المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • مقالات مترجمة
  • 1246

القذيفة الطائشة التي أطلقها الجيش الإسرائيلي في الثامن من تشرين الثاني الماضي أثناء نشاط اعتيادي لإحباط إطلاق صواريخ "قسّام" من قطاع غزة إلى النقب الغربي، تسببت في مقتل ثلاثة وعشرين شخصاً من سكان بيت حانون.

 

هذه الكارثة، التي جسدت معضلة الحياة في قطاع غزة في ظل التصعيد المستمر للصراع والمواجهة، حفزت استئناف الاتصالات بين رئيس الوزراء إسماعيل هنية والرئيس محمود عباس (أبو مازن) بشأن مبادئ وأسس حكومة الوحدة الوطنية الفلسطينية. بعد انقضاء بضعة أسابيع من المباحثات ظلت الخلافات المبدئية في وجهات النظر قائمة على حالها بين الطرفين فيما يتعلق بالقضايا السياسية وتوزيع الصلاحيات.

 

غير أنه ازدادت في المقابل إلحاحية كف الضغط العسكري الإسرائيلي، بل وتقدم ذلك على الحاجة التي وَجَّهت المحاولات الرامية لبلورة اتفاق حول حكومة الوحدة، والمتمثلة في رفع الحصار الاقتصادي المفروض على السلطة الفلسطينية. في ضوء ذلك وافقت "فتح" و"حماس" وفصائل أخرى على وقف إطلاق الصواريخ باتجاه إسرائيل. وأبلغ الرئيس عباس الجانب الإسرائيلي بأن الفصائل وافقت على التوقف عن إطلاق الصواريخ على مدن وبلدات النقب، وعن شن العمليات الانتحارية وحفر الأنفاق التي تستخدم لتهريب الوسائل القتالية إلى قطاع غزة. ردت إسرائيل بوقف نشاطاتها وعملياتها العسكرية في القطاع وسحب قواتها من المنطقة، ودَخَلَ وقف إطلاق النار حيز التنفيذ في 26 تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي.

 

الاتفاق الفصائلي بشأن وقف إطلاق النار وما تبعه من استعداد إسرائيلي لوقف النشاطات العسكرية في قطاع غزة، يغير الديناميكية الإسرائيلية- الفلسطينية بعد أشهر من التصعيد المستمر في المواجهة. هذا التطور يُعزز أيضاً المكانة التمثيلية للرئيس عباس سواء في الساحة الفلسطينية أو في الرؤية الإسرائيلية. مع ذلك، فإن الأمر ليس كافياً من أجل تدعيم وقف إطلاق النار حتى يُعمِّر ويترسخ.

 

التفاهمات المبدئية التي تم التوصل إليها بين إسرائيل والرئيس عباس، وبين عباس وباقي الفصائل الفلسطينية، لن تترجم فورياً إلى هدوء تام. والاتفاق الفصائلي أحرز دون اشتراط أو صلة ملزمة بإقامة حكومة وحدة وطنية، وإنما جرى التوصل إليه بشكل أساسي للحؤول دون تسبب النزاع بين "فتح" و"حماس" في إجهاض فرصة للتهدئة، يحتاجها المعسكران بعد أشهر من المواجهة والصراع. غير أن محاولة تجاوز الخلافات المبدئية يمكن أن تتكشف كموطن ضعف رئيس لوقف إطلاق النار. فعدم الاتفاق حول توزيع الصلاحيات، وخاصة ما يتعلق بالسيطرة على وزارة الداخلية وما يتبعها من أجهزة أمنية مختلفة، من شأنه أن يُصعِّبَ، بل وهناك احتمال كبير في أن يفشل فرض التهدئة على سائر الفصائل في المناطق الفلسطينية.

 

إسرائيل والولايات المتحدة الأميركية تتمسكان بالرئيس محمود عباس كشريك أمني وسياسي. ولكن استمرار سياسة الفصل بين المعسكرات المتصدرة في "المناطق" سَيقوض الإمكانية- التي تنطوي على إشكالية أصلاً- في إيجاد طرف مركزي في المناطق الفلسطينية يساعد بصورة جادة وملموسة في الحفاظ على التهدئة. فتدفق الوسائل القتالية لقوات "فتح" على سبيل المثال، يمكن أن يبعث الأمل في صفوف هذه الحركة بإحراز حسم عسكري في الصراع الفصائلي. وفي غياب تهدئة فلسطينية داخلية لن تكون التهدئة الإسرائيلية- الفلسطينية ممكنة. كذلك فإن استمرار المجابهة بين الفصائل الفلسطينية سيسد الطريق أمام إقامة حكومة وحدة وطنية وستتلاشى إمكانية تفرغ هذه الحكومة إذا ما تشكلت، للإصلاح وإعادة البناء المدني الذي يعتبر شرطاً للتهدئة. لقد نجح الرئيس عباس في الواقع في بلورة توافق فصائلي على "التهدئة"، على الأقل نظرياً. بيد أن قدرته على فرض تطبيق سياسة معينة على سائر القوى والفصائل الفاعلة في الأراضي الفلسطينية، بما فيها أجنحة متماثلة مع حركة "فتح"، محدودة للغاية.

 

فضلاً عن ذلك فإن عملية انهيار الأطر المؤسسية في "المناطق"، والتي تُلاحظ بشكل خاص لدى حركة "فتح"، لم تقفز عن حركة "حماس" أيضاً. ومن هنا فإن وهن السيطرة على العناصر الميدانية من شأنه أن يضع صعوبات وعراقيل أمام تطبيق التهدئة حتى وإن نجحت الأطراف في بلورة اتفاق رسمي بشأن توزيع الصلاحيات وموارد القوة.

 

رئيس الحكومة الإسرائيلي، إيهود أولمرت، صرّح بأن إسرائيل ستتحلى بضبط النفس "بغية إعطاء فرصة حقيقية لوقف إطلاق النار". لكن ضبط النفس لن يستمر طويلاً في ضوء الخروقات المتكررة لوقف إطلاق النار، وهذه الخروقات حتمية كما يبدو.

 

إن وقف تدفق الأسلحة والوسائل القتالية إلى المناطق الفلسطينية يشكل شرطاً ضرورياً للحيلولة دون تمكن الفصائل المقاتلة وفي طليعتها حركة "حماس" من الانتعاش وبناء قوة معززة، توطئة لجولة أخرى من المواجهة. غير أن هذه ستكون مهمة مستحيلة، ولا سيما في المدى القصير، وهذا في حال تجنب إمكانية تفسر في إسرائيل كانتهاك لوقف إطلاق النار.

 

بغية تفادي أي استفزاز يجر إسرائيل لرد يؤدي إلى تجدد دائرة العنف، ومن أجل كبح نشوء تهديدات مستقبلية، ينبغي التطلع نحو تكريس وقف إطلاق النار في إطار اتفاق دولي ملزم وملتزم. قد يكون من شأن جهود مصرية حازمة أكثر مما بذل حتى الآن، أن تساعد في كبح تهريب الوسائل القتالية إلى قطاع غزة. ومن الممكن أيضاً لمرابطة قوة متعددة الجنسيات على حدود قطاع غزة أن تساعد في إحباط خروقات محتملة لوقف إطلاق النار. كذلك فإن مجموعة من الحوافز من جانب إسرائيل ربما تكون مفيدة في ضبط وتقليص التأييد الشعبي في "المناطق" للعناصر التي تسعى إلى إعادة إسرائيل والفلسطينيين إلى دائرة العنف. فتخفيف الضغط العسكري يجب أن يُرافقه رفع الحصار الاقتصادي وبوادر حسن نية أخرى وفي مقدمتها إطلاق سراح معتقلين فلسطينيين.

 

مثل هذه البوادر، إلى جانب بوادر حسن نية فلسطينية وعلى رأسها إطلاق سراح الجندي المختطف جلعاد شاليت والحرص على التهدئة الأمنية، من شأنها أن تجسد النية المتبادلة بتغيير الاتجاه. حتى الآن، فإن هذه الخطوات والحوافز التي تشكل دعماً للقرار المبدئي بشأن وقف إطلاق النار، لا يبدو أنها ستتبلور قبل وقوع أحداث تبشر بانهيار التهدئة.

 

عملياً فإن إسرائيل تقف لوحدها في الساحة العسكرية ضد العناصر التي تريد مواصلة القتال والحرب في المناطق الفلسطينية. فمصر لا تقوم إلاّ بخطوات محدودة تهدف إلى كبح تهريب الوسائل القتالية إلى قطاع غزة. والولايات المتحدة تعمل من جهتها من أجل تعزيز القدرات العسكرية لحركة "فتح" بغية إيجاد وزن مضاد حيال حركة "حماس". غير أن كل هذه الجهود لم تفلح حتى الآن في كبح اتجاه التصعيد.

 

إن ممارسة الضغط العسكري على السلطة الفلسطينية، إذا ما انهار قف إطلاق النار، سيحد في الواقع من القدرات التنفيذية الفورية للعناصر المقاتلة، لكنه لن يساعد في تقليص الدافعية للعمل. وعلى الأرجح فإن العكس هو الصحيح. فأي تشديد آخر في الضغط العسكري سيعجل في انهيار الجهاز المدني والمؤسسي الفلسطيني، ولن يدفع قطعاً باتجاه تحقيق اعتدال سياسي لدى حركة "حماس" أو باقي الفصائل المنخرطة في المواجهة ضد إسرائيل.

 

وفي ضوء وهن الحصار والمقاطعة ضد السلطة الفلسطينية، يبدو أنه لن يكون بعيداً اليوم الذي ستجد فيه إسرائيل نفسها معزولة ووحيدة في المعركة في الساحة السياسية والاقتصادية أيضاً.

 

______________________

 

* خاص من "معهد دراسات الأمن القومي" في جامعة تل أبيب (مركز يافه للدراسات الإستراتيجية، سابقًا). الكاتبة باحثة في المعهد.

 

المصطلحات المستخدمة:

حكومة الوحدة الوطنية, رئيس الحكومة

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات