منذ بدايات مشروعها الاستيطاني في فلسطين عملت الحركة الصهيونية على تشكيل سياساتها بهدف سلب الأراضي الفلسطينية، واستقطاب اليهود من جميع أنحاء العالم ليحلوا مكان سكانها الأصليين. ومع تأسيس الدولة الإسرائيلية إبان النكبة العام 1948، عملت الدولة على تشكيل نظام سياسي ومؤسساتي وقانوني، يضمن سلب أملاك الفلسطينيين في الأراضي التي سيطرت عليها من جهة، ويشكل الأرضية المناسبة لاستمرارية المشروع الاستعماري، الذي يهدف في جوهره إلى التوسع والتمدد، من جهة أخرى. ولطالما عملت
الحكومة الإسرائيلية، والمؤسسات الاستعمارية في الدولة، وجهازها القانوني، بشكل متداخل ومشترك، لتجريد الفلسطينيين من أراضيهم وأملاكهم. فما هي التبعات الناتجة عن هذا البناء المتداخل في سياق إعلان خطة دونالد ترامب ("صفقة القرن") بتاريخ 28 كانون الثاني 2020، قرار ضم ما يقارب 30% من أراضي الضفة الغربية لدولة إسرائيل؟ وما هي الآليات التي استخدمتها الدولة تاريخياً لسلب الأراضي الفلسطينية والتي من الممكن أن تستخدمها اليوم بعد إصدار قرار الضم؟ وما هي المؤسسات والقوانين التي يمكن أن تجيرها الحكومة الإسرائيلية في خدمة مشروعها؟.
"الضم والسلب، استخدام قانون أملاك الغائبين لسلب أملاك الفلسطينيين في القدس الشرقية"- عنوان تقرير مطوّل نشر حديثاً في تموز 2020، باللغتين العبرية والإنكليزية، على موقع حركة "السلام الآن"، والتي تُعرّف نفسها بأنها حركة إسرائيلية تدعو إلى السلام من خلال الضغط الجماهيري، وتناصر حل الدولتين.
يؤكد التقرير أنه في حال تم تطبيق قرار الضم، سوف يكون باستطاعة دولة إسرائيل استخدام قانون أملاك الغائبين لسلب مناطق واسعة في الضفة الغربية من دون الحاجة إلى مصادرتها أو تقديم التعويضات. ويدعم التقرير فرضيته من خلال الكشف عن تعاون الحكومة الإسرائيلية، والكيرن كييمت ليسرائيل (فيما يلي: الصندوق القومي اليهودي)، والمستوطنين، في استخدام "قانون أملاك الغائبين" لسلب أملاك الفلسطينيين في القدس الشرقية، حيث قامت بنهب ما يقارب 70 كيلومتراً مربعاً من أراضي القدس الشرقية بعد ضمها عام 1967 وأعلنت القدس "عاصمة إسرائيل الأبدية".
"قانون أملاك الغائبين"
يشير التقرير إلى أن "قانون أملاك الغائبين" الذي أقر العام 1950، يعرف "الغائب" بأنه الشخص الموجود في دولة عدو، أي أنه يُطبق على الفلسطينيين فقط، فاليهودي الذي يسكن القدس لا يفقد أملاكه في حال غادر إلى أوروبا، في حين أن المقدسي الفلسطيني يفقد أملاكه في حال تواجد في دولة عربية. ويعتبر التقرير أن سن القانون جاء في ظروف استثنائية، وكان الهدف منه تمكين الحكومة الإسرائيلية من السيطرة على أملاك اللاجئين الواسعة والفارغة بعد تهجير الفلسطينيين العام 1948، واستخدام الأراضي والأملاك لتنمية الدولة تجنباً من أن تسيطر عليها جهات أخرى. يوضح التقرير أنه على الرغم من عدم وجود أي رابط بين هذه المرحلة والمرحلة اللاحقة لتأسيس دولة إسرائيل، إلا أن الحكومة الإسرائيلية ما زالت تطبق هذا القانون في القدس الشرقية منذ ضمها العام 1967. ويعتقد كاتبو التقرير أن الظروف الاستثنائية التي سادت بعد تأسيس الدولة الإسرائيلية قد تبرر سن القانون واستخدامه في تلك المرحلة، ويعتقدون أن ظروف القدس الشرقية بعد العام 1967 كانت مختلفة ولا يجب استخدام القانون فيها. لكن في الحقيقة، الظروف على أرض الواقع لم تختلف بالنسبة إلى الفلسطينيين، فالاختلاف الوحيد هو أن الجهات الإسرائيلية استخدمت النفوذ والقوة لتهجير الفلسطينيين من أراضيهم في العام 1948، قبل سن "قانون أملاك الغائبين" العام 1950 وغيره من القوانين لشرعنة عملية السلب. أما في المرحلة اللاحقة، فبات وجود هذه القوانين يشرعن عملية السلب قبل وقوعها، كما يشرعن استخدام النفوذ والقوة لتهجير الفلسطينيين من أملاكهم ومنازلهم.
منزل عائلة سمرين
يعرض التقرير تجربة عائلة سمرين كنموذج يبين آليات استخدام "قانون أملاك الغائبين" لسلب أملاك الفلسطينيين في القدس الشرقية.
فقد أعلَن القيم على أملاك الغائبين في أواخر الثمانينيات أن منزل عائلة سمرين من أملاك الغائبين. وبيع المنزل إلى الصندوق القومي اليهودي دون معرفة العائلة. شهد أحمد سمرين منذ طفولته انشغال أهله في الإجراءات القانونية لإثبات ملكية المنزل، كما شهد قلقهم الدائم من أن يتم إجبارهم على إخلاء منزلهم في أي لحظة. رفُعت قضية إخلاء ضد العائلة العام 1991، واستمرت القضية والقلق حتى وجد أحمد نفسه بعد 30 عاماً يربي أطفاله في منزل طفولته وهم يشاهدونه منشغلاً بالوثائق القانونية. أخيراً، وفيما يبدو أنه معركة العائلة الأخيرة، رفضت المحكمة في القدس طلب استئناف حكم الإخلاء في 30 حزيران 2020.
الآليات الحكومية السرية لسلب أملاك الفلسطينيين
يبين التقرير أن المنهجية الإسرائيلية للسيطرة على أملاك الفلسطينيين تتم من خلال قيام جهات استيطانية بتجنيد أشخاص لتقديم إفادات عن غياب أصحاب الأملاك، وتسليم هذه الإفادات إلى القيم على أملاك الغائبين، حيث يقوم بإصدار شهادة أملاك غائبين دون التأكد من صحة غياب أصحابها. بعد ذلك، يتم تسليم الأملاك إلى الصندوق القومي اليهودي الذي يمررها إلى المستوطنين. والعائلات الفلسطينية لا تكتشف أن بيوتها قد بيعت حتى تصلهم دعاوى قضائية من المستوطنين أو من الصندوق القومي اليهودي تطالبهم بالإخلاء، فتبدأ معاركهم القانونية الطويلة والمرهقة والمكلفة ضد هذه الجهات التي تتمتع بالنفوذ والتمويل. وأجبرت هذه الآليات عدداً من العائلات الفلسطينية على إخلاء منازلها، في حين استطاع البعض الحفاظ عليها، ولا يزال آخرون يصارعون من أجل إثبات حقهم في ملكيتها. وتم إدراج ما يقارب 20 مُلكاً في سلوان ضمن أملاك الغائبين من خلال هذا المنهج مما أثر على العشرات من العائلات الفلسطينية.
يبين التقرير هذه المنهجية من خلال الإفادات والشهادات التالية:
في جلسة محكمة أقيمت في 7 كانون الثاني 1992، قال القيم على أملاك الغائبين أهارون شاكرجي "إذا تلقينا شهادة من مختار القرية أو المدينة، أو وصلتنا إفادة تؤكد على وجود أملاك غائبين، أقوم بإصدار شهادة غياب، وأعلن عن المُلك بأنه من أملاك الغائبين". ويبين التقرير من خلال استعراض وثائق قانونية، وجود بعض الأشخاص الذين يقدمون إفادات عن أملاك غائبين بشكل دوري. ويكشف التقرير وجود آليات حكومية سرية لنقل أملاك الفلسطينيين تم فضحها في "تقرير كلوغمان" الذي أعدته لجنة تحقيق، بتكليف من حزب العمل عندما كان إسحاق رابين رئيساً للحكومة. وكشف التقرير عن آليات أنشأتها جهات حكومية بقيادة أريئيل شارون الذي كان وزير البناء والإسكان في الثمانينيات تحت حكم الليكود. وهدفت هذه الآليات إلى سلب أملاك الفلسطينيين ونقلها إلى المستوطنين وتم تطبيقها في سلوان والحي الإسلامي.
ولكن في الحقيقة، سُن "قانون أملاك الغائبين" العام 1950 تحت حكم حزب مباي، الذي تحول لاحقا إلى حزب العمل، أي أن حزب العمل هو من صنع القانون والمدبر الحقيقي لآليات سلب الأراضي الفلسطينية. وهذه الآليات لم يتم تشكيلها في فترة حكم حزب الليكود كما يدعي التقرير بناءً على تحقيق "كلوغمان"، الذي أعده حزب العمل، فالإجراء الذي قام به الليكود في سنوات الثمانينيات هو تطوير آليات سلب الأراضي الفلسطينية التي أعدها وشكلها حزب مباي.
دور الصندوق القومي اليهودي والمنظمات الاستيطانية
يوضح التقرير أن الصندوق القومي اليهودي والمستوطنين هم المبادرون والمستفيدون من إصدار شهادات أملاك الغائبين، وهم الذين يحصلون على الأملاك في نهاية المطاف. يتبين ذلك من خلال شهادة رئيس قسم الأراضي في الصندوق القومي اليهودي، أبراهام هليلي، الذي أفاد أن الصندوق كان المبادر لعملية بيع أملاك الغائبين لسلطة التنمية، والمسؤول عن عملية المقايضة مع إدارة أراضي إسرائيل لأملاك تم تسليمها في نهاية المطاف إلى منظمة إلعاد الاستيطانية. ويبين التقرير أيضاً قيام هليلي بإرسال رسالة إلى القيم على أملاك الغائبين بتاريخ 16 كانون الثاني 1989، يخبر القيم من خلالها عن وجود أملاك غائبين في سلوان، ويطلب منه نقلها إلى سلطة التنمية لتمررها إلى الصندوق القومي اليهودي، وطلب منه إعلام الصندوق القومي عند إصدار شهادة أملاك الغائبين، حتى يتمكن من تتبع الإجراءات القانونية لإخلاء الأرض والحصول عليها وإدارتها.
شهد هليلي أيضاً أن الصندوق القومي اليهودي ومنظمة إلعاد الاستيطانية أحضرا أشخاصاً ليقدموا إفادات عن "أملاك غائبين". برر هليلي شهادته بأن سياسة الصندوق بالنسبة للأراضي تنص على أن ما يملكه الصندوق هو ملك للشعب اليهودي، وأن الصندوق يبقي هذه الأملاك تحت تصرفه، أو يقوم بتأجيرها لجهات تخدم أهدافه. كما عرضت منظمة إلعاد الاستيطانية بأن تقوم بدفع الأموال لشراء الأملاك لصالح الصندوق القومي اليهودي، كما تبين في رسالة أرسلتها بتاريخ 27 آذار 1990، إلى مساعد رئيس الحكومة للشؤون الاستيطانية تطلب من خلالها نقل أملاك الغائبين في سلوان إلى ملكية الصندوق.
إضافة إلى ما أفاده التقرير حول دور الصندوق القومي اليهودي، من الضروري الإشارة هنا إلى ضلوعه في سن القوانين التي تضمن السيطرة على الأراضي الفلسطينية، ومنع نقلها أو إعادتها إلى الفلسطينيين. ومنها قانون أساس الأراضي الذي سنه الكنيست العام 1960، والذي ينص على أن "ملكية أراضي إسرائيل، أي أراضي إسرائيل التي تملكها الدولة أو سلطة التنمية أو الصندوق القومي اليهودي، لا يجوز نقلها سواء من خلال البيع أو أي طريقة أخرى."
Knesset, "Basic Land Law: Israel Lands (1960),"Knesset official website, https://www.knesset.gov.il/laws/special/eng/basic13_eng.htm, (accessed 28 July, 2020)كما يشير موقع الصندوق القومي اليهودي إلى "أن الكنيست تبنى قانون أساس الأراضي استناداً إلى مبدأ الصندوق القومي اليهودي الذي ينص على أن الأرض التي يمتلكها الشعب اليهودي بحِفظ الصندوق القومي لا يمكن بيعها، ولكن يمكن تأجيرها لفترة 49 سنة في كل عملية تأجير". JNF, "OUR HISTORY 1901: IT ALL STARTED WITH A DREAM," JNF official website, https://www.jnf.org/menu-3/our-history وتطبيق قانون أساس الأراضي يعني أن الأراضي الفلسطينية التي يتم سلبها وتحويلها إلى ملكية الدولة أو سلطة التنمية الإسرائيلية أو الصندوق القومي اليهودي من خلال قانون الغائبين، لا يمكن أن يتم إعادة ملكيتها إلى الفلسطينيين بأي حالٍ من الأحوال.
حكم القضاء: إجراءات إعلان "أملاك الغائبين" غير مقبولة لكن يستمر سلب الأملاك
يظهر التقرير أنه في بدايات التسعينيات، كان يتم نقل "أملاك الغائبين" فور الإعلان عنها إلى الصندوق القومي اليهودي، أو إلى شركة عميدار للإسكان (تابعة للحكومة الإسرائيلية)، أو إلى المستوطنين. كانت هذه الجهات ترفق دعاوى قضائية تطالب بإخلاء العائلات الفلسطينية منازلها. وكانت تُجبر العائلات على إثبات حقها بالملكية في قضايا قُدمت ضدها من قبل جهات ذات نفوذ وثراء. وعندما أصبحت الصورة واضحة للمحاكم فيما يتعلق بآليات الإعلان عن أملاك الغائبين، حكم القضاة في بعض الحالات لصالح العائلات الفلسطينية، وانتقدوا القيم على أملاك الغائبين وعدم تصرفه "بنية سليمة". لكن حتى في الحالات التي حُكم فيها لصالح العائلات الفلسطينية لم يترك المستوطنون والصندوق القومي اليهودي الأملاك، بل قدموا طلبات استئناف أو بدأوا بإجراءات جديدة.
يشير التقرير إلى بند (17 أ) من "قانون أملاك الغائبين"، الذي يُقر بأن أي معاملة يجريها القيم على أملاك الغائبين "بنية سليمة" مع أي طرف آخر بخصوص أملاك اعتبرها القيم من أملاك الغائبين تبقى قائمة ولا يتم إلغاؤها حتى لو أُثبت عدم صحة غياب المالكين؛ أي أن القانون يعطي القيم حق التصرف "بنية سليمة"، وإذا أخطأ تبقى قراراته سارية، والدولة الإسرائيلية توافق على اعتبار أملاك الفلسطينيين "أملاك غائبين" عندما تكون هيئات حكومية مثل القيم على أملاك الغائبين طرفا في القضية، ويكون بيعها إلى المستوطنين من خلال الصندوق القومي اليهودي قانونيا.
على سبيل المثال، حكم قُضاة المحكمة ضد إعلان منزل عائلة سمرين من أملاك الغائبين، لأن موسى سمرين (مالك المنزل) لم يتركه حتى مماته. واستأنف القيم على أملاك الغائبين القرار، مدعياً بأنه حتى لو كان الإعلان باطلاً، فإن أبناء موسى يعيشون اليوم في دوّل عربية ولا يحق لغيرهم حيازة البيت. قرار المحكمة سمح ببقاء عائلة سمرين في المنزل بسبب وجود وصية من موسى تسمح لابن أخيه، الذي كان يعيش معه قبل وفاته، بالبقاء في المنزل مع عائلته، لكنها في الوقت نفسه قررت أن البيت من "أملاك الغائبين". بعد سنوات قدم الصندوق القومي اليهودي طلب استئناف وافقت عليه المحكمة وأصدرت قرار إخلاء عائلة سمرين من منزلها. وقدمت العائلة طلب استئناف آخر لكن المحكمة رفضته.
وهذا ما حدث في قضية عائلة العباسي. فقد كان من الواضح للمحكمة أن مالك المنزل عاش فيه طوال حياته، وأن أحد أبنائه استمر بالعيش في المنزل، مما يجعل إجراء تطبيق قانون أملاك الغائبين باطلا إلا أن القيم على أملاك الغائبين أفاد أن الشخص الذي يعيش في المنزل ليس الابن الوحيد للمالك، أي أنه ليس المالك الوحيد للمنزل وأن أخوته يعيشون في دول عربية، فحتى لو كان الإجراء باطلا إلا أن قانون أملاك الغائبين وبيع المنزل إلى منظمة إلعاد الاستيطانية، من خلال شركة عميدار للإسكان (التابعة للحكومة)، لا يزال ينطبق على أجزاء من المنزل. ووافقت المحكمة على هذا الادعاء وأصبحت عائلة العباسي تعيش في جزء صغير من منزلها بينما سيطرت منظمة إلعاد على أجزائه الأخرى.
بناءً على ما تقدم، يؤكد التقرير أن الجهات الإسرائيلية أساءت استخدام "قانون أملاك الغائبين"، وأن العائلات الفلسطينية لم تتمكن من استرجاع أملاكها حتى في حالات رفض المحكمة إجراءات تطبيق القانون واعتبارها إجراءات فاسدة.
وأعتقد أن هناك إشكالية في الافتراض بأن الجهات الإسرائيلية أساءت استخدام القانون، بل على العكس تماماً، فنص القانون وبنوده هي التي شكلت القاعدة لهذه الممارسات، بل وشرعنتها وجعلتها قانونية؛ أي أن القوانين الإسرائيلية والتي تشمل قوانين القضاء وحتى القوانين الداخلية للمؤسسات والمنظمات الإسرائيلية هي التي شكلت البنية الاستعمارية المبنية على السلب والتوسع. أما موظفو هذه الجهات مثل القيم على أملاك الغائبين أو العاملين في الصندوق القومي اليهودي فهم يحسنون فعل استخدام هذه القوانين والأُسس، ويعملون معاً للحفاظ على بقاء البنية الاستعمارية واستمرارها. يظهر هذا الأمر جلياً بأنه حتى عندما كان بعض القُضاة ينتقدون تصرف القيم، كان قرارهم ينتقد "الإجراءات" التي كان يتم بها الإعلان عن أملاك الغائبين ولم يرفضوا الإعلان نفسه، وبالتالي لم يؤد رفضهم إلى حدوث أي تغيير، بل كان مُنصاعاً للنظام الاستعماري وقوانينه.
"قانون أملاك الغائبين" في القدس يعتمد على "النية السليمة" للحكومة
يعرض التقرير السياسات المختلفة للحكومات الإسرائيلية المتعاقبة على النحو التالي:
حكومات حزب العمل 1968- 1977، تجنبت استخدام "قانون أملاك الغائبين" إلا على الأملاك الفارغة، وفي حال لم تكن فارغة كانت تسمح فقط باستغلالها للاستخدامات العامة ولم تسمح ببيعها أو تأجيرها.
حكومة حزب الليكود 1977- 1992، استغلت القانون للاستيلاء على أملاك الفلسطينيين في القدس الشرقية.
حكومة حزب العمل تحت قيادة رابين 1992- 1996، شكلت لجنة تحقيق فضحت الآليات التي يتم بها سلب أملاك الفلسطينيين في القدس الشرقية ووضعت حداً لاستخدامها. ومنعت الحكومة إساءة استخدام القانون ولكنها لم تمنع استغلاله في المستقبل، واستمر الفلسطينيون في مواجهة قرارات الإخلاء التي وصلتهم نيابةً عن المستوطنين والصندوق القومي اليهودي.
حكومات الليكود حتى العام 2005، وسعت نطاق استخدام القانون.
منذ العام 2005- الوقت الراهن: استمر القيم على أملاك الغائبين بالإعلان عن أملاك غائبين في القدس الشرقية بشكل دوري، حيث بدأت الحكومة الإسرائيلية في إتباع عملية تسجيل منظمة للأملاك في كامل القدس الشرقية، الأمر الذي يثير القلق من سيطرة لجنة أملاك الغائبين على أملاك عديدة متذرعةً بتنفيذ عملية التسجيل.
يشير التقرير إلى أن تطبيق "قانون أملاك الغائبين" أو عدمه يعتمد على القرارات السياسية للحكومة القائمة، وإلى أن استخدامات القانون اختلفت في القدس الشرقية مع اختلاف الحكومات وتقديراتها. لكنني أعتقد أن آليات استخدام القانون وتطبيقه يختلفان وفقا لاحتياجات الوضع السياسي وسياقه، لا باختلاف الحكومة القائمة. بالإضافة إلى أن "اختلاف" استخدام القانون وتطبيقاته، لا يلغي حقيقة أنه يبقى جزءا أساسيا من البنية الاستعمارية التي تعمل الحكومة من خلالها، إضافةً إلى أن إقرار "قانون أملاك الغائبين" وغيره من القوانين تحت حكم حزب مباي، الذي تحول لاحقاً إلى حزب العمل، هو الذي شكل القاعدة القانونية التي يعمل من خلالها حزب الليكود اليوم.
مع هذا، فمما لا شك فيه أن هذا التقرير الصادر عن "حركة السلام الآن" يقدم معلومات مهمة، ويشير إلى ضرورة الاستفادة من ممارسات الدولة الإسرائيلية في القدس الشرقية لفهم السياق الحالي، وإدراك الممارسات التي قد تقوم بها الحكومة الإسرائيلية اليوم لسلب الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية بعد قرار الضم. وبرأيي توجد إشكاليات جوهرية في التقرير أهمها إشارته إلى أنه يمكن تبرير سن "قانون أملاك الغائبين" عام 1950 بسبب "الظروف الاستثنائية" التي كانت تمر بها الدولة في ذلك الوقت، والادعاء أن سلب الأملاك الفلسطينية في القدس الشرقية تم بسبب "إساءة" استخدام القانون، وأن آليات استخدام القانون قد تختلف مع اختلاف الحزب الحاكم. فما هو المقصود بـ"الظروف الاستثنائية"؟ وما هو الاستخدام السليم لـ"قانون أملاك الغائبين"؟ وهل تختلف البنية الاستعمارية مع اختلاف الحزب الحاكم؟ أخيراً، هل يمكن أن يتم نشر تقرير بعد 72 عاماً من اليوم، يبرر قرار الضم أو تجيير "قانون أملاك الغائبين" في القدس والضفة الغربية بحجة "سوء الاستخدام" أو وجود "ظروف استثنائية"؟