في بداية حُكم آخر مختلف كليةً، كانوا يروون أن وزير الاعلام كان يضع مسدسًا على طاولة التحرير في جريدة يرغب في طرد محرريها. اليوم المسألة باتت أبسط بكثير. يكفي أن يتصل مدير عام سلطة البث عدة مرات لمعلق كبير في التلفزيون، أو من الأفضل أن يتصل بمحرر إخباري غير صلب، وإبداء إمتعاضه من لهجة التعليق. أمنون أبراموفتش، مثلا، واحد من آخر الأشياء الجيدة في القناة الأولى، الذي اختفى من هناك منذ هذا المساء، لم يكن بحاجة إلى هذا أيضًا لكي يترك. فهو لا يهاتف ردًا على هذه الأمور. كان يكفيه جو "المسدساتيات" الذي فرضه المدير العام، يوسف برئيل، في القناة الجماهيرية.
برئيل هو قصة إسرائيلية، جديرة لأجل ذلك، بالانتباه. فهو فشل ناجح، من ذلك النوع من التناقضات الممكنة في الخدمات الجماهيرية. بدأ مشواره في برامج التلفزيون بالعربية التي وجهها، كما لو كانت معدة لأبناء أفريقيا الجنوبية (وعندما كان يدخل إلى الغرفة كان يطلب من عاملي القسم أن يقفوا). من هناك تسلق إلى الادارة العامة عن طريق أروقة النفوذ في حكومات "العمل" و"الليكود"، اللذين لم يمتنعا عن إستغلال "راكب الدراجة". هكذا يسمي برئيلَ أحدُ كبار القناة الاولى، الذي بقي هناك مثل الكثير من زميلاته وزملائه، ليجلب القوت لأبناء عائلته. راكب كهذا يحرك بقوة للأسفل ويتنفس بصعوبة وخشوع أمام المسؤولين عنه من فوق. وكما يحدث مع كل كبار السلطة –وحتى أبراموفتش المستقيل- فإن هذا العامل لا يحلم بالتحدث بإسمه. من الأفضل له ألا يكون جريئًا في جو الخوف والمحاسبة الذي فرضه برئيل على القنوات الاعلامية المتلزمة بالابداع المفتوح.
قبل الانتخابات وبعدها تحدث برئيل مثل "وزير" في بلاط بيزنطي. قال إنه سيفعل ما "سيقوله لي رئيس الحكومة". المشكلة في أناس مثله في الخدمات الرسمية، أنهم مقتنعون جدًا بأن عليهم أن يتصرفوا هكذا، حتى خارج نطاق إعتبارات الطموح الشخصي. قبل عدة شهور حاول عضو في الهيئة العامة لسلطة البث، البروفيسور للاعلام، دان كاسبي، أن ينتقد بارئيل مع تعيينه كمدير عام. وقد أُسكِتَ عندما ذكر تقرير مراقب الدولة عن سوء إدارة خطير من جهة برئيل، وعدّد فشله وتبذيراته. وقد أنزلت به الهيئة العامة المسيّسة ضربات من كل جانب. وبقي وحيدًا مع عضو آخر، يوسي دهان.
أبرموفيتش ينضم إلى التدهور في روح القناة الأولى. تركه –وليس بسبب المال- محررون، منتجون ومراسلون من الأفضل في السوق، مثل ياعيل حِن، أمنون بركائي وشلومي إلدار. وقد انصرفوا نتيجة جو الانهزامية، الاملاءات و"التلحيس" للأعلى. وقد اشتكى بروفيسور كاسبي أيضًا من صمت الأكاديمية ومجموعات فكرية أخرى ويسمي ذلك "شللا دماغيًا". "أنا أعرف ذلك جيدًا أكثر من الباقي"، رمز مرةً للمرض الذي هاجمه قبل سنوات. وهناك من سمع أبراموفتش، الذي سينتقل إلى القناة 10 على ما يبدو، يصف القناة الأولى كخليط من "قناة المستفيدين" الفاشلة، القناة 33، وقناة فاشلة أخرى من صنع بارئيل، القناة الفضائية الاسرائيلية، "الشرق الأوسط"، اللتين تبثان "لا شيء" بميزانيات تصل إلى عشرات كثيرة من ملايين الشيكلات سنويًا. ولكن برئيل، في الـ 68 من عمره، المتقاعد- المدير والإشكالي أيضًا بسبب التضارب بين طموحاته وادعاءاته وبين محدودياته الشخصية، ليس إلا مثلاً.
في دولة تحارب فيها الثقافة ضد الاحتقار الموجه ضدها من تيارات سياسية قوية، فإن ما يحدث في القنوات الجماهيرية يحيد عن تعريف "فضيحة ببث حي ومباشر". برئيل ممكن فقط لأن غالبية الحكومات، وبشكل أخص منذ تولي يوسف (طومي) لبيد منصب المدير العام لسلطة البث بعد إنقلاب 1977، تصرفت بشكل دكتاتوري حقيقي في تنظيم بث يجب أن يكون مستقلاً. وقد ألقت هذه الحكومات تقارير مفصلة وعلمية إلى سلة المهملات، ومن بينها تقريران لمديرين عامين سابقين، ارنون تسوكرمان ويتسحاق ليفني، اللذين أوصيا بالتفصيل بكيفية تقريب السلطة التبذيرية والفاشلة، إلى موديل "القناة 4" البريطانية، على الأقل.
وبدلا من ذلك، يغوص مدير عام غير مؤهل في مستنقع من المصالح، التملق، الفظاظة الادارية والتعفن. لقد انعدمت مثلا التقارير المستقلة من المناطق (المحتلة) في التلفزيون، تقريبًا. وقد سرّعت المكالمات الهاتفية لمراسل المناطق الممتاز (شلومي) إلدار، بعد النشرة الاخبارية، من هربه إلى القناة 10. وقد تلقى محرر مناوب في "صوت إسرائيل"، عن طريق الإملاء، خبرًا للبث من سكرتيرة في مكتب رئيس الحكومة. وهناك خطر يحوّم فوق معلقين لا "يعملون حسابًا"، مثل عوديد غرانوت. وحاييم يفين، الصامت الأزلي، سيستقيل في الصيف. ولن يحل محله إلا من يحظى برضى المدير العام عن مرونته، كما حظي بدعمه المرشح لمنصب مدير الراديو الجماهيري، المراسل السياسي يوني بن مناحيم، الذي يُعد بوقًا لمكتب رئيس الحكومة.
هذه الجرثومة معدية وخطيرة. وهي تتغلغل أيضًا في التلفزيون التجاري. وقد صارت نشرة الاخبار في القناة الثانية، مشابهة بالكثير من الأشياء لمنافستها في التلفزيون الرسمي، من دون أي مسدس حكومي على الطاولة. وذلك ينبع من الصبوة لـ "الريتنغ" (نسب المشاهدة- المحرر) ومغازلة صورة ضبابية للاجماع المعني، لأول وهلة، ببثّ الحقيقة. روني دانيئيل، مثلا، هو معلق عسكري قابل للتبديل بممثل عن الناطق العسكري. ومع مشاهدة غالبية الجمهور البالغ في ساعات المشاهدة القصوى، فإن عملية غسل الدماغ هذه تتحول بمثابرة إلى عنصر حاسم ومريح في بلورة الوعي الاسرائيلي.
(هآرتس 7 آذار، ترجمة: "مدار")