المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

كان من شأن هذا المستند أن يكون مستندًا جيدًا فيما:

لو أراد كل الأطراف التوصل إلى تسوية عادلة حقاً.

لو كان شارون ورفقائه مستعدين حقًا لإعادة المناطق المحتلة وحل المستوطنات. لو كان الأمريكيون مستعدين لتنفيذ ضغط مكثف على إسرائيل.

لو كان يحكم واشنطن رئيس مثل دويت آيزنهاور، الذي لم يكترث لأصوات اليهود وتبرعاتهم.

لو اعتقد جورج بوش بأن هذا الأمر سوف يخدم مصالحه، وليس مجرد عظمة يقذف بها إلى البودل (الكلب) الإنجليزي التابع له.

لو اعتقد طوني بلير بأن هذه الوثيقة ستخدم مصالح بريطانية، وليس مجرد فتات يرميها باتجاه المعارضة الداخلية.

لو كانت لهيئة الأمم المتحدة قوة حقيقية تذكر.

لو كانت لأوروبا قوة حقيقية تذكر.

لو كانت لروسيا قوة حقيقية تذكر.

لو كان لجدتي عجلات في رجليها.

كل هذه "الافنراضات" تتطرق إلى حالة خيالية. لذلك لن ينتج شيء عن كل هذه الثرثرة حول "خريطة الطريق" المبجلة هذه. لقد مات الجنين منذ زمن بعيد في رحم الأم "الرباعي".

مع ذلك، دعونا نتطرق إلى الأمر وكأنه أمر جدي. هل هذه الوثيقة هي وثيقة جيدة؟ هل لها أن تأتي بفائدة ما، لو كانت كل هذه "الافتراضات" واقعية؟

للإجابة بشكل جدي على هذه الأسئلة، علينا التفريق بين الهدف المعلن عنه وبين الطريق التي من شأنها أن تؤدي إلى هذا الهدف.

إن الهدف إيجابي حقاً، فهو يشابه أهداف حركات السلام الإسرائيلية: إنهاء الاحتلال، وإقامة دولة فلسطين المستقلة إلى جانب دولة إسرائيل، وارساء اسس سلام إسرائيلي - فلسطيني وإسرائيلي -سوري، واندماج إسرائيل في المنطقة.

من هذه الناحية تتخطى هذه الوثيقة أبعاد اتفاقية أوسلو. ففي "إعلان المبادئ" الخاص بأوسلو كان هناك فراغاً كبيرًا: فالاتفاقية لم تحدد أبداً ما سوف يقوم بعد المراحل الانتقالية الطويلة. وبانعدام وجود هدف نهائي واضح، لن تكون هناك وجهة صحيحة للمراحل الانتقالية. لذلك قضت عملية أوسلو نحبها مع وفاة إسحق رابين.

تصادق "خارطة الطريق" على أن هناك إجماعاً دولياً حول هذه الأهداف. ستبقى هذه الحقيقة حتى لو لم ينتج عنها أي شيء. إن من يذكر من بيننا أنه قبل 35 سنة كانت هناك مجموعة صغيرة جداً في إسرائيل والعالم تؤيد هذه الرؤيا، يمكنه أن يرتاح لـ "خارطة الطريق" هذه، لأنها تعني بأننا قد أحرزنا نصرًا في نضالنا لكسب الرأي العام العالمي.

إلا أنه لا يجب علينا أن نبالغ: ففي هذه الاتفاقية يوجد أيضا فراغ كبير في تحديد الأهداف. فلم يتم فيها تعيين حدود الدولة الفلسطينية التي ستقام – لا بشكل مباشر ولا بشكل غير مباشر. لا يوجد في هذه الاتفاقية أي ذكر للخط الأخضر، وهذا لوحده يكفي لهدم البناء كاملاً. يتحدث أريئيل شارون عن دولة فلسطينية كع أربعين بالمائة من "المناطق" (الفلسطينية) – وهي أقل من تسعة بالمائة من فلسطين في فترة الانتداب البريطاني. من يؤمن بأن هذا سوف يأتي بالسلام فليتفضل. عند الانتقال من الشعر إلى القَصص، من قمة الأهداف إلى الطريق التي من شأنها أن تؤدي إلى هذه الأهداف، يزيد عدد الشارات التحذيرية. فهذه الطريق طويلة وملتوية، ومليئة بالحفر والعوائق. حتى الرياضي المتمرس والشجاع جدًا كان سيرتجف خوفاً لو طلب منه العدو على هذا المسار.

يتألف هذا المسار من مراحل مختلفة. يجب إنجاز أمور معينة في كل مرحلة. وفي نهاية كل مرحلة من هذه المراحل يجب على الطاقم الرباعي تحديد فيما إذا كانت قد نفذت كل الالتزامات، بهدف الانتقال إلى المرحلة التالية. في نهاية المطاف سيحل السلام المرجو بمشيئة الله.

حتى لو كان الجميع يتمتعون بنية صادقة حقاً، فلن يكون هذا الأمر بالسهل. وكما نذكر، عندما قرر رئيس الحكومة البريطاني دافيد لويد - جورج إنهاء الاحتلال البريطاني لإرلنده، قال: "لا يمكن اجتياز الهاوية بقفزتين فقط". بالمقابل يقترح مصممو "خارطة الطريق" اجتياز الهاوية الإسرائيلية - الفلسطينية بالكثير الكثير من القفزات القصيرة.

السؤال الأول: من هو الطاقم الرباعي، الذي يجب أن يقرر فيما إذا كان الطرفان ينفذان التزاماتهما في كل مرحلة من المراحل، بحيث يمكن الانتقال إلى المرحلة التالية؟

يظهر لأول وهلة أن هناك توازناً بين أربع جهات مختلفة: هيئة الأمم المتحدة، الولايات المتحدة، أوروبا وروسيا. هذا يشبه عملية التحكيم التي يختار كل طرف فيها الحاكم الذي يعجبه، ويختار الحاكمان اللذان تم اختيارهما حاكماً ثالثاً. ويتم التوصل إلى القرار وفق الأغلبية ويلزم الطرفين.

كان من الممكن لهذا الأمر أن ينجح. فأمريكا مقبولة لدى إسرائيل، وأوروبا وروسيا مقبولتان لدى الفلسطينيين. وسيكون ممثل الأمم المتحدة هو الحاكم الثالث وصاحب الحسم.

ولكن، لا حياة لمن تنادي. بحسب المستند، على التركيبة الرباعية أن تقرر بالإجماع. يتمتع الأمريكيون بحق الفيتو، وبذلك يتمتع شارون أيضًا بهذا الحق، وفي حال عدم موافقته فلن يتم شيء. كل كملة أخرى ستكون بمثابة زيادة لا حاجة بها.

السؤال الثاني: متى سينتهي هذا الوضع؟

ليس هناك جدول زمني ثابت وملزم للانتقال من مرحلة إلى أخرى. صحيح أن بعض التواريخ وردت في هذا المستند، غير أنه من الواضح أن هذا الأمر ليس جديًا تمامًا. فقد كان على المرحلة الأولى أن تبدأ في شهر تشرين الأول من عام 2002 وتنتهي في شهر أيار من عام 2003. في أحسن الأحوال سيتم عرض الوثيقة رسميًا على إسرائيل والفلسطينيين في شهر أيار، وعندها فقط ستبدأ المساومة. لا أحد يعلم متى (إن حدث ذلك بالفعل) ستبدأ المرحلة الأولى من التنفيذ. أما الآن...

يجدر بنا أن نتذكر: لقد تم تحديد الكثير من المواعيد في اتفاقية أوسلو، وقد تم نقض أغلبيتها (عادةً من جانب الطرف الإسرائيلي). وكما قال الراحل رابين: "ليست هناك تواريخ مقدسة".

السؤال الثالث: هل هناك موازنة بين التزامات الطرفين؟

يجب على الفلسطينيين، في المرحلة الأولى، إنهاء الانتفاضة المسلحة، وإقامة تعاون أمني وثيق مع الجيش الإسرائيلي والاعتراف بحق إسرائيل في الوجود. وفي نفس الوقت، على الفلسطينيين أيضاً تعيين رئيس حكومة ذي صلاحيات (وعملياً - إقصاء رئيسهم المنتخب، ياسر عرفات) والشروع بسن دستور يكون مقبولاً لدى التركيبة الرباعية.

وماذا على إسرائيل أن تفعل في هذا الوقت؟ عليها السماح لأصحاب المناصب الفلسطينية (ولهم فقط) بالتنقل من مكان إلى آخر، وتحسين الأوضاع الإنسانية، ووقف الهجوم على المناطق السكانية والكف عن هدم البيوت، وإعادة الأموال المستحقة لديها الى الفلسطينيين. وعليها أيضًا حل النقاط الاستيطانية، ولكن تلك التي أقيمت خلال فترة حكومة شارون فقط "والتي تناقض الخطوط الأساسية للحكومة" (من سيقرر ذلك؟) وليس هناك أي ذكر لإيقاف عملية الاستيطان في هذه المرحلة.

هل هناك من يؤمن بأن رئيس الحكومة "أبو مازن" سينجح في وضع حد لعمليات "حماس" و"الجهاد"، في حين لا يحظى بأي مقابل من الناحية السياسية، والمستوطنات آخذة بالتوسع كل يوم؟

بعد هذه المرحلة، يجب على الفلسطينيين إجراء إصلاحات في مؤسساتهم "على أساس ديموقراطية برلمانية قوية" (ويُمنع إقامة نظام أمريكي، لكي لا تكون لعرفات أي صلاحيات فعلية). وعندها فقط، ومع تقدم التعاون الأمني، ينسحب الجيش الإسرائيلي بالتدريج من النقاط التي تم احتلالها منذ الثامن والعشرين من شهر أيلول عام 2000. بما معناه أن هذا الأمر لن يحدث حالاً، وليس دفعة واحدة، بل "بالتدريج". ليس من مناطق B و C، إنما من مناطق A فقط. العودة إلى نفس المكان الذي تواجد الجيش فيه قبل اندلاع الانتفاضة.

دعوني، إذا سمحتم، استخدم النكتة اليهودية عن العنزة التي تم إدخالها إلى الغرفة المكتظة: يطلب من الجيش الإسرائيلي إخراج العنزة، ويطلب من الفلسطينيين إخراج الأب والأم.

بعد هذا كله، ستبدأ المرحلة التالية، وسيسن الفلسطينيون دستورًا وسيقومون بإجراء انتخابات حرة، وستعيد مصر والأردن سفيريهما إلى إسرائيل، وستجمد إسرائيل أخيرًا كل نشاطات الاستيطان.

يجب أن تنتهي المرحلة التالية "بإمكانية إقامة دولة فلسطينية ضمن حدود مؤقتة." أي أنه سيمر وقت طويل من حين إنهاء العمليات الانتحارية، حتى تقوم (ربما) دولة في حدود مناطق A. على هذه الأمور أن تتم، لأول وهلة، في نهاية عام 2003، ولكن من الواضح أن هذا (إن حدث) سيحدث بعد ذلك بكثير. هناك تطرق أيضًا إلى "نشاط آخر متعلق بالمستوطنات يكون توقيته متلازمًا مع إقامة الدولة بحدودها المؤقتة". ما هذا؟ إنه لا يكاد يكون حتى مجرد التزام بحل حتى مستوطنة واحدة، حتى ولو كانت منفردة ونائية.

بعد إتمام هذا كله، ستقرر التركيبة الرباعية (وفي هذه المرة أيضا بالإجماع، بموافقة الأمريكيين فقط) أنه قد حان الوقت لإجراء محادثات بين إسرائيل وفلسطين حول "الحل النهائي والكامل"، وسيتم التحدث من خلاله عن الحدود والقدس واللاجئين والمستوطنات. فإن وافق شارون أو وريثه على أن يكون هناك اتفاق، فسيكون، وإن رفض، فلن يكون.

الحقيقة ببساطة هي أنه لا توجد في هذه الاتفاقية كلمة واحدة لا يمكن لشارون الموافقة عليها. وبمساعدة بوش يستطيع شارون إفشال أي عملية في أي وقت يريد.

يمكن القول: "ضجة فارغة من المضمون". والبرهان على ذلك: شارون لا يكترث والمستوطنون لا يكترثون، وليس هناك من يغآل عمير جديد ليحشو مسدسه بالعيارات.

(مترجَم عن موقع "غوش شالوم" على الانترنت)

المصطلحات المستخدمة:

رئيس الحكومة

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات