تقارير خاصة

تقارير عن قضايا راهنة ومستجدة في إسرائيل.

كشف الاجتياح العسكري الإسرائيلي لمنطقة بيت حانون في الأسبوع الماضي عن خلل كبير في أداء القيادتين السياسية والعسكرية في إسرائيل وذلك في موضوع يأتي في صلب المواجهة الدامية والمستمرة بين الانتفاضة الفلسطينية وقوات الاحتلال الإسرائيلي. وقد حفلت وسائل الإعلام الإسرائيلية بالتحليلات المتضاربة حول ما جرى في الساعات الأربع والعشرين التي امتدت ما بين بدء الاجتياح وانسحاب القوات الإسرائيلية فيما كان واضحا أن الغلبة في الجدل كان لصالح المؤسسة العسكرية التي تلقت أوامر محددة من رئيس الوزراء أريئيل شارون ومن وزير دفاعه بنيامين بن أليعازر بالتوغل في الأراضي الفلسطينية والاستعداد للبقاء هناك لفترة تمتد إلى أيام أو أسابيع وحتى شهورا،

كما جاء في تصريحات العميد يائير نافيه قائد القوات التي اجتاحت بيت حانون. ولكن نافيه، الذي تلقى تعليمات صريحة من رئيس الأركان شاؤول موفاز ومن الوزير بن أليعازر بالتوجه إلى الصحفيين وشرح الخطة العسكرية الإسرائيلية استفاق في صبيحة اليوم التالي ليجد نفسه مشجبا علقت عليه القيادة السياسية فشلها في إدارة التوغل العسكري في بيت حانون من جهة، ومن جهة أخرى لتبرير الفشل في تنسيق المواقف مع الإدارة الأمريكية التي سارعت إلى إدانة الاجتياح الإسرائيلي ومارست ضغوطا كبيرة على شارون لسحب قواته من غزة. في تصريحات نقلتها صحيفة هآرتس (19/4) قال ضباط مقربون من نافيه أن طائرة شارون هبطت قرب حاجز ايرز في طريقه إلى مكان سقوط القذائف في سدروت. وأضاف هؤلاء أن شارون جمع في مكاتب الإدارة المدنية كبار الضباط للتشاور وأن نافيه شخصيا أثار احتمال أن يضطر الجيش للانسحاب في نفس الليلة ولكن الوزير بن أليعازر ورئيس الأركان موفاز طمأناه وقالا: "إن العملية ستستمر. هناك ضغط سياسي كبير، ولكننا سنصمد".

وليس غريبا أن يبدي عدد من أعضاء المجلس الوزاري المصغر امتعاضهم من الطريقة التي تصرف بها شارون حين اتخذ قرارا بحجم اجتياح مناطق تحت السيادة الفلسطينية المطلقة دون الرجوع إلى المجلس الوزاري المصغر الذي يعنى بقضايا أمنية وسياسية من الدرجة الأولى. وقد يكون أبرز أسباب هذا الامتعاض هو خشية بعض هؤلاء الوزراء من لجوء شارون إلى ذات الحيلة التي استخدمها عام 1982 حين كان وزيرا للدفاع في حكومة مناحيم بيغن. عندها، عمد شارون إلى خداع مجلس الوزراء وكان يستبق غالبية اجتماعات المجلس الوزاري بخطوات عسكرية على الأرض خلال الغزو الإسرائيلي للبنان بدل الانتظار إلى أن يقر المجلس الوزراء خطواته تلك. فوزير المواصلات افرايم سنيه (العمل) الذي شغل في السابق مناصب عسكرية عليا ومن ثم كان نائبا لوزير الدفاع في حكومة ايهود باراك السابقة قال: "ما هكذا تورد الإبل. أنه من الخطورة بمكان ألا يتم عقد جلسة للمجلس الوزاري المصغر لإقرار حملة عسكرية فوق العادة (كتلك التي تمت في بيت حانون). إن هذه الخطوات لا تعبر عن ثقافة التعاون على الإطلاق." وغداة التوغل الإسرائيلي في بيت حانون انتقد افرايم سنيه شارون بقسوة خلال اجتماع المجلس الوزاري. وبعد ذلك قال عن شارون أمورا في غاية القسوة لم يسمع مثلها شارون منذ فوزه في الانتخابات. قال سنيه: "لم يتشاور شارون مع طاقم المطبخ المصغر المقرب منه وهذا يعني أن القرارات تتخذ عبر الهاتف. ولكن في المكالمات الهاتفية لا يتحدثون عن حجم القوات ولا عن أي عمق ستتوغل فيه هذه القوات ولا عن الفترة الزمنية التي ستقضيها هناك. كما أنهم لا يعرضون خرائط العملية العسكرية عبر الهاتف. لقد عايشنا في الماضي وضعا اعتاد فيه شارون على عدم عرض الخرائط المطلوبة (في إشارة إلى دور شارون في الغزو الإسرائيلي للبنان عام 1982) .... وإذا ما كان سيتعين على شارون المثول أمام المحكمة الدولية في لاهاي فليتوجه إلى هناك لوحده وبدوني." (يديعوت أحرونوت 20/4) في لقائهما الأخير قبل أكثر من أسبوعين قال الرئيس ياسر عرفات لضيفه يوسي بيلين الوزير السابق في حكومة ايهود باراك: "سمعت في وسائل إعلامكم أن شارون على استعداد للتنازل عن 42 بالمائة من مساحة الضفة الغربية. ولكن في اللحظة الراهنة نحن نسيطر على 43 بالمائة فهل يعني ذلك أن علينا إعادة واحد بالمائة لإسرائيل مقابل اتفاق دائم؟" لقد جاءت ملاحظة الرئيس عرفات في محلها تماما إذ كشفت حقيقة ما يذهب إليه رئيس الوزراء الإسرائيلي أريئيل شارون حين يتحدث عن تسوية مرحلية ولكن بعيدة المدى مع الشعب الفلسطيني.

وشارون الذي لم تكن التسوية السياسية على جدول أعماله كان يبحث عن وسيلة يمارس من خلالها الضغط على السلطة الوطنية فيجبرها على القبول بالحل المطروح ضمن مواصفاته. ويبدو أن تعهداته للناخب الإسرائيلي باستعادة الأمن الفردي للإسرائيليين أفقدته صوابه وخاصة بعد تعرض بلدة سدروت التي تبعد كيلومترات قليلة عن مزرعته الشخصية لقذائف الهاون الفلسطينية فقام بمغامرته العسكرية في بيت حانون وسط دلائل أشارت إلى انه فقد ثقة الجيش والشارع والوزراء بعد أن أرسل قواته للبقاء "أياما وربما أسابيع او أشهر" فاضطر بعد أربع وعشرين ساعة للانسحاب تحت وطأة الضغط الامريكي والصمود الفلسطيني الذي لم ينل منه اجتياح بيت حانون.

في مقالته الأسبوعية بصحيفة معاريف يوم الجمعة (20/4) كتب المراسل السياسي بن كسبيت يقول: "كلما كبرت الخطوات العسكرية ضد الفلسطينيين، كلما خرج منها شارون أصغر من ذي قبل." ويضيف: "شارون لا يريد تصفية عرفات وإنما استنزافه. والمشكلة هي أن عرفات، على الأقل لغاية اليوم، لا يمكن استنزافه بتلك السهولة. إن قدرة الصمود لدى المجتمع الفلسطيني أكبر بكثير مما تم تقديره في البداية. ولذلك ليس واضحا من سيتم استنزافه أولا."

وتشير تقديرات الجهات الأمنية العليا في إسرائيل إلى ان الظروف غير ناضجة اليوم للتوصل إلى اتفاق مع السلطة الفلسطينية وأن أقصى ما يمكن التوصل إليه، كما قيل لوزير الدفاع بنيامين بن أليعازر خلال مشاورات أجراها في الآونة الأخيرة، هو "اتفاق لوقف معين للعنف واستئناف التعاون الأمني والعودة إلى طاولة المفاوضات على أساس تنفيذ الاتفاقات الموقعة." (معاريف 20/4) ويعترف رئيس الأركان موفاز في تصريحات تناقلتها وسائل الإعلام الإسرائيلية بأن الوضع "معقد وصعب وسيستمر على هذا المنوال لعدة أشهر إن لم نقل أكثر وسيشهد تصعيدا أكثر. فهم (الفلسطينيون) يرون في الإرهاب حرب استقلالهم أما بالنسبة لنا فهذه حرب وجود. والأرضية المشتركة بيننا التي يمكن أن نبني عليها سوية باتت ضيقة جدا."

ويورد ناحوم بارنيع في يديعوت احرونوت (20/4) أن بن أليعازر يائس لأنه على قناعة بأن "مع الجيل الحاضر من القادة لا مجال للتوصل إلى اتفاق. عرفات يحيا على الصراع. وهذا ما يعنيه وإذا ما تحقق إنجاز ما فإنه سيأتي من الجيل القادم من أمثال جبريل الرجوب، أمين الهندي وحتى محمد دحلان." ويضيف بارنيع بأن بن أليعازر قال الحقيقة حول التوغل في بيت حانون حين أشار إلى أنه "كان لتحقيق أغراض سياسية وليس لتحقيق إنجاز عسكري." وينقل عن بن أليعازر قوله: " ماذا تريدون مني أن أقول لرئيس مجلس محلي سدروت بعد أن سقطت قذائف الهاون على بلدته؟ وماذا يمكن أن أقول لمواطني البلدة. من الصعب على أي حكومة أن تقف مكتوفة الأيدي فيما تتساقط القذائف على البلدة. لقد عايشت حكومات إسرائيل المتعاقبة مثل هذا الوضع طيلة خمسة وعشرين عاما تساقطت خلالها القذائف على بلدة كريات شمونة." ويروي بارنيع أن السبب الحقيقي الذي دفع شارون للانسحاب خلال وقت قصير من بيت حانون كان كابوس لبنان وليس الضغط الامريكي ويقول بهذا الصدد: "عندما تطور الوضع إلى حالة مزرية ادعى مسؤولون كبار في وزارة الخارجية الأمريكية أن الضغط الأمريكي هو الذي أخرج الجيش الإسرائيلي من غزة. إن هذا الإدعاء، كما عدد آخر من الادعاءات التي سمعت في الفترة الأخيرة، عبر عن رغبة في نفوس هؤلاء المسؤولين أكثر مما عكس واقع الحال على الأرض. إن ما واجه شارون في ذلك اليوم لم يكن الضغط الأمريكي بل الكوابيس التي عاشها منذ الغزو الإسرائيلي للبنان عام 1982."

ويتفق كثيرون في إسرائيل على أن أجواء حرب موسعة جديدة في المنطقة هي التي تخيم فوق المنطقة أكثر من أي شيء آخر وهو السبب الذي دفع الادارة الأمريكية لإصدار بيانها الذي أدانت فيه الاجتياح الإسرائيلي لمنطقة بيت حانون. وخير من عبر عن الصورة القاتمة التي تمر فيها المنطقة كان الكاتب السياسي رون ميبرغ الذي كتب في معاريف (20/4) يقول أنه "بوجود بنيامين بن أليعازر المعروف بعدم دقته في العمل على يمين شارون وشمعون بيرس المزركش بصوف النعاج على يساره تبدو إسرائيل، وليس فقط بسبب الوضع الخطر ذاته، أقرب إلى نشوب حرب في المنطقة من ذي قبل..... فالوضع الراهن لم يعد يحتاج إلى عود الثقاب ليلقيه أحدهم بكل إهمال إلى قلب الغابة لإشعالها لأن الغابة أصلا ملتهبة."

نقل أحد الوزراء وهو عضو في المجلس الوزاري المصغر (يديعوت احرونوت 20/4) أن خلافا برز بين أضلاع مثلث شارون وبن أليعازر وشاؤول موفاز. فرئيس الأركان، متأثرا بالوضع على الأرض، طلب تمديد فترة العملية العسكرية في بيت حانون إلى ما بعد الليلة الثانية. وقام بن أليعازر (فؤاد) بنقل الطلب إلى شارون الذي رفضه بالمطلق وقال علينا الانسحاب اليوم. وعندها طلب رئيس الأركان إعطاءه الليلة على الأقل بقوله أنه مع حلول الليل يكون الجيش قد نفذ عدة مهام أخرى كما أن الانسحاب تحت جنح الظلام يكون أكثر سلامة للقوات، فوافق شارون.

ولم ينس هذا المثلث إحاطة وزير الخارجية شمعون بيرس علما بالأمر إذ، كما يقول بارنيع في يديعوت احرونوت، اتصل به فؤاد هاتفيا وأعلمه بالخطة وتلقى مباركته. ورسميا فان هذا الإجراء يكفي. ويروي بارنيع أن بيرس "يعول على اتصالاته السرية مع مسؤولين في السلطة الوطنية الفلسطينية وأنه يحاول، وبموافقة صامتة من شارون، إحياء المفاوضات السياسية وهو على قناعة بأن تزايد نسبة التوتر في المنطقة يساعد كلا من شارون وعرفات والعالم على أن يدركوا جميعا بأن لا مفر من استئناف المفاوضات."

وفي مكان آخر من مقاله الأسبوعي يقر بارنيع أن إطلاق النار على موكب سيارات المسؤولين الأمنيين الفلسطينيين قبل أسبوعين قرب حاجز إيريز لم يكن له ما يبرره. وينقل عن ضباط في المنطقة تأكيدهم أن الفلسطينيين لم يكونوا البادئين بإطلاق النار وأن من الممكن أن يكون الجنود الإسرائيليون قد سمعوا إطلاق نار من مكان آخر. ويضيف: "....خلاصة الأمر أنه من الآن فصاعدا سيضطر ضابط كبير لمرافقة كل موكب لسيارات المسؤولين الفلسطينيين لدى مرور هذا الموكب بالقرب من نقاط الحدود . ولكن حسب ما يتضح من الوضع الحالي فان عدد المواكب التي ستمر لن يكون كبيرا."

وعلى الرغم من أن الصحف العبرية امتلأت بالتقارير المتعددة حول ما جرى خلال الاجتياح الإسرائيلي لمنطقة بيت حانون إلا أن بين الروايات المتناقضة برز عنصر طالما تحدثت عنه مصادر فلسطينية رفيعة بقولها أن رئيس الأركان يقود سياسة خاصة به تتجه نحو مزيد من التصعيد. فالصحفية سيما كدمون كتبت في يديعوت أحرونوت (20/4) نقلا عن رواية ديوان رئيس الوزراء والوزراء أنفسهم بأن هناك احتمالين: "الأول إما أن أيكون شارون وبن أليعازر وموفاز قد قرروا عدم الانسحاب من غزة ثم انسحبوا أو أن رئيس الأركان موفاز لم يعرف بتفاصيل قرار القيادة السياسية ولذلك لم ينقل تفاصيلها إلى من هم دونه في الهرم القيادي العسكري أو أن موفاز يقود سياسة مستقلة وهذا ما يدعيه عرفات وما ينسجم مع الأصوات الصادرة في واشنطن حيث يقال هناك أن القيادة السياسية لا تحسن السيطرة على القيادة العسكرية."

صبيحة يوم الاربعاء شرح موظف كبير في وزارة الخارجية الأمريكية لنظيره الإسرائيلي أن على إسرائيل عدم احتلال أي مساحة من المنطقة "أ"( المحلل العسكري اليكس فيشمان في يديعوت أحرونوت (20/4). وكانت هذه المرة الأولى التي حددت فيه إدارة بوش خطا أحمرا لإسرائيل ولسان حال الموظف الأمريكي يقول للنظيره الإسرائيلي بان "أيام كلينتون قد ولت بعد أن كنتم قادرين على القيام بكل ما كان يحلو لكم. إن كل خطوة عسكرية مستقبلية لكم لا بد وأن تتوقف عن المرحلة التي تقفون فيها على باب احتلال مساحة من أراضي السلطة الفلسطينية". ويقول فيشمان أن إحدى الرافعات الرئيسة لإسرائيل في صراعها مع الفلسطينيين هو احتلال مناطق "أ" ويقر بأن هذه الرافعة "قد تم تدميرها بيد السلاح الاستراتيجي الهام بالنسبة لنا جميعا وهو العلاقات والتنسيق مع الولايات المتحدة."

كانت الخطة العسكرية الإسرائيلية تقضي بالتوغل في منطقة "أ" مع خلق جو من البلبلة في الطرف الفلسطيني حول الفترة التي سيبقى فيها الجيش الإسرائيلي. وبالمقابل كان يتعين على الجيش القيام بعمليات اقتحام مشابهة أخرى في مناطق "مثيرة للمشاكل" لكي يتبلور لدى الفلسطينيين انطباع بأن المخفي أعظم. ويستدل من تصريح الناطق العسكري الإسرائيلي أن القوات الإسرائيلية التي دخلت بين حانون كانت تخطط لتبقى وليس لتنسحب بعد مرور أربع وعشرين ساعة. تحدث بيان الناطق العسكري عن التمركز في مواقع في المنطقة "أ" وحسب فيشمان فإن مجرد استخدام تعبير مواقع في بيان الناطق العسكري "يدل على أن الخطة لم تتحدث فقط عن دخول مناطق السلطة الفلسطينية والخروج منها كما حدث في خانيونس أو رفح بل عن إقامة القوات وعسكرتها في الموقع. وفي يوم الثلاثاء ليلا أي بعد مرور أقل من يوم على بدء الاجتياح كان يفترض ان تتبلور الخطة وكان على الجيش أن يحتل مواقع أخرى من داخل منطقة السلطة الفلسطينية."

كما أن ضباط الفرقة 51 في لواء غولاني الذين دخلوا إلى بيت حانون يوم الاثنين ليلا عرفوا مسبقا أن عمليتهم لن تكون بضربة واحدة وانتهى. فهدفهم، بالإضافة إلى حلق مساحات من الأراضي من المباني والأشجار كان التواجد في المنطقة حتى يمنعوا بشكل فعلي كل إمكانية لإطلاق قذائف الهاون مجددا باتجاه سدروت. وهو الأمر الذي وصفته محافل عسكرية إسرائيلية بالسعي وراء تشكيل ما سمي بحزام أمني جديد شمالي قطاع غزة يبعد بلدة سدروت عن مدى الهاون الفلسطينية خاصة بعد أن اتضح أن للفلسطينيين القدرة على تطوير أداء الراجمات من مدى الألف ومائتي متر إلى مدى يصل إلى حوالي أربعة كيلومترات بقذائف يبلغ قطرها 82 ملم كتلك التي سقطت فوق بلدة سدروت.

تسلسل الأحداث بعد إطلاق مدافع الهاون باتجاه سدروت

الاثنين:

الساعة

الحدث

18.00

إطلاق مدافع هاون على بلدة سدروت ، حركة حماس تعلن مسؤوليتها عن العملية.

في ساعة متأخرة

وزير الدفاع بن أليعازر يتشاور مع قيادة الجيش ومن ثم يتفق مع شارون على تنفيذ العملية ، وفي ساعة متأخرة يطلع بن أليعازر بيرس على خطة العملية.

22.30

الجيش الإسرائيلي يهاجم بالصواريخ والطائرات العمودية والسفن البحرية مواقع لقوات الأمن الوطني الفلسطيني في قطاع غزة.

الثلاثاء:

الساعة

الحدث

الواحدة صباحا

قوة إسرائيلية معززة بالدبابات والمجنزرات والجرافات تجتاح منطقة بيت حانون الواقعة تحت السيادة الفلسطينية الكاملة.

8.30

دبابات إسرائيلية تطلق قذائف على مواقع فلسطينية في بيت حانون.

10.00

داني أيلون المستشار السياسي لرئيس الحكومة يتحدث مع بول سيمونز ، مسؤول السفارة الأمريكية، ويقول له أن القوات سوف تنسحب في نفس اليوم .

11.00

رئيس الحكومة يقول لوزير الدفاع ( وفي محادثة أخرى لوزير المالية أيضا) عن نيته إنهاء العملية بسرعة. المعلومات تصل لاحقا لرئيس الأركان.

14.00

بن أليعازر يجري مشاورات مع رئيس الأركان ومع العميد يائير نافيه قائد القوات في القطاع بالقرب من حاجز ايرز. ضباط كبار في الجيش أصروا أنه لم يتم إطلاع العميد نافية على نية الانسحاب الليلة من منطقة بيت حانون.

16.00

وزارة الخارجية الأمريكية تتلقى تقريرا أن القوات على وشك الانسحاب.

17.00

العميد نافيه يقول في مؤتمر صحفي:" سوف نبقى بقدر ما يلزم: أياما، أسابيع وربما اشهرا.

18.00

سيمونز، مسؤول السفارة الأمريكية، يسأل لماذا لم تنسحب القوات بعد. والسفير عيبري يقول للبيت الأبيض أن العملية مؤقتة فقط.

18.30

تصل توجيهات للقوات في بيت حانون انه عليها الانسحاب من مواقعها حتى الساعة الخامسة من صبيحة اليوم التالي.

19.15

السفير عيبري يطلع وزير الخارجية الأمريكي ومستشارة الأمن القومي عن نية الانسحاب، ويطلب تخفيف لهجة الرد الأمريكي المرتقب.

20.30

يصل أمر يقضي بالانسحاب الفوري للمنطقة.

21.00

المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية يصدر بيانا باسم الوزير كولين باول .يقول فيه إن رد الفعل الإسرائيلي على قصف بلدة سدروت "مبالغ به ومفرط.

22.00

انسحاب آخر قوة من المنطقة المحتلة في بيت حانون.

وجهة نظر إسرائيلية:

الموقف الأمريكي من اجتياح بيت حانون:

ألمنطقة "أ" يجب أن تبقى خارج المجال البري لإسرائيل!

عكيفا إلدار/ محلل سياسي/ هآرتس (19/4):

عندما أوفد كولين باول، وزير الخارجية الأمريكي، المتحدث باسم وزارته ريتشارد باوتشر ليعظ إسرائيل بشان استخدام القوة المفرط، كان يعلم أن إخلاء قوات الجيش الإسرائيلي من غزة (من بيت حانون) ما هو إلا مسألة ساعات، وليس أياما .. وقد أكد موظفو وزارة الخارجية الإسرائيلية الذين لا يمكن اتهامهم بأنهم يكنون ودا زائدا لارئيل شارون، رواية مكتب رئيس الوزراء. ربما كان شارون قد نسي إبلاغ رئيس الأركان شاؤول موفاز بقرار سحب قوات الجيش من القطاع لكنه تذكر التهدئة من روع الأمريكيين بأنه لا ينوي البقاء هناك. ومع ذلك فان شارون لا يزال في نظر كبار الموظفين في واشنطن "ثورا هائجا" يجب الحذر منه.

ويلازم رئيس الوزراء، منذ تسلمه لمهام منصبه، تقرير سري وصل بعد أيام معدودة من الانتخابات بعث به دافيد عيبري السفير الإسرائيلي في واشنطن. فقد كتب عيبري أن وزير الخارجية الأمريكي الجديد كولين باول اغتنم اللقاء الأول بينهما لينصح بوجوب امتناع إسرائيل عن القيام بأعمال "استفزازية". لقد قرأ الأمريكيون تصريحات الضباط الإسرائيليين التي تناقلتها وكالات الأنباء ساعة اجتياح بيت حانون ولم يكونوا واثقين فيما إذا كان شارون يسعى لخداعهم أم لا.. ولزيادة الاطمئنان قاموا بإيفاد المتحدث باسم وزارة الخارجية باوتشر ليشرح موقفهم. ويتصرف الامريكيون على هذا النحو فيما يتعلق بالمستوطنات وعمليات هدم البيوت. لقد وعد شارون خيرا، لكن باول يحرص رغم ذلك، على تحذيره (أي شارون). وبالمناسبة فقد خططت بلدية القدس لهدم مجموعة كبيرة من منازل الفلسطينيين في القدس الشرقية يوم الاثنين. وقد علم وزير الخارجية شمعون بيرس بهذا الأمر إثناء مشاركته في احتفال بمناسبة "الميمونة" لدى أحد أعضاء مجلس بلدية المدينة، وعلى اثر ذلك أقنع بيرس رئيس الوزراء بأن عمليات الهدم المخططة لن تقابل بارتياح من جانب وزير الخارجية الأردني الذي زار البلاد في اليوم ذاته. فطلب شارون من اولمرت إرجاء هدم المنازل.

الحاجز الأمريكي

السؤال الذي أثير في القدس لم يكن حول ما إذا كان شارون قد رضخ لضغط أميركي لسحب قواته من قطاع غزة. فحقيقة أن ضباط الجيش الإسرائيلي تحدثوا في صباح اليوم التالي ذاته عن خطط أخرى، لا تدل بالضرورة أن هذه كانت أيضا خطط شارون. فهي يمكن أن تدل، على الأكثر، على وجود خلل في الاتصال بين هيئة الأركان العامة والضباط في الميدان. وعلى أية حال، فان ما أزعج وزارة الخارجية الإسرائيلية كان القرار الأمريكي بسد باب مفتوح بوجه إسرائيل. ولكن لو كان الأمر متوقفا على الموظفين الأمريكيين، لما كان هؤلاء قد انتظروا لحين قيام الجيش الإسرائيلي بالدخول إلى غزة حتى يرسلوا باوتشر ليسجل لإسرائيل ملاحظة تحذيرية. ولا يخفي الكثيرون منهم انتقاداتهم لعجز الإدارة الأمريكية في مواجهة تدهور الوضع في الأراضي الفلسطينية. ويخيل لهم أن "بوش" يلقى صعوبة في تهجئة (لفظ) أسماء غريبة مثل "مبارك" و"عبد الله". لغاية اليوم لم يتم في وزارة الخارجية الأمريكية وفي البيت الأبيض تشكيل طاقم للشرق الأوسط. نيد ووكر مساعد وزير الخارجية المنتهية ولايته لشؤون الشرق الأوسط، يقوم بجولة هذا الأسبوع في المنطقة في المنطقة، لمتابعة وبحث مواضيع ليست متصلة على الإطلاق بالعلاقات الإسرائيلية العربية .

ريتشارد هاس ، اليهودي الجمهوري الذي عين مديرا لقسم التخطيط السياسي في الخارجية الأمريكية، يضغط على "باول" للقيام بتدخل اكبر في الأزمة الإسرائيلية الفلسطينية. ويظهر المستوى الدبلوماسي سخاء اكثر في رسم حدود القوة التي يتعين على الإدارة الأمريكية إظهارها تجاه إسرائيل. صحيح أن سلوك عرفات في أعقاب "كامب ديفد" أثار حتى في صفوف اكثر المناصرين للعرب في واشنطن تفكيرا ثانيا فيما يتعلق بفرص التوصل معه (عرفات) إلى تسوية دائمة .. لكن هؤلاء يتخوفون من جنوح وانزلاق الأحداث والقذائف نحو الجنوب، بما قد يورط الولايات المتحدة مع مصر.

رسالة "باول" كانت ان هناك طرقا أخرى، اقل حدة، لتحقيق نتيجة مماثلة. وعلى سبيل المثال فان استخدام الطائرات العمودية والدبابات، اجتاز بسلام الحاجز الأمريكي. إن البيان الأمريكي المتوازن جدا، حتى من وجهة نظر وزارة الخارجية الإسرائيلية، استهدف حفظ ماء وجه باول أمام أصدقائه من جهة، وإعفائه من ضغوط أوروبية ومن مبادرات مزعجة ولحوحة في الأمم المتحدة من جهة ثانية. وعلى أي حال، فان النتيجة الهامة للعملية العسكرية الإسرائيلية في غزة تمثلت في أن الولايات المتحدة رسمت وحددت بخط عريض نوع الرد الإسرائيلي الذي لا تستطيع واشنطن قبوله، وهو ما يعني أن مناطق سيطرة السلطة الفلسطينية الكاملة (منطقة أ) تقع خارج المجال البري لإسرائيل.

الغارة على موقع الرادار السوري في لبنان ... خلفيات وأبعاد

لم تكن الغارة الإسرائيلية على موقع للرادار السوري في العمق اللبناني خطوة غير متوقعة لأن إسرائيل تعتبر القيادة السورية مسؤولة عن نشاط حزب الله وتصر على أن سوريا تملك، إن أرادت، أن تلجم النشاط العسكري لحزب الله ضد إسرائيل انطلاقا من الجنوب اللبناني. ولكن المسؤولية السورية، من وجهة النظر الإسرائيلية بطبيعة الحال، لم تقتصر على النشاط العسكري المباشر لحزب الله ضد القوات الإسرائيلية وإنما تعدتها إلى مجالات أخرى لها علاقة بالأداء العملياتي لحزب الله ولسيل من النشاطات التي يقوم بها أعضاؤه المسلحون في لبنان وأبرزها اختطاف ثلاثة جنود إسرائيليين يوم السابع من تشرين أول الماضي خلال عملية جريئة في منطقة هار دوف المتاخمة لمزارع شبعا التي لا زالت ترزح تحت الاحتلال الإسرائيلي وتصر الحكومة اللبنانية على أن يشملها الانسحاب الإسرائيلي من لبنان الذي بدأ يوم 24 أيار 2000.

وفور سقوط الجنود الثلاثة في اسر حزب الله صدرت تقارير إسرائيلية لتعترف أن الاختطاف كان يبغي تسريع مفاوضات تبادل الأسرى بين إسرائيل وحزب الله وبالفعل بدأت منذ ذلك الحين مفاوضات طويلة وشاقة وسرية بين الجانبين عبر الوسيط الألماني سيما وأن ألمانيا كانت تتمتع باحترام واضح لدى حزب الله. ولكن هذه المفاوضات ذاتها بقيت سجالا ولم تتحقق فيها أية نتائج مما كانت تتوقعه إسرائيل والسبب الرئيسي كان امتناع إسرائيل عن دفع الثمن المركزي الذي طالب به حزب الله وهو الإفراج عن الشيخ عبد الكريم عبيد الذي اختطفته القوات الخاصة الإسرائيلية عام 1989 وعن مصطفى ديراني الذي اختطف في عملية مشابهة بعد ذلك بعدة سنوات.

ومع تغير الحكومة الإسرائيلية وصعود أريئيل شارون إلى سدة الحكم كثفت أسر الجنود الثلاثة من نشاطها وطالبت الحكومة الجديدة بعمل كل ما باستطاعتها من أجل تحقيق إفراج سريع عن الجنود المخطوفين ولكن أولويات شارون ووزير دفاعه بنيامين بن أليعازر لم تتلاءم ورغبة العائلات الثلاث وبقي الملف مفتوحا سيما وأن شارون رفض طلبا من هذه الأسر بإثارة موضوع الجنود المخطوفين في محادثاته مع الرئيس الأمريكي جورج بوش خلال زيارته الأخيرة لواشنطن في شهر آذار الماضي كما رفض شارون أن ينضم مندوبون عن الأسر الثلاثة إلى وفده إلى العاصمة الأمريكية. وتزامن اختطاف الجنود الثلاثة مع اعتقال رجل أعمال إسرائيلي في لبنان من قبل عناصر حزب الله الذي أعلن أن الرجل عميل للموساد الإسرائيلي. ولكن إسرائيل الرسمية لم تعترف بأن إلحانان تيننباوم كان عميلا للموساد وأصر رئيس الوزراء السابق ايهود باراك على أن تيننباوم كان رجل أعمال وأن اختطافه كان من نوع عمليات المافيا "التي لا تنسجم وأخلاقيات القرن الحادي والعشرين."

غداة الانسحاب الإسرائيلي من الجنوب اللبناني في 24 أيار 2000 كتب زئيف شيف المحلل العسكري في صحيفة هآرتس تحليلا بعنوان: "الانسحاب لا يشكل نهاية لهذا الصراع" قال فيه أن أي رصاصة تطلق باتجاه إسرائيل من داخل الأراضي اللبنانية كفيلة بقيام إسرائيل بالرد عليها بعمليات انتقامية ضد أهداف لبنانية وسورية وحتى إيرانية في لبنان. واستعرض شيف كيف أن سياسة الجيش الإسرائيلي فور الانسحاب كانت مبنية على استقراء المجهول وأن قناعة قد تولدت لدى القيادة العسكرية بأن عودة حزب الله لمزاولة نشاطه في الجنوب اللبناني ضد إسرائيل ليست أكثر من مسألة وقت وأن حزب الله سيواصل عملياته ضد إسرائيل تحت أية ذريعة ممكنة. ثم اختتم مقالته بالقول أن على الشارع الإسرائيلي أن يدرك أن الانسحاب من لبنان لا يعني بالضرورة نهاية كل المصاعب التي كان الإسرائيليون يواجهونها على حدودهم الشمالية.

وكان واضحا منذ الساعات الأولى التي تلت الانسحاب الإسرائيلي من لبنان أن إسرائيل توقعت تجدد نشاط حزب الله بعد أن أدركت أن مواصفات انسحابها من لبنان بقيت ناقصة مع احتفاظها بتواجدها العسكري في منطقة مزارع شبعا التي أصرت لبنان على أنها يجب أن تكون ضمن المساحة التي تنسحب منها إسرائيل بينما أصرت إسرائيل على أنها لن تعيد هذه المنطقة إلا إلى سوريا وفي إطار حل نهائي مع القطر السوري.


تغيرت قواعد اللعبة!

لعل داليا رابين فيلوسوف، ابنة اسحق رابين ونائبة وزير الدفاع الإسرائيلي، خير من عبر عن الدوافع التي وقفت وراء قرار إسرائيل شن الغارة على موقع للقوات السورية في لبنان حين قالت في تصريحات تناقلتها وسائل الإعلام الإسرائيلية أن الهدف من العملية كان واضحا وهو توجيه رسالة إلى سوريا بضرورة التحرك لوقف نشاط حزب الله في لبنان. فالمقصود لم يكن الوجود السوري ذاته في لبنان بقدر ما هو الدور الذي تلعبه سوريا على الساحة اللبنانية ورغبة إسرائيل في أن يخدم هذا الدور محصلة سياساتها هي في المنطقة وأهمها بطبيعة الحال الحفاظ على جبهة الحدود مع لبنان هادئة قدر الإمكان. وقد أكد وزير الدفاع الإسرائيلي بنيامين بن أليعازر ما ذهبت إليه نائبته حين قال أن قواعد اللعبة قد تغيرت في لبنان وأن الغارة الإسرائيلية جاءت بعد أن نفذ صبر إسرائيل "إذ لا يمكننا الجلوس هكذا والمعاناة ليلا نهارا تحت القصف والاستفزاز ونقول شكرا. لقد آن لهذا أن ينتهي وقد أخبرنا اؤلئك المسؤولين عما يجري في لبنان، وهم السوريين، أن قواعد اللعبة قد تغيرت."

وفي حيثيات القرار الإسرائيلي بشن الغارة على الموقع السوري أكدت المصادر الإسرائيلية أن المجلس الوزاري المصغر المكون من أحد عشر وزيرا قرر شن الغارة باستثناء وزير الخارجية شمعون بيرس ووزير العمل افرايم سنيه اللذين تنصلا من القرار اعتراضا على التوقيت ولكن سرعان ما أدليا فيما بعد بتصريحات تؤيد الغارة على الموقع السوري. و كشفت المصادر الإسرائيلية أن تقديرات الاستخبارات العسكرية التي طرحت على المجلس الوزاري لم تتوقع أن تلجأ سوريا للرد فورا على الغارة على مواقعها في لبنان وذلك خشية تدهور الوضع على الحدود الشمالية مع إسرائيل. واعتمدت هذه التقديرات الاستخبارية على أن للجيش الإسرائيلي تفوقا بارزا على سوريا الأمر الذي يشكك في احتمال قيام الرئيس بشار الأسد بالمخاطرة في البدء بمجابهة عسكرية مع إسرائيل. وقالت المصادر الإسرائيلية أن قيادة الجيش أوعزت بشن الغارة على الموقع السوري ليس فقط من أجل أن تتلقى دمشق رسالة واضحة من إسرائيل بل أيضا للتوضيح بأن الصمت الإسرائيلي حتى يوم الغارة لم يكن نتيجة ضعف. بيد أن مصادر الجيش الإسرائيلي، وفق ما نشرته هآرتس (17/4) اعترفت بأن من الصعب التكهن بطبيعة رد الفعل المحتمل لدى الرئيس بشار الأسد سيما وأنه لم يحصل بعد على الخبرة المطلوبة كرئيس أعلى للقوات المسلحة السورية.

إسرائيل تحاول سبر أغوار بشار الأسد

ومنذ أن تسلم الرئيس السوري بشار الأسد مقاليد الحكم بعد وفاة والده وإسرائيل منشغلة في محاولة سبر أغواره ومعرفة ماهية تفكيره في الكثير من القضايا. المحلل السياسي في هآرتس عكيفا الدار كتب في الثامن والعشرين من تشرين الثاني الماضي مقالا قال فيه أن مسؤولين أمريكيين شاركوا في جلسات تقييم استراتيجي للوضع في الشرق الأوسط قد أعربوا عن مخاوفهم من العوامل التي تؤثر على القرار السياسي في سوريا خاصة وان الرئيس الجديد بشار الأسد قد يقرر أن أفضل السبل لرفع أسهمه ودفع مصالحه إلى الأمام هو إلحاق ضربات موجعة بإسرائيل وإيلامها عبر توفير الدعم والتشجيع لحزب الله لتسخين الجبهة الشمالية. ونقل الدار حينها عن رئيس الوزراء السابق ايهود باراك قوله أن من المحتمل أن يقرر الرئيس الأسد الانضمام إلى جوقة الفلسطينيين الذين يطلقون النار في قطاع غزة والضفة الغربية! وربما من أجل هذا التخوف كان باراك حريصا على عدم تصعيد الموقف، كما يقول الدار، خاصة وأنه تلقى من قيادات رفيعة في الجيش تقديرات أفادت بأن إطلاق العنان للقوة العسكرية لضرب الانتفاضة الفلسطينية قد يجر الجيش الإسرائيلي إلى مواجهة على أكثر من جبهة وربما على جبهتين أو أكثر.

وللتذكير فان الغارة الإسرائيلية على موقع الرادار السوري في لبنان كانت الأولى ضد أهداف سورية في لبنان منذ عام 1996 حين شنت إسرائيل عدوانها على لبنان الذي عرف باسم عناقيد الغضب وحسب أليكس فيشمان، المحلل العسكري في يديعوت أحرونوت (17/4) فان "الجيش تفادى طيلة هذه الفترة القيام بأي نشاط عسكري ضد أهداف سورية في لبنان تفاديا لجر سوريا إلى مواجهة عسكرية مباشرة مع إسرائيل. ولكن بعد الهجوم الذي شنه مقاتلو حزب الله على دبابة إسرائيلية وقتلوا فيه جنديا واحدا قررت إسرائيل إزالة هذا الخط الأحمر الوهمي الذي وضعته لنفسها إذ أنها وعلى مدار سنوات عديدة كانت تعتبر سوريا المسؤولة مباشرة عن كل توتر في الحدود الشمالية ولكنها في الوقت ذاته عكفت على توجيه رسائلها إلى حزب الله والى الحكومة اللبنانية فقط إلى أن جاء الهجوم على موقع هار دوف عند مزارع شبعا فقررت إسرائيل أن توجه الرسالة هذه المرة إلى عنوانها الصحيح."

لماذا شُنت الغارة؟

وفي معرض سرده للأسباب التي حذت بإسرائيل لضرب موقع الرادار السوري قال فيشمان أن محطة الرادار التي تعرضت للقصف كانت ترصد حركة الطيران الإسرائيلي في سماء لبنان على مدى سنوات عديدة وأنها لذلك تحولت إلى هدف مثالي يتم من خلاله توجيه الرسالة الإسرائيلية المنشودة إلى سوريا بالإضافة إلى أن المحطة تقع على قمة جبل في منطقة نائية بعيدة عن التجمعات السكانية وتعمل على مدار الساعة بمعنى أن الجنود السوريين متواجدون فيها دوما كما أنها لا تتمتع بحماية خاصة من شبكة الصواريخ المضادة للطائرات باستثناء بعض بطاريات صواريخ سام 2 القديمة. باختصار، كما قال فيشمان، فان الغارة على موقع الرادار حملت في ثناياها مخاطرة في حدودها الدنيا بالنسبة لإسرائيل بينما وجهت إلى سوريا رسالة في غاية الأهمية.

شارون لم يتغير!

وتبدو المسافة ضئيلة جدا لتقترب من الصفر بين الدوافع التي حذت بشارون اتخاذ قراره بالإغارة على موقع الرادار السوري في لبنان وبين قراراه إرسال القوات الإسرائيلية لاحتلال مساحات داخل مناطق السلطة الوطنية الفلسطينية في قطاع غزة وأبرز هذه الدوافع هو رغبته في نقل رسالة عملية، بعد أن كان نقلها شفويا عبر لقاءات أجراها مع الصحف العبرية الصادرة في نهاية الأسبوع، ومفادها أنه (أي شارون) لم يتغير وأنه لا زال ذات الشخصية التي عرفها الإسرائيليون في سنوات السبعينيات. في هذا الخصوص، كتب زئيف شيف المحلل العسكري في هآرتس (18/4) يقول أن شارون صدق القول حين قال في لقاءات نهاية الأسبوع أنه لم يتغير وأن مواقفه في غالبية الحالات بقيت على ما كانت عليه. ويتابع فيقول: "إن مرور السنين قد غير من النمط ومن الأسلوب ولكن الجوهر لدى شارون بقي كما هو إذ أن شارون في اللقاءات التي أعطاها للصحف الثلاث أوصد غالبية الأبواب في وجه التفاوض مع الفلسطينيين والسوريين.

واضح أن ما كان يدور في خلد شارون حين أعطى أوامره بشن هذا الهجوم الواسع على قطاع غزة، وهو الهجوم الذي لم يسبق له مثيل منذ عدوان حزيران عام 1967، هو ضرورة قيام إسرائيل بخطوة تستعيد فيها جزءا من قدرتها المتآكلة على الردع تمشيا مع القرار الذي اتخذه بالإغارة على موقع الرادار السوري في لبنان. فالرد العسكري ضمن المواصفات التي اعتمدها شارون لن يأتي بنتيجة عسكرية حاسمة لصالح إسرائيل ومن أفضل من شارون يدرك أن المغامرات العسكرية لم تحقق على الإطلاق المصلحة الإسرائيلية العليا بدليل أن كل مغامراته منذ أواسط الخمسينيات ومرورا بغزو لبنان عام 1982 وانتهاء بالعدوان الأخير على قطاع غزة لم تحقق سوى المزيد من التورط الإسرائيلي في مستنقع الصلف العسكري. في تعليقه على الغارة يوم الثلاثاء قال ناحوم بارنيع، المحلل السياسي في يديعوت أحرونوت ، أن شارون لم يملك سوى الرد بقوة على قصف بلدة سدروت بقذائف الهاون وهكذا فعل.

التسوية مع سوريا ومواقف الأحزاب الإسرائيلية منها الليكود:

يؤيد حزب الليكود استئناف مفاوضات السلام مع سوريا لكن "دون أي شروط مسبقة" ولا يحدد الحزب في برنامجه الرسمي حجم "التنازلات" أو عمق الانسحاب الذي يمكن أن توافق إسرائيل على القيام بهما في هضبة الجولان مقابل التوصل إلى اتفاق سلام كامل مع سوريا. ويشدد الحزب في برنامجه على أن أي حكومة بزعامته ستواصل سياسة "توسيع وتعزيز" الاستيطان اليهودي في هضبة الجولان. وينوه البرنامج إلى حقيقة أن الليكود هو الذي بادر عندما كان في الحكومة برئاسة مناحيم بيغن (1977- 1981) إلى سن وتمرير قانون الجولان وفرض السيادة الإسرائيلية عليها.

"إسرائيل واحدة"- حزب العمل

يدعو حزب "العمل" الى التوصل لاتفاق سلام كامل مع سوريا يستند إلى قبول الحزب المشروط لقراري مجلس الأمن 242 ، 338 ومبدأ " مقايضة الأرض بالسلام" (أو التسوية الإقليمية ) وقد حدد الحزب خلال المفاوضات التي جرت مع سوريا في عهد حكومة العمل – ميرتس برئاسة اسحق رابين و شمعون بيرس (1992 و 1996) ثم في عهد حكومة باراك (1999-2001) عددا من المبادئ أو الخطوط العريضة لأي اتفاق سلام ممكن مع سوريا أهمها:

1- عمق الانسحاب من الجولان يكون بعمق السلام والتطبيع الذي توافق عليه سوريا.

2- لا للعودة لخطوط الرابع من حزيران 67.

3- أن يضمن الاتفاق تسويات وترتيبات أمنية تشمل مناطق منزوعة وتقليص قوات واحتفاظ إسرائيل بمحطة إنذار مبكر فوق جبل الشيخ.

وكانت المفاوضات التي أجرتها حكومة "العمل" مع سوريا قطعت شوطا متقدما في معظم المسائل الجوهرية المتعلقة بحل الصراع بين الجانبين ماعدا مسألة حدود الانسحاب الإسرائيلي من هضبة الجولان حيث أصرت دمشق على انسحاب إسرائيل الكامل إلى ما وراء خطوط الرابع من حزيران1967، وهو ما رفضته حكومة رابين/ بيرس ثم حكومة باراك، اللتان أبديتا استعدادهما للانسحاب إلى خطوط الحدود الدولية التي كانت قائمة قبل اندلاع حرب العام 1948، أي بما يتيح بقاء السيطرة الإسرائيلية على كامل شواطئ ومياه بحيرة طبريا ومنطقة "الحمه" جنوب شرق البحيرة.


حزب ميرتيس اليساري:

يرى الحزب الذي يرئسه يوسي سريد أن السلام مع سوريا هام بشكل خاص، إذ أنه يحول دون خطر وقوع حرب مفاجئة، ويسمح باستتباب الهدوء على الحدود الشمالية مع لبنان، ويمهد الطريق أمام التوصل إلى سلام شامل مع غالبية الدول العربية. ومقابل سلام كامل مع سوريا يستند إلى ترتيبات أمنية صارمة ويضمن تدفق وتزويد المياه لإسرائيل يتعين على إسرائيل الانسحاب من هضبة الجولان المحتلة إلى الحدود الدولية ويستند الحزب في موقفه هذا إلى سابقة الاتفاق مع مصر الذي قام على أساس مبدأ الانسحاب الكامل من كل الأراضي المصرية لقاء التوقيع على معاهدة سلام مع مصر. ويقترح حزب ميريتس بأن تنص معاهدة

السلام مع سوريا على بند يحرم بشكل قاطع استخدام هضبة الجولان قاعدة للهجوم على إسرائيل أو على مستوطناتها ومدنها ومصادرها المائية. كما يطالب الحزب بأن تكون الترتيبات الأمنية التي يتم التوصل إليها مع سوريا شاملة ومتنوعة، وأن ترتكز على مناطق شاسعة منزوعة السلاح وأن يتم تقليص القوات المسلحة السورية في الهضبة وبناء وسائل إنذار متطورة، وتطبيع في العلاقات بين سوريا وإسرائيل مع ضمانات دولية.

الاتحاد الوطني:

تعارض قائمة "الاتحاد الوطني" إعادة أي جزء من هضبة الجولان إلى سوريا بغض النظر عن ماهية أي اتفاق يمكن التوصل أليه بين الجانبين. وترهن هذه القائمة موافقتها على أي اتفاقات سلام مع الدول العربية بالا تكون هذه الاتفاقات على حساب "أمن الدولة العبرية" أو "حق الشعب اليهودي في الاحتفاظ بكل أجزاء أرض إسرائيل والاستيطان فيها بما في ذلك هضبة الجولان".

الحزب القومي الديني( المفدال):

يعارض حزب المفدال ( يمين متطرف) أي مفاوضات أو اتفاق سلام مع سوريا على قاعدة قرارات الشرعية الدولية أو مبدأ مقايضة "الأرض مقابل السلام" ويؤكد رفضه التام لإعادة أي جزء من هضبة الجولان المحتلة نهما كانت التسوية المطروحة مع سوريا ويعتبر يعتبر الحزب مرتفعات الجولان السورية المحتلة منذ حرب العام 1967 "جزءا لا يتجزأ من دولة إسرائيل ويجب أن تبقى تحت السيادة الإسرائيلية الكاملة" حتى في حال التوصل إلى سلام مع سوريا.

حزب " يسرائيل بعلياه":

لا يوجد لحزب "يسرائيل بعلياه"، الذي يمثل المهاجرين الروس، موقف رسمي معلن ومحدد من مسألة السلام مع سوريا، لكنه يرهن تأييده للتوصل إلى تسويات سلمية مع أي من الأطراف العربية بصورة عامة"بألا تتضمن هذه التسويات أو الاتفاقات تنازلات إقليمية تنطوي على مساس بأمن إسرائيل ومصالحها الحيوية والاستيطانية وألا تؤدي الى تفكيك أو إخلاء أو جلاء أي من المستوطنات أو المستوطنين اليهود في أي جزء من المناطق التي تسيطر عليها إسرائيل بما فيها هضبة الجولان المحتلة.


"إسرائيل بيتنا":

يؤكد الحزب ( ثاني اكبر الأحزاب الممثلة للمهاجرين الروس) أن أي تسوية ممكنة مع سوريا يجب أن تراعي الأهمية القصوى لهضبة الجولان بالنسبة لإسرائيل، سواء باعتبارها "مصدرا للمياه" أو "منطقة استراتيجية حيوية" وأن أي "تسوية إقليمية في هضبة الجولان ممكنة فقط على قاعدة بنود قانون تحصين (تكريس ضم) الجولان".. وحسب هذا القانون يجب ان تتوفر أغلبية مطلقة في الكنيست (البرلمان) الى جانب أي إتفاق يتناول مصير هضبة الجولان، وإجراء استفتاء عام بين الإسرائيليين حول الاتفاق.

حزب "المركز- الوسط"

يؤيد حزب "المركز" التوصل إلى سلام كامل مع سوريا (و لبنان) على قاعدة مبادئ وشروط مؤتمر مدريد للسلام في الشرق الأوسط الذي عقد العام 1991. ويؤكد الحزب أن إسرائيل ستصر في مفاوضات السلام مع سوريا على مواقفها بالنسبة لـ" ماهية ومضمون السلام والمصالح الأمنية والاستراتيجية القومية" لإسرائيل وأنه ستكون للتسويات والترتيبات التي يتم التوصل في المواضيع والمسائل المذكورة " أهمية بالغة فيما يتعلق بموقف إسرائيل من الموضوع الإقليمي.." وأن أي اتفاق سلام مع سورية يجب أن يشمل تطبيعا كاملا للعلاقات بين البلدين، وتعيين الحدود النهائية بينهما، وتسويات (ترتيبات) أمنية تؤدي إلى تقوية وتعزيز أمن ومصالح الدولة العبرية والى استقرار وسلام شامل في الشرق الأوسط. ويشدد الحزب كذلك على وجوب طرح أي اتفاق سلام يتم التوصل إليه مع سوريا لاستفتاء عام في إسرائيل وأن ينال الاتفاق موافقة أغلبية مطلقة في الكنيست ( البرلمان) الإسرائيلي.

أحزاب المتدينين المتشددين

لا تتبنى أحزاب المتدينين المتشددين (الحريديم) الممثلة بحزب شاس (17 مقعدا) ويهدوت هتوراه (5 مقاعد) موقفا محددا وواضحا في مسألة حجم الانسحاب الذي يمكن أن تقوم به إسرائيل في هضبة الجولان في نطاق اتفاق سلام ممكن مع سوريا. وتؤيد هذه الأحزاب بصورة عامة أي اتفاق يتم في نطاق ما يسمى بـ "الإجماع القومي" كما أن موقفها يتغير في هذا الخصوص ويتذبذب تبعا لتوجهات الائتلاف الحاكم في إسرائيل وموقعها ومصالحها في إطار هذا الائتلاف.

على هامش الغارة على موقع الرادار السوري في لبنان

لم يكن أريئيل شارون رئيس الوزراء الإسرائيلي أول من ضرب أهدافا مدنية أو عسكرية غير تابعة لحزب الله في لبنان ردا على عمليات عسكرية قام بها هذه الحزب ضد إسرائيل. فقد سبقته في ذلك حكومة ايهود باراك السابقة. وكانت حكومات "اليسار" الإسرائيلي قد هددت هي الأخرى مرارا وتكرارا بأنها ستضرب المصالح المدنية اللبنانية والمصالح السورية في لبنان إذا ما استمر حزب الله بضرب المصالح الإسرائيلية. لذلك فلذلك فإن حكومة بقيادة "اليسار" الإسرائيلي كانت ستقوم بعملية شبيهة بالعملية التي قامت بها حكومة شارون. ولكن حكومة يسارية كانت ستناقش موضوع مهاجمة المصالح اللبنانية والسورية بشكل مستفيض أكثر وستحسب جميع الحسابات وليس كما فعلت حكومة شارون. إن قرار شارون وسرعة موافقته على تنفيذ الهجوم على محطة الرادار السورية ينسجم تماما مع تاريخ هذا الرجل منذ سنين طويلة. وإذا لم يُثبت شارون للعالم حتى هذه اللحظة بأنه نفس شارون القديم ولم يتغير قيد أنملة فإنه في هذه العملية قد رفع القناع عن وجهه وأكد للجميع أنه ما زال كما هو. وربما كان ملائما في هذا الخصوص أن نذكر بعض الصفات الهامة المتعلقة بحياة شارون الطويلة ونمط تفكيره:

1- اتصف شارون على مر سنوات عمره بالتهور، حتى أن من عرفه وصفه "بالبلدوزر" "والشخص الذي لا يقف على الضوء الأحمر" وما إلى ذلك من صفات. وقد ظهر هذا التهور بشكل جلي في العمليات العسكرية التي قام بتنفيذها مثل: مجزرة قبيا عام 1953 وحادثة ممر المتلا في سيناء عام 1956 والدفرسوار في حرب 1973 وبالطبع الغزو الإسرائيلي للبنان عام 1982. وكاد شارون أن يخرج عن نطاق المسموح له به في كل تلك الأحداث.

2- ينتمي شارون للجيل الأول من الإسرائيليين الذين عاصروا فترة الإنتداب وتأسيس الدولة العبرية. بكلمات أخرى ينتمي شارون للجيل المتشبث بالفكر الصهيوني المتشدد والذي تربى على هاجس الخطر الذي يحدق بإسرائيل من كل الجهات. إن موضوع أمن الدولة وأمن سكانها اليهود قد اصبح بالنسبة له هوسا يلاحقه أينما ذهب. لذلك فهو يرى أي خطر من شأنه أن يهدد أمن إسرائيل ولو بشكل طفيف خطرا فظيعا لا يمكن احتماله ويجب أن يتصدى له بكل ما أوتي من قوة. بالنسبة إلى شارون، إن كل ما يجري من تسلح واكتساب خبرات تكنولوجية متطورة حتى ولو كانت في المجال المدني في الدول العربية وفي إيران وحتى في الباكستان وأندونيسيا قد يشكل تهديدا مباشرا لإسرائيل لذلك على إسرائيل أن تحسب له ألف حساب وعليها التصدي له.

3- يؤمن شارون بقوة بنظرية الردع العسكري. ويفسر ذلك على أنه يجب استعمال القوة العسكرية والتسبب بالدمار والخراب والقتل بشكل مبالغ فيه ردا على كل عمل عسكري ضد إسرائيل أو ضد جيشها، بهدف منع الطرف الآخر من محاولة المساس بإسرائيل أو بشعبها اليهودي حتى ولو كان ذلك بشكل طفيف.

لقد أثبت حزب الله للقادة الإسرائيليين ولشارون نفسه أنه تنظيم صعب المراس وأن التعامل معه عسكريا ليس مضمونا. وبما أن شارون، الذي يتصف بكل الصفات المذكورة أعلاه، لا يحتمل أن تنال من دولته أي قوة كانت، قرر بأنه يتوجب عليه الرد بقوة على عملية حزب الله في مزارع شبعا. فالعملية التي قام بها الطيران الإسرائيلي ضد محطة الرادار السورية في لبنان عملية محدودة الحجم والنتائج من الناحية العسكرية إلا أنها مؤثرة من الناحية النفسية.

يرى شارون وعدد كبير من قادة إسرائيل العسكريين أن إسرائيل تمر في الوقت الحاضر بمرحلة حرجة جدا من تاريخها ربما تفوق في أهميتها أي فترة زمنية سابقة، وإذا لم تحسن التصرف فإنها قد تصاب بنكسة كبيرة. ويتمثل الخطر الحالي المحدق بإسرائيل، حسب رأيه، بالنقاط التالية:

1- الانتفاضة في الأراضي الفلسطينية.

2- موقف الفلسطينيين العرب في إسرائيل.

3- حزب الله اللبناني على وجه الخصوص والمقاومة اللبنانية بشكل عام.

4- القدرات العسكرية وربما التحالف الإستراتيجي الذي قد يضم مستقبلا كلا من سوريا والعراق وإيران وحزب الله.

5- القدرات العسكرية المصرية المتنامية.

6- التهديد النووي الباكستاني!!

7- الانقسامات الداخلية والاجتماعية والعرقية والدينية التي تعاني منها إسرائيل والتي من شأنها أن تضعف من قدراتها العسكرية بشكل كبير.

يؤمن شارون، العسكري التقليدي، بأن إسرائيل قادرة على حسم أي حرب بالسلاح التقليدي حتى ولو كانت حربا غوارية أو حرب عصابات كتلك التي تواجهها إسرائيل سواء من جانب الفلسطينيين أو حزب الله. بمعنى أن شارون يؤمن بقدرته على تحويل هذه الحرب إلى حرب تقليدية يمكنه حسمها عبر الاستخدام المفرط للقوة العسكرية. ويؤمن شارون أيضا باستباق حرب قد يتم استخدام أسلحة كيماوية ونووية بها عبر شن حرب وقائية بالسلاح التقليدي وحسمها لصالح إسرائيل قبل أن يتمكن الطرف الآخر من التقاط أنفاسه أو ترتيب أوضاعه. ومنذ دخوله مكتب رئاسة الوزراء بدأ شارون بالتعامل مع الإنتفاضة الفلسطينية وكأنها حرب تقليدية (محدودة) محاولا حسمها عبر ما نراه يوميا من استخدام مفرط لنيران المدفعية والصواريخ لقاء كل رصاصة يتم إطلاقها باتجاه الجيش الإسرائيلي أو المستوطنين اليهود. أما الغارة على الموقع السوري للرادار في لبنان فهي أيضا تندرج ضمن هذا الإطار وهدفها، كما اعترف شارون ووزير دفاعه وغيرهما من المسؤولين الإسرائيليين، هو إجبار أطراف اللعبة في لبنان إما إلى وقف حرب العصابات كليا أو التحول إلى حرب تقليدية. ولكن هل معني شارون بحرب تقليدية ضد سوريا في الوقت الحاضر؟ ليس بالضرورة. ولكن شارون يعتقد أن ضرب الموقع السوري في لبنان كان عملا جيدا من ناحية التكتيك والتوقيت وذلك للأسباب التالية:

1- أن هذه العملية العسكرية قد تجبر السوريين على الضغط على حزب الله للتوقف عن مهاجمة الإسرائيليين وعندها سيظهر شارون بأنه كان على حق بضربه للموقع السوري وسيظهر بمظهر المنتصر.

2- قد تؤدي هذه الضربة إلى تشجيع سوريا لحزب الله على الاستمرار بضرب المواقع العسكرية والمدنية الإسرائيلية. وإذا ما تم ذلك فانه ستتاح لشارون "الفرصة" لضرب الوجود السوري في لبنان بشكل قوي لدرجة إضعاف ذلك الوجود بشكل كبير الأمر الذي قد يترتب عليه انسحاب سوري من لبنان، وعندها سيظهر شارون بمظهر المنتصر العظيم.

3- استهدفت الضربة الإسرائيلية للقوات السورية في لبنان توجيه الاهتمام العالمي بعيدا عن الأعمال الوحشية التي ترتكبها إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني بدليل أن إسرائيل، وغداة العدوان على الموقع السوري في لبنان، شنت عدوانا واسع النطاق على شمال قطاع غزة وتوغلت فيه لفترة كان يمكن أن تتجاوز كثيرا فترة الساعات الأربع والعشرين التي استغرقها التوغل الإسرائيلي لولا الضغط الكبير الذي مارسته الولايات المتحدة على إسرائيل خوفا من اتساع رقعة التوغل الإسرائيلي إلى تواجد احتلالي يذكر بعدوان شارون على لبنان عام 1982 حين أعلن أنه سيدخل لبنان لفترة قصيرة ولمسافة أربعين كيلومترا "لقطع دابر الإرهاب" الفلسطيني فغرق في الوحل اللبناني طيلة ثمانية عشر عاما.

هكذا يفكر شارون، ولكن الرياح لا تسير دائما وفق ما يشتهي. ان المتتبع لمغامرات شارون العسكرية السابقة يجد أنها كانت تنال نجاحا وتأيدا في بداية المغامرة ولكنها كانت في نهاية المطاف تبوء بالفشل.

أما الجانب السوري فله حسابات تختلف كليا عن حسابات إسرائيل. فسوريا تأخذ بالحسبان ميزان القوى والقدرة العسكرية لدى الطرفين وتدرك حقيقة أن جيشها يعاني نتيجة عدم تجديد كثير من قطع الغيار في أعقاب انهيار الاتحاد السوفياتي. وقد لا يكون من السهل جر سوريا لحرب جديدة مع إسرائيل خصوصا إذا اقتصرت الحرب على هاتين الدولتين. ولكن هل هذا يعني أن سوريا ستقف مكتوفة الأيدي أمام هذا الإستفزاز؟ لقد أعلنت سوريا بلسان مسؤوليها أنها أولا لن ترضخ للإملاءات الإسرائيلية وأنها ثانيا سترد على العدوان الإسرائيلي وستحتفظ لنفسها بحق الدفاع عن النفس دون الدخول في التفاصيل. على أن هناك سلسلة من الخطوات المحتملة التي قد تلجأ إليها سوريا في باب ردها، بعيد المدى وليس بالضرورة الآني، على العدوان الإسرائيلي:

1- ستحاول سوريا تعميق علاقتها العسكرية مع حلفاء لها كإيران وروسيا وربما إنشاء علاقات جديدة مع دول مثل العراق تحسبا لتطور الأوضاع باتجاه عسكري.

2- القيام بحملة دبلوماسية كبيرة من خلال الدول العربية وجامعة الدول العربية في محاولة لتوظيف التحذير العربي الذي صدر عن مؤتمر القمة العربي الأخير الذي عقد في عمان والذي هدد إسرائيل بأن أي هجوم تشنه على أي دولة عربية سيعتبر هجوما على كل الدول العربية. وقد تلجأ هذه الدول، على أقل تقدير، إلى الولايات المتحدة والدول الأوروبية للضغط على إسرائيل للحد من مغامراتها العسكرية ضد سوريا وذلك بهدف تحسين موقف سوريا التفاوضي مع الولايات المتحدة ومع إسرائيل.

3- فيما يتعلق بالتعاون العسكري بين سوريا وحزب الله فإنه من المستبعد أن تنتهي هذه العلاقة رغم التهديدات الإسرائيلية وذلك لسببين رئيسيين: لأن هذا سيعتبر انتصارا إسرائيليا على سوريا، ولأن حزب الله يعتبر عاملا مهما بيد سوريا للضغط على إسرائيل للإنسحاب من الجولان ولأن هذا التنظيم يطالب ببقاء الوجود السوري في لبنان.

4- وستحاول سوريا استثمار العدوان الإسرائيلي لوقف الجدل الداخلي في لبنان حول بقاء القوات السورية فيه.


على خلفية تفوّهات الحاخام العنصرية عوفاديا يوسيف في "عين العاصفة"

تصريحات التحريض على العرب، التي صدرت عن الزعيم الروحي لحزب "شاس" الديني التقليدي، الحاخام عوفاديا يوسيف، في أسبوع "عيد الفصح" العبري 2001 أعادت إلى موقع الصدارة دور ونفوذ هذا الزعيم وحزبه في المشهد السياسي الإسرائيلي الحالي.

ولعل أكثر ما يستدعي الوقوف عنده هو أنه خلافاً لتصريحات سابقة صدرت عن هذا الحاخام نفسه أيضاً ضد العرب وكذلك ضد اليهود الغربيين (الأشكناز) وبشكل خاص ضحايا "المحرقة أو الهولوكست" فإن تصريحاته الأخيرة لم تقابل بحملة استنكار رسمية من جانب الناطقين الحكوميين الإسرائيليين بل إن مثل هذه الحملة بقيت مقتصرة على الأحزاب والفعاليات السياسية والأهلية الفلسطينية وعلى بعض الأوساط في ما يسمى "اليسار الصهيوني".

وفي مجرد هذا ما يحيل على حقيقتين مرتبطتين بالواقع السياسي - الحزبي الراهن في داخل اسرائيل:

1) الحقيقة الأولى - أن المناخ السياسي السائد، رسمياً وشعبياً، مشبع بفكرة التبرم العنصرية بالعرب وبكل ما هو عربي، لمجرد كونه كذلك، وذلك تحت تأثير الصراع الذي تخوضه الانتفاضة الفلسطينية. وهو مناخ يعيد الى الأذهان، وإن من باب أولي، فكرة أن ما يسعف اليهود في اسرائيل على تشرذمهم وأن ما يوحدهم على هذا التشرذم يبقى كامناً في “حالة الحرب مع العرب والتهديد الأمني المستمر"!

2) الحقيقة الثانية - تعاظم نفوذ حزب "شاس" في الخارطة السياسية الاسرائيلية بعد أن تكرّس، عقب نتائج الانتخابات الأخيرة للكنيست في 1999 كحزب ثالث يتمثل بـ 17 عضواً. وليس هذا فحسب وإنما أيضاً كمنافس قوي لحزب "الليكود" (الحزب الثاني) على القواعد الشعبية نفسها (أبناء الطوائف الشرقية وسائر الفئات المهمشة في المجتمع اليهودي نتيجة الهيمنة شبه المطلقة لليهود الغربيين (الأشكناز) على مؤسسات الدولة.

ولا مهرب، في هذا الصدد، من ملاحظة أن هذا النفوذ يسير في خط متصاعد منذ تأسيس حزب "شاس" في 1984. وثمة استفادة قصوى لتحقيق ذلك أيضاً من تغيير طريقة الانتخابات، تمثلها زيادة قوة الحزب البرلمانية من 6 أعضاء في 1992 الى عشرة أعضاء في انتخابات والى 17 عضوا في انتخابات 1999.

لقد جاءت تصريحات عوفاديا يوسيف في إطار موعظته الأسبوعية عشية "عيد الفصح العبري" والتي أكد فيها "أن الله يجب أن يدمّر العرب". وطلب من مُريديه أن يكرّروا وراءه عبارة "صُبّ غضبك على الأغيار". كما طلب في دعوته من الله "أن يرد الصاع صاعين على العرب وأن يقطع نسلهم ويبيدهم ويذلهم ويمحو أثرهم عن وجه البسيطة"، مضيفاً الى ذلك قوله: "يجب عدم الرأفة بهم، يجب توجيه الصواريخ باتجاههم على كيف كيفك (قالها بالعربية)، يجب إبادة هؤلاء الماكرين الملاعين".

وفي الصيف الماضي انسحب حزب "شاس"، بأوامر من عوفاديا يوسيف، من ائتلاف حكومة ايهود باراك. وقال يوسيف "إن العرب أنجاس وأفاعٍ" وإن "الله يندم كل يوم على أنه خلق ذرية لإسماعيل".

كما أشرنا سالفاً فإن ردود الفعل الرسمية تنكّبت سبيل الاستفظاع. وحاول أتباع الحاخام يوسيف التخفيف من وقع تحريضه الدموي بالادعاء أنه قصد "المخربين فقط" ولم يعمم دعوة الإهلاك على العرب أجمعين. وشملت هذه المحاولات، كذلك، أوساطاً سياسية وإعلامية من خارج حزب "شاس". ويمكن ايجازها على الوجه التالي:

1. الوزير إيلي يشاي، رئيس حزب "شاس"، قال في تصريح إعلامي أن ما قاله يوسيف يتطابق ويتلاءم مع ما نقرره في "الكابينيت" (المجلس الوزاري الاسرائيلي المصغر لشؤون "الأمن"). وأضاف: "أنا شخصياً أنقل إلى هذا المجلس ما يقوله لي الحاخام عوفاديا من أنه علينا قتل المخربين الذين يريدون المسّ بنا. وعندما نقتل من نفّذ عملاً إرهابياً فإننا نبيده". وقال أيضاً: إن غالبية الجمهور اليهودي، حتى في أوساط اليسار، تؤيد أقوال عوفاديا. وهذه هي، عملياً، سياسة "الكابينيت" التي تقول بقتل من يمسّ بنا. في سبيل ذلك انتخب أرئيل شارون لرئاسة الحكومة. وأنا شخصياً أؤيّد ضرب كل من يحاول المَسّ بنا بيدٍ من حديد!

2.

2.نائب الوزير الحاخام، ميخائيل ملكيئور، من حزب "ميماد" المؤتلف مع "العمل" في قائمة "اسرائيل واحدة"، قال : ثمة وصية في الدين اليهودي تقول لنا بعدم إدارة الخد الأيسر لمن يصفعنا على الخد الأيمن. ومن هنا فليس المطلوب منّا أن نكون إنسانيين مع الذين يريدون المسّ بنا، تنفيذاً للوصية التي تقول : الذي يأتي لقتلك بكّر واقتله!

2.

3. وزير العدل، مئير شتريت، قال إنه ضد تصريحات من هذا القبيل لكنه أكد أن سياسة الحكومة هي "ضرب الارهابيين وحدهم"!

3.

4. مراسل التلفزيون الاسرائيلي المتخصص بشؤون حزب "شاس"، نيتسان حين، والذي سبق له أن كان عرضة لإحدى هجمات الحاخام يوسيف على الصحافيين ووسائل الاعلام، قال إن تضخيم وقع تصريحات يوسيف هي من باب "تحميل الشيء أكثر مما يحتمل"!

ورغم كل ذلك عاد يوسيف، وبسرعة كبيرة، إلى التحريض على العرب في "موعظة" أخرى حين قال إن "الأسد أكل عرفات والدب أكل أبا مازن"!

يعود الأمر، في جانب منه، إلى أن الرفض المطلق لمثل هذه التصريحات العنصرية قد تم التخلي عنه بهدوء. ويمكن القول، على المستوى الشعبي، إن الحرب الشاملة التي تعلنها إسرائيل على "انتفاضة الأقصى" قد غسلت أدمغة الرأي العام اليهودي في إسرائيل حتى تقبّل العنصرية، ولديه من التربة الخصبة ما يسمح بهذا التقبّل. والشيء الأسوأ هو جعل هذه العنصرية تبدو غير مهمة، مقارنة بأمور أهمّ، مثل “مواجهة التهديد الأمني" أو "الحفاظ على الطابع اليهودي - الصهيوني للدولة".

وكما تقول شولاميت ألوني، الوزيرة السابقة، فإنه عندما يعلن وزير الخارجية، شمعون بيريس، أنه لا يعير أدنى اهتمام للرئيس المصري حسني مبارك والملك الأردني عبد الله الثاني وأنه ليس من المفروض الاهتمام بكل عربي يقول شيئاً ما، وعندما يتواتر الحديث عن "الخطر الديموغرافي" الذي يشكله العرب الفلسطينيون في الضفة الغربية وقطاع غزة وفي داخل إسرائيل وعن وجود ولادة عربية زيادة عن اللازم، فإن كل ذلك يشكل الخلفية الحقيقية لعربدة الحاخام عوفاديا يوسيف وإطلاقه العنان لنفسه في التحريض والدعوة إلى الإهلاك والقتل. وعليه - أضافت ألوني - أستصعب شخصياً استيعاب كيف نعتبر أنفسنا بعد ذلك دولة ديمقراطية متنورة!

...هو؟

في واقع الأمر هناك حاجة لاستعراض سيرة حياة عوفاديا يوسيف نظراً لما لها من علاقة مباشرة مع مسلكيته الأخيرة:

يوسيف هو المؤسس والزعيم الروحي لحزب "شاس"، ولذا فإنه في مرتبة الآمر والناهي في كل كبيرة وصغيرة مرتبطة بهذا الحزب.

ويمكن عَزو نجاح "شاس"، على مستوى العوامل الذاتية، إلى شخصية يوسيف في الدرجة الأولى. وكذلك، في درجة ثانية أدنى من الأولى، إلى شخصية زعيم الحزب السياسي، الحاخام آرييه درعي (الذي يقضي حالياً محكومية بالسجن بعد أن أدانته محكمة اسرائيلية بتهمة الاختلاس وتلقي الرشوات).

ويوسيف من مواليد العراق (1920)، كان رئيس المحكمة الدينية اليهودية في القاهرة (1947 - 1950) والحاخام السفارادي الرئيسي لمدينة تل أبيب (1945 - 1972)، والحاخام السفارادي الرئيسي في اسرائيل (1973 - 1983). وله عدة مؤلفات دينية تتضمن فتاوى في الشريعة اليهودية ويعتبره الخبراء بشؤون الأحزاب الدينية اليهودية "أبرز شخصية إسرائيلية غير سياسية تحتفظ بقوة ونفوذ سياسيين".

ويرجع البروفيسور أفيغدر رابيتسكي، الباحث في شؤون الديانة اليهودية وشرائعها، هذه القوة والنفوذ إلى شخص يوسيف ذاته وكذلك إلى الظروف التاريخية التي أسس فيها حزب "شاس" بعد فشل محاولته لتمديد ولايته كحاخام سفارادي رئيسي في إسرائيل، في ظل "ثورة" على المؤسسة الأشكنازية لليهودية الأرثوذكسية (المتمثلة في حزب "أغودات يسرائيل") وفي ظل السعي وراء نمط جديد من العمل السياسي - الحزبي في أوساط اليهود الشرقيين. والجديد، كل الجدة، في هذا النمط هو أنه يفارق جميع الأنماط التي سبقته من العمل السياسي - الحزبي في أوساط هذا القطاع الاجتماعي، وتراوحت بين الاحتجاج - من الهامش - وبين الاندماج ضمن أحد الأحزاب الكبيرة القائمة.

وهو نمط - كما يقول د. عزمي بشارة - يراهن على الهوية اليهودية الشرقية في لباس ديني تقليدي من أجل توسيع التمثيل البرلماني لحزب يعلن بوضوح أن هدفه الرئيسي هو الوصول إلى المشاركة في السلطة وفي عملية تقسيم "الثروة القومية اليهودية" عبر التأثير في ميزانية الدولة لمصلحة القطاع الاجتماعي الذي يمثله، ومن ضمن ذلك إقامة جهاز تعليم بديل للجهاز الحكومي والذي على خلفية الصراع حول موازنته انسحب نواب "شاس" من ائتلاف حكومة ايهود باراك.

ونستطيع القول، في المنظور الراهن، إن قوة حزب "شاس" مستمدة من قدرة زعيمه على استبصار مشكلتين كانتا قائمتين عند تأسيسه وما زالتا كذلك، ويبدو أنهما ستستمران في الوجود.

وهما:

1 - الصراع بين المتدينين والعلمانيين.

2 - الصراع بين الشرقيين (السفارديم) والغربيين (الاشكناز).

وتبقى الصراعات الأخرى، وفي مقدمتها بطبيعة الحال الصراع الفلسطيني - الاسرائيلي، ثانوية بالنسبة إليه. وفي مجرد هذا تفسير للتناقض في مواقف الحاخام عوفاديا يوسيف السياسية حيال العرب بين الاعتدال والتطرف. فهذا الحاخام، الذي يقف حالياً في طليعة صف المحرضين على إهلاك العرب مشحوناً بأجواء عامة معبّأة بمثل هذا التحريض، صباحَ مساء، سبق له أن أصدر "فتوى دينية" شهيرة حول تأييد الانسحاب الاسرائيلي من "أراضٍ عربية محتلة" حقناً للدماء وصوناً للأرواح لأنها أغلى من الأرض، لكن ليس في منأى عن الخطاب الصهيوني المتأثر بالاجماع "القومي" القائم إزاء قضايا الحرب والسلام أو عن غاية تبرير المطالبة بحصة أكبر من الميزانية والسلطة. ورأى أحد الخبراء في هذا التناقض نوعاً من “تأسرل” الأحزاب الدينية الأرثوذكسية كي يكون في إمكانها أن تشدد على مصالح قطاعية ضمن المجتمع الاسرائيلي وليس تعبيراً عن نوايا أيديولوجية لقلب نظام الحكم في اسرائيل أو لتغييره من جذوره.