المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

يعيد "مؤشر الديمقراطية الاسرائيلية- 2004"، الذي نشر أخيرًا من طرف "المعهد الاسرائيلي للدمقراطية"، التذكير بجوهر هذه الديمقراطية الذي سبق أن أبان عنه هذا المؤشر في طبعة 2003 وكانت بمثابة تدشين لهذا المشروع. غير أنه في مؤشر 2004 ثمة تشديد على إستطلاع "مواقف الشبيبة الاسرائيلية". ونتيجة لهذه المواقف ارتسمت ملامح عامة للشاب الاسرائيلي في صلبها أنه "إمتثالي ومطيع يسير في التلم ولا يختلف كثيرًا عن جمهور الكبار".

ومع أن الشبيبة الاسرائيلية أبدت مواقف اعتبرها القيمون على المؤشر "أكثر تقدمًا" من مواقف جيل الآباء، وتحديدًا من حيث مدى ثقتهم بالديمقراطية الاسرائيلية، إلا أنه في العمق لم تتجاوز مقاربة تلك الشبيبة لهذه الديمقراطية النظرة التي ترى أنها شكلية (رسمية) أكثر من كونها ماهية أو قيمية. "وهذا المفهوم الذي يشدّد على الإطار لا على الجوهر يضع علامات إستفهام حيال طابع الديمقراطية الاسرائيلية في المستقبل"، حسبما ورد في توكيد القيمين، في إلماح صريح إلى أن في ذلك ما يجعل الشبيبة في حلّ، بأنفسهم لأنفسهم، من ممارسة القيم الأصيلة التي تنطوي عليها الدمقراطية في التطبيق العملي، أولا ودائمًا.

البروفيسور آشر اريان، المسؤول عن المؤشر، قال إن تطلع الشبيبة إلى زعيم قوي وكذا تأييدها لرفض الخدمة (وهما جزء لافت من نتائج الاستطلاع) "يجب ان يُشعلا ضوءا أحمر. فالتطلع الى زعيم قوي يشير الى عدم الرضى من السياقات الديمقراطية القائمة. والجيل القادم بالتأكيد يعرب عن عدم رضاه من الوضع القائم" .
وزاد أن النتائج مقلقة أيضا في مسألة رفض الخدمة (العسكرية) "حين تكون نسبة عالية جدا تؤيد رفض تنفيذ الأوامر (بِشأن إخلاء مستوطنات)"، مؤكدًا أن "هذه معطيات مذهلة ومقلقة، معطيات خطيرة جدا في مجتمع يرغب في البقاء. واضافة الى ذلك، يحتمل ان يكون أبناء الشبيبة يعربون عن هذا الموقف الآن، ولكن في الوضع الحقيقي، عندما يكونون جنودا ويتعين عليهم ان يقرروا اذا كانوا سيرفضون الأوامر، فانهم سيتصرفون خلاف ذلك. كما يحتمل ان يكون هذا الموقف متعلقًا بسن المراهقة".
كما أكد أن ضوءًا أحمر يجب ان يُشعل ايضا بالنسبة للتفهم والتطرق للمساواة القائمة بين العرب واليهود في اسرائيل. "فإن بعض الشبيبة لا يفهمون ان الديمقراطية معناها مساواة الحقوق للجميع، وهم يتمكنون من العيش هنا وكأن الآخرين غير موجودين!".

بالنسبة للكبار أظهر المؤشر "ارتفاع النسبة التي ترى أن إسرائيل غير ديمقراطية كفايتها إلى 39 بالمئة بين اليهود بعد أن كانت هذه النسبة 14 بالمئة في 1990. ويتوازى ذلك مع هبوط في نسبة الراضين من كيفية أداء الديمقراطية الاسرائيلية في 2004".

ويكرر معدو المؤشر توكيدهم من قبل سنة أن إسرائيل في الجوهر هي "ديمقراطية شكلية، لم تفلح بعد في ان تكيّف نفسها لمميزات الديمقراطية الجوهرية وفي أن تستبطن القيم والمفاهيم والثقافة الديمقراطية، ناهيك عن أن وضعيتها في جانب الحقوق مثير للقلق".

وقد عدّ "مؤشر الديمقراطية الاسرائيلية - 2003" أول بحث إسرائيلي من نوعه في توصيف ماهية هذه الديمقراطية وأدائها على أكثر من مستوى (صدرت ترجمته العربية في أواخر العام الفائت عن منشورات المركز الفلسطيني للدراسات الاسرائيلية، "مدار"). لكن الأمر المثير فيه يظل من نصيب النتائج الصافية،التي يتوصل إليها في هذا الشأن.

ويتناول "مؤشر الديمقراطية" ثلاثة جوانب يشمل كل منها مجموعة من الخصائص المهمة اللازمة للنظام الديمقراطي، وهي الجانب المؤسساتي وجانب الحقوق وجانب الاستقرار. وهو يخضعها للفحص والتمحيص بموجب أكثر من مؤشر، بحيث يشمل البحث في نهاية مطافه 31 مؤشرًا حول وضع الديمقراطية الاسرائيلية.

بخصوص جانب الحقوق يشير المؤشر الى أن وضع إسرائيل"مثير للقلق"، سواء لدى مقارنته مع الدول الديمقراطية الأخرى المشمولة في البحث أو لدى تعقّب خطاه داخل إسرائيل نفسها على مرّ السنوات. وتقريباً في جميع المؤشرات جاء تدريج إسرائيل، من ناحية هذا الجانب، في النصف السفلي من اللائحة. ومثل هذا التدريج هو من مستحقات المستوى المنخفض جداً لحماية حقوق الإنسان، بما فيها حقوق الإنسان الفلسطيني في مناطق الضفة الغربية وقطاع غزة (في هذا الموضوع تحتل إسرائيل المكان الاخير سوية مع جنوب أفريقيا والهند)، وأيضاً من مستحقات وجود تمييز سياسي وإقتصادي (عنصري) شديد للغاية حيال الاقلية العربية الفلسطينية، وكون حرية الصحافة متدنية، أقرب إلى الحدّ الذي قد يدفع بإسرائيل نحو تعريفها بأنها"دولة شبه حرّة"، فضلا عن أن حرية الدين فيها أقل بكثير مما هي في ديمقراطيات أخرى، بينما نسبة إنعدام المساواة الإقتصادية- الاجتماعية فيها هي من أعلى النسب في الدول المعدودة على الديمقراطيات في العالم أجمع.

بناء على ذلك يؤكد معدو البحث أنه لدى مقاربة التطورات داخل إسرائيل خلال العقد الأخير فإن عدة مؤشرات قد سجلت تدهوراً ملحوظاً في وضع الديمقراطية الاسرائيلية، بينما في مؤشرات أخرى لم يطرأ أي تحسن يذكر على هذا الوضع. وهكذا،على سبيل المثال، ثمة تراجع في نسبة المشاركة في الإنتخابات ونطاق الفساد آخذ في الإتساع وحرية الصحافة تتدهور ونسبة السجناء في الدولة ترتفع باطراد وعدم المساواة في توزيع المداخيل يتفاقم.

*****

القسم الثاني من هذا البحث يتمثل في إستطلاع الديمقراطية، ويخضع للفحص مسائل تجذّر الثقافة الديمقراطية والتكتل الإجتماعي ومفاهيم الجمهور حيال وضع الديمقراطية الإسرائيلية. هنا أيضاً تشير نتائج الإستطلاع الى حصول تدهور كبير، خلال السنوات الأخيرة، في نسبة تأييد جمهور اليهود في إسرائيل للمعايير الديمقراطية على المستويات كافة، ومنها التأييد العام للطريقة الديمقراطية وتأييد قيم ديمقراطية مخصوصة وتأييد المساواة في الحقوق للأقلية العربية.

ولتجسيد هذا التدهور يكفي أن نشير إلى ما يلي:

سجّل الإستطلاع نسبة التأييد الأكثر إنخفاضاً خلال السنوات العشرين الأخيرة للمقولة الذاهبة إلى أن الديمقراطية هي الشكل الأفضل لنظام الحكم.

نسبة التأييد في اسرائيل عموماً للمقولة الذاهبة الى أن النظام الديمقراطي هو أمر مرغوب فيه،هي الاكثر إنخفاضاً من بين 32 دولة ديمقراطية اخرى(مثل هذه النسبة موجودة فقط في بولندا).

تندرج إسرائيل في عداد الدول الأربع الوحيدة من بين الدول الديمقراطية (سوية مع المكسيك والهند ورومانيا)، التي تعتقد غالبية الجمهور فيها ان"في مقدرة زعماء أقوياء ان يجلبوا منفعة للدولة أكثر من جميع الأبحاث والقوانين"!.

اكثر من نصف اليهود في اسرائيل (53 بالمئة) يقولون على رؤوس الأشهاد إنهم يعارضون مساواة كاملة في الحقوق للمواطنين العرب. من ناحية أخرى يعتقد 77 بالمئة منهم أنه ينبغي ان تتوفر أكثرية يهودية لاتخاذ قرارات مصيرية للدولة. وأقل من ثلثهم (31 بالمئة) يؤيدون ضم أحزاب عربية إلى الحكومة وأكثريتهم (57 بالمئة) تعتقد بأنه ينبغي تشجيع هجرة العرب. علاوة على ذلك فان نصف اليهود في إسرائيل لا يقرون ان المساواة غير قائمة في التطبيق، ونسبة 49 بالمئة منهم لا توافق على ان العرب في اسرائيل يعانون التمييز والاجحاف مقارنة مع اليهود.

*****

يثير هذا البحث نقاشاً في إسرائيل، وبصورة خاصة حول متضمناته التي تشفّ عن تعزز الميول المعادية للديمقراطية والميول العنصرية في الشارع الاسرائيلي. مع ذلك لا بدّ من الإشارة الى ما يلي:

(*) لا معنى للحديث عن "تآكل الديمقراطية في إسرائيل"، بموجب قراءة هذا المؤشر، دون التطرق إلى جوهر هذه الديمقراطية في التطبيق العملي، وأكثر من ذلك دون التطرق إلى مسألة استبطان القيم الديمقراطية الحقيقية من طرف الإسرائيليين أنفسهم، والذي يؤكد إستطلاع الديمقراطية كونه (الاستبطان) شائهاً ومنقوصاً. ويعود ذلك الى أسباب عديدة،الحديث فيها يستجرّ حتماً حديثاً عن العثرات التي تقف حائلاً، كسد منيع، دون هذا الاستبطان. وهي تبقى عثرات إسرائيلية مخصوصة، من أبرزها طبيعة اليسار الاسرائيلي ذاته.

(*) لا شكّ ان الاحتلال الاسرائيلي للمناطق الفلسطينية والعربية منذ حزيران (يونيو) 1967 مثل عاملاً مهماً ومستودعاً كبيراً لتعزيز الميول المعادية للديمقراطية وميول أخرى فاشية وعنصرية غير أن هذه الميول لم تكن مفتقرة الى ما يغذيها "ويتعهدها بالرعاية" في الممارسة الاسرائيلية (الصهيونية) ما قبل هذا الاحتلال، مع مراعاة ان هذه الممارسة هي التي جاءت بذلك الاحتلال.

(*) إن أبحاثاً مثل "مؤشر الديمقراطية" هي أدوات معرفية مهمة في تشخيص الواقع الاسرائيلي وتحليل بُناه، ولكنها تظل تمارس دورها في حدود الذهن،اما مقدرتها على التأثير في هذا الواقع،الذي لا ينفك أولاً ودائماً محاصراً بجميع العوامل والاسباب التي تدفع نحو المزيد من التطرف العنصري والفشستة، فانها لا توازي، كما لن نمل من التكرار، أكثر من ملامسة صخرة صمّاء.

المصطلحات المستخدمة:

الصهيونية

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات