المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
غارات عنيفة على الضاحية الجنوبية لبيروت. (أ.ف.ب)
  • كلمة في البداية
  • 632
  • أنطوان شلحت

تصادف اليوم 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2024 الذكرى السنوية الأولى للحرب الإسرائيلية على قطاع غزة. وقد جرى شنّها في إثر الهجوم المباغت لحركة حماس على مواقع عسكرية في منطقة الحدود مع قطاع غزة، وعلى ما يعرف باسم "بلدات غلاف غزة"، يوم 7/10/2023. وهي ما زالت مستمرة، بل واتسعت في الأسابيع الأخيرة لتشمل الجبهة الشمالية مع لبنان، وما توصف بأنها "الحرب الإسرائيلية- الإيرانية الأولى". ولعلّ ما يمكن إجماله في مناسبة مرور أول عام على هذه الحرب هو ما يلي:

أولاً: ما زالت إسرائيل تخوض حرباً في  ساحات متعدّدة (في 7 جبهات هي قطاع غزة، ولبنان، وسورية، والعراق، وإيران، واليمن، والضفة الغربية، وهناك من يعتقد بأنها 8 جبهات من خلال إضافة ما تنعت بأنها "الجبهة الإسرائيلية الداخلية")، ومن المتوقع أن تكون حرباً متعدّدة الأعوام. وحتى الآن ألحقت هذه الحرب بإسرائيل ما يلي: آلاف القتلى والجرحى، و101 مخطوف ما زالوا محتجزين في أنفاق قطاع غزة قسم منهم أموات، ومائة ألف نازح من بيوتهم في مستوطنات المنطقة الجنوبية (بسبب الحرب في غزة) ومستوطنات المنطقة الشمالية (في ضوء الحرب مع حزب الله في لبنان) إلى جانب دمار كبير لحق بهذه المستوطنات، وعشرات ألوف الإصابات النفسية، وزيادة العبء على جنود تشكيلات الاحتياط الذين تجاوزت أيام خدمتهم الاحتياطية في الجيش لأول مرة في تاريخ إسرائيل 200 يوم، وانهيار الكثير من المرافق الاقتصادية، ومواجهة الاقتصاد الإسرائيلي إحدى أكبر أزماته والتي ترتبت عليها حتى الآن تداعيات جمّة من أبرزها تخفيض التصنيف الائتماني لإسرائيل من طرف الشركات الدولية المتخصصة في هذا المضمار.

ثانياً: ما أعقب هجوم 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023 من جانب حركة حماس أوضح لإسرائيل، كما يؤكد ساستها من الحكومة ومعظم أطياف المعارضة، حقيقة فحواها أن هناك "عدوين" عقدا العزم على "تدميرها" وهما الفلسطينيون وإيران. ولذا فإن الحرب ضدهما هي بمثابة "حرب وجودية"!

ثالثاً: في الوقت الحالي تستعد إسرائيل لتنفيذ تهديدها بمهاجمة إيران رداً على الهجوم الصاروخي الإيراني الواسع النطاق في الفاتح من تشرين الأول الحالي، وفي لبنان وبعد كل الهجمات الإلكترونية وعمليات الاغتيال لمعظم قادة حزب الله والتي بلغت الذروة في اغتيال الأمين العام للحزب حسن نصر الله، تقوم قوات الجيش الإسرائيلي بتمشيط قرى في جنوب لبنان، وتصطدم بعناصر حزب الله الذين يخوضون معارك دفاعية.

وتشير التقديرات السائدة في أوساط أمنية إسرائيلية رفيعة المستوى، بحسب ما يؤكد موقع "إيبوك" الإلكتروني الإسرائيلي، إلى أنه بالرغم من أن حزب الله يمرّ حالياً في "الفترة الأصعب في تاريخه منذ تأسيسه"، على حدّ وصفه، وذلك على خلفية ما تعرّض له من هجمات إلكترونية وسيبرانية وفي ضوء اغتيال أمينه العام وكل قيادته العسكرية، فإنه ما زال لديه عشرات ألوف المقاتلين وترسانة ضخمة من الصواريخ والقذائف الصاروخية التي لم تنجح إسرائيل في القضاء عليها. 

كما تشير التقديرات السائدة في إسرائيل، بحسب ما نُشر في أكثر من وسيلة إعلام وعلى لسان أكثر من محلل عسكري، إلى أن "الفراغ" الذي حاولت إسرائيل أن توجده لدى حزب الله سرعان ما ملأه عشرات المستشارين العسكريين الإيرانيين الموجودين في لبنان والذين يقدمون المساعدة إلى حزب الله في حربه ضد إسرائيل.

وبرأي الكثير من المحللين العسكريين، فإنه البرغم من أن إسرائيل لديها تفوق جوّي بارز على حزب الله، فضلاً عن قدراتها الاستخباراتية الفائقة، فإن حزب الله تمكّن من إقامة منظومة أنفاق طويلة ومتشعبة في مناطق كثيرة من لبنان ولا سيما في المناطق الجبليّة وتم الاحتفاظ بالصواريخ الدقيقة فيها فضلاً عن مخازن الأسلحة والذخيرة، كما أنها تعدّ مخابئ لمقاتلي الحزب. 

وتجمع كل التقديرات في إسرائيل على أن جميع هذه الإمكانات التي ما زال حزب الله يمتلكها يمكن أن تعزّز قدرته على خوض حرب طويلة الأمد ضد إسرائيل.

وبينما يشير عدد من المحللين العسكريين إلى أن العملية العسكرية الإسرائيلية في جنوب لبنان محدودة في حجمها وأهدافها، وتشمل قيام قوات الجيش الإسرائيلي باحتلال أراضٍ نشر فيها حزب الله مواقع عسكرية بالقرب من السياج الحدودي وتمشيطها، والقيام باقتحام عدة قرى شيعية تبعد بضعة كيلومترات شمالاً، كما تكرّر مصادر عسكرية إسرائيلية التشديد على أن النية هي إنهاء العمليات العسكرية في لبنان في غضون أسابيع، عبر التركيز على تدمير البنى العسكرية لحزب الله، فإن بعض المحللين، ومنهم المحلل العسكري لصحيفة "هآرتس" عاموس هرئيل، يؤكدون أن  الماضي في لبنان أثبت أن هناك علاقة ضعيفة بين الخطط الأساسية أو التصريحات الإسرائيلية والطريقة التي تتطوّر فيها الأمور على الأرض "عندما تبدأ الاحتكاكات مع العدو". كما أن هناك صعوبة في خوض حرب تتقدم ببطء، وإن أحد المبادئ المهمة في الحرب هو السعي لتحقيق نصر سريع، ولكن إسرائيل لم  تتصرف بهذه الطريقة أولاً في غزة، والآن في لبنان.

رابعاً: في ما يتعلّق بإيران فإنه من المعلوم (حتى وقت كتابة هذه السطور، صباح اليوم 7/10/2024) أن إسرائيل هدّدت بمهاجمتها رداً على موجة الصواريخ الباليستية الأخيرة من الأراضي الإيرانية. ووفقاً لوسائل إعلام إسرائيلية تُجري الولايات المتحدة نقاشات حثيثة في محاولة لـ"فرض قيود على الردّ الإسرائيلي، ومنع تدهوُر إقليمي إضافي". وعبّر الرئيس الأميركي جو بايدن علناً عن معارضته لمهاجمة المنشآت النفطية الإيرانية، وفي الخلفية، ثمة تخوّف من أزمة طاقة دولية تؤثر سلباً في فرص فوز الديمقراطيين بالانتخابات الرئاسية بعد أقل من شهر. وفي الوقت عينه، نقل الأميركيون رسائل إلى إسرائيل ضد مهاجمة المنشآت النووية الإيرانية، وهي مهمة تتطلب تنسيقاً وثيقاً بين الدولتين. في غضون ذلك وصل الجنرال مايكل كوريلا، قائد القيادة الوسطى في الجيش الأميركي (سنتكوم)، إلى إسرائيل من أجل ما قيل إنه "تنسيق الجهود العسكرية في ضوء التصعيد في مواجهة إيران وحزب الله". غير أنه بحسب تقرير في صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية، يشعر المسؤولون في وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) بقلق شديد من أن زيادة الوجود العسكري للولايات المتحدة في الشرق الأوسط والرامي كما تدعي الصحيفة "إلى المساعدة في احتواء الأزمة"، قد يشكّل محفّزاً لإسرائيل على زيادة حدة أعمالها الهجومية لسبب بسيط هو معرفتها بوجود دعم أميركي لها.

وفي هذا الشأن الأخير نوّه المحلل العسكري لـ"هآرتس" وغيره من المحللين والكتاب في إسرائيل، بأن إدارة بايدن لم تعبّر عن تحفّظها الشديد على آخر خطوات الجيش الإسرائيلي وتحركاته، وهي تصرح علناً بحق إسرائيل في الدفاع عن نفسها بخطوات هجومية ضد أعدائها، وينطبق هذا على الهجوم على إيران، الذي يمكن أن يكون موجهاً ضد منشآت عسكرية، كما ينطبق على العملية البرّية في جنوب لبنان. كما لفت، وإن بشكل ضمنيّ إلى ممارسة الولايات المتحدة قدراً من الخديعة، حين أشار إلى أن الولايات المتحدة وافقت بصورة غير مباشرة على تحرّك الجيش الإسرائيلي بضعة أسابيع، بينما حرص الموفد الخاص للرئيس الأميركي عاموس هوكشتاين على توضيح أن الإدارة لم تعطِ الضوء الأخضر مسبقاً للعملية!

خامساً، بخصوص الهجوم الصاروخي الإيراني الذي وقع يوم 1 تشرين الأول/ أكتوبر الحالي، وشمل وفقاً للتقارير 181 صاروخاً باليستياً، وجاء بالأساس ردّاً على اغتيال رئيس المكتب السياسي لحماس إسماعيل هنيّة في طهران في تموز الماضي وكذلك ردًا على اغتيال الأمين العام لحزب الله، لا بُدّ من أن نشير إلى ما يلي: 1-  لم ينقشع الغبار بعد عن نتائج هذا الهجوم. والأمر الوحيد الذي سمح بنشره في إسرائيل هو أنه كان هناك ضرر كبير للقصف ولكن نتائجه كانت محدودة نسبياً. ولم تقدّم إسرائيل أي تفاصيل بشأن الأضرار التي لحقت بالمنشآت العسكرية باستثناء البيان بعدم تعرض قيادة سلاح الجو للضرر نتيجة سقوط الصواريخ، والتقارير بشأن عدم وقوع إصابات بين المدنيين باستثناء جرحى بشظايا؛ 2-  أكدت التقارير الإسرائيلية أن الصور التي التُقطت لسقوط صواريخ في منطقة هشارون (وسط إسرائيل) وتحليل صور الأقمار الصناعية لعدة منشآت أمنية من طرف خبراء دوليين، تدلّ على حجم ضرر كبير وقع، بالرغم من عدم سقوط خسائر في الأرواح؛ 3- ينوّه المحللون العسكريون الإسرائيليون إلى أن النجاح الإسرائيلي في اعتراض إطلاق الصواريخ من لبنان لا يشبه بأي حال من الأحوال مواجهة تحدي الصواريخ الباليستية من إيران، وأن الصلية الثقيلة من الصواريخ الإيرانية قادرة على استنفاد القدرة الدفاعية الإسرائيلية أو ربما دفعها إلى حدّها الأقصى، ولذا كانت بحاجة إلى مساعدة الولايات المتحدة ودول أخرى.  

سادساً، الساحة الفلسطينية ما زالت تستأثر بالاهتمام في إسرائيل تحت وطأة استمرار الحرب في غزة وكذلك في بعض مناطق الضفة الغربية، حيث تؤكد التقارير الإسرائيلية أن هناك حالة جهوزية عالية لمواجهة فصائل المقاومة في الضفة. وفي ما يخصّ غزة وارتباطاً باهتمامات إسرائيل، هناك أمر يبدو شديد الوضوح وهو أن صفقة المخطوفين مع حماس عالقة تماماً، وأن 101 مخطوف إسرائيلي (التقديرات في إسرائيل تقول إن نصفهم فقط على قيد الحياة) يمكن أن يبقوا في الأَسر مدة طويلة. وتؤكد تقارير إسرائيلية متطابقة على تراجع قضية المخطوفين الملتهبة عن جدول الأعمال الإعلامي والشعبي بسبب تفاقم الحرب في لبنان ومع إيران.

أخيراً: لا بُدّ من القول إن الحكومة الإسرائيلية وبالذات رئيسها بنيامين نتنياهو يحاولان تجيير تفاقم الحرب في لبنان ومع إيران لرفع رصيدهما على المستويين الداخلي والخارجي. وهو أمر ينبغي أن نعود إليه بتوسع أكبر في سياق مقبل. ولكن حتى ذلك الوقت ينبغي أن نشير إلى أن المقربين من نتنياهو باتوا يكررون لازمة أن ما يجري في الفترة الأخيرة في الشرق الأوسط يتابعه أيضاً المتنافسان على الرئاسة في الولايات المتحدة، وإذا كان لديهما أدنى شك في رصيد إسرائيل بالنسبة إلى واشنطن، فقد جاءت أحداث الأيام الأخيرة لتبدّد هذا الشك. أمّا إذا كان هناك شك في أن إسرائيل هي رأس الحربة في المواجهة ضد "قوى الشر" في إيران، فإن الحرب الأخيرة قدّمت الدليل الأبلغ على أنها كذلك... والبقية آتية.

في الوقت عينه يجب أن نعود كي نتوقف عند ما تخطط إسرائيل له في كل ما هو مرتبط بـ "اليوم التالي" للحرب، سواء بالنسبة إلى قطاع غزة والضفة الغربيّة والقضية الفلسطينية عموماً، أو بالنسبة إلى جنوب لبنان. 

المصطلحات المستخدمة:

هآرتس, بنيامين نتنياهو

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات