المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

تحيي منظمة "بتسيلم" (مركز المعلومات الإسرائيلي لحقوق الإنسان في الأراضي المحتلة) هذا الشهر ذكرى مرور 30 عاماً على تأسيسها.

وقالت المنظمة في بيان صادر عنها إن هناك أمور عدّة يتعلّمها الإنسان خلال ثلاثين سنة من العمل.

وأضافت: لقد تعلّمنا المبادئ النبيلة والسّامية التي تشكّل أساس عملنا: الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي ينصّ على ما يلي: "يولد جميع الناس أحراراً ومتساوين في القيمة والحقوق. جميعهم قد وُهبوا فطنة العقل والضّمير ومن هنا عليهم أن يعاملوا بعضهم بعضاً بروح الإخاء" وكذلك الآية التوراتيّة التي هي مصدر اسم منظّمتنا "فَخَلَقَ اللهُ الإِنْسَانَ عَلَى صُورَتِهِ. عَلَى صُورَةِ اللهِ خَلَقَهُ".

لكنّنا تعلّمنا أيضاً أنّ هذه المبادئ "يصحّ" خرقُها عوضاً عن تطبيقها حين تنقضّ عليها كتائب من المحامين الإسرائيليّين فيفرغونها من مضمونها ويسوّقونها للعالم على أنّها "عدالة". تعلّمنا أنّه في المنطقة الواقعة بين النهر والبحر حكومة واحدة تسيطر على الأرض والسكان ولكن في معتقدها أنّ من يستحقّ الحريّة والمساواة هم الإسرائيليّون فقط لا الفلسطينيّون.

تعلّمنا أنّه لا توجد قطعة أرض فلسطينيّة تفلت من يد إسرائيل التي تتمكّن دائماً من إيجاد مبرّر للاستيلاء عليها وتسخيرها في أيّ استخدام تبتغيه. كما تعلّمنا أنّه لا يوجد منزل فلسطينيّ يعجز قاضٍ إسرائيليّ عن إيجاد علّة قانونيّة مدروسة لهدمه.

تعلّمنا أنّه لا توجد ضحيّة فلسطينيّة يعجز جهاز الطّمس الإسرائيليّ عن طمس جريمة قتلها بموهبة فذّة - لا الطفل البالغ من عمره 6 أعوام ولا الفتى البالغ من عمره 14 عاماً ولا حتّى أسرة بأكملها. باشرنا التحقيق، لم نجد ما يستدعي التحقيق، لم نعثر على الملفّ، الفاعل مجهول - تختلف التفاصيل لكنّ النتيجة واحدة: يبقى القتل وشتّى أشكال العُنف دون مساءلة ومحاسبة.
تعلّمنا أنّه يكاد لا يوجد جانب واحد في حياة الفلسطينيّين لا تخضعه إسرائيل بشكل تعسفي لإصدار التصاريح أو الحواجز أو الموظفين أو الجنود. تعلّمنا أنّ الهندسة الديمغرافيّة للحيّز - بواسطة أوامر التهجير أو الهدم - يمكن أن تكون سياسة حكوميّة رسميّة.

تعلّمنا أنّ الفلسطينيّ قد يخلد إلى النّوم ليلاً وينهض صباحاً ليجد جداراً قد نُصب بينه وبين مدينته. أنّ الفلسطينيّ قد يذهب للنّوم ليلاً ويفتح عينيه فجراً على جنود يقفون وسط غرفة نومه فوق رأسه ثمّ يأمرونه أن يوقظ أطفاله من نومهم. أنّ الفلسطينية قد تستيقظ من نومها على صواريخ إسرائيليّة تسحق منزلها وأسرتها. تعلّمنا أنّه لا قعر لحضيض الأخلاق وعمى البصيرة سوى قعر الجحيم وأنّه حتّى مقتل 500 طفل في غزّة لا يثني إسرائيل عن ترداد شعارها "لا أبرياء في غزّة" وأنّهم جميعاً مخرّبون - بمن في ذلك الأطفال. تعلّمنا أنّه يمكنهم إطلاق النّار على متظاهرين عُزّل وفي الوقت نفسه التبجّح بأنّهم "أخلاقيّون".

تعلّمنا أنّه يمكن استغلال محادثات السّلام لأجل مواصلة الاستيطان والنّهب والسّلب والهدم. تعلّمنا أنّ الحديث عن "العمليّة السلميّة" ضريبة كلاميّة يحبّ أن يدفعها الجميع. لكن ماذا عن الهوّة السحيقة ما بين الأقوال اللّانهائيّة عن هذه العمليّة والوقائع على الأرض؟ نحن تعلّمنا أنّ مطالب العدالة والحقوق والمساواة أهمّ وأولى بكثير من النقاش حول عدد الدول يصحّ أن تقوم على هذه الأرض.

تعلّمنا أنّ العالم لن يوقف إسرائيل عمّا تفعله إذا فعلت ذلك بما يكفي من التدرّج وإذا صاحت "أمن!" و"لاساميّة!" عدداً كافياً من المرّات.

وتابع البيان: لكن كانت هناك أمور أخرى تعلّمناها:
تعلّمنا أنّ الفلسطينيّين متشبّثون بالحياة ومتمسّكون بالأرض ضدّ كلّ الاحتمالات ورغم ممارسات جميع أجهزة الدّولة ضدّهم وأنّهم سيظلون هكذا.

تعلّمنا أيضاً أنّ توقنا الإنسانيّ للعدالة لم يخبُ ولن يخبو حتّى بعد إدراك انعدام فرص تحقيق العدالة عبر أجهزة التحقيق والقضاء الإسرائيليّة. تعلّمنا أنّ إسرائيل تستطيع محاولة طمس الحقائق وإسكات النّقد ولكن أيضاً أنّ ما تصرخ به الوقائع لا يمكن احتجازه في المطار.

تعلّمنا أنّ الصّحوة والاعتراف بالواقع آتيان لا محالة مهما تأخّرا وأنّه قادم حتماً اليوم الذي سيُدرك فيه العالم بأنّ الاحتلال لا يمكن إزالته بتوجيه المناشدات المهذّبة إلى المحتلّ وإنّما بالعزم والخطوات الدوليّة الحاسمة.

تعلّمنا أنّه يمكن مليون مرّة القول إنّ هذه الأراضي ليست محتلّة وإنّ المستوطنات شرعيّة وإنّ غزّة ليست محاصرة وإنّه "لا يوجد شيء اسمه شعب فلسطينيّ" - وتعلّمنا في المقابل: أنّ الشّرب من بئر الأكاذيب هذه يسمّم الوعي لكنّه لا يغيّر الواقع وأنّه غداً صباحاً سنكون كلنا هنا، فلسطينيّون ويهود، سبعة ملايين وسبعة ملايين، شعبان ينتظرهما مستقبل مشترك ودروب حياة تتشابك.
وختم البيان:

بعد ثلاثين سنة هذه هي استنتاجاتنا المتواضعة. لا تعب ولا كلل ولا خوف ونحن مستعدّون للسّنوات الصّعبة القادمة وللسّنوات الجيّدة التي ستليها حتماً. تعلّمنا أنّه سيأتي يوم يخلد فيه الفلسطينيّ إلى النّوم ليلاً ليستيقظ على انبلاج نور الصّباح لا على جدار أو جنديّ أو قصف. وأنّ من يستيقظ حراً ينعم بالمساواة والحقوق. وأنّ المستقبل الوحيد الحتميّ والمنطقيّ والذي يقبله العقل وتصبو إليه الرّوح هو مستقبل الحقوق الكاملة غير المنقوصة لجميع البشر على هذه الأرض. وإنّه قادمٌ لا محالة!

 

المصطلحات المستخدمة:

بتسيلم

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات