شهدت الساحة السورية نهاية العام الماضي حدثاً فارقاً في تاريخها، تمثّل في سقوط نظام بشار الأسد بتاريخ 8 كانون الأول 2024، والذي تزامن مع محاولات إعادة تشكيل المشهد في المنطقة في أعقاب حرب الإبادة على قطاع غزة. في ضوء هذا التحول، سارعت إسرائيل إلى التنصل من اتفاقية وقف إطلاق النار المعروفة باسم "اتفاقية فك الاشتباك" الموقعة مع سورية العام 1974، لتدفع بقواتها نحو هضبة الجولان وتفرض سيطرتها على مساحات جديدة، في خطوة تعكس تحوّلاً استراتيجياً في السياسة الإسرائيلية تجاه سورية. وإلى جانب التحركات العسكرية، ظهرت سياسة إسرائيلية موازية لاستمالة أبناء الطائفة الدرزية هناك، معتمدةً على مزيج من الأدوات الاقتصادية، الدينية والاجتماعية.
لا بُد من القول إن ما يجري تداوله في إسرائيل بشأن مستقبل الحرب ضد قطاع غزة وما آلت إليه من نتائج حتى الآن، في ظل عدم الوضوح الذي يحيط بسير مفاوضات الهدنة أو وقف إطلاق النار، يشي بما يلي من استنتاجات، والتي بوسعها أن تُحيل إلى الصورة العامة باعتبارها، بكيفية ما، تحصيل حاصل تجميع الجزيئات المتفرقة:
أولاً، حسم المعركة مع حركة حماس ما زال بعيد المنال، بل ثمة من يؤكد أنه غير ممكن. وهذا الاستنتاج غير مقتصر على اللواء في الاحتياط إسحق بريك، الذي التصق به نعت "نبيّ الغضب" في إبان هذه الحرب، وكرّر مؤخراً تأكيد أن الجيش الإسرائيلي لا يستطيع بوضعه الحالي البقاء وقتاً طويلاً في المناطق التي احتلها من قطاع غزة، ولا يمتلك القوة الكافية من أجل تفجير مئات الكيلومترات من الأنفاق (موقع قناة التلفزة الإسرائيلية 12، 12/3/2025)، بل يتعدّاه إلى مسؤولين عسكريين وأمنيين سابقين ناهيك عن محللين في الشؤون الأمنية والعسكرية من الصعب حصرهم.
تنقل إسرائيل نفاياتها إلى الضفة الغربية، محولةً الأراضي الفلسطينية إلى مكب ضخم للنفايات السامة. من جهة، تنقل إسرائيل نفاياتها بشكل "منظم" إلى شركات إسرائيلية رسمية تدير مكبات ومحارق نفايات في الضفة الغربية، لكن من جهة أخرى تساعد إسرائيل على نمو شبكات تهريب كبرى في جنوب الخليل لحرق النفايات الإلكترونية (E-Waste) مطورة سوقا سوداء تدر أرباحاً على مشغليها بنحو 28.5 مليون دولار سنوياً، لكنها تخلق كارثة بيئية حقيقية دفعت المنظمات الاستيطانية إلى المطالبة بفرض سيادة إسرائيلية على هذه المناطق التي خلقتها أصلا الإدارة المدنية الإسرائيلية. هذا التقرير يستعرض الكارثة البيئية في الضفة الغربية.
برزت في الأسابيع القليلة الأخيرة، أكثر من قبل، الخلافات بين تيارات اليهود الحريديم (المتشددون دينياً)، حول شكل تعاملهم مع الحكومة بشأن قانون إلزام شبان الحريديم بالخدمة الإلزامية في الجيش الإسرائيلي، والذي ما زال يتعثر، بسبب ضغوط الشارع من الجانبين، وأيضا داخل الائتلاف الحاكم، للجم التساهل مع الحريديم، إذ إن تطرف الحريديم السياسي لا يشفع لهم أيضا عند جهات سياسية متطرفة في مسألة التجنيد؛ وفي حين أن غالبية ممثلي الحريديم في الكنيست يبدون تفهما لوضعية الحكومة، ويمنحونها فرصة أطول لسن القانون، فإن أقلية منهم تضغط للإسراع في إنجاز القانون بصيغة متساهلة، وبلغ الضغط إلى حد التهديد بمعارضة الميزانية العامة. لكن جميع ممثلي الحريديم يعرفون أنهم أمام الحكومة الأمثل بالنسبة لهم.
الصفحة 2 من 880