المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
دبابة في كريات شمونة يوم 22 أكتوبر 2023. (أ.ب)
  • تقارير، وثائق، تغطيات خاصة
  • 589
  • هشام نفاع

نظّم الكنيست الإسرائيلي مطلع الشهر الجاري ما أسماه "اليوم الخاص من أجل ترميم وإعادة بناء البلدات الشمالية"، تخللته جلسات ومناقشات في مختلف لجان الكنيست. وتحضيراً لذلك، أجرى معهد الأبحاث والمعلومات في الكنيست دراسة تلخيصية جمعت المعطيات والبيانات الرسمية المسجلة والمعتمدة عن السكان الذين تم إجلاؤهم من الشمال، كجزء من قرار الحكومة رقم 975: "خطة عمل وطنية لتنفيذ إخلاء سكان القطاع الشمالي (0-5 كم من الحدود) واستيعابهم (18 تشرين الأول/أكتوبر 2023)". بالإضافة إلى هؤلاء السكان تطرقت الدراسة أيضاً إلى جوانب عدّة تتعلّق بالسكان الذين غادروا بلداتهم بشكل مستقل عن خطط الإخلاء التي وضعتها الدولة. ويشير واضعو الدراسة إلى أن جزءاً من المعلومات الواردة فيها يستند إلى دراسات سابقة كتبها باحثو مركز الأبحاث والمعلومات في الكنيست، وتنوّه إلى أنها "ليست مراجعة شاملة للموضوع، من جميع جوانبه".

هذه الملاحظة الأخيرة تتعلق بالتقديرات المختلفة لعدد الذين تم إجلاؤهم بقرار رسمي أو قرروا ترك بيوتهم بقرار مستقل بسبب المواجهات الحربية. فمثلا، في مقال عن قلة تغطية الإعلام العبري للحاصل في الشمال، كتب موقع "العين السابعة" الذي يتابع بالفحص والنقد التغطيات الإخبارية والصحافية العبرية عموماً أن "البحث في المواقع الإخبارية عن البيانات الأساسية، مثل عدد الأشخاص الذين تم إجلاؤهم من الشمال أو عدد عمليات إطلاق المقذوفات التي تلقتها المنطقة، يظهر وجهاً آخر للتغطية المفقودة. في معظم التقارير لا توجد إشارة إلى عدد الأشخاص الذين تم إجلاؤهم"، ويقول إنه "في التقارير التي يمكن العثور على أرقام فيها، تختلف من تقرير إلى آخر. فيدعي أحد التقارير أنه تم إجلاء 58 ألف شخص من الشمال، وفي تقرير آخر يرتفع العدد إلى 61 ألفاً. وبينما يشير أحد التقارير إلى أنه تم إجلاء 6000 ساكن بشكل مستقل، يدعي تقرير ثان أن العدد هو 15000، والثالث يصل بالعدد إلى 30 ألفاً". أي أن الفجوة في التقديرات تصل إلى خمسة أضعاف. ("العين السابعة": "لا انكشاف على الشمال"، 27 أيار 2024).

اعتماد معلومات المنظومة الرسمية "ضمن القيود المفروضة على استخدامها"!

عودة إلى دراسة معهد الكنيست، فإن السكان الذين تم إجلاؤهم يعرّفون على أنهم الذين عاشوا في البلدات التي شملتها خطط الإخلاء التي وضعتها الدولة (كما ذكرنا، التي تبعد حتى 3.5 كيلومتر عن الحدود مع لبنان) والتي تلقت تعليمات أو توصية بالإخلاء من الدولة وبتمويل منها، سواء إلى فندق أو بلدة أخرى. ولكن إلى جانب السكان الذين تم إجلاؤهم، كان هناك عدد كبير من الأشخاص الذين أخلوا بلداتهم وبيوتهم ذاتياً – أي الذين عاشوا في البلدات التي لم تأمر الدولة بإخلائها. وهؤلاء وفقاً للبيانات محرومون من الحق في تلقي ثمن التكاليف المرتبطة بهذا الإخلاء. أما تقدير الدراسة لعدد هؤلاء فهو "عشرات الآلاف الذين أخلوا بلداتهم بشكل مستقل في فترات زمنية مختلفة". ويلاحظ أن هذه الدراسة أيضاً تمتنع عن تقديم رقم دقيق ولا حتى تقريبي.

وهذا مع أن الدراسة تشير إلى أن مصادر المعلومات حول الموضوع هي المنظومة المعروفة باسم "ياحد"، والتي أنشأتها "الوكالة الرقمية الوطنية" بهدف "توفير استجابة حكومية للأشخاص الذين تم إجلاؤهم في (حرب) السيوف الحديدية في مجموعة متنوعة من المجالات المشتقة من حالة الإخلاء: الصحة والتعليم والرعاية الاجتماعية والضمان الاجتماعي والمزيد". وقد أضافت أن اعتماد معلومات هذا المصدر الرسمي جاء "ضمن القيود المفروضة على استخدامها". أما مصادر الوكالة نفسها فهي: النماذج عبر الإنترنت التي طُلب من الأشخاص الذين تم إجلاؤهم ملأها (طوعاً) حول موقع إقامتهم الحالي، تقارير الفنادق عن الأشخاص الذين تم إجلاؤهم، تقارير مؤسسة التأمين الوطني عن المستفيدين من منح الإسكان (هؤلاء هم الذين اختاروا عدم الإخلاء إلى فندق).

"من المحتمل أن البيانات لم تعد تعكس الوضع في الوقت الحالي"

وتواصل الدراسة التحفّظ والاستدراك بالقول: تجدر الإشارة إلى أنه على الرغم من أن المنظومة توفر بيانات بمختلف أنواعها، فإنها ليست جميعها كاملة ومحدّثة، خاصة في ما يتعلق بالأشخاص الذين تم إجلاؤهم إلى غير الفنادق واختاروا (بدايةً أو لاحقاً) أن يتم الإخلاء إلى بلدة أخرى من خلال الحصول على منحة إسكان. وعلى وجه الخصوص، تتابع الدراسة، لا تتوفر في المنظومة معلومات موثوقة ومحدّثة حول الأماكن التي يقيم فيها أولئك الذين يحصلون على منحة الإسكان؛ بعضهم يمكث لدى أقرباء، بعضهم استأجروا دوراً في المنطقة المرغوبة، وقد يكون البعض قد عادوا إلى مستوطناتهم الأصلية، على الأقل لفترات زمنية معينة. وبطبيعة الحال، قد يغير المستفيدون من المنح مواقع إقامتهم خلال هذه الفترة، وبالتالي فالمنظومة توفر بيانات تنقسم إلى قسمين: من تم إجلاؤهم إلى فنادق ومن تم إجلاؤهم إلى بلدات مختلفة، من دون مزيد من التفاصيل.

ولا تتوقف الإشكاليات المتعلّقة بعدم دقة المعطيات هنا، فتقول الدراسة إنه: في ما يتعلق بعنصر حداثة البيانات، نظراً لأن البيانات تعتمد إلى حد كبير على التقارير المستقلة المقدمة من الأشخاص الذين تم إجلاؤهم، فمن المحتمل أنها لم تعد تعكس الوضع في الوقت الحالي. وفي هذا الصدد، ربما يكون الشخص الذي تم إجلاؤه قد ملأ النموذج في اليوم التالي لإجلائه، ومنذ ذلك الحين انتقل إلى عدة مواقع. ومن هنا، فإن الوضع الذي تعكسه بيانات منظومة "ياحد"، على سبيل المثال في ما يتعلق بالوقت الراهن، لا يعكس بالضرورة السلطة المحلية التي يقيم في مجال صلاحيتها الشخص الذي تم إجلاؤه. ويزداد تعقيد البيانات عندما يتعلق الأمر بالأشخاص الذين تم إجلاؤهم بشكل مستقل، فليس لدى هؤلاء أي حافز للإبلاغ عن موقع تواجدهم إلى الدولة لأنهم لا يتلقون أي تعويض مالي منها.

لا تحتوي المنظومة على معلومات تفصيلية حول أماكن إقامة من تم إجلاؤهم

وفقاً لبيانات منظومة "ياحد" في 22 أيار 2024، هناك 60,372 شخصاً من الشمال تم إجلاؤهم في فنادق أو هم من مستحقي منحة الإسكان: 19,101 في فنادق؛ 41,271 مستفيداً من منحة الإسكان. وتجدر الإشارة إلى أن هذا الرقم يشمل أيضاً أولئك الذين يتواجدون في منازلهم (على الرغم من أنهم يعيشون في بلدة مدرجة في خطة الإخلاء وبالتالي يحق لهم الحصول على منحة إسكان). وتشير الدراسة إلى أنه: في النقطة الزمنية الأخيرة الواردة هنا، كان هناك بالمجمل 53000 من الأشخاص الذين تم إجلاؤهم. وهذه التقديرات لا تشمل أولئك الذين يتواجدون في بيوتهم.

بخصوص الفترات الزمنية المختلفة لانتقال من تم إجلاؤهم، فبين شهري كانون الأول 2023 وآذار 2024، كان هناك انخفاض مستمر في عدد الأشخاص المقيمين في الفنادق، لصالح الانتقال إلى بلدات أخرى؛ ومنذ شهر آذار فصاعداً، ظل عدد الأشخاص المقيمين في الفنادق مستقراً نسبياً. وفي حين أنه في كانون الأول 2023، أقام أكثر من نصف الأشخاص الذين تم إجلاؤهم في فنادق والباقون في بلدات، ففي أيار 2024، أقام حوالى ثلثي الأشخاص الذين تم إجلاؤهم في بلدات، وحوالى الثلث فقط في فنادق. وتنوّه الدراسة: كما ذكرنا، لا تحتوي المنظومة على معلومات تفصيلية حول أماكن إقامة الأشخاص الذين تم إجلاؤهم في أي وقت من الأوقات؛ ومع ذلك، فمن الممكن أن يشير ذلك، على الأقل في بعض الحالات، إلى اختيار أماكن إقامة تتيح السكن على المدى الطويل، وذلك بسبب عدم اليقين بشأن الوضع السائد في الشمال ومن ضمنه مسألة العودة إلى البلدات الأصلية.

مراقب الدولة الإسرائيلية كان حذّر قبل 4 سنوات من عدم الاستعداد لإجلاء محتمل

أمام هذا النقص في المعلومات ودقتها وتحديثها يقول معدو البحث: في إطار محاولتنا جلب أحدث البيانات حول الأشخاص الذين تم إجلاؤهم، قمنا أيضاً بالاتصال بمعظم السلطات المحلية في الشمال التي تشملها خطط الإخلاء بموجب قرار الحكومة رقم 975. ومن المعلومات المقدمة تبين لنا أن السلطات المحلية هناك لا تملك معلومات كاملة ومحدثة ودقيقة عن مواقع الأشخاص الذين تم إجلاؤهم منها. وكقاعدة عامة، فإن المعلومات التي تعتمد عليها السلطات تأتي أيضاً من المنظومة الحكومية المشتركة. ورغم أن هناك جهات في السلطات المحلية تجري اختبارات مختلفة من أجل جعل البيانات دقيقة قدر الإمكان، فحتى هذه أيضاً تظل في النهاية بيانات جزئية.

وفقاً لتقدير "مركز المعلومات والمعرفة لدعم الجبهة الداخلية في حالة الطوارئ الخاصة"، فإن عدد الأشخاص الذين تم إجلاؤهم ذاتيا يبلغ عدة عشرات الآلاف من السكان. يعيش بعض هؤلاء الأشخاص في بلدات لم يتم إخلاؤها بموجب قرار الحكومة، ولكن عملياً قرر جزء كبير من السكان الذين عاشوا هناك المغادرة بشكل مستقل (على سبيل المثال، عبدون، غيشر هزيف وكفار سالد). لا يحق لهؤلاء الحصول على منح الإسكان أو غيرها من المساعدات المقدمة للأشخاص الذين تم إجلاؤهم بموجب القرار 975.

وفي هذا السياق، تجدر الإشارة إلى أنه في متابعة الرقابة على "الاستعداد للدفاع عن المنزل ضد تهديد الصواريخ والقذائف" (الحماية المادية والإنذار وإجلاء السكان) الذي نشره مراقب الدولة الإسرائيلية العام 2020، جاء أنه "يجب على سلطة الطوارئ الوطنية أن تتحرك في أسرع وقت ممكن لصياغة مفهوم وطني لمعاملة السكان الذين سيتم إجلاؤهم من منازلهم بشكل مستقل، وترجمة هذا التوجه إلى خطة عمل. لأن عدم الاستعداد لعلاج أوضاع هؤلاء السكان معناه حدوث ضرر محتمل في توفير الخدمات، حتى الأساسية منها، للسكان الذين يتركون منازلهم وبلداتهم في أعقاب حرب أو حالات طوارئ أخرى".

بلدات في الشمال توجهت للمحكمة العليا لعدم شملها في قرار الحكومة

أخيراً تتوقف الدراسة عند احتجاج بلدات عدّة، وتقول: في هذا السياق تجدر الإشارة إلى أن ممثلين عن البلدات التي لم يشملها القرار 975 قدموا التماساً إلى المحكمة العليا منذ أشهر في هذا الشأن، مطالبين الدولة بتبرير الاعتبارات التي كانت وراء قرار عدم إخلاء البلدات الثماني المشمولة بقرار الحكومة، وتقع على مسافة 3.5-5 كم من الحدود: عبدون، أفيريم، ألكوش، علما، الريحانية، كرم بن زمرا، فسوطة، وحرفيش. ويقدم الالتماس ادعاءات بشأن عدم وجود نظام تعليم منتظم للطلاب في "بلدات خط المواجهة" في الشمال التي لم يتم إخلاؤها. فعلى الرغم من عدم إجلاء هذه البلدات، فإن الصفوف الدراسية فيها تتم خلال ساعات محدودة؛ هناك نقص في المساحات المحمية؛ الساعات الدراسية قليلة، بما في ذلك للطلاب الذين يدرسون للحصول على شهادة الثانوية العامة؛ ونقص في وسائل النقل المخصصة للطلاب.

وكجزء من رد الدولة على الالتماس، تم تقديم بيانات من قيادة الجبهة الداخلية حول وضع الحماية في هذه البلدات (وبلدات أخرى) ويبدو من هذه البيانات أن غالبية السكان في البلدات تقع ضمن نطاق على بعد 3.5-5 كم من الحدود مع لبنان يوجد نوع من الاستجابة للحماية، تقول الدراسة. ومع ذلك، فإن جزءاً كبيراً من الحماية المادية في هذه البلدات يعتمد على الملاجئ العامة، وفي هذا السياق السؤال هو ما إذا كانت الملاجئ العامة هي الحل المناسب. وترى الدراسة بلهجة تنتقد رد الدولة أن هذا السؤال له أهمية خاصة بالنسبة لكبار السن والأشخاص الذين يعانون من صعوبة في الحركة، كما ظهر ذلك في التقارير السابقة لمراقب الدولة.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات