إذا كان الصحافي الإسرائيلي يارون لندن قد تحدث عن العرب بفظاظة عنصرية مباشرة، فيجب التذكير بأن الخطاب الإعلامي الاسرائيلي برمته، فيما عدا استثناءات محدودة قليلة، هو خطاب يتعامل مع المواطنين العرب مثلما تتعامل معهم السلطة المركزية الاسرائيلية: مواطنون من الدرجة الثانية فما تحت.
إن سجل القضايا التي تهم وتقلق وترتبط بالعرب الفلسطينيين مواطني اسرائيل، يكاد لا يصل منه شيء إلى دائرة التغطية والجدل والاستقصاء في الإعلام العبري. فلا يظهر العربي أو قصته على الشاشات وصفحات الجرائد إلا مقرونا بالجريمة أو العنف أو مشتقات الأمن والإرهاب العديدة. الصورة التي تترسخ نتيجة ذلك هي غاية في التسطيح العنصري، فالعربي هو مجرم أو إرهابي أو "متطرف".
وصل والدي، الذي ينحدر من خلفية شرقية ضعيفة ونشأ في بيئة فقيرة، إلى رتبة ملازم أول في وحدة الأرصدة في الجيش الإسرائيلي. ودرس أبي في منتصف الأربعينات من عمره في قسم التاريخ في جامعة تل أبيب، وحصل على درجة البكالوريوس بالتعاون مع قاعدة تدريب الضباط. كنت في نهاية المدرسة الثانوية آنذاك، وقد تأثرت إلى حد كبير برؤيته جالسا في المنزل منكبا على الدراسة ليل نهار، وبسماعه يتحدث عن أساتذته وعن المواضيع التي يتعلمها بحماس كبير. وكانت هذه التجربة أحد الأسباب الرئيسية لاختياري التوجه لجامعة تل أبيب وللعلوم الإنسانية بالذات بعد إنهاء خدمتي العسكرية. ولقد ساعدني ذلك لأشرح لنفسي ولمن حولي عن السبب الذي جعلني أختار العلوم الإنسانية بدل الدراسات العملية.
يشهد المنهاج الرسمي لجهاز التربية والتعليم الإسرائيلي، وبشكل خاص منذ مطلع سنوات الألفين، تقلبات في التوجهات، خاصة وأنه من أصل 6 وزراء تناوبوا على هذه الحقيبة منذ العام 2001 وحتى الآن، 5 منهم كانوا من التيار الديني الصهيوني واليمين الاستيطاني. وكل واحد منهم عمل على تعميق دراسة موضوع "اليهودية" والديانة اليهودية، على حساب التثقيف على الديمقراطية والحريات.
هل تخلّى حزب ميرتس، الذي يُعدّ الممثل المركزي والأوضح لما اصطلح على تسميته "اليسار الصهيوني" في إسرائيل، عن مبادئه الأساسية وأطروحاته المركزية، لا سيما في المجال السياسي عموما وما يتصل منه بالصراع الإسرائيلي ـ الفلسطيني خصوصاً، بتحالفه الحالي مع إيهود باراك، الذي أشغل في السابق مناصب رئيس الحكومة ووزير الدفاع ورئيس هيئة أركان الجيش الإسرائيلي، وحزبه الجديد (الذي أطلق عليه اسم "إسرائيل ديمقراطية" وأعلن عن تأسيسه في حزيران الأخير)، في إطار تحالف انتخابي أطلق عليه اسم "المعسكر الديمقراطي" (يضم أيضاً عضو الكنيست ستاف شافير، التي انفصلت عن حزب "العمل") لخوض الانتخابات للكنيست الـ 22، المقرر إجراؤها في السابع عشر من أيلول الجاري؟
الصفحة 330 من 860