المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • تقارير، وثائق، تغطيات خاصة
  • 1769

قالت صحيفة "هآرتس" إن إقصاء أعضاء الكنيست العرب من التجمع الوطني الديمقراطي جمال زحالقة وحنين زعبي وباسل غطاس من جلسات الكنيست ولجانه مؤقتا على خلفية الاجتماع الذي عقدوه مع عائلات فلسطينيين في القدس الشرقية وجرى خلاله التداول حول السبل الكفيلة بتحرير جثامين أبنائهم الذين قتلوا برصاص قوات الأمن الإسرائيلية أثناء ارتكابهم عمليات ضد جنود ومستوطنين إسرائيليين وقامت إسرائيل باحتجازها، ينذر بالسوء بالنسبة لإسرائيل.

وأضافت الصحيفة في افتتاحية خاصة أنشأتها غداة القرار الذي اتخذته لجنة الأخلاق في الكنيست بخصوص هذا الإقصاء الأسبوع الفائت، أنه إذا اضطر أعضاء الكنيست هؤلاء الذين يعانون بطبيعة الحال من الإقصاء في مجالات عديدة، إلى مقاطعة الكنيست واضطر جمهورهم إلى مقاطعة الانتخابات، فستكف إسرائيل عن أن تكون ديمقراطية.

في الوقت نفسه قالت الصحيفة إنه مسموح التحفظ من خطوة نواب التجمع هذه، كما أنه يمكن الاعتراض على لقائهم مع من أسمتهم "عائلات المخربين"، واعتبار وقوفهم دقيقة صمت حداداً على ذكراهم "عملاً مرفوضاً"، وتعريـفهم كـ"شهداء" أمراً معيباً، لكن من غير المسموح به الانضمام إلى حملة الملاحقة البشعة والعدائية ضد النواب الثلاثة من أعضاء "القائمة المشتركة"، فليس هذا من شيم الديمقراطية.

وأشارت "هآرتس" إلى أن الكنيست وقف صفاً واحداً تقريباً ضد الثلاثة، وباستثناء كتلتهم (القائمة المشتركة) تنافس ممثلو جميع الكتل على مَن يستخدم لغة أكثر حدة من الآخرين ضدهم.

وأكدت أن هدف اليمين مكشوف وخطير: محاولة أخرى لنزع الشرعية عن التمثيل العربي في الكنيست، سعياً إلى إقصائه وطرده من مجلس النواب. وقد خدم هذا الهدف ربما عن غير قصد ممثلو الوسط واليسار من الذين انضموا إلى هذه الهجمة المنفلتة العقال، وهناك ممثلون عن "المعسكر الصهيوني"، وعن حزب "يوجد مستقبل"، وحتى عن حركة ميرتس، شاركوا في الهجوم على حزب التجمع.

وكتبت: كالعادة فإن بنيامين نتنياهو الذي لا يضيع فرصة للتحريض ضد العرب في إسرائيل، طلب من المستشار القانوني للحكومة فحص الخطوات القانونية المسموح باتخاذها ضد أعضاء الكنيست الثلاثة. كما رفع رئيس الحكومة مع رئيس الكنيست احتجاجاً ضد الثلاثة إلى لجنة الأخلاق في الكنيست، وقال إنه سيعمل على إصدار "قانون يعتبر أن كل من يتصرف على هذا النحو لا يحق له أن يكون عضو كنيست". ولا يخطر على بال أحد أن يتخذ نتنياهو إجراءات مشابهة ضد عضو كنيست يهودي يدّعي مثلاً أن جريمة دوما ليست إرهاباً، أو ضد وزيرة العدل التي قيل إنها التقت عائلة أحد المعتقلين اليهود المشتبه بهم في هذه القضية.

وختمت الصحيفة: لقد انتُخب الأعضاء الثلاثة في القائمة المشتركة في الكنيست، التي تعتبر الكتلة الثالثة من حيث الحجم، من أجل تمثيل الجمهور الذي انتخبهم. وهذا الجمهور لا يشاطر نظرة وأفكار ومعتقدات الأغلبية اليهودية- الصهيونية. فإذا كانت إسرائيل تدعي أنها ديمقراطية وتريد الرد على الادعاءات بشأن تحولها إلى دولة أبارتهايد، فإنه يتعين عليها أن تحترم هذه الآراء حتى لو كانت صادمة ومؤلمة بالنسبة للأغلبية اليهودية. لقد أوضح أعضاء التجمع أنهم التقوا العائلات من أجل محاولة مساعدتهم على استعادة جثامين أعزائهم بعد أشهر على مقتلهم. ومن واجبهم وحقهم أن يفعلوا ذلك. إن العرب في إسرائيل هم أبناء الشعب الفلسطيني ولهم تاريخ واحد. إنه نسيج حساس وهش، ويجد هؤلاء أنفسهم في نزاع بين ولائهم لشعبهم وولائهم لدولتهم. والطريق للمحافظة على الديمقراطية في إسرائيل يمر من خلال احترام هذا الوضع المعقد وإظهار أقصى درجات الحساسية حياله.

من ناحيته قال عضو الكنيست جمال زحالقة إن رئيس الحكومة نتنياهو اتخذ إستراتيجية سياسية وإعلامية جديدة بدأت يوم الانتخابات العامة الأخيرة في العشرين من آذار 2015، حين نشر شريط فيديو قبل إغلاق صناديق الاقتراع بساعات، حذر فيه من أن "العرب يهرولون إلى صناديق الاقتراع وحكم اليمين في خطر"، داعيًا جمهور اليمين إلى الخروج للتصويت.

وأضاف في بيان خاص، أن من الصعب تقدير تأثير نداء نتنياهو على نتيجة الانتخابات، لكن الاعتقاد السائد هو أنه أضاف إلى حزب الليكود عدة مقاعد، مما جعله الحزب الأكبر وسهل عليه تشكيل الحكومة. وهناك أيضًا تقدير، له أساس، بأنه لو حصل حزب "المعسكر الصهيوني" على مقاعد أكثر من الليكود لانضم حزب "كولانو (كلنا)" برئاسة موشيه كحلون، إلى حكومة برئاسة إسحاق هرتسوغ. من هنا جاء الاستنتاج بأن إشهار العداء للمواطنين العرب يمنح نتنياهو والليكود قوة أكبر وقد يكون الوصول إلى السلطة متعلقًا به.

وبرأي زحالقة، نتنياهو عنصري في عقيدته ومبادئه وقناعاته، ولكنه من جهة أخرى ثعلب سياسي وانتهازي من الدرجة الأولى وقارئ فطن للجمهور الإسرائيلي ولمزاجه وللتيارات والتحولات العميقة فيه. هو لا ينجر وراء عنصرية الشارع الإسرائيلي، بل يقوده في العداء للعرب، ويستثمر ذلك في زيادة قوته الحزبية وفي تطبيق إستراتيجيته اليمينية المتطرفة، فهناك انسجام بين عنصرية نتنياهو وانتهازيته.

وتابع: تاريخيًا، كان موقف حزب "حيروت" الذي جاء منه الليكود بأن للمواطنين العرب حقوقًا مدنية ولكن ليس لهم أي حقوق قومية. وإذ يتبنى نتنياهو هذا الموقف مبدئيًا فإنه يصب عليه سمًا عنصريًا من عنده مستكثرًا أن يحصل العرب على حقوق مدنية فعلية. ولكن حين يكون هناك حزب لا يكتفي بالمطالبة بالحقوق المدنية كاملة غير منقوصة، بل يؤكد لا أقل على الحقوق القومية ويعرف نفسه بأنه حزب قومي ديمقراطي، ويكون سلوكه السياسي كذلك، فإن نتنياهو يناصبه العداء ويعمل على محاصرته وضربه وحتى التخلص منه إن استطاع. وهنا أيضًا تختلط العنصرية الأصلية بالانتهازية النفعية، إذ يحرض نتنياهو على التجمع من منطلقات مبدئية معادية لأي تعبير عن الطموحات القومية لأهل البلاد الأصليين، وأيضًا لغايات كسب شعبية رخيصة في الشارع الإسرائيلي، الذي يتجه نحو المزيد من الشوفينية والتطرف.

وأكد زحالقة أن ما حدث في الأسبوع الأخير لم يولد في هذا الأسبوع بل يندرج ضمن إستراتيجية سياسية يقودها نتنياهو تستهدف الجماهير العربية في الداخل عمومًا وتستهدف بشكل خاص قوى سياسية يعتبرها نتنياهو "قطعت الخط الأحمر"، وهي تحديدًا الحركة الإسلامية الشمالية، والتي قام بحظرها، وكذلك التجمع الوطني الديمقراطي، الذي "اكتفى" بإبعاد نوابه عن مداولات الكنيست لعدة أشهر على خلفية مباشرة وهي قيامهم بواجبهم الإنساني والوطني في العمل على استعادة الجثامين المحتجزة في ثلاجات الاحتلال منذ أربعة أشهر، ولكن من الواضح أن هذا لم يكن السبب بل التبرير للملاحقة السياسية.

وشدّد على أن ما يسعى إليه نتنياهو هو محاصرة الوجود السياسي لجماهير الفلسطينيين في الداخل وقواها الوطنية، وهو يفعل ذلك عبر تضييق مساحة وساحة الحق في ممارسة العمل السياسي. وهو يريد أن تصل رسالة إلى الجمهور الإسرائيلي بأنه هو شخصيًا يقوم بتضييق الخناق، حتى يضع كل الأرباح في جيبه وفي جيبه وحده، سعيًا إلى المجد القائم على سياسة الكراهية، التي لم تعد إحدى أدواته بل إستراتيجيته المركزية.

ودانت لجنة المتابعة العليا لشؤون الجماهير العربية في إسرائيل حملة التحريض بقيادة نتنياهو، وقالت في بيان "تدين لجنة المتابعة العليا لقضايا الجماهير العربية الهجوم العنصري، الذي يقوده رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، ضد نواب التجمع الوطني الديمقراطي في القائمة المشتركة، على خلفية لقائهم بعائلات الشهداء، لغرض البحث في سبل تحرير جثامين أبنائهم".

ورأت "المتابعة" أن "هذا الهجوم يندرج في حملة التحريض المستمرة التي يقودها نتنياهو ضد جماهيرنا العربية، التي تصر على التصدي لسياسة حكومته العنصرية، سياسة الحرب والاحتلال".

وأكدت أن "لقاء النواب مع العائلات كان لغرض بحث قضية إعادة جثامين أبنائهم، وهذا بالضبط ما يعرفه نتنياهو، ورئيس الكنيست يولي إدلشتاين، الذي برز هو أيضا في جوقة التحريض، وغيرهما من وزراء ونواب في الائتلاف والمعارضة. وأكثر من هذا، فإن النواب عرضوا القضية على الجهات ذات الشأن في الحكومة الإسرائيلية لغرض حلها بعد ذلك اللقاء".

وشددت "المتابعة" على أن "جماهيرنا العربية وأطرها السياسية ليست ضمن الخطاب الإسرائيلي والصهيوني الرسمي المعادي لشعبنا، ولا نستأذن أحدا في شكل ممارسة الأدوات السياسية المشروعة في الدفاع عن حقوقنا وحقوق شعبنا عامة".

وحذرت من مغبة تصعيد الخطاب العنصري، مؤكدة "إننا لن نسكت أمام محاولات كم الأفواه، وأمام مجرد التفكير في ضرب نشاطنا وحراكنا السياسي، بموازاة ما تخطط له الحكومة الإسرائيلية وأذرعها لشن ضربات متعددة الاتجاهات ضد جماهيرنا العربية كافة، من تدمير آلاف البيوت واقتلاع قرى بأكملها وغيرهما".

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات