المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • مقالات مترجمة
  • 1426

بقلم: يوسف الغازييضطر العمال الفلسطينيون من الضفة الغربية وقطاع غزة، الذين يعملون في اسرائيل بموجب تصاريح وتدفع عنهم رسوم التأمين الوطني، الى اجتياز طريق محفوف بالعوائق الصعبة عند قدومهم للحصول على مستحقاتهم او تعويضاتهم المترتبة على اصابات العمل.

 

فالوصول الى مكاتب التأمين الوطني، حيث يتطلب الامر المثول امام اللجان الطبية، يعد اقرب الى المستحيل جراء الاغلاقات المتتالية وما يواكبها من حظر دخول لاسرائيل. حتى العمال الذين توجد في حوزتهم تصاريح دخول ليوم واحد يتم توقيفهم احيانا على الحواجز وكثيرا ما يضطرون للعودة الى بيوتهم بخفَّي حنيين.

منسق الاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين في منطقة قلقيلية محمود عمار (ابو شادي) قال متذمرا ان <معالجة قضايا العمال من قبل مؤسسة التأمين الوطني تمتد لسنوات عديدة .. والى ان يتم تسويتها فان مصيرهم و مصير عائلاتهم العيش في عوز بل وجوع>.

العامل أ. ج من مواليد بلدة فلسطينية في منطقة طولكرم، عمل سنوات طويلة كعامل بناء وترميمات لدى عدة مقاولين في منطقة نتانيا. وقد عمل لدى البعض منهم لفترات زمنية طويلة ما يدل على ان رؤساءة في العمل كانوا راضين عن عمله. في السنوات السابقة لتوقيع اتفاق اسلو واقامة السلطة الفلسطينية جرى تشغيل أ.ج عن طريق مصلحة التشغيل (مكتب العمل) التابعة للادارة المدنية الاسرائيلية، ولذلك تم خصم دفعات ثابتة من اجرته لحساب ضريبة الدخل والتأمين الوطني.

ظهر يوم الجمعة، الثاني من اكتوبر 1992، كان أ.ج يعمل قرب شاطئ البحر في نتانيا، حيث عكف على تركيب سقالة على بناية قديمة تمهيدا لترميمها. واثناء وقوفه على الدرجة الثالثة من السقالة، على ارتفاع ستة امتار تلقى ضربة قوية في رأسه جراء ارتطامه بقضيب فولاذي، ففقد أ.ج جراء ذلك وعيه وسقط عن السقالة، ولم يعد الى وعيه الا بعد ان صب احد العمال ماء باردا على رأسه، فعاد ليستأنف عمله. ولكن عند عودته الى بيته شعر أ.ج بالم شديد في مكان اصابته برأسه. الطبيب الذي فحصه مساء اليوم ذاته اذن له باجازة مرضية لمدة 29 يوما. وفي نهاية تموز 1993 قدم أ.ج بمساعدة فرع الاتحاد العام لنقابات العمل في قلقيلية وجمعية <خط العامل> في تل ابيب طلبا لؤسسة التأمين الوطني (الاسرائيلية) للحصول على تعويضات اصابة حادث عمل. بعد مرور سنة دفع له مبلغ 782 شيكل فقط كتعويض عن الاصابة .. عاد أ.ج للعمل، ولكن بسبب صحته المعتلة والاغلاقات التي فرضت على الناطق الفلسطينية تقلصت ايام عمله بصورة حادة، واقيل من عدة اماكن عمل فيها ما ادى لانخافض دخله وتردي مستوى معيشة اسرته المكونة من ستة انفار. اضطر أ.ج اثر ذلك للعمل كأجير في بقالة بالبلدة التي اقام فيها. ولما ضاق به الامر توجه مجددا الى جمعية <خط العامل> في تموز 1999 ليقدم بمساعدتها طلبا للتأمين الوطني بتحديد درجة عجز عن العمل ودفع مكافاة (تعويض) عجز عمل، معللا طلبه بانه يعاني من الام في راسه ودوار( دوخة) واحيانا من ضعف في الرؤية واشار في طلبه الى ان ارباب عمل محتملين رفضوا تشغيله بسبب حالته الصحية المتردية.

وكان طبيب من نابلس اوصى بتحديد نسبة عجز جزئية ابدية لـ ا ج بدرجة 20%. في ملف أ.ج في مكاتب <خط العامل> توجد نسخ من رسائل خطية ارسلت الى التأمين الوطني منذ تموز 1999 تطالب باستدعاء أ.ج للمثول امام لجنة طبية لتحدد له نسبة عجز ومكافأة تعويض وفي نيسان 2001، وبعد توجهات خطية وتليفونية كثيرة، ابلغت مؤسسة التأمين في نتانيا جمعية <خط العامل> بأن ملف أ.ج <مفقود> فاضطرت الجمعية عندئذ الى تقديم الطلب مجددا مرفقا بنسخ الوثائق التي توفرت بحوزتها. غير ان طريق الالام والمعاناة الناجمة عن البروقراطية لم ينته. ففي الرابع من يناير 2003 ارسلت مؤسسة التأمين الوطني رسالة الى أ.ج دعي فيها للمثول بتاريخ 29 من الشهر نفسه لفحص طبي لدى طبيب مختص في نتانيا وذلك فيما يتعلق بطلبه الحصول على منحة عجز من العمل... لكن هذه الدعوة وصلت متأخرة جدا وبعد فوات الاوان، اذا لم يعد أ.ج بين الاحياء....

احد اشقائه قال ان ارملة أ.ج واطفاله الاربعة ظلوا دون معيل. جمعية <خط العامل> ابلغت في يناير من العام الحالي فرع التأمين الوطني في نتانيا عن موت أ.ج واحتجت الجمعية على التسويف والمماطة في معالجة طلبه الحصول على تعويض عجز عمل. وفي هذه المرة اعطت الجهات المسؤلة في التأمين الوطني ردا سريعا تذرعت فيه بان الشخص المعني دعي مرتين للمثول لفحص لدى طبيب مختص لكنه لم يحضر وان مؤسسة التأمين وبعدما علمت بموت الرجل ستدرس امكانية تحديد درجة عجز له حسب الوثائق الموجودة في ملفه؟!

في مكاتب جمعية <خط العامل> توجد عشرات الملفات المتعلقة بعمال فلسطينيين من سكان المناطق الفلسطينية، يعانون من اصابات عمل، لايزالون بانتظار معالجة مؤسسة التأمين الوطني لطلباتهم بالحصول على تعويضات.

وكانت نسبة العمال الفلسطينيين العاملين في اسرائيل سواء العمال المنظمين او غير المنظمين – قد انخفضت منذ اندلاع االانتفاضة الحالية بنحو 80% وفقا لتقديرت اتحاد نقابات عمال فلسطين. غالبية العمال <المنظمين> هم من النساء والرجال من كبار السن الذين يعملون في الزراعة والاعمال الموسمية وقطف الحمضيات.

في الاماكن التي لاتوجد فيها مكاتب ارتباط وتنسيق اسرائيلي – فلسطيني يتوجه العمال مباشرة الى مكاتب الادارة المدنية بطلب للحصول على تصاريح عمل في اسرائيل. ويتم اصدار تصاريح العمل والدخول لمدة ثلاثة اشهر لاتجدد تلقائيا. وعندما تكون نسبة ايام العمل الفعلية في الشهر منخفضة فان الدخل الشهري المتوسط يكون منخفضا ايضا. بموجب معطيات التأمين الوطني فقد دفعت في الشهر ايلول 2000 مخصصات تأمين لـ 30,608 عمال فلسطينيين من الضفة الغربية وقطاع غزة. في شهر ديسمبر 2002 كان عدد العمال 17563. ورغم توفر شبكة الحواسيب المتطورة فان مؤسسة التأمين الوطني تدعي بأنه لايمكن تبيان معطيات حول عدد الطلبات المقدمة لتحديد درجات عجز لفلسطيين من سكان الضفة والقطاع والذين دفعت عنهم رسوم تأمين وطني. وحسب مايقوله <ابو شادي> فان عدد العمال الفلسطينيين العاملين في اسرائيل يفوق العدد الرسمي الذي تتحدث عنه مؤسسة التأمين الوطني، اذ ان هذا الرقم لا يشمل العمال <غير المنظمين> الذين لا يدفع ارباب عملهم ضريبة دخل ورسوم تأمين وطني عنهم. ويضيف ان اصحاب العمل يتخلون عن هؤلاء العمال عند تعرضهم لاصابات عمل، اما التأمين الوطني فلا يعترف بمستحقاتهم الا بعد اجراء تحقيق للتأكد من وجود علاقات عمل رسمية وان هؤلاء العمال اصيبوا بالفعل في حوادث عمل.

وبحسب قول <ابو شادي> فان محاولة مصابي العمل الفلسطينيين الحصول على حقوقهم من التأمين الوطني تعتبر <مهمة شبه مستحيلة وغير محتملة>، لا سيَّما جراء الاغلاقات المتتالية وحظر الدخول الى اسرائيل. ويضيف: <كثيرًا ما يتعذر على العمال مصابي العمل المثول امام اللجان الطبية التابعة للتأمين الوطني او مداولات محاكم العمل، وذلك لأسباب خارجة عن ارادتهم ومن هنا فانهم لايتمكنون من الحصول على حقوقهم بل وتفرض عليهم احيانا غرامات مالية لعدم تمكنهم من المثول امام اللجان الطبية ومحاكم العمل التي تنظر في قضاياهم>.

المتحدث باسم مؤسسة التأمين الوطني يعقب على ذلك بقوله ان المعابر بين الضفة الغربية وقطاع غزة وبين اسرائيل لاتخضع لمسؤولية مؤسسته، مشيرا الى ان عمال غزة الذين يصابون في العمل وتدفع عنهم رسوم تأمين وطني في اسرائيل يستطيعون رفع دعاوي عن طريق مديرية التنسيق والارتباط في حاجز ايرز، في حين يمكن لعمال الضفة الذين يوجد لهم محامي في اسرائيل متابعة شكاويهم بواسطة المحامي.

(يوسف الغازي، "هآرتس"، 21 شباط، ترجمة: "مدار")

 

المصطلحات المستخدمة:

التأمين الوطني, نتانيا, هآرتس

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات