المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

لدى ترشحه لولاية ثانية، تبجح رئيس الوزراء أرييل شارون مرات عدة "بالصداقة العميقة" التي بناها مع ادارة بوش وسماها "تقرباً مميزاً". وشكر الرئيس بوش لتفهمه حاجات اسرائيل الامنية ولتأمين "حرية التصرف اللازمة في حربنا الجارية ضد الارهاب". كما أثنى على اقتراحات بوش الاخيرة بالتوصل الى اتفاق سلام فلسطيني اسرائيلي، وهو خطة قال شارون إنه اتفق عليها مع بوش(...).جاءت نقطة التحول أواخر حزيران، عندما تبنى بوش وجهة نظر شارون حول الفلسطينيين وجعل من اطاحة ياسر عرفات كقائد للسلطة الفلسطينية شرطاً للديبلوماسية المستقبلية. كان هذا "تحولاً واضحاً في السياسة" بحسب كينيث أر. واينشتاين، مدير مكتب واشنطن لمؤسسة هادسون ومحافظ يدعم اسرائيل والليكود. وافق رالف ريد رئيس حزب جورجيا الجمهوري والمدير الاسبق للتحالف المسيحي، على ان خطاب حزيران كان "نقطة الانطلاق".

منذ ذلك الحين، اصبحت السياسة الاميركية تتماشى خطوة بخطوة مع سياسة شارون. فعملية السلام "هامدة" بحسب قائد البحرية المتقاعد انطوني زيني، مبعوث بوش الخاص الى المنطقة. واضاف "بدأت أغرق في سبات". وفي كانون الاول، عين بوش متشدداً حازماً في انتقاده لعملية السلام التقليدية هو إيليوت أبرهامس، مدير شؤون الشرق الاوسط في مجلس الامن القومي.

"الليكوديون يديرون بالفعل الامور الآن"، بحسب ما قاله مسؤول حكومي رفيع المستوى، مستخدماً لفظة يديشية لوصف مناصري حزب شارون السياسي. وقد وافق نيومان على أن تعيين أبرهامس مهم رمزياً، أقله لأن وجهات نظر أبرهامس تشاطرها رئيسته، مستشارة الامن القومي كوندوليزا رايس، ونائب الرئيس تشيني ووزير الدفاع دونالد رامسفيلد. واضاف "إنه تكتل قوي".

أبرهامس مساعد سابق لوزير الخارجية في ادارة ريغان أدين وفق فقرتين اتهاميتين بالكذب امام وزارة الدفاع في فضيحة ايران - كونترا، ثم عفا عنه الرئيس جورج بوش الأب. في تشرين الاول ،2000 كتب أبرهامس: "القيادة الفلسطينية لا تريد السلام مع اسرائيل، لذا لن يحل السلام".

ميراف وورمسر من مؤسسة هادسون والتي تشاطره هذه النظرة قالت: "ان تعيين إيليوت اشارة الى أن المتشددين في الادارة يضطلعون بدور أكثر مركزية في بلورة السياسة". واضافت إن "المتشددين مجموعة فريدة من نوعها. فصقور الادارة في الواقع اشخاص هم أكبر مؤيدين للديموقراطية والحرية في الشرق الاوسط". وكانت تشير الى فكرة ان تشجيع الديموقراطية هي افضل طريقة لضمان أمن اسرائيل لأن امكان مهاجمة الدول الديموقراطية لدولة مجاورة اقل ترجيحاً من احتمال مهاجمة الديكتاتوريات. وقد حاول أتباع هذه النظرة ان يبرهنوا ان انشاء فلسطين ديموقراطية وعراق ديموقراطي قد يكون له تأثير ايجابي على المنطقة بأكملها.

بعض الجهات في الشرق الاوسط التي لا تتفق مع مناصري اسرائيل تشير اليهم على أنهم "عصبة متآمرة" بحسب كلمات أحد المسؤولين السابقين. فلا يخفي اعضاء المجموعة صداقاتهم وعلاقاتهم او ولاءهم للمواقف القوية التي تدعم اسرائيل والليكود.

أحد معلمي أبرهامس، ريتشارد بيرل، رئيس مجلس سياسة الدفاع في البنتاغون، قاد مجموعة عمل اقترحت على بنيامين نتنياهو، رئيس وزراء اسرائيل الليكودي من العام 1996 وحتى العام ،1999 أن يتخلى عن اتفاقات أوسلو للسلام التي تم التفاوض في شأنها في العام 1993 ويرفض الاساس الذي قامت عليه - فكرة مقايضة "الارض مقابل السلام". وقد اقترح تقرير العام 1996 أنه "على اسرائيل أن تصر على اعتراف العرب بمطالبتها بتوراتية ارض اسرائيل وان تركز على إطاحة صدام حسين من السلطة في العراق".

الى جانب بيرل، تضمنت مجموعة العمل دايفد وورمسر الذي يشغل الآن منصب مساعد خاص لمساعد وزير الخارجية جون بولتون ودوغلاس فايث مساعد وزير الدفاع الحالي للشؤون السياسية. وقد كتب فايث بإسهاب حول المسائل الاسرائيلية العربية لسنوات مناقشاً أن حق اسرائيل بالمطالبة بأراضي الضفة الغربية التي استولت عليها بعد حرب الستة ايام شرعي بقدر ما هو شرعي حق مطالبتها بالاراضي التي شكلت جزءاً من دولة اسرائيل التي أنشئت في العام 1948 تحت وصاية الأمم المتحدة. وقد رفض كل من بيرل وفايث وأبرهامس أن يُسألوا حول ذلك.

وقد كرر رامسفيلد تحليل مجموعة بيرل في تعليق صغير كتبه لموظفي وزارة الدفاع في آب الماضي حول "ما يسمى بالاراضي المحتلة". فقال رامسفيلد: "اندلعت حرب (في العام 1967)، وحضّت اسرائيل الدول المجاورة على ألا تتورط فيها... لكنها كلها سارعت الى المشاركة وفقدت العديد من الاراضي لمصلحة اسرائيل لان اسرائيل تفوقت في هذا النزاع. خلال هذه الفترة، انشأوا بعض المستعمرات في بعض اجزاء ما يسمى المنطقة المحتلة، التي كانت نتيجة للحرب التي ربحوها".

عندما بلغت القضية مكتب الرئاسة، كانت ادارة بوش غير أكيدة ومنقسمة احياناً بقسوة حول سياسة الشرق الاوسط، وفق مصادر عدة. فوزارة الخارجية مارست ضغوطات في سبيل استمرار المفاوضات والضغط على شارون للحد من نطاق رده العسكري على الانتحاريين الفلسطينيين، فيما فضلت وزارة الدفاع ومكتب نائب الرئيس ان يظهروا تشجيعاً أكبر للاسرائيليين واهتماماً اقل بعملية سلام التي قالوا إنها لا تقود الى أي مكان بأي طريقة كانت. اختار بوش ألا يتورط شخصياً في الديبلوماسية الشرق الاوسطية.

لكن الادارة قامت بسلسلة من التصريحات والافعال التي تهدف الى لجم رد شارون على العمليات الانتحارية واعادة التأكيد على سياسة الولايات المتحدة التقليدية بضرورة وقف النشاط الاستيطاني الاسرائيلي. ونزولاً عند إلحاح ولي العهد السعودي الامير عبدالله، تبنى بوش علناً فكرة دولة فلسطينية.

لكن نقاشاً داخلياً قسم الادارة مما استدعى تدخل مجموعة من الخبراء والمنظمات اليهودية والمسيحيين الانجيليين ذات الاهتمام الكبير بالشرق الاوسط. وفيما تكتلت بعض المجموعات وبينها "اميركيون من اجل السلام" الآن ضد سياسات شارون الصارمة والى جانب المفاوضات، تبنى معظم المنظمات والافراد الذين سعوا للتأثير في هذه المسائل خطاً أكثر تشدداً، ودعموا شارون. وعلى مر السنوات الاثنتي عشرة الماضية وأكثر، تبوأ مناصرو حزب شارون الليكودي ادواراً قيادية في معظم المنظمات الاميركية اليهودية التي تؤمن الدعم المادي والسياسي لاسرائيل. لقد دعم اصدقاء اسرائيل في وزارة الدفاع شارون. وفي تشرين الثاني ،2001 وقع 89 سيناتوراً من اصل 100 رسالة لبوش يطالبون فيها الادارة بألا تحاول لجم اسرائيل عن استعمال "كامل قوتها وقدرتها" رداً على الهجمات الفلسطينية الانتحارية. وقال الموقعون إنهم يريدون إقناع بوش بمنع وزير خارجيته كولن باول من الضغط على شارون.

عمليا، يوافق كل المشاركين في هذه النقاشات على ان عرفات ساهم شخصيا في تصلب موقف بوش خلال السنتين الاخيرتين. وقد قال ديبلوماسي عربي رفيع المستوى انه قبل استلامه سدة الرئاسة في العالم ،2001 حضى بوش عرفات سرا على القبول بتسوية شاملة اقترحها عليه سلف شارون ايهود باراك في كانون الثاني ،2001 لكن عرفات رفض هذا الاقتراح. وقد تسببت سلسلة من الاحداث شعر خلالها بوش ان عرفات يتصرف بطريقة غير ملائمة بإفساد العلاقة بين الاثنين. وقد رفض بوش باستمرار لقاء عرفات الذي التقى بكلينتون احدى وعشرين مرة. وشهرا تلو الشهر، اخذ المسؤولون الاميركيون يلومون عرفات على الفشل في تفادي الهجمات الانتحارية في اسرائيل.

بعد الهجمات الارهابية في الحادي عشر من ايلول ،2001 بدأ شارون مباشرة محاولة اثبات ان اسرائيل والولايات المتحدة تحاربان العدو نفسه، الارهاب الدولي. وعلى مر الاشهر التي تلت - وقد شهدت تصعيدا للعنف في اسرائيل والضفة الغربية - تقرّب بوش وشارون اكثر واكثر من بعضهما البعض شخصيا وسياسيا. ومع نهاية العام الماضي، كان الاثنان قد التقيا سبع مرات وتكلما في مناسبات عدة عبر الهاتف (شارون هو الذي يتكلم معظم الوقت بحسب المسؤولين الاسرائيليين) ويقول مسؤول رفيع في ادارة بوش ناقدا: "تلاعب شارون بالرئيس كما لو انه يعزف الكمان: "انا اقاتل في حربك، فالارهاب هو الارهاب" وهكذا... لقد كان شارون معلما". الحاخام ياكيل اكشتاين، وهو شخصية بارزة في العلاقات اليهودية المسيحية الانجيلية لعقدين، قدم وصفا اكثر تعاطفا مع تحيز بوش لاسرائيل وشارون. فقال: "تصدر سياسة الرئيس بوش من صميمه كمسيحي ومن تصوره للصح والخطأ والخير والشر والحاجة للوقوف والقتال في مواجهة الشر. واعتقد شخصيا ان هذا التصرف شخصي وليس مناورة سياسية من جانبه".

وتشير مختلف المصادر الى ان السياسة قد لعبت دورا ما. وقال غاري بوير وهو ناشط مسيحي انجيلي ومرشح جمهوري للرئاسة للعام 2000 انه والانجيليين الذين يتناغمون معه فكريا قد شنوا حملة قوية لدعم اسرائيل وسياسات شارون الصارمة. واضاف بوير "اعتقد انه كان لدينا بعض التأثير".

ثمة محافظ جمهوري مسيحي آخر جعل من اسرائيل قضية هو قائد الغالبية في البرلمان توم ديلاي Retex. في نيسان الماضي، خلال تحدثه الى مجموعة يهودية في واشنطن، سمى ديلاي اسرائيل "ينبوع الحرية الوحيد" في الشرق الاوسط، ودعم احتفاظ اسرائيل بالاراضي المحتلة. وقد اشار الى الضفة الغربية بالاسماء التوراتية، اليهودا والسامرة، والتي غالبا ما يستخدمها الاسرائيليون الذين يعتبرونها جزءا من اسرائيل. اما الكاهن ريتشارد لاند من المؤتمر المعمداني الجنوبي، فقال ان البيت الابيض ومديره السياسي كارل روف، يعرفون "كم هو مهم الدعم الانجيلي لهم ولحزبهم" ويعرفون قوة دعم الانجيليين لاسرائيل. واضاف لاند "نحتاج لمباركة اسرائيل اكثر مما تحتاج اميركا الى مباركة اسرائيل، لان اسرائيل تحظى بحليف اكثر عظمة بكثير من الولايات المتحدة الاميركية هو الله عز وجل".

"هذا ليس حزب والدك الجمهوري" يقول جايمس زغبي، رئيس المؤسسة العربية الاميركية في واشنطن الذي يحاول ان يثبت ان الادارة تخسر قدرتها على التصرف كوسيط صادق في الشرق الاوسط عبر الانحياز الى اسرائيل. "ثمة تزاوج هنا بين اليمين الديني والمحافظين الجدد" مشيرا الى المتشددين المثقفين كأبرهامس وبيرل اللذين عملا للديموقراطيين قبل التحاقهما بإدارة ريغان. ثمة اعتبار سياسي آخر يتعلق بالناخبين اليهود الذين يشكلون تقليديا جزءا من الناخبين الديموقراطيين. وقد اشار ريد، الرئيس الجمهوري في جورجيا، انه يرى ثمة امكان لبدء انتقال الناخبين اليهود وبخاصة الشباب منهم الى الصف الجمهوري في ،2004 ومن احد اسباب هذا الانتقال دعم بوش لاسرائيل. وقال ريد "يبدو جليا ان شيئا ما يحدث هنا - انه واقعي وملموس وقد يكون له تأثير حقيقي." لقد حصد بوش 19% من اقتراع اليهود في العام ،2000 ويقول ريد انه قد يحصل على 30% في 2004(...).

("النهار"، بيروت، عن "الواشنطن بوست")

المصطلحات المستخدمة:

بنيامين نتنياهو, دولة اسرائيل, باراك, دورا

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات