومقارنته بما كان قبل ست سنوات، أي في العام 2015، على معرفة تزايد كل واحدة من شرائح المستوطنين، إضافة إلى استنتاج عدد المستوطنين في الضفة، من دون القدس، ومستوطنة موديعين، لتحليل نسب التكاثر الطبيعي لكل واحدة من شرائح المستوطنين.
وتوصلت الورقة إلى استنتاج بوجود 447 ألف مستوطن في المستوطنات وحدها من دون القدس. وهو عدد قريب لما ينشره المستوطنون، نحو 475 ألف مستوطن، في فترة الانتخابات البرلمانية الإسرائيلية الأخيرة.
وتبين أن نسبة الحريديم من إجمالي المستوطنين (بمن فيهم دون سن 18 عاما) قفزت من 33% في فترة انتخابات العام 2015، إلى 40% في فترة انتخابات آذار 2021، مع مؤشر إلى أن نسبتهم سترتفع إلى حوالي 50% في غضون سنوات قليلة، مقابل تراجع نسبة العلمانيين، بفعل ضُعف نسبة تكاثرهم، وهم بغالبيتهم الساحقة يستوطنون في مستوطنات الطرف الغربي للضفة الغربية، ومعها مستوطنة معاليه أدوميم، الواقعة في شرقي القدس المحتلة.
وبالإمكان الاستنتاج أن نسبة المتدينين من التيار الديني الصهيوني راوحت مكانها، ما دون نسبة 40%، وهذا لا يعني تراجع أعدادهم، وإنما بسبب وتيرة التزايد الأكبر للحريديم.
وتبين أن عدد ذوي حق الاقتراع في المستوطنات من دون القدس، ارتفعت بنسبة 21.5% خلال ست سنوات، بينما نسبة تزايد عدد أصحاب حق الاقتراع بشكل عام، كانت خلال السنوات الست الأخيرة، بنسبة 11.8%، بمعنى أنه من دون المستوطنين في النسبة العامة، سنجد أن نسبة تزايد أعداد المستوطنين في المستوطنات من دون القدس، كانت ضعفي نسبة التزايد العام.
وفي فحص أعمق، استنادا لنسب التكاثر الطبيعي، نرى أن 66% من نسبة تزايد المستوطنين هي بالتكاثر الطبيعي، والباقي بفعل تدفق مستوطنين جدد على المستوطنات.
وفي النتائج الانتخابية للمستوطنات، تبين أن 66% من الأصوات حصلت عليها القوائم الدينية الأربع: قائمة "الصهيونية الدينية"، وقائمة "يمينا"، وتمثلان التيار الديني الصهيوني، وقائمتا الحريديم: شاس لليهود الشرقيين، ويهدوت هتوراة لليهود الغربيين. في حين أن حزب الليكود سجل تراجعا ملحوظا في المستوطنات، وحصل على نسبة 18.4%، مقابل نسبة 22.4% في انتخابات العام 2015. ما يعني أن القوائم الدينية الأربع وقائمة الليكود، حصلت معا، على حوالي 85.5% من إجمالي أصوات المستوطنين، فيما أكثر من 3% ذهبت الى قوائم لم تعبر نسبة الحسم، وأقل من 12% ذهبت للقوائم الصهيونية الست الأخرى، المتمثلة في الكنيست حاليا.
وقالت مديرة مركز مدار، الدكتورة هنيدة غانم، إن هذا البحث يعكس عاملا مهما جدا، وهو التغيرات الديمغرافية في المستوطنات، وتنطوي على مؤشر للتحولات في المستوطنات أكثر نحو الصبغة الدينية المتزمتة (حريديم)، وهذا يمكن ربطه مستقبلا بأمرين: وجهة إسرائيل المستقبلية من ناحية داخلية، من حيث حجم الحريديم في الجمهور الإسرائيلي؛ وثانيا، تعكس التغيرات تعمق جمهور الحريديم في اليمين الاستيطاني، ليصبح جزءا أساسيا فيه، نتيجة التحول في طابع السكن، الذي هو ليس بالضرورة ناجما عن دوافع أيديولوجية.
وقال معد الورقة، برهوم جرايسي، إن مسح نتائج الانتخابات البرلمانية في المستوطنات له مدلولات عديدة، كون النتائج فيها تدل على نمطية التصويت لدى جمهور اليمين الاستيطاني، بما فيه جمهور المتدينين على مختلف تياراته، لأن في عدد كبير من المستوطنات نجد أنه يستوطن فيها 100% من شريحة استيطانية واحدة، مثل الحريديم، والتيار الديني الصهيوني. وهذا يتأكد حينما نجد مثلا أن توزيع الأصوات على القوائم الانتخابية في مستوطنات الحريديم متشابهة.
وأشار جرايسي إلى أن المستوطنات، ورغم أنها تشكل نسبة 4% من إجمالي ذوي حق التصويت، ونسبة 4.6% من نسبة الذين أدلوا بأصواتهم في يوم الانتخابات، إلا أنها تعد الحلبة السياسية الأكثر نشاطا في السياسة الإسرائيلية، وتعكس قوتها على قطاعات واسعة في الجمهور الإسرائيلي، خاصة وأن حجم اليمين الاستيطاني بما فيه الحريديم سجل في انتخابات آذار 2021 قفزة كبيرة من حيث التمثيل، وبات له 72 مقعدا من أصل 120 مقعدا. وهذا النشاط السياسي في المستوطنات، انعكس أيضا في تمثيل المستوطنين في الكنيست، إذ بلغ عدد المستوطنين من الضفة 10 نواب، (8.3%) من إجمالي عدد المقاعد، وهذا ضعفا نسبتهم بين المصوتين. ويضاف لهم 17 نائبا من القدس، وحسب التقدير فإن أكثر من نصف هؤلاء من الأحياء الاستيطانية في القدس المحتلة منذ العام 1967. كما يضاف لهم 3 نواب من مستوطنة موديعين، التي حوالي ثلث مساحتها واقعة في الأراضي المحتلة منذ 1967. وكل هذا يعني أن المستوطنات وبضمنها موديعين والقدس، التي يشكل ذوو حق الاقتراع فيها 11.4% من إجمالي ذوي حق الاقتراع في السجل الانتخابي الإسرائيلي تتمثل بـ 30 نائبا هم 25% من عدد مقاعد الكنيست.