هناك شيء في اسرائيل اسمه مكتب الناطق العسكري. قسم الدعاية والترويج التابع لجيش الاحتلال. كل الصحفيين يعرفون ان هذا الشيء غالبا ما يكذب ويخفي الحقائق. ربما لا يعترف كل الصحفيين بهذا، ولكن الجميع يعرف ذلك. فبواسطة هذا القسم ، قسم الكذب العسكري، يجري مسح دماء الضحايا الفلسطينيين بالكلام الفارغ. بالجمل المرسومة بدقة وخبث. وبأخلاقيات تقع على مستوى مياه المجاري.
عصر يوم الاربعاء، خرجت الناطقة العسكرية ("عيرف حداش"، القناة الأولى) برواية غاية في الكذب والغباء معا، بعد المجزرة في رفح. يوم قامت طائرات حربية بقصف متظاهرين فيهم الاطفال والفتيان وجميعهم عُزّل. هذه الضابطة خرجت بالبث المباشر لمسح الدماء المسفوكة عبر مغسلة كلامية قذرة.
وهذا ما قالته الضابطة "رفيعة المستوى": ما حدث هو أن المروحية أطلقت صاروخًا تحذيريًا في منطقة مفتوحة، بينما أطلقت دبابة قذيفة الى بيت مهجور، وهذا البيت كان مفخخًا بالعبوات الناسفة وهو ما أدى الى اصابة المتظاهرين.
هكذا، بهذه الصفاقة وبهذا الغباء. (صاروخ جو – أرض للتحذير!). حتى أفلام هوليوود الرخيصة تقدم روايات أكثر اقناعًا. سينما الاثارة السخيفة مقنعة أكثر بكثير من هذا الكلام. ولو أن هذه الضابطة تقدمت بعد اعتزالها مهنة الكذب العسكري بروايتها كسيناريو لصنع فيلم (مهما بلغ مستواه من الانحطاط) لكانت طردت من أي شركة انتاج بعد دقائق.
ولكن في اسرائيل 2004 الوضع مختلف. فهذا المجتمع البليد الى حد الاجرام، والذي تقترف باسمه أبشع المجازر يصغي ويوافق. ربما لا يوافق، لكنه يصمت. ولا فرق من حيث النتيجة.
ولكن ما يثير الامعاء الى حد الغثيان، هو ذلك القطيع من الصحفيين الذين يجترّون ما يتقيأه الجيش حرفيًا. جماعة من عديمي القامة والقيمة، يشاركون برتبة ضباط احتياط في جريمة غسل دماء أطفال رفح بالكلام الكاذب.
اذا كان هذا يسمى صحافة متطوّرة فمن الأفضل احراق كل الصحف وتكسير كل التلفزيونات.. لا نقاش على ان جنرالات حكومة وجيش اسرائيل يجب أن يُقدّموا للمحاكمات على جرائم الحرب. ولكن ربما يمكن أيضًا تقديم عملائهم الصحفيين الى محاكمات على خداع الرأي العام وتخريب الذوق العام وترويج واحد من أقذر أشكال الدعارة الصحفية. ولمن سيصرخ قائلا "وحرية التعبير.." يمكن القول إن هذه الحرية تشمل كل شيء عدا الكذب وخاصة بأنواعه الخبيثة. هذه المهنة لا تحتوي بند الدعارة. كلا. أما من يستغل المهنة ليكذب ويمسح بكلماته جرائم سفك الدماء البشرية، فليذهب الى الجحيم هو وحريته وتعبيره. نقطة.