المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

بيّنت نتائج استطلاع نشره في مطلع شهر حزيران الجاري المعهد الوطني لأبحاث الخدمات الصحية وسياسة الصحة، أن حوالى 60% من معالجي الصحة النفسية في الخدمة العامة يفكرون في ترك العمل هناك أو يتخبطون بشأن مواصلته، ويرجع ذلك أساساً إلى انخفاض الرواتب.

الاستطلاع الذي أجري عشيّة انعقاد "مؤتمر البحر الميت" حول جهاز الصحة النفسية العامة سعى لقياس مدى رضى المختصين النفسيين عن الجهاز العام، وتحديد العوامل التي تؤثر على قرارهم بالاستمرار في العمل فيه أو الانتقال إلى القطاع الخاص. وتشمل نتائج الاستطلاع مختلف أنواع التخصص، بمن في ذلك الأطباء النفسيون (للبالغين والأطفال والمراهقين)، والممرضون النفسيون، والمختصون النفسيون، والعاملون الاجتماعيون وغيرهم من المهنيين.

وفي النتائج المفصّلة: أجاب 27% من أفراد العينة أنهم يفكرون في ترك وظائفهم في القطاع العام، وأجاب 31% أنهم متخبطون في هذا السؤال. وبين الذين يفكرون في ترك عملهم كانت هناك نسبة عالية بشكل خاص من المتدربين في الطب النفسي للأطفال والشبيبة بلغت 63.6%، والمختصين النفسيين بنسبة 41.7%. وتبين كذلك أن نسبة الراغبين في ترك العمل مرتفعة بين الأطباء النفسيين والمختصين في الطب النفسي للأطفال والشبيبة، والمختصين في الطب النفسي للبالغين (38.2% و33.3% على التوالي). وأجاب 28.4% من الخبراء والخبيرات في الطب النفسي للبالغين، و23.2% من العاملين الاجتماعيين، و16.6% من الممرضين النفسيين أنهم يفكرون في ترك العمل في جهاز الخدمة العامة.

وينوّه الباحثون إلى أنه حتى قبل 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023 واندلاع الحرب، كان جهاز الصحة النفسية العام في إسرائيل يعاني من نقص كبير في المهنيين، وخصوصاً فيما يتعلق بالأطباء النفسيين والمختصين النفسيين. علماً بأنه خلال الحرب، ازدادت الحاجة وطلبات تلقي العلاجات النفسية، وبالتالي كبُر العبء على المعالجين.

دمج بين عدة وظائف لأنه "من المستحيل العيش على الراتب"!

 حين سُئل المشاركون الذين يفكرون في ترك الجهاز العام عن السبب الرئيس في ذلك، كانت الإجابات بين الأطباء النفسيين للبالغين والأطباء النفسيين للشبيبة والأطفال، أن السبب الرئيس هو عدم الرضى عن مستوى الرواتب. فحوالى 80% من الأطباء النفسيين للبالغين و57% من الأطباء النفسيين للأطفال يفكرون في ترك عملهم بسبب فجوة الأجور بين القطاعين العام والخاص.

ووصف المشاركون في الاستطلاع عملهم بأنه "يؤدي للتآكل النفسي المهني" وبأنه "غير مجزٍ ومحبط"، واحتجوا على "استغلال الموظفين في الجهاز العام بحيث أنهم يعملون أكبر عدد ممكن من الساعات، لغرض التوفير في تشغيل موظفين إضافيين"، وعلى "العبء الذي لا يُطاق ولا يترك مجالاً للتنفس" و"الشعور بأننا نعمل طيلة الوقت" على "إطفاء الحرائق" بدلاً من "القيام بعمل جدّي ومتعمق".

وأشار المشاركون أيضاً إلى أن الراتب المنخفض يلزمهم بالدمج في العمل بين عدة وظائف لأنه "من المستحيل العيش على الراتب"، وأن "هناك نقصاً في الميزانية المخصصة لتطوير تدريب طواقم المعالجين"، وأن هناك "اعتماداً كبيراً على المتدربين" وأن "بيئة العمل المادية في كثير من الأحيان لا تحترم المرضى وطاقم الموظفين". ووفقاً للباحثين، فقد ظهر من الإجابات الإحباط من الفجوة بين الرغبة في القيام بعمل جيد وبين الظروف التي تصعّب ذلك: "نحن في أسفل سلّم الأولويات بشكل عام وفي الطب بشكل خاص"؛ "تجد إدارات صناديق التأمين الصحي صعوبة في فهم الحاجة إلى الاستثمار في التدريب المهني وفي رواتب المعالجين ومقدمي الرعاية"، "أنا حقاً أحب العمل ولكني أشعر أنني لا أستطيع إعطاء المرضى الاهتمام الكامل ولا الاستجابة الكاملة لاحتياجاتهم بسبب نقص الموظفين"؛ "الشعور أنه على الرغم من أنك تحاول جاهداً، فأنت غير قادر على تقديم رد مناسب بما فيه الكفاية".

أما عن أسباب البقاء في الجهاز العام، فقد ذكر المشاركون في الاستطلاع الشعور بأنهم يؤدون رسالة (58%)، والرضى عن مساعدة السكان المحرومين (58%)، والاستقرار الوظيفي والحقوق الاجتماعية (48%). ووفقاً للباحثين، يُظهر تحليل البيانات أن الشعور بتأدية رسالة هو أحد الاعتبارات الأساسية لجميع المشاركين، حتى لدى الذين يفكرون في ترك العمل في الجهاز.

تفاقم الوضع بين الأزمة المتأصلة وبين الأزمة الناجمة عن الحرب

منتدى المنظمات من أجل علم النفس العام (الجماهيري) يقول: "منذ بداية خطة إصلاح الصحة النفسية العام 2015، رأينا أن أول إجراء تم اتخاذه كان إغلاق العيادات قبل إتاحة البدائل، وتجاهل علاج المشكلة الأساسية وهي بالطبع مشكلة الأجور وظروف العمل غير اللائقة والمهينة، وهو مما يدفع الموظفين إلى ترك العمل. ومنذ ذلك الحين شهدنا وللأسف ضربات كثيرة، منها كورونا وكارثة ميرون وحارس الأسوار وبالطبع كارثة أكتوبر وحرب السيوف الحديدية. ولسوء الحظ، بدلاً من تحديث رواتب الأطباء النفسيين والأنظمة التي تلبي احتياجات السكان، كما نصّت خطة إصلاح الصحة النفسية، والحفاظ على الأطباء النفسيين، يتم البحث عن حلول سطحية".

ويربط المنتدى بين الأزمة المتأصلة وبين الأزمة الناجمة عن الحرب بالقول: "في هذه الأيام، أصبحت أيام الحرب صعبة بشكل لا يطاق وتجلب معها مصاعب نفسية كبيرة، خصوصاً لأطفالنا. نحن نلاحظ وجود اتجاه لدى المختصين النفسيين لترك الصحة النفسية والمستشفيات والمؤسسات التعليمية لنفس الأسباب. وعلى الرغم من الطلبات المتكررة التي تقدمنا بها، فإننا لا نرى وزير التربية والتعليم يوآف كيش يدلي برأيه في الأمر أو يشير إليه، وهو بهذا يتخلى عمليا عن صحة أطفالنا، ونتيجة لذلك، نواجه طوابير انتظار طويلة لا تطاق للعلاج النفسي، وتفاقم الضائقة، والمساس ببيئة الضحايا وأدائهم".

في أواسط أيار الأخير بحثت لجنة الصحة البرلمانية موضوع المفاوضات بشأن توقيع اتفاق أجور للمختصين النفسيين التي ما زالت مستمرة بين وزارة المالية، وممثلي العمال ومنظمة الهستدروت ووزارتي الصحة والتعليم، لكن من دون وضع هدف محدد لإنهائها. وقالت اللجنة في بيان ملخص جلستها إنها تطالب مسؤول الأجور في وزارة المالية وجميع الأطراف الشريكة بإتمام اتفاق الأجور للمختصين النفسيين بشكل فوري، وبتلقي تقرير كل أسبوعين من المسؤول عن الأجور حول التقدم المحرز بشأن اتفاق الأجور. كذلك طلبت اللجنة من وزارة الصحة الحصول على معطيات حول عدد المختصين النفسيين الذين التحقوا بمؤسسات القطاع العام.

أجر ساعة عمل القطاع الخاص عشرة أضعافها في الجهاز العام

ممثلة المسؤول عن الأجور في المالية، اعترفت "بضرورة التوصل إلى اتفاق أجور مناسب"، وادعت أنه "تجري حاليا مفاوضات مع ممثلي العمال والهستدروت، والتي تخص أيضا المختصين النفسيين التربويين، وأن الاتفاق قيد التفاوض لا يتضمن الأجور فحسب، بل يشمل أيضاً الشروط والملاكات والأمر يأخذ وقتا وسيتم توقيع الاتفاق العام المقبل". في المقابل، عرضت مختصة نفسية إكلينيكية تعمل في القطاع العام، قسيمة أجر لزميلة لها لديها أقدمية تراكمية تصل إلى 12 عاما في مكان العمل ويظهر فيها أنها تكسب 32 شيكلا للساعة فقط في حين يحصل من هم في وظيفتها وأقدميتها في القطاع الخاص على عشرة أضعاف هذا المبلغ.  

وعبّر ممثل منتدى المنظمات من أجل علم النفس العام عن غضبه إزاء طابع التفاوض مع وزارة الصحة، مؤكدا عدم وجود نقص في الأطباء النفسيين في إسرائيل وأن شروط التوظيف الجيدة ستعيد الكثير منهم إلى القطاع العام، بينما شددت نائبة مدير جناح علم النفس في وزارة التربية والتعليم، على وجود نقص في الأخصائيين النفسيين التربويين بما نسبته 30%. وادعت أن "الوزارة تقدّم ردود الرعاية والعلاج لمن تم إخلاؤهم من بيوتهم والعائلات الثكلى والأطفال في حالة القلق والتوتر ولكن اتفاق أجور بشأن الأخصائيين النفسيين التربويين هو أمر ضروري".

وينعكس القلق والتوتر الذي تحدثت عنه ممثلة وزارة التربية والتعليم في معطيات شديدة الخطورة كُشف عنها أواخر الشهر الماضي عن ازدياد استهلاك الكحول بين أبناء الشبيبة بنسبة 50% عن السنة الماضية في ظل الحرب. وجاء ذلك خلال جلسة للجنة الخاصة لمكافحة السموم والكحول في الكنيست حول تعامل سلطات الدولة مع ارتفاع ظواهر الإدمان في أوساط أبناء الشبيبة في ضوء الحرب. ونقل رئيس اللجنة عن أحد سكان "غلاف غزة" أنه منذ بداية الحرب بات الكثير من السكان يتعاطون المخدرات وأن حدث السابع من أكتوبر هو حدث متواصل بالنسبة للناجين أيضا.  وعملية إعادة تأهيلهم النفسي هي الجزء الأصعب.

ضائقة نفسية تحت الحرب: ارتفاع استهلاك الشبيبة للكحول

ووفقا لاستطلاع أجراه باحثون من جامعة بار إيلان حول تأثير الحرب ضد غزة على الحالة النفسية لأبناء الشبيبة، فإن 53% من الطلاب قالوا إن لديهم أعراضاً نفسية- جسدية مقابل 46% خلال استبيان السنة الماضية، وأن لدى 45% من بينهم أعراضاً نفسية، فيما يعاني 30% منهم من أعراض جسدية على الأقل مرة في اليوم خلال الأشهر الأربعة الماضية. وأظهر الاستبيان أن أكثر من نصف أبناء الشبيبة الذي شكوا من ضائقة نفسية لم يتوجهوا للحصول على مساعدة نفسية. واعتبرت مديرة جناح برامج المساعدة والوقاية في وزارة التربية والتعليم في اجتماع اللجنة المذكورة أنه: "ما زلنا في بداية الطريق... يجب أن نذكر أن أحداث السابع من تشرين الأول/ أكتوبر قد وقعت بعد سنوات تفشي جائحة كورونا".

وبحسب أقوالها فإن الطفل الذي يتعرض إلى مضامين صعبة في الشبكات الإعلامية يكون عرضة للمخاطر أكثر بنحو 6.5 مرة للمشاركة في التنمر عبر الشبكات الاجتماعية؛ وعرضة أكثر بـ 4.7 مرات لتناول المشروبات الكحولية بشكل مبالغ فيه نتيجة للحرب التي تعرض بشكل حي ومباشر في الشبكات الاجتماعية.

المركز الإسرائيلي للإدمان عرض نتائج استطلاع أجري بالتعاون مع جامعة رايخمان (هرتسليا) وشمل 2700 مشارك تتراوح أعمارهم بين 9-17 عاما من منطقتي المركز والجنوب. وبحسب النتائج فإن 98% من أبناء الشبيبة قد انكشفوا على الأحداث بمستوى كبير أو متوسط، الأمر الذي أثّر على أحوالهم وعلى ظهور أعراض للاكتئاب والخوف في صفوفهم. وبحسب النتائج فإن 28% منهم قد قاموا بتناول المشروبات الكحولية، فيما قام 28% من بينهم بمشاهدة أفلام إباحية، بينما قام 15% من بينهم بالمشاركة في ألعاب المراهنات، وقام 9% منهم بتدخين القنب. ويقول المعهد إن هذا هو اتجاه متزايد ومتواصل مقارنة بالسنوات الماضية ما يؤشر إلى وجود ارتفاع بنسبة 50% مقارنة بالسنة الماضية.

ممثل جمعية "عيلم" قال في الجلسة ذاتها إن 30% من أبناء الشبيبة الذين تم إخلاؤهم من بيوتهم يستهلكون الكحول. وهذا ارتفاع بنسبة 10% وأكثر عن شهر كانون الأول الماضي. وهناك ارتفاع في استخدام القنب ومشاركة أبناء الشبيبة في الحفلات التي تجري بين أحضان الطبيعة (عادة حفلات لاستخدام المخدرات).

في ظلّ هذا الوضع المعقد، والاتهام المباشر لوزارة التربية والتعليم بالتقصير في مواجهته، وجدت الوزارة متسعاً من الوقت لاقتراح قانون يقضي بإحياء يوم للصحة النفسية.  ففي اليوم الأول من بدء أعمال الدورة الصيفية للكنيست عقدت لجنة التربية والثقافة والرياضة جلسة حول اقتراح القانون الذي يقضي بإحياء "يوم سنوي للصحة النفسية في إسرائيل في العاشر من تشرين الأول وذلك ضمن كل من: جهاز التربية والتعليم، الكنيست، الجيش الإسرائيلي، الشرطة، السلطات المحلية، مؤسسات الصحة والرفاه وغيرها". ودائماً هناك سلطات تنزع للتغطية على القصور بالمراسم، وخصوصاً تلك التي تحمل التسميات القومية والوطنية وما شابه...!

المصطلحات المستخدمة:

يوآف كيش, الهستدروت, الكنيست, هرتسليا

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات