أريئيل شارون يشبه لاعبي الورقات الثلاث الذين يعرضون قدراتهم على ارصفة الشوارع في المدن الأوروبية، فهم يفتحون أمامك ثلاث ورقات لعب، ثم يقلبونها ويقترحون عليك ان تتكهن مكان الورقة التي اخترتها. تكون متأكدا من مكان الورقة - ولكنك تخطئ دائما.كيف يفعل ذلك؟ الأمر غاية في البساطة: انه يتكلم بدون انقطاع لتمويهك لبرهة قصيرة - وفي هذه الأثناء يقوم بتغيير مكان الأوراق.
لذا، يجب ألا نأبه أبدا لكلام شارون، فالهدف الوحيد من كلامه هو تمويهنا، يجب أن ننظر إلى يديه، وألا نلتفت إلى أي مكان آخر ولو لبرهة.
لو عاش شارون في عهد فولتير، لاعتقدنا أن الفيلسوف الفرنسي كان يقصده عندما قال: "انهم يستخدمون الأفكار ليمنحون مصداقية لجورهم، ويستعملون الكلمات لإخفاء أفكارهم." لم يتغير ذلك منذ أن كتب دافيد بن غوريون، وهو أول من دفع مستقبل شارون المهني إلى الأمام، في يومياته قائلا بان شارون هو كاذب معروف. إلا أن كلمة "كاذب" لم تكن في مكانها، لأن لاعب الورقات الثلاث على الأرصفة ليس بكاذب، فهو يستخدم الكلمات كأداة عمل، كما يستخدم الجندي قنبلة الدخان.
شارون ثرثر طيلة ثلاثة أشهر حول رغبته في إقامة "حكومة وحدة وطنية"، يكون فيها حزب العمل بمثابة حجر الزاوية. وكان شارون يقول انه امر ضروري، لكي يتسنى له سلوك طريق السلام. هذا الشعار كان في مركز حملته الانتخابية. العديد من الناس صوتوا إلى جانبه لكي تقوم حكومة برئاسته، يشكل حزب العمل فيها عنصرا أساسيا. (كثيرون صوتوا إلى جانب حزب <شينوي> الذي وعد هو أيضا بحكومة <علمانية> برئاسة شارون وحزب العمل.)
الآن أصبح واضحاً ان كلام شارون لم يكن سوى ستار من الدخان، ففي نهاية المطاف شكّل شارون الحكومة التي كان ينوي إقامتها: حكومة يمينية متطرفة، حكومة تنفذ كل الأعمال التي تختبئ من وراء الكلمات. وكان يمكن أن يوافق، على الأغلب، على حبس حزب العمل داخل الحكومة، مكبل اليدين والرجلين، وليُستخدم كداعية إلى الاستقامة لدى عديمي الاستقامة.
علينا ان نثني على عمرام ميتسناع لعدم وقوعه في الفخ. حين حاول شارون تمويهه بواسطة ثرثرته حول السلام، طلب منه متسناع تقديم مستندات مكتوبة والتوقيع عليها، فقام شارون بقذفه إلى الخارج.
لو تم الإعلان عن مناقصة في إسرائيل لاقتراح اكثر العنصريين المعادين للفلسطينيين تطرفًا لفاز بها أريئيل شارون وإيفي إيتام وأفيغدور ليبرمان وطومي لبيد. ويا للصدفة! ها هم الأربعة هؤلاء، يشاركهم بيني ألون أيضا، كما لو صدفة، أكبر أربعة شركاء في الحكومة الجديدة. (كان يمكن ان يشارك في هذه المناقصة أيضا بيني إلون وبنيامين نتانياهو وإهود أولمرط وتساحي هنغبي وعوزي لنداو، وكلهم وزراء في الحكومة الجديدة.)
لم تنته القصة عند تشكيل الحكومة، فما هذه إلا بدايتها. وإثباتا على ذلك: في الكنيست ختم شارون خطابه الذي قدم فيه حكومته، باعتراف شخصي مؤثر: في السادسة والسبعين من عمره، لا يطمح إلى شيء سوى ان يقدم إلى شعبه الهدوء والسلام، وعندما يتحدث شارون عن السلام من المفضل النزول إلى الملاجئ.
الآن، وفي وقت وضعت فيه الأوراق مكشوفة مرة أخرى على الرصيف، ادرك المحللون في اسرائيل والعالم أنهم اخفقوا مرة أخرى في تكهناتهم. هذه اكثر حكومة يمينية واكثر حكومة عنصرية واكثر حكومة متطرفة وأكثر حكومة قتالية في إسرائيل حتى الآن. لو قامت في أوروبا حكومة تضم جان ماري له بان الفرنسي ويورغ هايدر النمساوي وجرينوفسكي الروسي وبورتاون الهولندي، لبدت ليبرالية معتدلة مقارنة بهذه الحكومة. لأن هؤلاء الأوروبيين يمكنهم التمويه فقط، وأما شارون وشركاه فينوون التنفيذ.
هذه حكومة مستوطنين. وقد حصل ممثل المستوطنين إيفي إيتام على أهم وزارة بالنسبة للمستوطنين وهي وزارة الإسكان التي سوف تبني آلاف المنازل الجديدة في المستوطنات. ناهيك عن أن شارون لن يجمد المستوطنات، فسوف يزيد البناء فيها اكثر فأكثر.
هناك من يدعي بان المستوطنين يشبهون <ذيل كلب يهتز>، وان قلة من الجمهور تفرض إرادتها على الحكومة. هذا خطأ فادح في النظر إلى الأمور، فحكومة شارون ترى في المستوطنين طلائعيين، والمستوطنات هي أهم سلاح في الحرب ضد الشعب الفلسطيني.
هناك من يدعي أيضا بأنه ليس لشارون رؤيا مستقبلية. بالتأكيد لديه رؤيا كهذه. انه يريد فعلا الدخول إلى التاريخ كمن حقق تطلعات الأجيال. ولكنها ليست رؤيا السلام، الذي يثرثر عنها شارون صباح مساء. إنه لا يأبه للسلام أبدًا وهو مجرد قشرة بصل بالنسبة له. انه يطمح إلى الهدف الذي يراه بمثابة أهم الأهداف: تجسيد الصهيونية كما يفهمها هو، وإقامة الدولة اليهودية في كافة مناطق "أرض إسرائيل" الموجودة غربي نهر الأردن على الأقل، من البحر إلى النهر. وإذا كان الأمر ممكناً، فليكن بدون العرب.
عندما ندرك ان هذا هو الهدف، نرى بأن تركيبة حكومة شارون هي تركيبة معقولة للغاية. فقد تمت حياكتها حسب المقاس تماماً. شارون على رأس هذه الحكومة والجيش بين أيدي شاؤول موفاز، المقاتل الأشرس ضد العرب. الشرطة بين يدي تساحي هنغبي، وهو بلطجي بدأ حياته السياسية بمجزرة ضد طلاب عرب. بناء المنازل في المستوطنات بين يدي إيفي إيتام. الطرقات بين يدي المستوطن أفيغدور ليبرمان. والمالية التي عليها تمويل الحرب والمستوطنات بين يدي نتانياهو.
في أول خطاب اقترح عمرام ميتسناع على شارون ان يتوقف عن مقارنة نفسه بديغول. منذ عشرات السنين يحاول شارون تشجيع المحللين في البلاد والعالم ببث الأسطورة حول قرب اكتشاف الجنرال المتمرس في الحرب على أنه النسخة الإسرائيلية من الفرنسي الكبير، الذي سلم الجزائر كلها إلى <الإرهابيين> وأخرج المستوطنين الفرنسيين منها.
شارون – ديغول؟ دعوا الثرثرة، وانظروا إلى اليدين.
(مترجم عن موقع اوري افنيري على الشبكة)