في جلسة "الكابينيت" الليلية، يوم الأربعاء الماضي، بعد عملية حيفا، سمع الوزراء تقريرًا من عناصر أمنية عن نشاطات الجيش الاسرائيلي في غزة. وقد أوضح وزير "الأمن"، شاؤول موفاز، وقياديو الجيش الاسرائيلي و"الشاباك"، أن العمليات الواسعة في الضفة الغربية نجحت في السيطرة على البنى التحتية لـ "الارهاب" هناك، على الرغم من نجاح الفلسطينيين في تنفيذ عمليات، من مرة إلى أخرى. ويتركز المجهود الحربي الآن ضد بنى "حماس" التحتية، التي تتخذ من قطاع غزة مركزًا لها.
وقيل للوزراء إن الجيش الاسرائيلي سيحتل منذ الآن مساحات في القطاع، لم ينشط فيها سابقًا، وإن عمليات "الإحباط المركّزة" (الاغتيالات) ستستمر. وبما يلائم النُظم المتبعة، لم تُعطَ في جلسة "الكابينيت" الأسماء المرشحة للاغتيال، ولم يتم الحديث هناك أيضًا عن التمييز بين قياديين عسكريين وقياديين سياسيين.
وتقول مصادر سياسية وأمنية رفيعة إن إبراهيم المقادمة، الذي قُتل أمس، كان قائدًا عسكريًا لكل شيء، وإن إغتياله لم يشذّ عن السياسة المتبعة. <<قد قيل منذ فترة إن لا أحد يحظى بالحصانة هناك>>، قال مصدر سياسي رفيع. <<هدفنا هو القضاء على ‘حماس‘ قدر الامكان>>.
وكررت العناصر الأمنية، في جلسة "الكابينيت"، مواقفها، بأنه كان بإمكان السلطة الفلسطينية السيطرة على بُنى "حماس" التحتية في غزة، ولديها ما يكفي من القوات والأجهزة الميدانية. لكن رئيس السلطة الفلسطينية، ياسر عرفات، لا يرغب ولا يسمح لرجاله بالعمل، وهناك خطر اليوم بأن تسيطر "حماس" على القطاع وأن تفرض بديلاً سلطويًا للسلطة. مثل هذا التطور سيكون غير مرغوب به من طرف إسرائيل، ولذلك فهي لا تملك إلا خيار محاربة "حماس".
السؤال الذي حلّق فوق "الكابينيت" كان حول كيفية الرد على عملية حيفا، من دون إثارة تصعيد يغضب الأمريكيين عشية الحرب في العراق. وينص تقييم الوضع الراهن على المستوى السياسي في القدس، على أن إسرائيل تتمتع بحرية عمل <<كاملة بما فيه الكفاية>> في المناطق، شريطة الامتناع عن إرتكاب أخطاء والمسّ بالأبرياء. كما أن الحكومة الأمريكية مستعدة لكل عملية إسرائيلية، تُفسّر على أنها دفاع شرعي عن النفس، ولا تُرى كمحاولة لاستغلال الهجوم على العراق بشكل سيء. <<الحدود معروفة للجميع، وعندما يبدو للحكومة الأمريكية أننا نتخطاها، فإنهم يوضحون لنا ذلك بشدة، كما حدث في قضية حصار المقاطعة في أيلول الأخير>>، يقول مصدر سياسي في القدس.
وتمتنع الحكومة الأمريكية عن إنتقاد العمليات الأخيرة في غزة ولم تضغط على إسرائيل لوقفها. وقد تلقت إسرائيل إستنكارات على المسّ الزائد بالمواطنين الفلسطينيين فقط، وعلى الضائقة الانسانية في المناطق. هنا أيضًا تصرفت الحكومة الأمريكية بضبط نسبي للنفس، وانتبهوا في القدس إلى الفروقات في التصرفات الأمريكية. فقد صدرت الأقوال النقدية على إسرائيل من الناطقين بإسم وزارة الداخلية والبيت الأبيض؛ ولكن الأمريكيين امتنعوا، في أحاديث مغلقة في القنوات الدبلوماسية، عن طرح الموضوع أمام الممثلين الاسرائيليين.
ويفسّرون في القدس هذه الازدواجية بحاجة الحكومة الأمريكية لإبداء الاهتمام بوضع الفلسطينيين، أمام أصدقائها الأوروبيين والعرب، من دون تفعيل ضغط حقيقي على إسرائيل. ولذلك اكتفوا بالبيانات العلنية، التي لم تُصغ بحدة زائدة.
الاستنتاج الاسرائيلي من تصرف الحكومة الأمريكية، هو أن بمقدور الجيش الاسرائيلي مواصلة نشاطاته في المناطق في الاطار الحالي، حتى عندما تقصف الطائرات الأمريكية بغدادَ. ولا يسود في القدس شعورٌ بالهلع، ولا يتحدثون عن "تنظيف المنطقة" وإكمال الحملة في غزة قبل إندلاع الحرب في العراق.
إسرائيل معرضة لهجوم "إرهابي"، والرئيس بوش وحكومته يقبلان بحقها في الدفاع عن نفسها ومواجهة مُحرّكي "الارهاب". الأمريكيون أيضًا لا يميّزون بين ذراعي "حماس"، السياسية والعسكرية، ويرون فيهما هدفًا شرعيًا.
(هآرتس 9 آذار، ترجمة: "مـدار")