المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • مقالات مترجمة
  • 1936

إخلاء العراقيب وهدم بيوتها تعبير عن تمييز بنيوي تمارسه إسرائيل إزاء مواطنيها البدو

 (*) كان المشهد الذي رأيناه صباح يوم الثلاثاء (من الأسبوع قبل الماضي) مشهداً مألوفاً، مقرفاً، لكنه لم يكن مفاجئاً، حيث اقتحم المئات من أفراد الشرطة والوحدات الخاصة قرية "العراقيب" العربية في النقب الشمالي، وأمروا سكانها بإخلاء بيوتهم في مهلة "دقيقتين" فقط. وبعد إخلاء وإبعاد الأهالي بالقوة، تقدمت البلدوزرات لتسحق وتدمر المباني والبيوت بسهولة مفزعة. أنهت القوات المشاركة في الحملة مهمتها، وطوت عتادها ومعداتها وغادرت المكان. إنه روتين الهدم والتدمير. هكذا، وللمرة الثانية في غضون أسبوع واحد، دمرت قرية العراقيب الواقعة بين رهط وبئر السبع، والتي يقطن فيها أبناء عشيرة الطوري، على أراضي آبائهم وأجدادهم. مرة أخرى تحولت القرية إلى أنقاض، وأصبح سكانها من دون مأوى أو حتى بقعة ظل تقيهم حر الصيف القائظ.

 

حتى نفهم قليلاً ما ارتكب من ظلم وحماقة وخطأ، سأسرد عليكم القصة في أربعة "مشاهد" تنضفر معاً في أساس التمييز العنصري والتدميري الذي يعاني منه عرب النقب منذ عشرات السنين.

المشهد الأول- 1926: اشترى سليمان الطوري أبو مديغم حوالي 1000 دونم في منطقة العراقيب، إضافة إلى 150 دونما كانت عشيرته قد اشترتها في العام 1907. وقد دفعت العشيرة ضريبة عن أراضيها إلى السلطات العثمانية والبريطانية التي اعترفت بملكية العشيرة لها. في العام ذاته (1926)، وعلى مسافة قصيرة من المكان ذاته، اشترى موشيه سميلانسكي قطع أرض من عائلات بدوية لصالح كيبوتس "مشمار هنيغف". وقد اعترفت دولة إسرائيل بعد قيامها بشرعية وقانونية عمليات الشراء التي تمت لصالح المستوطنة (الكيبوتس) المذكورة، وقامت بتسجيل الأراضي على اسم "الصندوق القومي- الكيرن كييمت". سوف يظن أي عاقل أن هذه الخطوة تدل على الاعتراف بالملكية القانونية لبائعي الأرض البدو، ولكن ما حصل في حالة عشيرة الطوري - التي اشترت أراضيها بنفس الطريقة، وفي نفس السنة ونفس المنطقة- هو أن دولة إسرائيل رفضت، وما زالت ترفض حتى الآن، الاعتراف بملكيتها للأرض، وهي عوضاً عن ذلك تنعت أبناء العشيرة، كما هي الحال بالنسبة لمعظم "القرى غير المعترف بها" في النقب، بـ "المعتدين" على أراضي آبائهم!

المشهد الثاني- 1952: تم إخلاء جميع البدو من المنطقة "لأغراض أمنية مؤقتة"، حيث جرى تجميعهم قسراً في منطقة بئر السبع، وإخضاعهم لحكم عسكري. بعد مرور سنة واحدة على عملية الإخلاء جسدت الدولة الخداع بوصف الإخلاء والترحيل على أنه "مؤقت"، وذلك حين صادرت أراضي العراقيب من دون إبلاغ أصحابها الأصليين. حتى عندما حصل هؤلاء على فرصة للمطالبة باستعادة أراضيهم في العام 1972، لم يكونوا على علم بأمر مصادرتها، وبالتالي كانت لديهم آمال بتحكيم نزيه ومنصف. غير أن الدولة (إسرائيل) طورت، في ردها على دعاوي البدو بشأن ملكيتهم للأرض، حجة جارفة زعمت بموجبها أنه لم تكن للبدو ملكية أراضي قبل العام 1948 لأن أراضي النقب كانت "ميتة" حسب زعمها، بمعنى غير مأهولة أو مستصلحة. في تلك الفترة أقيمت عشرات المستوطنات اليهودية في النقب، شيد الكثير منها على أراض كانت بملكية بدو النقب، وهذا يعني من ناحية تاريخية أن الدولة هي التي تَعَدَّت على أراضي البدو وليس العكس.

المشهد الثالث- 2003: أقيمت عشرات المزارع العائلية لحساب يهود في النقب، معظمها من دون الحصول على التراخيص اللازمة وخلافاً للخطط اللوائية والقطرية. في هذا العام (2003) أقامت أيضاً عشيرة الطوري مزرعة على أراضيها المهجورة منذ خمسين عاماً، لكنها صنفت في الخطة الهيكلية القطرية كمنطقة مخصصة للبناء والتطوير. دعاوى الملكية الرسمية التي قدمها البدو قبل ذلك بثلاثين عاماً ما زالت جاثمة كالطود، فيما سعت الدولة، وما زالت، إلى تسويف القضية ربما إلى أن ينسى البدو أرضهم، أو إلى أن يموت جميع الشهود. غير أن أبناء العشيرة، الذين يسكن معظمهم في بلدة رهط، لم يفقدوا قط صلتهم وارتباطهم بالأرض، بل عادوا مراراً إلى تعميرها وزراعتها، وبعد فترة وجيزة من إقامة مزرعتهم عليها، صدرت أوامر هدم ضد بيوتهم فيها.

المشهد الرابع- 2010: أوصى تقرير لجنة غولدبيرغ لتنظيم قرى البدو بـ "الاعتراف بالقرى قدر الإمكان". في إثر ذلك بدأت الدولة بالاعتراف على نحو بطيء بعدد من القرى التي كانت في وضع مماثل تماماً لقرية العراقيب، أي مستهدفة بالهدم والإخلاء. في المقابل عرضت للمرة الأولى في تاريخ الدولة، خلال تداول المحكمة لقضية أراضي العراقيب، أدلة وقرائن مهمة تثبت أن أراضي المنطقة كانت معبدة ومأهولة منذ العهد العثماني، وذلك خلافاً لمزاعم الدولة بأن الأراضي كانت "ميتة"، وعليه هناك إمكانية للاعتراف بالملكية التاريخية. في المقابل أعدت الدولة خططاً جديدة لتحويل أراضي المنطقة إلى منطقة حرجية (مشروع غابة حيران) وباشرت بحملة تشجير واسعة، وكل ذلك بهدف حرمان عشيرة الطوري من العودة إلى أراضيها. في الوقت ذاته، وفي خطوة بدت أشبه بذر الملح على الجروح، صادق الكنيست على "قانون مزرعة الأفراد" والذي يضفي الشرعية على عشرات المزارع اليهودية (ومزرعة عربية واحدة) التي أقيمت بصورة مخالفة للقانون. في 26 تموز الماضي نجح ممثلو النيابة العامة للدولة في إزالة وتذليل العراقيل القانونية التي كانت تعيق تنفيذ أوامر الهدم، والتتمة معروفة.

الاستنتاجات المطلوبة: لو كان سكان القرية يهودا، لكان مكانهم الآمن على أرضهم مضموناً ومصاناً، ولما كانوا قد مروا بكل هذه المتاعب والمعاناة. لقد تحولت "العراقيب" إلى رمز للطرد المستمر لعرب النقب، وللتنكيل غير المبرر من جانب الدولة بمواطنيها. صحيح أن لسان القانون الجاف يحظر الآن إقامة القرية.. وصحيح أن الدولة نجحت في تمرير خطط لتحريج المنطقة (وبالطبع من دون مشاورة أو مراعاة لسكانها الأصليين). لكن القوانين والخطط قابلة للتغيير كما رأينا في "قانون مزرعة الأفراد".

لقد آن الأوان لفتح صفحة جديدة في العلاقة بين الدولة والبدو لصالح النقب بأكمله، وللاعتراف بقرية العراقيب، وكل القرى البدوية (45 قرية) غير المعترف بها في النقب. إن ما يطالب به البدو لا يزيد عن 5% من أراضي النقب، وبالتالي فإن كل ما يتردد من حديث عن "خطر على الدولة" هو مجرد حديث مشوه لا أساس له من الصحة. هناك مكان في النقب للجميع، يهودا وعربا على حد سواء. إن هدم قرية العراقيب يهدم الإمكانيات العادلة والمنطقية المتمثلة بالبناء والتطوير المشترك للمنطقة، في ظل المساواة والاعتراف المتبادل. فمن أجل النقب، هذا هو الوقت لاتخاذ قرار بالبناء بدل الإخلاء، وبالاعتراف بدل الاقتلاع.

________________________

(*) محاضر رفيع في الجغرافيا والتخطيط الحضري في جامعة "بن غوريون" في بئر السبع، ومستشار المجلس الإقليمي للقرى البدوية غير المعترف بها. ترجمة خاصة.

 

 

هذه أراض عامة يجب الحفاظ

عليها كاحتياطي للدولة!

 

بقلم: أورطال تسبار (*)

 

جرى الحديث كثيراً في وسائل الإعلام خلال الأسابيع الأخيرة عن إخلاء "قرية العراقيب". هذا المصطلح "قرية"، الذي تكرس في وسائل الإعلام، يولد الانطباع بأن الحديث يدور على قرية معترف بها، لذا يجدر التوضيح أن الحديث يدور في الواقع على مجموعة مبانٍ غير قانونية شيدت وهدمت مراراً وتكراراً على امتداد السنوات ابتداء من العام 1998. إنه بناء مخالف للقانون، مصحوب بالشكوى ضد السلطات، على الرغم من أنه قدمت قبل ذلك حلول سكنية لكل القاطنين هناك، في قرى وبلدات أخرى.

وكانت ملكية هذه الأراضي قد نقلت إلى الدولة في الخمسينيات وذلك كجزء من عملية شراء أراض واسعة لصالح سلطة التطوير. إذن، بموجب القانون وقرارات المحاكم على اختلاف هيئاتها ومستوياتها، تعتبر الدولة هي الجهة المالكة للأراضي. من المهم التوكيد على هذا الجانب، نظراً لأنه سمعت في وسائل الإعلام مؤخراً أصوات تقول إن المحكمة المركزية في بئر السبع تنظر في دعوى ستحسم في مصير حقوق ملكية الأرض. والحقيقة أن غاية الدعوى مختلفة وهي: إجلاء مسألة حقوق الملكية "قبل" شراء هذه الحقوق لصالح الدولة، وذلك بهدف تفحص مسألة ما إذا كان يحق للمدعين الحصول على تعويضات معينة. من هنا فإن الإجراء القضائي المتعلق بدعوى الملكية لا يتناول حقيقة شراء الأرض من قبل الدولة وقرارات المحاكم المتعلقة بملكية الأرض.

فضلاً عن ذلك، واضح أنه حتى لو كانت الأراضي بملكية البدو المطالبين بالحقوق، فإن الأمر لا يعطيهم الحق بالبناء عليها والسكن فيها خلافاً للقانون وبدون الحصول على تراخيص البناء اللازمة. ولعل ما يدعو للاستغراب بشكل خاص هو إدعاء أبناء العشيرة (عشيرة الطوري) ضد سلوك وسياسة الدولة، في الوقت الذي يحاولون فيه التمترس في المنطقة وسط تجاهل أوامر قضائية، وفي موازاة الإجراء القانوني الذي سعوا من خلاله إلى منع إخلائهم. حتى في أثناء مداولات المحكمة، واصل أبناء العشيرة زراعة الأراضي العائدة للدولة، ووسعوا تعدياتهم عن طريق تشييد بيوت ومبان عليها، وكل ذلك وسط تجاهلهم الفظ للقوانين. من جهتها، اضطرت الدولة إلى إخلائهم مراراً وتكراراً خلال السنوات الماضية، وهو ما حصل مؤخراً أيضاً مرتين بفارق أسبوع واحد، حيث قامت السلطات مستعينة بقوات الشرطة بإخلاء وإزالة مبان غير قانونية جديدة أقامها الغازون (البدو من أبناء عشيرة الطوري) ونشطاء قدموا العون لهم. ولعل أفضل ما يلخص هذه القصة هو كلمات قاضية المحكمة العليا إيلاه بروكاتشا، التي نظرت في المسألة، حيث قالت: "... إن سلوك المدعين في القضية المذكورة يتصف بالسذاجة. لقد اقتحموا الأراضي موضع الخلاف وتم إخلاؤهم من قبل الشرطة، ثم عادوا واقتحموها ثلاث مرات أخرى وسط خرق سافر لأحكام القانون... في ظروف المسألة، نشأت فرضية لم يُطعن في صحتها مفادها أن الأراضي هي أراض عامة. المدعون لم يثبتوا، ولو ظاهرياً، حقوقهم في الاحتفاظ بالأرض...".

من أجل عرض الصورة بشموليتها، لا بد من التوضيح أن الدولة تخصص ميزانيات ضخمة لمواطنيها البدو، ومن ضمن ذلك كي توفر لهم، كما لكل مواطن، إمكانيات للسكن والخدمات والبنى التحتية. لقد أنفقت الدولة ملايين كثيرة على مضاعفة حجم ومساحة بلدة رهط من خلال إضافة آلاف الوحدات السكنية الجديدة لسكانها، بشروط ميسرة بشكل خاص لمشتري الأرض. كما وهناك خطط لإقامة بلدات جديدة أخرى لصالح السكان البدو، سيراعى فيها توفر مصادر للتشغيل ومناطق للرعي والزراعة.

وفيما يتعلق بالبنى التحتية التي توفرها الدولة للبلدات والقرى البدوية، فإنه من غير الممكن عملياً توفير هذه الخدمات لكل تجمع عشوائي صغير يتم بناؤه في عمق المنطقة، تخشيبة هنا وبيت هناك، وإنما فقط لقرى وبلدات منظمة. وقد اقترحت الدولة على سكان التجمع الذي أخلي مرة أخرى الأسبوع قبل الماضي حلولاً سكنية في رهط، علماً أن بعضهم يمتلك بيوتاً شيدت هناك، وهم يسكنون فيها إلى جانب المساكن التي أقاموها في العراقيب.

ولا بد من التأكيد هنا أن الأراضي التي اقتحمها البدو هي في الواقع مناطق مفتوحة مخصصة لصالح عامة الجمهور، وكجزء من احتياطي أراضي دولة إسرائيل، ومن ضمن ذلك لمواطنيها البدو.

إن ما قام به هؤلاء السكان من تعد على أراضي الدولة يمس بقدرة دائرة الأراضي على إدارتها كما يجب، ومن ضمن ذلك لصالح السكان البدو أنفسهم. سوف تستمر دائرة الأراضي في المحافظة على الأراضي لصالح الجمهور كافة، وفي العمل على فرض وتطبيق سلطة القانون.

______________________________

 

(*) متحدثة ومسؤولة عن الدعاية في "دائرة أراضي إسرائيل". ترجمة خاصة.

المصطلحات المستخدمة:

كيبوتس, الكنيست

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات