أصدر مراقب الدولة الإسرائيلية تقريراً خاصاً تناول "استعدادات الدولة للعلاج والدعم المطلوبين للسكان بسبب آثار أحداث السابع من أكتوبر (تشرين الأول) وحرب السيوف الحديدية، من أجل ضمان متانة الفئات السكانية المدنية في إسرائيل، بما في ذلك الصحة النفسية، والخطوات التي يتعين على الدولة اتخاذها لضمان حصول المتضررين نفسياً نتيجة الأحداث المؤلمة على العلاج وإعادة التأهيل، المساعدة النفسية الشاملة وطويلة الأمد، ومساعدة في الميزانية التي تتيح لهم العودة، في أسرع وقت ممكن، إلى روتين الحياة الطبيعي"، كما جاء في مقدمة التقرير.
حتى يوم أمس الأحد (9/2/2025) كان الرئيس الأميركي دونالد ترامب لا يزال متمسكاً بتصريحاته التي أثارت التنديد والجدل بشأن مستقبل قطاع غزة، والتي أطلقها في سياق مؤتمر صحافي مشترك مع رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو عقده في البيت الأبيض في واشنطن يوم الثلاثاء الماضي، وطرح من خلالها فكرة استيلاء الولايات المتحدة على غزة. كذلك طرح اقتراحاً يقضي بنقل الفلسطينيين إلى دول مجاورة وإعادة تطوير المنطقة المتضرّرة وتحويلها إلى "ريفييرا الشرق الأوسط".
منذ أواخر القرن التاسع عشر، تأسست الصهيونية، فور التقائها بأرض فلسطين، على السردية القائلة بـ "شعب بلا أرض لأرض بلا شعب" كمبرر للاستيطان وإقامة دولة إسرائيل. رافق هذا المشروع خطاب يؤكد على ضرورة "نفي المنفى" باعتباره الخيار الوحيد لتجاوز الشتات اليهودي، الذي يُنظر إليه كتهديد وجودي لليهودية، سواء من خلال معاداة السامية العنيفة (الهولوكوست) أو عبر اندماج اليهود في المجتمعات الأوروبية الحداثية والعلمانية. بناءً على ذلك، لم يغب النقاش الإسرائيلي حول "إزالة" السكان العرب من فلسطين- الذين يُنظر إلى وجودهم على الأرض كعائق أمام تحقيق المشروع الصهيوني- عن الكتابات الصهيونية، سواء في مراحلها المبكرة أو الراهنة. بل بقي هذا النقاش حاضرًا باستمرار في المخيال الإسرائيلي، وإن تراجعت أهميته أو معقوليته في فترات مختلفة من تاريخ دولة إسرائيل.
خرجت الدفعة الخامسة من صفقة تبادل الأسرى بين إسرائيل وحركة حماس إلى حيّز التنفيذ السبت الماضي، وجرى ذلك في إطار المرحلة الأولى من هذه الصفقة، وبحسب معطيات هيئة شؤون الأسرى والمحررين فقد أفرجت حركة حماس عن ثلاثة أسرى محتجزين لديها مقابل مئة وثلاثة وثمانين من الأسرى الفلسطينيين.
يمكن النظر إلى هذه الدفعة من الصفقة كما لو أنها معركة لكسر الإرادة، وحرباً إعلامية لا تقل ضراوة عن تلك التي دارت في الدفعات الأربع السابقة، ولعلها حرب على الوعي أدواتها الصور الثابتة، والمقاطع المصورة التي تحبس الأنفاس، والتي يراد لها أن تُخلّد في ذاكرة الجمهور من الطرفين، من دلالات الترتيب والتنظيم الآخذة في الدقة والحرفية دفعةً بعد دفعة، وصولاً إلى المنصة والشعارات وأدوات الحكم والسلطة من وثائق وأسلحة وتغطية إعلامية وعمليات تسليم وتواقيع، تعيد إلى الأذهان ذلك السؤال الذي تكرر عن اليوم التالي لوقف إطلاق النار.
الصفحة 9 من 880