المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • مقالات مترجمة
  • 1270

هل نبدأ بالأخبار الجيدة أم بالأخبار السيئة؟ لكوننا متفائلين إلى حد الإدمان سنبدأ، بطبيعة الحال، بالأخبار الجيدة.

يمكننا القول في هذا السياق: لا يغرّنك المظهر بل انظر إلى الجوهر. أفيغدور ليبرمان ليس عضوا في الحكومة الجديدة.

لقد بذل قصارى جهوده ليصعد إلى السفينة. لبس قناعا يكاد يكون ليبراليا، في هيئة سمك مملح لذيذ تناوله مع يوسي بيلين، الذي قال عنه إنه إنسان لطيف المعشر ومحبب إلى النفس. امتنع عمير بيرتس بعد الانتخابات عن الالتزام بألا يجلس معه في الحكومة ذاتها. كان يبدو أن ذلك العنصري المتغطرس سينجح في كسب الشرعية الرسمية لآرائه الفاشية.

 

إلا أن ذلك الذئب المفترس لم يأخذ بالحسبان مكر الثعلب. لقد حرّك إيهود أولمرت ذلك المتغطرس الغليظ بأصابعه كما يحلو له. في اللحظة الأخيرة، أبقي ليبرمان على الشاطئ، ينظر بعينين متّقدتين إلى الأعلام الخفاقة التي ترفرف فوق السفينة التي تشق طريقها بين الأمواج.

حين استشاط غضبا، نزع قناعه الوديع، حين طالب في أول خطاب له في الكنيست بإعدام النواب العرب، بسبب لقائهم أعضاء الحكومة الفلسطينية. بعد هذا الحدث لن يشاركه الأكل أحد حتى يوسي بيلين ذاته.

 

الخبر الجيد الثاني هو أن شاؤول موفاز قد أبعد عن وزارة الدفاع. هذا الرجل الرجعي، ملك "التصفيات الموجّهة"، نزل عن برج وزارة الدفاع العاجي إلى قاع بئر وزارة المواصلات. كم هو ممتع أن نرى الكاريكاتير الذي يظهره وهو في دبابة يسافر في شوارع تل أبيب.

يشوب هذا السرور قلق عميق. من الصعب أن نعتاد على عبارة "وزير الدفاع عمير بيرتس". بعد بضع ساعات فقط من أداء القسم بالولاء في وظيفته الجديدة، أطلق جنود النار على سائق سيارة أجرة فلسطيني من الخلف، لا ناقة له ولا جمل، بجانب أحد الحواجز، وأردوه قتيلا. قبل يوم واحد من تلك الحادثة قتلوا "خطأ" امرأة فلسطينية في مخدعها. منذ الآن، سيتحمل بيرتس مسؤولية كل هذه الأعمال، التي تحولت إلى أمر اعتيادي لدى الاحتلال. لقد أدخل نفسه إلى وضع مستحيل تقريبا. يبدو أن علينا أن نجري المظاهرات القادمة ضده.

 

الخبر الجيد الثالث هو أن هذه الحكومة هي حكومة مدنية. متقلدو المناصب الرفيعة الأربعة (رئيس الحكومة، وزير الدفاع، وزير المالية ووزير الخارجية) هم مواطنون. إنها دون أدنى شك إشارة بلوغ.

من بين 25 وزيرا، هناك اثنان فقط من الجنرالات (موفاز وبنيامين بن إليعيزر)، غير أن منصبيهما هما منصبان صغيران. حتى عدد رجالات الشاباك في الحكومة (جدعون عيزرا، أفي ديختر ورافي إيتان) هو أكثر من ذلك. غير أنه لا يجدر بنا أن نفرح لذلك مسبقا: حكومة مدنية بالذات يمكن أن تكون مستعبدة لنفوذ الجنرالات ويتعزز الإحساس لديها بأن عليها أن تبيّن قوتها العسكرية (ككلمات الأغنية: كل ما يمكنك أن تفعله، يمكنني أن أفعله بشكل أفضل). هل سيتجرأ هؤلاء المواطنون على عصيان رئيس الأركان، الذي يحضر كافة جلسات الحكومة ويملي السياسية باسم "الأمن"؟

لا توجد أسود في هذه الحكومة. إنها حكومة ثعالب، ويتزعمها رئيس القطيع. مع غياب أريئيل شارون، غابت آخر الشخصيات الكبيرة من جيل 1948. وجود شمعون بيريس الذي يثير الشفقة، بيّن هذا الأمر أكثر فأكثر. إنها حكومة مؤلفة من وصوليي الأحزاب الذين يميلون مع مهب الريح.

تعاني هذه الحكومة من ثغرتين بارزتين. لقد اقترف أولمرت أول خطأ فادح، حيث لم يضم إلى الحكومة الجديدة أي وزير من جمهور الناطقين باللغة الروسية. مليون قادم جديد من دول الاتحاد السوفياتي سابقا، وكثيرون من بينهم ملطخون أصلا بآفة العنصرية المزمنة التي جلبوها معهم من موطنهم الأصلي، سيبعدون الآن أكثر فأكثر إلى الهامش اليميني. إنه خطر جسيم وخبر سيء.

هناك جمهور تعداده مليون ونصف المليون بقي خارجا هو أيضا: المواطنون العرب. فهذه الحكومة، الحادية والثلاثون على مر السنوات الثماني والخمسين منذ قيام الدولة، هي حكومة يهودية وليست إسرائيلية. لا يوجد فيها أي وزير عربي. هذا الجمهور الكبير سيدفع به هو أيضا إلى الهامش. وهذا خبر سيء جدا. هذه الكليشيهات التي يتفوه بها أولمرت عن المساواة بين كل المواطنين لا يمكنها أن تغفر ذلك.

 

إذن ما الذي يتصدر جدول أعمال حكومة أولمرت؟ يبدو أن الإجابة هي إجابة مبتذلة: مجرّد وجودها. توحدها الإرادة القوية في البقاء على قيد الحياة في السنوات الأربع والنصف القادمة.

أوضح تعبير على ذلك كان أولمبيادة القُبل التي أجريت في الكنيست في حفل أداء الوزراء للقسم. هذا التأجج من السرور الصبياني يميز من يربح في اليانصيب أكثر من وزراء من شأنهم أن يواجهوا مشاكل مصيرية ويجدوا لها الحلول.

رئيسة الكنيست، داليا إيتسيك، وهي أول امرأة تتقلد هذا المنصب، تحولت إلى "ميزوزاه" (رقّ صغير يُكتب عليه إصحاحان من سفر التثنية ويركّب على الباب حيث يقبله الداخلون إلى المكان- المترجم)، حيث انهال عليها كل الوزراء بالقبل (فيما عدا الحريديم). بعد ذلك قبّل الوزراء الجدد بعضهم بعضا وقبّلوا جميع أعضاء الكنيست الذين اعترضوا طريقهم بالضمّ والتربيت القوي على الكتفين. إذا حسبنا ما معدله دزّينة قبل لكل وزير، فقد كانت هناك حوالي 300 قبلة.

من الصعب تصوّر مثل هذا السيناريو في أي برلمان في العالم، ناهيك عن الكنيست الأولى. فدافيد بن غوريون لم يكن مقبّلا كبيرا.

 

الراية المرفرفة على سفينة الأميرال هي إذن راية "الانطواء". كان هذا وما زال شعار أولمرت الرئيسي، ولكن لا يجدر بنا أن نحبس أنفاسنا حتى يتم تنفيذه.

لقد أعلن أولمرت ذاته أنه قبل التنفيذ يجب تخصيص وقت للحوار. الحوار مع من؟ مع المستوطنين. مع الولايات المتحدة. مع "المجتمع الدولي". ومن هو الغائب عن هذه القائمة؟ صحيح، الفلسطينيون. لا يمكن (ولا حاجة) للحوار معهم - حتى يعترفوا بحق الدولة اليهودية في الوجود، يوافقوا على كل الاتفاقيات التي تم توقيعها، يوقفوا العنف وينزعوا سلاح المنظمات. باختصار، الاستسلام دون قيد أو شرط. ولربما سيتم تسجيلهم، حينئذ، في الهستدروت الصهيونية. أولمرت صبور، فهو مستعد للانتظار لمدة سنتين.

في هاتين السنتين، من شأن الولايات المتحدة والمجتمع الدولي أن يعترفا بالحدود الدائمة التي ترغب حكومة أولمرت في رسمها كما يحلو لها وبشكل "أحادي الجانب"، دون موافقة الفلسطينيين ودون التحدث معهم. غير أنه قبل أن يحدث ذلك، سينمو الشعر على راحة يد أولمرت.

خلال هاتين السنتين لن تحرك الحكومة ساكنا من أجل السلام. بل على العكس، ستقوم بتوسيع الكتل الاستيطانية- وكأنها تجهز مكانا لاستيعاب المستوطنين الذين سيتم إخلاؤهم من المستوطنات الكبيرة المعزولة. أي بما معناه: أولا، ضم وتوسيع رقعة المستوطنات الكبيرة، وبعد ذلك فقط- إن شاء الله- تفكيك بعض المستوطنات الصغيرة. وفق هذه الخطة، سيبقى كل المستوطنين عبر الخط الأخضر. أولمرت كان قد رفض رفضا باتا الاقتراح القاضي بدفع تعويضات للمستوطنين الذين يرغبون في إخلاء أنفسهم منذ الآن والعودة إلى المناطق التابعة لإسرائيل.

 

وما هو أحسن خبر؟ تتحدث هذه الحكومة بصراحة عن "تقسيم البلاد"، التي تعتبر "خشبة النجاة لدى الصهيونية". إنها تتحدث عن انسحاب من "معظم مناطق يهودا والسامرة" وعن تفكيك المستوطنات. هذا يشهد على وجود تحرك كبير في الرأي العام.

صحيح أن أحد قادة العنصريين الموجود في الكنيست، وهو إيفي إيتام، قد صرخ أنه "لا توجد أغلبية تؤيد الانسحاب"، ولكن يجدر به أن يعود إلى الصف الثالث الابتدائي وأن يتعلم الحساب. صحيح أنه وفق التوزيع العنصري، هناك 58 مؤيدا يهوديا فقط للانسحاب (27 عضوا يهوديا في كديما، 18 في العمل، 7 في حزب المتقاعدين، 5 في ميرتس، 1 من الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة)، وبقية الأعضاء الاثني عشر هم من العرب الذين يؤيدون بطبيعة الحال الانسحاب (1 في كديما، 2 في العمل، 2 في الجبهة، 4 في القائمة العربية الموحدة).

استنادا إلى ذلك، لا توجد في الكنيست أغلبية (70 مقابل 50) تؤيد تقسيم البلاد، بل هناك "أغلبية يهودية" كبيرة (58 مقابل 50). هذا تغيير جيولوجي في الرأي العام - تغيير بطيء ولكنه قوي ومتواصل.

القليلون يؤمنون أن هذه الحكومة ستدوم فعلا لمدة أربع سنوات ونصف السنة. التكهن بشكل عام يفيد بأنها ستسقط بعد سنتين، حين تبدأ خطة "الانطواء". من شبه المؤكد عندها أن شاس ستنسحب.

لقد طلب أولمرت منا أن نتسلح "بالصبر". حسنا، سننتظر الانتخابات القادمة بفارغ الصبر.

 

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات