خطفت حالة الانفجار التي عمت العديد من قرى ومدن الداخل الفلسطيني الأنظار عن المسببات المباشرة التي أدت إلى اندلاعها في القدس وغزة، لبرهة من الزمن، وتركت علامات استفهام كبيرة وندوبا بارزة وحارقة، على جسد صيغة "التعايش" الهش وغير المستقر الذي حكم العلاقة المتوترة وغير المتوازنة بين اليهود والعرب في إسرائيل.
قبل أسبوعين من انتهاء فترة تكليف رئيس حزب "يوجد مستقبل" يائير لبيد بتشكيل الحكومة الإسرائيلية، سقط خيار تشكيل حكومة تضم الكتل الرافضة لاستمرار حكم بنيامين نتنياهو، وتكون برئاسة تناوبية بين لبيد ورئيس حزب "يمينا" نفتالي بينيت، الذي يحل أولا في التناوب. إلا أن بينيت، على ضوء الأوضاع القائمة، عسكريا في قطاع غزة، وفي مختلف مناطق البلاد، انسحب من هذا المسار، عائدا إلى المربع الأول، داعيا لحكومة "وحدة قومية" واسعة، برئاسة نتنياهو، ولكن حسب التصريحات، فإن هذا الخيار ما زال ضعيفا، ما يعني أن اتجاه الانتخابات البرلمانية الخامسة بات أقوى. وفي المقابل، تشير الحقائق منذ عامين وحتى هذه الأيام، إلى مدى عمق علاقة نتنياهو بالمجموعات اليمينية الأشد تطرفا.
وضعت حادثة الاكتظاظ والتدافع التي وقعت في جبل الجرمق في أواخر نيسان الفائت وأودت بحياة 45 شخصاً من اليهود الحريديم المتشددين دينياً وتسببت بإصابة العشرات منهم بجروح، على نار حامية من الجدل قضيتين نتطرّق إليهما بتوسع في مواد هذا العدد من "المشهد الإسرائيلي "، وهما: مكانة اليهود الحريديم في الكينونة الإسرائيلية الراهنة، ودور لجان التحقيق المتعددة في إسرائيل، ولا سيما لجان التحقيق الرسمية.
وبخصوص القضية الأولى، وهي الأكثر أهمية، برزت على نحو خاص المقاربة الذاهبة إلى أن الحريديم باتوا في الآونة الأخيرة يحظون بحكم ذاتي آخذ بالترسخ إلى حد اعتبارهم بمثابة دولة داخل دولة، وقارن البعض بين هذه الدولة داخل الدولة ودول أخرى داخلها، على غرار دولة المستوطنين في الأراضي المحتلة منذ 1967 وغيرها.
لا تزال بعض الأصوات في إسرائيل تثابر، بإصرار، على المطالبة بتشكيل "لجنة تحقيق رسمية" في الحادثة التي وقعت في الليلة الواقعة بين 29 و30 نيسان الأخير وهزّت دولة إسرائيل حين أسفرت عن مقتل 45 شخصاً وإصابة العشرات، جراء الاكتظاظ والتدافع الشديدين جداً خلال "الاحتفال" بـ "زيارة قبر الحاخام شمعون بار يوحاي" على جبل الجرمق (ميرون) بمشاركة عشرات الآلاف من اليهود الحريديم.
الصفحة 233 من 883